الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

سلامة عبد الحميد يكتب: إديني عقلك








الحفاظ على العقل في هذا الزمن يحتاج قوة وثباتا، كلنا يحاول أن يحافظ على عقله، لكن بعضنا لا يستطيع.
تقوم في مصر ثورة على حكم عسكري استمر 60 عاما، يشارك فيها مئات آلاف المواطنين، بينما الملايين تلعنها وتلعن المشاركين فيها وتعتبرهم خونة وعملاء، يغادر الرئيس الحكم، فيهتف الملايين للثورة الطاهرة والثوار الأبطال.
ينتخب الشعب رئيسا مدنيا لأول مرة، لا يحقق الرئيس ما ينتظره الشارع، محملا بأعباء وحسابات، ومحاطا بعملاء ومؤامرات. يشارك ملايين في ثورة مضادة ويعيدون حكم العسكر، الحكم العسكري الجديد يقرر أن يعاقب الجميع حتى لا يتجرأ أحد على الثورة مجددا.. لا تتعجب.
في الجوار، تحاول السعودية إقناع العالم أنها دولة ديمقراطية، ترفض الاتهامات بالرجعية، البلاد بلا دستور، ولا يوجد قانون حقيقي وإنما محاكم أقرب إلى المجالس العرفية. في السنوات الأخيرة ظهرت نصوص قانونية لكن يظل تطبيقها قاصرا، ما زالت القيود على عمل المرأة قائمة، معظم من يتم إرسالهم للتعلم في الخارج لا يعودون، ترفض الدولة الأغنى عربيا حتى الآن أن تقود المرأة سيارتها بنفسها.. لا تتعجب.
يقصف الجيش الإسرائيلي غزة لمدة تقارب الشهرين، يقتل ويصيب الآلاف، لا يتحرك العالم، لا أحد يشجب ولا يندد حتى، الكل يمنح الفرصة للإجهاز على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لا يهم تدمير غزة، المهم أن تنتهي "حماس".
تثبت حماس أنها أقوى، تقاوم وتضرب العدو في العمق، تحدث أثرا أكثر فداحة من كل قذائفه وطائراته، بصواريخها محلية الصنع، يتحرك العالم ويطلب الهدنة، حماية لأمن إسرائيل.. لا تتعجب.
شرقا، يحتل عناصر الدولة الإسلامية "داعش" مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، لا ينتفض العالم، لا نسمع عن تحالف دولي إلا عندما يهدد هؤلاء مدينة صغيرة اسمها "عين العرب"، بالكردية "كوباني".
باتت كوباني المجهولة عاصمة العالم، وقبلة وسائل الإعلام الدولية، الكل يتحدث عنها، وكأن سقوطها سيغير خارطة الكون.. لا تتعجب.
شمالا وشرقا، تحصل الباكستانية ملالا يوسف على جائزة نوبل للسلام، الناشطة الحقوقية في مجال التعليم لم يتجاوز عمرها الثامنة عشرة، واستخدمت شبكة الإنترنت للتعبير عن رأيها والمطالبة بحقوق النساء، ومقاومة محاولات المتشددين في بلادها منع النساء من حقوق أساسية كالتعلم والعمل.
في 2011 حازت اليمنية توكل كرمان الجائزة نفسها، تظهر ملالا وتوكل معا، فجأة ترفع الفتاتان علامة "رابعة" أمام كاميرات العالم، لا أحد يعترض، بينما في عدد من الدول العربية رفع تلك العلامة جريمة.. لا تتعجب.

فقط حاول أن تحافظ على عقلك.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

محمد منير.. محايد أم منحاز؟





عن العربي الجديد


الكتابة عن محمد منير كالخوض في حقل أشواك. فللمطرب المصري الستيني شهرة طاغية وجمهور يدافع عنه بالحقّ والباطل، ومجرّد الحديث عن منير بأسلوب فيه انتقاد، يبدو أمراً غير مقبول لدى الملايين من عشّاقه، الذين يلقّبونه بـ "الكينج" أي الملك، ولا يكترثون لغيابه المتكرّر مؤخّراً، ولا لتغيّر طبقة صوته بفعل تقدّم السنّ، وغيرها من الأمور التي لها علاقة بعاداته الشخصية. 

