الكويت- القاهرة : سلامة عبد الحميد
يكره النجم الكبير عمرو دياب الجلوس إلى الصحفيين لإجراء حوارات ويرفض تماما التواجد لفترات طويلة في أماكن تضم منسوبي الإعلام مهما كانت درجة معرفته بهم أو ثقته في نفسه التي يتأكد منها كل من يقترب منه من اللحظة الأولى.
لكن عمرو دياب كان مضطرا للبقاء في مكان مغلق لمدة تزيد عن خمس ساعات مع عدد من الصحفيين بينهم "سيدتي" ليس لأنه قرر تغيير قناعاته ولكن لأنه ليس لديه خيار أخر فالمكان طائرة الخطوط الوطنية المتجهة من القاهرة إلى الكويت ثم من الكويت إلى القاهرة والتي أقلته من وإلى حفله في مهرجان "ليالي فبراير" مساء الثالث عشر من مارس الذي ضم إلى جواره النجمة اللبنانية إليسا والنجمة الكويتية نوال.
تفاصيل الحفل وكواليسه لا تقل أهمية عن تفاصيل وكواليس الرحلة من وإلى الكويت ابتداء من مطار القاهرة الذي كان العاملون به على أهبة الاستعداد لاستقبال نجم فوق العادة حتى أن موعد اغلاق صالة تأكيد السفر تم تأجيله لمدة تجاوزت النصف ساعة انتظارا للنجم الكبير الذي أعاقته حركة السير في شوارع القاهرة المزدحمة منتصف يوم خميس يشهد زحاما أسبوعيا عاديا زاد منه حالة من التشديدات الأمنية في الطريق المؤدية إلى المطار إنتظارا لوصول شخصية هامة.
سعيد إمام مدير الشئون الفنية لروتانا بالقاهرة الذي حضر للمطار مبكرا كان في حيرة من أمره عندما تأخر عمرو عن موعده وبدأت إتصالات هاتفية طويلة بينهما انتهت باتجاه إمام إلى مسئولي المطار طالبا منهم عدم إغلاق شباك تأكيد الحجز "البوردينج" حتى وصول عمرو دياب الذي يحاول جاهدا الوصول وكانت الإستجابة سريعة.
في الطائرة كنت وزملائي محمد قناوي من أخبار اليوم وسماح عبد الرحمن من كل الناس في الإنتظار مع حسام مصطفى مسئول الإعلام في روتانا القاهرة وأطل دياب الذي بدا أنه كان منزعجا من تأخر وصوله ليستقر في المقعد الأول بينما كنا نحن في المقعد الثالث.
فور اكتشافه شخصياتنا وتحيتنا سريعا قرر أن يبتعد واتجه إلى مؤخرة الدرجة الأولى من الطائرة حيث جلس أفراد فرقته، لنبدأ التهامس قائلين إنه كعادته يخشى التواجد مع الإعلام في مكان واحد.
ساعتان ونصف مرت طيلة الطريق من القاهرة للكويت ولا يربطنا بدياب إلا صوت قفشاته مع فرقته التي كانت تعلو أحيانا وتخفت كثيرا حتى وصلنا المطار وعندها وأمام سير الحقائب الدوار بادرته قائلا لماذا تبتعد عنا؟ فرد سريعا "أنا ماليش في الصحافة" لكني طلبت أن يكون هناك جلسة فضفضة عن ألبومه الجديد فقال "لسه الألبوم شوية".
خرج عمرو معنا إلى الجوازات لكنهم لم يوقفوه بينما تم ايقافنا للحصول على تأشيرة الدخول فسألت موظف الجوازات لماذا لم توقفه مثلنا؟ فرد "وجه عمرو دياب وحده تأشيرة تكفي لدخوله أي بلد عربي".
على باب المطار تجمع العشرات من الشباب والفتيات بينما كنا نحن في الخلف نحاول الإقتراب لكن التدافع منعنا ليبدأ هجوم واسع للإقتراب من النجم الكبير بغرض الحصول على صورة معه أو توقيعه في أتوجراف، وبينما نجح قليلون فشل كثير سقط بعضهم على الأرض وسط التدافع قبل أن يتدخل "جمال" حارسه الخاص الذي ظل كلمة سر غامضة حتى نهاية الرحلة التي كشفت لنا مدى بساطته وطيبته.
لم يظهر دياب منذ خروجه من المطار حتى وقت الحفل الذي وصل إلى القاعة الخاصة به قبل بدأ فقرته بدقائق معدودة ليلهب حماس جمهور ثالث حفلات "ليالي فبراير" على مدى ساعتين وسط حالة من التواصل الواضح مع الجمهور شهدت فترات من التوتر بسبب التشديدات الأمنية التي وصلت حد منع الجمهور من الإقتراب منه والتشديد عليه بعدم النزول من المسرح لتحية الحضور كعادته.
ورغم أن دياب بدا ملتزما بما طلبه منظمو الحفل إلا أنه لم يتحمل الضغوط في النهاية عندما منع الأمن احدى ذوي الإحتياجات الخاصة من الوصول إليه لتحيته بشكل أثار استهجانا واسعا فقام المطرب العربي الاشهر بترك مكانه على المسرح والنزول إليها ضاربا عرض الحائط بالإشتراطات الأمنية قائلا بصوت مسموع: "مش عاوزهم يخسروني جمهوري" وسط تصفيق حاد تحية له على موقفه.
