الأحد، 30 نوفمبر 2014

سلامة عبد الحميد: عبد المجيد محمود.. عراب براءة مبارك ورجاله








في ميدان التحرير، وفي ظلّ الثورة المحتدمة خلال الأيام الأخيرة من شهر يناير/كانون الثاني 2011، رفع الثوار في الميدان لافتات ضمنوها مطالبهم وصور شخصيات طالبوا بعزلها من مناصبها، ثمّ محاكمتها. كان الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلي، ورئيس وزرائه أحمد نظيف، وأمين التنظيم في الحزب الوطني الحاكم حينها، أحمد عز، أبرز هؤلاء. كما كان للمستشار عبد المجيد محمود (68 عاما)، النائب العام آنذاك، مكانة بارزة بين هؤلاء الذين يطالب الثوار بإقالتهم ثم محاكمتهم.
في الحادي عشر من فبراير/شباط 2011، تنحّى مبارك عن الحكم، ولاحقاً تمّ عزل رموز حكمه، الذين اتهموا بالفساد والقتل، وتمّ القبض على العادلي وعز وآخرين، لكن محمود بقي في منصبه لنحو عامين، على الرغم من تغير الحكومات والأوضاع السياسية في البلاد.

وفي نهاية عام 2012، قرر الرئيس المعزول محمد مرسي إبعاد محمود عن منصبه. كان الشارع المصري ملتهباً بعد حكم صادر في أكتوبر/تشرين الأول 2012، قضى ببراءة المتهمين في موقعة الجمل، وبينهم فتحي سرور وصفوت الشريف، ما أدّى إلى إصدار قرار رئاسي بتعيين محمود، سفيراً لمصر في الفاتيكان، ما يعني إقالته ضمنياً.
استشاط كثيرون غضباً وانطلقت تظاهرات، بدت وكأنّها مدبّرة ضدّ القرار، لم يكن المشاركون فيها يرغبون جدياً، وفق وجهة النظر السائدة حينها، ببقاء محمود. اعتبر كثيرون الأمر استمراراً لهجوم متواصل على مرسي وقراراته، حتّى ولو كان القرار أحد مطالب الثورة التي اتُهم حينها بخيانتها. لاحقاً، تكشّفت الحقائق. لم يكن الهجوم على مرسي، بسبب عزل محمود اعتباطياً، ولم يكن بقاؤه في منصبه تحدياً لمرسي فقط، وإنما للثورة التي جاءت به، ولدماء الشهداء الذين سقطوا فيها، ولتفصيل قضايا فاسدة للمتهمين بقتلهم، فضلاً عن تهم كثيرة أخرى، بينها إفساد الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة في مصر، على مدار عقود.
تفجّرت الأزمة بقوة، أمس السبت، مع اعتماد رئيس محكمة جنايات القاهرة، القاضي محمود كامل الرشيدي، في حكمه ببراءة مبارك من تهمة قتل المتظاهرين في ثورة يناير 2011، على قرار صادر عن النائب العام السابق (محمود) في 23 مارس/آذار 2011. ويفيد القرار المذكور بأنّه "لا وجه لإقامة دعوة جنائيّة تجاه مبارك"، وبالتالي قرر القاضي "عدم جواز نظر الدعوى الجنائيّة المقامة ضدّه، لسبق صدور الأمر الضمني".
يعيد نصّ الحكم ومسوّغاته محمود مجدداً إلى دائرة الضوء، وتعيد كلّ ما كان يثار ضدّه وضد الفريق أحمد شفيق، أول رئيس وزراء بعد مبارك، الذي أصرّ على بقاء محمود في منصبه. ولم يضع الأخير مبارك على لائحة الاتهام الأولى المقدّمة للمحكمة، والتي ضمت العادلي ومساعديه، بل ضمّه للدعوى بعد قرار الإحالة بشهرين، ودفعت هذه الثغرة القاضي للحكم بعدم جواز نظر الدعوى باتهام مبارك بقتل المتظاهرين.
ويُعتبر محمود المسؤول الأول عن إعداد ملف القضيّة، وتجاهله  الكثير من المستندات والأدلة التي تدين المتهمين، واستدعاء شهود النفي واستبعاد شهود الإثبات، ما يجعله المسؤول الأول والأخير عن القضيّة، التي وصلت إلى القاضي مفكّكة، ما أتاح له الحكم فيها بالبراءة.