لكنّ الانتقاد أمر مطلوب، والفنان الذي لا ينتقده أحد لا بدّ أنّه مات أو قرّر الاعتزال، بينما منير حيّ يرزق، أمدّ الله في عمره، ولم يقرّر الاعتزال، وإن قرّر الانزواء بعض الشيء، يغيب أحياناً ويعود فجأة. 

بعد غياب أكثر من عامين يعود محمد منير بأغنية جديدة، يهديها إلى الجيش المصري في ذكرى الاحتفال بانتصارات أكتوبر. وبينما الأغنية عادية ولا يمكن مقارنتها أبداً بإنتاج المطرب الأسمر، إلا أنّها ترافقت مع حملة إعلامية مكثّفة ومتواصلة، ليس لكون مطربها "متحيّزاً"، وفق عنوان الأغنية، ولكن للترويج لها، وهو أمر بات معتاداً في الوسط الفنّي خلال السنوات الأخيرة. 

ظلّ منير سنوات طويلة يغنّي بلسان الشعب الفقير المحروم، وكان هذا ما يميّزه بين أقرانه من النجوم الكبار، وظلّ سنوات طويلة يغنّي للفقراء في حفلات شعبية في ساحات واسعة زهيدة التكلفة، إلى جوار حفلاته في المنتجعات والقاعات الفخمة المخصّصة للطبقة الراقية. 

لكنّ منطق الأمور هو التغير، ومنير إنسان له أفضاله وأخطاؤه، وليس ملاكاً منزّهاً عن الخطأ.

عندما قامت الثورة في مصر كانت أغنيات منير قاسماً مشتركاً، وكان صمت منير عن التضامن مع الثورة أو دعم نظام مبارك مفهوماً، بينما كثيرون غيره تورّطوا في التحيّز لطرف على حساب الآخر.


في الفترة اللاحقة ظهرت معلومات تؤكد أن أغنية منير الثورية الشهيرة "ازاي"، كانت معدة بالأساس لحملة جمال مبارك الرئاسية، وأنه تم إجراء تعديلات عليها لتصبح أغنية ثورية.
وبينما لم يتمّ تأكيد المعلومة أو نفيها، إلا أنّ من ردّدوها أكّدوا أنّها وردت على لسان مؤلّف الأغنية نصر الدين ناجي نفسه، الذي التزم الصمت وقتها. 

اقرأ أالقصة الكاملة

في أغسطس/آب 2011، وبينما كانت الثورة المصرية قويّة وصوتها هو الأعلى، أعلنت شركة "أرابيكا ميوزيك" للإنتاج الفنّي أنّها تمكّنت - بعد مفاوضات استمرت لأكثر من عام - من التعاقد مع محمد منير على إنتاج وتوزيع ألبومه الغنائي الجديد، الذي يضمّ عشر أغنيات جديدة تتناسب مع أحداث الثورة المصرية، وتواكب التطورات التي تمرّ بها المنطقة العربية. 

وبينما تُنسب "أرابيكا ميوزيك" دائماً للمنتج اللبناني محمد ياسين، إلا أنّ الرائج أنّه شريك فيها مع الشاعر المصري نبيل خلف، ما يجعل الشركة، وفقاً لتقارير صحافية مصرية متعدّدة، "مجرد ستار لغسيل أموال وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي الذي يخضع للمحاكمة حالياً"، كونه "خلف" أحد المسؤولين الإداريين الكبار السابقين في الوزارة. 

ونفى محمد ياسين كثيراً أيّ علاقة بين الشركة وحبيب العادلي، بينما أنكر نبيل خلف مراراً أنّه شريك في "أرابيكا ميوزك"، لكنّ وثائق نشرتها الصحف المصرية وقتها أثبتت أنّ ابنه الممثّل شادي خلف هو شريك في الشركة، بينما نشرت صحيفة "الوفد" المصرية نقلاً عن شرطي سابق أنّ الشركة مملوكة ظاهرياً لمحمد ياسين، بينما هي في الواقع ملك وزير الداخلية السابق حبيب العادلي. 