لكن الأمر تطور في نهاية الفقرة كثيرا عندما فاجأه أحد الحاضرين بالقفز على المسرح واحتضانه وتلاه شخص أخر لتسود دقيقة من التوتر الحفل الذي توقف بعد هجوم رجال الأمن على الشابين لإعادتهما إلى مكانهما الذي انتهى بمشادة وصلت حد ضرب الشابين من قبل الأمن وسط استهجان باقي الحاضرين.
وتكررت أزمات الأمن مع الحاضرين في فقرة عمرو دياب حيث منع الجميع من التقاط الصور بهواتفهم المحمولة وتم ابعاد عدد من الشباب الذين يحملون العلم المصري من القاعة لأنهم لم يحافظوا على البقاء في أماكنهم.
ورفض عمرو دياب تقديم أي من أغنيات ألبومه الجديد رغم ورود الكثير من الأخبار التي أكدت أنه سيقدم عددا منها كعادته في الحفلات التي تسبق طرح ألبوماته وقال للجمهور "كفاية الأغنيات اللي اتسرقت أنا لو غنيت حاجة جديدة هتسرب للإنترنت بعد ساعة" تعليقا على تسرب 4 من أغنيات ألبومه الجديد مؤخرا.
في مطار سعد العبدلله عائدين اقتربت من "جمال" الحارس الخاص بعمرو دياب وهو مصري في نهاية الثلاثينات مفتول العضلات الذي قال لي إنه كان مدربا للياقة في أحد أندية اللياقة الشهيرة بالقاهرة قبل أن يتعاقد مع عمرو الذي ظل يلازمه طيلة السنوات الخمس الماضية.
جمال قال إنه يدرب عمرو بدنيا منذ بدء عمله معه وأن عمرو لديه في قصره الخاص مكان مخصص للتدريبات الرياضية يضم كل الأجهزة الحديثة وبالتالي لا يحتاج إلى الذهاب إلى أحد الأماكن المتخصصة.
الفرصة الذهبية للقرب من عمرو دياب كانت في طائرة العودة إلى القاهرة التي بدا فيها أكثر قربا منا نحن مجموعة الصحفيين المصريين حيث صافحنا بحرارة فور دخوله الطائرة وسأل عن رأينا في الحفل وأبدى سعادة بالغة عندما كان ردنا جماعيا يؤكد مدى سعادتنا بنجاح الحفل وتميز فقرته.
في طريق العودة كان مكاننا في المقاعد الأخيرة للدرجة الأولى فلم يزعج دياب مكاننا وبقى معظم الوقت في مقعده بالصف الأول بعيدا عنا لكنه لم يتحمل طويلا البقاء بعيدا عن فرقته التي كانت بالدرجة الإقتصادية فتوجه إليهم ليبدأ احتفال رمزي بنجاح الحفل شاركنا فيه بشكل فعال.
البداية كانت عندما طلبت منه التقاط الصور التذكارية معه فرحب كثيرا وبدأ يجمع الفرقة للتصوير قبل أن يكتشف أنهم أعدوا له مفاجأة عبارة عن "تورتة" عيد ميلاد رمزية – عيد ميلاده في أكتوبر- ووسط سنة حلوة يا جميل وحيوا أبو الفصاد قام دياب بنفسه بتقطيع التورتة وتقسيمها على الجميع.
بدأت الدوران بالكاميرا الشخصية لتصويره مع فرقته فاكتشفت نظراته المتشككة قبل أن يبادرني "انته بتصور فوتغرافيا ولا فيديو" فقلت: فوتغرافيا وبدأت أريه الصور حتى يطمئن على شكله فيها لكنه عاجلني قائلا: "مش المشكلة شكلي المشكلة الأكبر أني أستخدم ماركات غير الماركات التي تعاقدت معها اعلانيا والتي تجعلني لا أستمتع بالكثير من الأشياء في الأماكن العامة".
أحسست بأزمته مع الشهرة التي تحرمه الكثير من المتع الحسية وبينها وربما أهمها عدم التفكير في كل خطوة يخطوها والعيش مثلنا كإنسان عادي، بينما قال لي أفراد الفرقة إنه بات بسبب الشهرة شخصا منزويا لا يملك الخروج من منزله إلا نادرا وفي سيارات أصدقاءه مرتديا نظارة سميكة وغطاء رأس حتى لا يعرفه أحد فتتحول أوقاته إلى أزمات.
في نهاية الرحلة بدأ عمرو القفشات التي وصلت حد تصوير صديقه الذي صحبه في الرحلة ذهابا وإيابا أثناء نومه بطرق مختلفة مشيرا إلى الجميع بالتزام الهدوء حتى لا يستيقظ ويكتشف أنه يصوره فيديو.
هبطت طارتنا في مطار القاهرة ليكون دياب أول المتأهبين للنزول وفور فتح الباب خرج ليقف لدقيقة على السلم متنشقا هواء القاهرة قائلا "مفيش أحسن من مصر في الدنيا" ليخرج خلفه كل أفراد الفرقة ونحن معهم وتنتهي ساعات قضيناها مع عمرو دياب مرت وكأنها ثوان معدودة.