والمثير في قصة محمود، عودته إلى منصبه السابق كنائب عام بعد نحو ستة أشهر فقط من عزل مرسي له، وذلك بعد حصوله على حكم قضائي من دائرة طلبات رجال القضاء في محكمة استئناف القاهرة، أيّدته لاحقاً محكمة النقض في 2 يوليو/تموز 2013، ليصبح باتاً ونهائياً، لكنّه آثر ترك منصبه كنائب عام، والعودة إلى منصّة القضاء بعد أسبوع واحد على صدور الحكم.
ومنذ وقوع الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، اختفى محمود تقريباً من الحياة العامة، ليكمل مهمّته بنجاح خلال فترة عمله بعد الثورة، وليتفرّغ مع زميله ورفيق دربه رئيس نادي قضاة مصر، أحمد الزند، للإعداد للانقلاب، في وقت ترك فيه النيابة والقضاء، الكثير من الأعوان الذين استفادوا منه سابقاً، وقاموا برد الجميل له لاحقاً، بإكمال ما بدأه.

وفي العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، وافق مجلس القضاء الأعلى، على إعارة محمود إلى دولة الإمارات، للعمل كمستشار في محكمة النقض في إمارة أبوظبي، والتي تُعدّ أعلى مؤسسّة قضائيّة هناك.
وعلى مدى السنوات الثلاث التالية لسقوط مبارك، واجه محمود اتهامات عدة، بينها التواطؤ، وإخفاء أدلة في قضايا قتل وإصابة المتظاهرين، وتعمّد عدم فتح التحقيقات في المئات من البلاغات التي قُدّمت ضدّ رموز الفساد، والتراخي في التحقيقات ضدّ المتهمين من أعوان نظام مبارك".
وكان محمود هو من أصدر قرار تنفيذ سجن مبارك الاحتياطي، داخل مستشفى شرم الشيخ الدولي، في 13 أبريل/نيسان 2011، وإيداعه إحدى المستشفيات التابعة للقوات المسلحة، بزعم عدم جهوزيّة مستشفى سجن طرة لاستقبال حالته.
يُذكر أن محمود، المولود عام 1946، تخرّج من كليّة الحقوق في جامعة القاهرة عام 1967، وتولى منصب المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا قبل توليه منصب النائب العام منذ عام 2006 وحتى عام 2012.
 



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

السبت، 29 نوفمبر 2014

سلامة عبد الحميد: عن العرب والرقص



عن العربي الجديد



مع فورة الإعلام والفضائيات والبحث عن الأرباح، بات الرقص قاسماً مشتركاً في كل برامج اكتشاف المواهب الفنية، خصوصاً الغنائية. وظلّت أصوات المتسابقين تحاول جاهدة منافسة الراقصات والراقصين الذين يظهرون في خلفية المسرح، ترفيهاً عن الجمهور. ثمّ اكتشفت الفضائيات مؤخّراً أنّ الراقصات في الخلفية يشغلن الجمهور ويلفتن الانتباه أكثر من المواهب التي تحاول تقديم نفسها، فتحولت إلى الاهتمام بالرقص نفسه، وتقديمه كموهبة، والعمل على تنظيم مسابقات خاصة.
في برنامج "أراب غوت تالنت" الذي تنتجه وتعرضه محطة "أم بي سي" السعودية، بات الرقص جزءاً من المسابقات، وأصبحت المنافسة في الرقص هدفاً لكثير من المشتركين. ولاحقاً، قرّرت محطة "أم تي في" اللبنانية خوض التجربة، فأنتجت وعرضت برنامجاً بعنوان "رقص المشاهير". والجدير بالذكر أنّ البرنامجين المذكورين تمّ تقليدهما عن النسخة الأجنبيّة.
لكن العام الحالي شهد التحول الأبرز والأهم، فقناة "القاهرة والناس" المصرية قرّرت التحدي ببرنامج اسمه "الراقصة"، يستغل اسم وشهرة الراقصة المصرية دينا في تحقيق مكاسب وجماهيرية. إلا أن البرنامج قوبل بعاصفة من الرفض والانتقاد، جعلت القناة تتوقف عن عرضه مؤقتاً، خصوصاً أنّ البعض استغله سياسياً لاتهام النظام الجديد في البلاد بالدعوة إلى الانحلال.
بينما في لبنان قرّرت محطة "أم تي في" تكرار التجربة بعد نجاح "رقص المشاهير" في موسميْن سابقيْن، لتقدّم هذا العام برنامج المسابقات "يلا نرقص" المنقول عن برنامج الرقص العالمي الشهير So You Think You Can Dance.
وبحسب البرنامج، "فإن كنتم تظنّون أنّ العرب لا يجيدون الرقص، فبرنامج (يلا نرقص) كسر المحظور، وأظهر مواهب استثنائية، ومستوى عاليا لراقصين قادرين بسهولة على المنافسة عالمياً".
الشهرة الواسعة التي حققتها كل من الراقصات اللامعات، سامية جمال وتحية كاريوكا ونجوى فؤاد وسهير زكي وزيزي مصطفى، ولاحقاً فيفي عبده ودينا ولوسي وغيرهنّ، وصولاً إلى الراقصة صافيناز، تجعل من الرقص الشرقي قضية لا يمكن تجاهلها في المجتمعات العربية. بل إنّ اهتمام العالم به، وامتهان كثيرات من دول أجنبية له، يؤكد أنّ الرقص ليس شيئاً هامشياً على الإطلاق، بل هو فن احترافي.
ظهور الرقص مبكراً في كل حضارات العالم من دون استثناء، ورسوم فرعونية على جدران المعابد الباقية التي ضمّت رقصات مختلفة، دليل على أنّه فن قديم. لكن الرقص في الحضارات القديمة كان جزءاً من طقوس دينية يقوم بها رهبان وراهبات نذرن أنفسهنّ للإله، قبل أن يتحول لاحقاً، بضعف سيطرة سدنة الآلهة على المجتمعات، إلى وسيلة للمتعة في بلاطات الحكام، ومواخير البسطاء.
يبقى التناقض اليوم قائماً لدى الكثير من العرب، الذين يسهرون أمام شاشات الفضائيات، أو يدفعون المال للسفر إلى بلدان غربية قاصدين المسارح والكباريهات للاستمتاع بالرقص الشرقي والغربي، فإذا ما عادوا إلى بلادهم ردّدوا جملاً مطاطية مكرّرة حول وقاحة المرأة التي ترقص وتجاوزها للأداب والأعراف.
 



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الخميس، 20 نوفمبر 2014

سلامة عبد الحميد: محمد محمود... شارع الثورة والجرافيتي.. والشرطة








عن: العربي الجديد

يقبع الشارع في طرف "ميدان التحرير" بوسط القاهرة، ويصل بين شارع القصر العيني الشهير وحي عابدين التاريخي، ويعد أحد أهم محاور المرور في وسط العاصمة، على مدخله من ميدان التحرير يقبع مبنى الجامعة الأميركية وفي منتصفه مكتبتها العتيدة، وهناك في طرفه الثاني مقر وزارة الداخلية، معقل الشرطة العتيد، وأحد مقاصد المشاركين في ثورة يناير 2011 الرئيسية.
يزيد طول الشارع قليلا عن كيلو متر واحد، لكنه شهد أحداثا عدة خلال الثورة المصرية، حيث كان دوما ممرا لهجوم الشرطة على الثوار في الميدان، بل وهجوم من يعرفون بـ"المواطنين الشرفاء"، ومعظمهم تابع للشرطة أو يعمل معها.
 لكن شهرته باتت عالمية، بعد أحداث دامية جرت فيه بدءا من 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، راح فيها عشرات المصريين، ويحتفل بها الأن قلة ممن شاركوا فيها، وسط رفض رسمي كامل، وتهديدات باعتقال من يشارك.
شاهد العالم كله خلال أحداث 2011 قمعا غير مسبوق للثورة المصرية ومن شاركوا فيها، على يد الشرطة والجيش الذي كان يحكم البلاد وقتها ويدعي أنه صديق الثورة وحاميها، بينما كانت الأحداث بمثابة الحد الفاصل مع الثوار الذين باتوا يرددون علنا بعدها هتافهم الأشهر "يسقط حكم العسكر". كثير من المصريين لا يعرف الشخص الذي يُعرف الشارع باسمه، ولا تاريخه، ولا سر بقاء اسمه على الشارع، رغم تغير أسماء معظم شوارع وسط القاهرة بمرور السنين.
أُطلق الاسم على الشارع نسبة لاسم السياسي المصري الراحل محمد محمود باشا (1877- 1941) الذي تولى رئاسة الوزارة في مصر مرتين، والرجل ينتمي إلى أسرة سياسية حيث كان أبوه محمود باشا سليمان وكيل مجلس شوري القوانين وأحد كبار ملاك الأراضي الزراعية في صعيد مصر، وورث عنه ابنه 1600 فدان. وكان محمد محمود أحد أقطاب الجبهة التي مثلت مصر في مفاوضات 1936 التي انتهت بتوقيع معاهدة جلاء الإنجليز عن مصر، وعين رئيساً للوزراء أول مرة في عهد الملك فؤاد الأول منتصف 1928 وحتى أواخر 1929 بصفته رئيس حزب الدستوريين الأحرار.
وتؤكد المراجع التاريخية أن الرجل كان الوحيد الذي امتلك جرأة تعطيل الدستور، ويعلن الحكم بيد من حديد ليلغي الأوضاع التي نجمت عن الحكم الحزبي، وجمعت خطب ألقاها في كتاب بعنوان "اليد القوية" نضح منه أنه لا يحبذ الحكم الدستوري، رغم كونه رئيس حزب اسمه "الدستوريين الأحرار".
بعد أن أصبحت مصر مملكة مستقلة عين محمد محمود باشا مرة أخرى رئيسا للوزارة في الفترة من نهاية 1937 حتى أغسطس/ آب 1939، واحتفظ خلالها بمنصب وزير الداخلية، وبدأت الوزارة أعمالها بحل البرلمان الوفدي، وزيادة صلاحيات جهاز الشرطة وإطلاق يده في البلاد لاعتقال ومطاردة المعارضين.
ومن أهم أعمال مجلس الوزراء خلال تلك الفترة إنشاء وظيفة مفتش عام الجيش المصرى، وصدر مرسوم بتعيين عزيز باشا المصري مفتشا عاما للجيش.
ولأن مصر بعد التخلص من الملكية في 1952 حكمها الجيش، واستخدم الشرطة لتدعيم حكمه وحماية مصالحه، فإن اسم محمد محمود باشا كان لائقا تماما بالشارع الذي يضم مقر وزارة الشرطة المصرية، وربما كان هذا سر عدم تغيير اسم الشارع حتى الأن، وربما كان أيضا سر الهياج الشديد الذي كان يصيب الشرطة والجيش من تمركز الثوار في الشارع وهتافاتهم التي تملأ جنباته، ورسوم الجرافيتي التي تزين حوائطه.
كانت قوات الشرطة والجيش تطارد الثوار في شارع محمد محمود وكأنهم مجرمون، بينما الحقيقة أن العسكريين الذين يركبون المركبات المصفحة والمدرعات، ويطلقون الرصاص والخرطوش وقنابل الغاز، هم من يستحقون المطاردة والمحاكمة على جرائم ارتكبوها في حق البلاد، وجرائم لازالو يرتكبونها في حق العباد.
ظل الشارع بعد تلك الأحداث مزارا للمصريين والأجانب، ومَعلَما على أيام ثورة كانت تتوارى، انطلقت منه عشرات التظاهرات، ونظمت فيه عشرات الوقفات، وتغيرت رسوم "الجرافيتي" على حوائطه عدة مرات، إما لأن النظام الحاكم كان يزيلها، كونها تعبر عن اجرامه وتذكره بضحاياه، وإما لتغييرها لتضم مجرمين جدد، أو متورطين أخرين.
ظل شارع محمد محمود مصدر إزعاج شديد للمجلس العسكري الذي حكم البلاد خلفا للرئيس السابق حسني مبارك، وبنفس طريقته، كما تحول في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي إلى مصدر هجوم رئيسي على جماعة الإخوان، وحمل اسمه أشهر جمل اتهامهم بالتخلي عن الثورة "باعونا في محمد محمود"، وفي ذكرى الأحداث في عهد مرسي رفع المشاركون لافتة على مدخله كُتب عليها "ممنوع دخول الإخوان"، عقابا لهم على اعتماد رواية وزارة الداخلية وقتها وتكذيب روايات الثوار.
يبقى شارع محمود محمود، والأحداث التي جرت فيه، نموذجا على ثورة لم يحمها من قاموا بها، وانقلب عليها من يفترض بهم حمايتها، ودليلا على أن المزيد من الدماء ستهدر، وأن مزيدا من العيون سينطفأ نورها في سبيل الحرية

 




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

السبت، 15 نوفمبر 2014

سلامة عبد الحميد يكتب: عن مصر العجيبة



في مصر العجيبة، يحدثنا إعلام الجيش والشرطة عن ضرورة الوقوف خلف الأجهزة الأمنية التي تحمي البلاد، ويكذبون بترديد أن الثقة بين الشرطة والشعب عادت وأن الشعب بات يثق في قيادته العسكرية أكثر من كل من حكموه سابقا. فيضرب الجيش والشرطة بعضهما في حي محرم بيك بمدينة الإسكندرية، وتحاصر قوات البحرية والشرطة العسكرية قسم شرطة وتغلقه على من فيه.
في مصر العجيبة، يحدثوننا عن قدرات جيشنا الخارقة ومناوراته العظيمة وتدريبه المتطور، وأسره قائد الأسطول الأميركي السادس، ووفقا لأحد إعلاميي الجيش. فتُضرب لنشاته العسكرية من مراكب صيد صغيرة بالقرب من دمياط، يسميها المصريون "بلنصات"، قبل أن تفر هاربة ولا يتم معرفة الجناة. ثم يتم كالعادة القبض على صيادين فقراء كانوا بالقرب من موقع الحادث حتى يمكن "تقفيل" القضية الفضيحة.
وفي مصر العجيبة، يصدعوننا بالبلاد التي باتت في أحسن حال واستعادت قدراتها الاقتصادية. بينما هي تشحت من طوب الأرض، وتعيش على معونات خليجية، وتوقع اتفاقيات مع اليونان المفلسة، أو بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية، ودول أخرى لا يعرف عنها المصريون شيئا.
في مصر العجيبة، الإعلام كله يعزف نغمة واحدة وحيدة، ألفها عسكري جاهل، فيها من النشاز ما فيها، حتى أصبحنا "مسخرة"، وبات العالم يقرأ عن عكاشة ولميس وموسى أكثر مما يقرأ عن السيسي نفسه.
في مصر العجيبة، يحدثوننا عن استعادة البلاد لدورها الريادي في المنطقة. بينما هي تدعم فصيلا في ليبيا وتساهم في قصف معسكرات عدوه جويا، فينتقم منها الفصيل الثاني بتفجير عند سفارتها، ومعاقبة عشرات الألاف من العاملين المصريين هناك.
في مصر العجيبة، يحدثوننا عن القرار المستقل وأننا كسرنا مناخير أوباما و"منيمين" أميركا من المغرب، وأن إسرائيل باتت تحسب لنا مليون حساب. بينما يتم تهجير أهلنا في سيناء من منازلهم وإفراغ الشريط الحدودي من سكانه الذين يعتبرون خط الدفاع الأول، من أجل عيون إسرائيل وحماية أمنها ومصالحها.
في مصر العجيبة، يقتل الجنود في ماسبيرو المتظاهرين المسيحيين، ويطالب التليفزيون الشعب بضرورة التصدي لهم وحماية الجيش، المفترض أنه موجود لحماية الشعب، ثم تجد المسيحيين يتحالفون مع الجيش، الذي قتلهم، ويقفون خلفه للإطاحة بالإسلاميين الذين جاءوا بانتخابات مباشرة قال العالم إنها نزيهة، وإن كان فيها مخالفات فإن الجيش أيضا هو المسؤول عنها باعتباره كان يحكم البلاد وقتها.
ثم في مصر العجيبة، يقتل الجنود في رفح 1 وفي رفح 2 وفي الفرافرة وفي كرم القواديس، ولا أحد يعرف من قتلهم، ولا إلى متى يستمر نزيف الجنود ولا إلى متى يتمكن الجيش من حماية جنوده قبل أن يتفرغ لمهمته الأساسية في حماية البلاد ومن فيها.
في مصر العجيبة، يحدثنا وزير عن تدفق سياحي، بينما الفنادق خاوية على عروشها، والجيش في الشوارع والشرطة تنكل بالمواطنين، والتظاهرات لا تتوقف، والمعتقلات مكتظة بأصحاب الرأي من كل التيارات، ومنظمات دولية كثيرة تنتقد وتهاجم النظام القمعي الجاهل الفاشي.
في مصر العجيبة، تظل ميزانية الجيش سرا، ولا يسمح لأحد بمناقشتها، ثم يسيطر الجيش على نحو نصف مقدرات البلاد الاقتصادية، ويتولى المشروعات التنموية بالأمر المباشر، ثم يجمع قائد الجيش المنقلب على رئيس منتخب أموال من الشعب الفقير لإنجاز مشروع جديد يرى أنه القشة التي قد تنقذه من مصيره المحتوم.
في مصر العجيبة، يكررون على أسماع الشعب الجاهل الفقير ليل نهار أن حاله أحسن من حال أهل سوريا والعراق، رغم أن الأشهر الأخيرة تشهد تصاعدا ملحوظا في أحداث العنف، ويشهد تحول الكثير من الأشخاص إلى حالة أقرب إلى اليأس الذي يدفع الأشخاص إلى الجنون، والجنون هو ما تنتظره بلادنا لتصل إلى الدرك الأسفل، الذي يبدو للأسف، ألا مناص من الوصول إليه.
لا أدري إن كانت تلك مصر العجيبة، أم مصر العبيطة، لكن الواضح أن الأيام القادمة أكثر سوءا وأكثر قتامة، أو بالفعل "أيام سودة".



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014