القصة الكاملة

يتولّى الترويج لأغنية "متحيّز" مؤلّفها أيمن بهجت قمر، ولأيمن قصة مشابهة، فهو مؤلف أغنية "ريّسنا"، التي غنّتها المطربة شيرين عن مبارك قبل أيّام من ثورة أطاحت به، وهو نفسه الذي قال في حوار مع برنامج "360 درجة" إنّ علاء مبارك عاتبه في أغنية "لا باظت ولا خربت" فردّ عليه أنّه من الضروري أن يكتب أحد عن المشكلات القائمة، ثم قال لاحقاً في برنامج "الديكتاتور": "يبدو أنّهم لم يفهموا الأغنية أصلاً" (قاصداً النظام السابق). قبل أن يعتبر اليوم الذي كتب فيه أغنية "ريّسنا" يوماً "مشؤوماً"، ويقول إنّه كان ضدّ عصر مبارك، وضدّ كل ما جرى فيه، "لأنّهم أساءوا لسمعتنا كلنا". 

وكان لأيمن حوار شهير مع الإعلامية منى الشاذلي قبل الثورة يتحدّث عن مناقب مبارك، إذ قال: "من يحبّون مبارك ليسوا منافقين، وليس ضرورياً أن أكون معارضاً للرئيس حتّى أكون شخصاً محترماً". 

يوم 31 يناير/كانون الثاني 2011، بعد يومين فقط من "جمعة الغضب"، قال أيمن بهجت قمر لقناة "الحياة" إنّ "مبارك مظلوم ومفترى عليه"، قبل أن يقرأ على الجمهور قصيدة مؤثّرة بعنوان "رئيسي العزيز"، اعتبرت أنّ الحزب الوطني الحاكم هو السبب في كلّ كوارث مصر"، وكأنّ هذا الحزب كان معارضاً لمبارك، أو أنّ مبارك لم يكن رئيساً للحزب الوطني. 

في القصّة أيضاً مصالح، وصراع كلامي اشتعل بين أيمن بهجت قمر والمطرب عمرو دياب لاحقاً، جعل صفحات إلكترونية تابعة للمطرب الشهير تفضح قصّة شركة استثمارية اسمها "أرابيان رايتس" تمّ تأسيسها في العام 2010، وقيل إنّها مملوكة لمجموعة من الشعراء والملحّنين بينهم الشاعر نبيل خلف، ويشاركه فيها أيمن بهجت قمر، والهدف المعلن منها تحصيل حقوق النشر للشعراء والملحنين، بدلاً من جمعية المؤلّفين والملحّنين المصريّة المعترف بها من منظمة الحقوق الفكرية الـ"ساسيم" في فرنسا. 

لكنّ المفاجأة أنّ "أرابيان رايتس" ترتبط بمجموعة شركات أخرى تمّ تأسيسها في أغسطس/آب 2008 في لبنان، هي "أرابيكا ميوزيك". وقد ضمّت لائحة المساهمين في الشركة شادي، نجل الشاعر نبيل خلف، وكان مساهماً بـ30 في المائة من أسهم الشركتين، وكذلك شخص يدعى وجدي الشناوي قيل إنّه واجهة للشاعر نبيل خلف. 

وقصّة الشاعر نبيل خلف مثيرة للجدل، فقد كان يعمل وكيل أوّل وزارة الداخلية في عهد حبيب العادلي لحسابات الشرطة، وكان منتدباً من وزارة المالية كموظّف مدنيّ بوزارة الداخلية، ويراه البعض متورّطاً في جرائم غسل أموال بظلّ النظام السابق. 

العنصر الثالث في قصّة أغنية "متحيّز" هو الملحّن عمرو مصطفى، وهو أحد أبرز المنتمين إلى جماعة "آسفين يا ريس"، الداعمة للرئيس المصري المخلوع مبارك، وكانت له تصريحات كثيرة شهيرة للهجوم على الثورة المصرية، واسم عمرو مصطفى مرتبط بالكثير من القصص التي لها علاقة باقتباس ألحان غربية شهيرة في أغنيات مصرية، وسبق أن فضحه كثير من الملحّنين والمطربين المصريين، وآخر اقتباساته في أغنية "بشرة خير" التي غنّاها الإماراتي حسين الجسمي.








يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية