الجمعة، 28 سبتمبر 2018

عربي ممنوع من الدخول


تختلف الأنظمة العربية لأسباب غير منطقية على الأغلب، وأحياناً بسبب الغيرة أو الحسد، فتتأثر على الفور حياة شعوبها التي تربطها علاقات نسب ومصاهرة. أوّل الإجراءات التعسفية عادة يتمثل في منع تنقل الأشخاص بين الدول بحجة الحفاظ على الأمن القومي. تكرر الأمر كثيراً حتى بات يمكن اعتباره جزءاً من اليوميات العربية، ويمكنك أن تسمع من أجيال مختلفة قصصاً عجيبة، بعضها كوميدي، عما يجري خلال فترات الخلاف، غزو العراق للكويت، أو التدخل السوري في لبنان كمثالين، وبعض الأزمات ما زالت قائمة مثل حصار قطر، أو التدخل العسكري السعودي الإماراتي في اليمن. تداعيات الخلافات السياسية دائماً كارثية على الأفراد، خصوصاً الأسر التي تتشتت بسبب منع بعض أفرادها من التجمع على خلفية منعهم من دخول أحد البلدان، أو رفض منحهم تأشيرات دخول. السنوات الأخيرة شهدت تطورات عدة في أزمات تنقل الأفراد، فوصلنا إلى المنع من أداء شعائر الحج والعمرة بسبب الجنسية، أو الإقامة في بلدان على خلاف مع السعودية، أو للمعترضين على قرارات حكام المملكة التي تكرر الزعم بأنها تسير على درب الحداثة. في موسم الحج الماضي انتشرت تفاصيل كثيرة حول منح السعودية تأشيرات مجانية بالمئات لمليشيات طائفية في العراق، ولقائد حزب مسيحي في لبنان، في حين واصلت منع المواطنين والمقيمين في قطر للعام الثاني على التوالي، وضيقت على جميع المعارضين لسياساتها، وخصوصاً اليمنيين والسوريين. حالياً، يواجه من يحملون وثائق السفر الفلسطينية أشكالاً متباينة من المنع من دخول السعودية لأداء مناسك العمرة، وفي حين يؤكد لاجئون فلسطينيون في لبنان والأردن وغيرهما من بلدان اللجوء، أنّهم ممنوعون، أو غير قادرين على الحصول على تأشيرة دخول، تواصل السلطات السعودية الصمت أو التجاهل. ليس المنع قاصراً على السعودية، فقبل أيام، قامت السلطات في مصر بترحيل الممثل الفلسطيني علي سليمان، من مطار الغردقة الذي وصله للمشاركة عضواً في لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان الجونة السينمائي، كما رفضت منح تأشيرة دخول للمخرج الفلسطيني زياد بكري، رغم أنّ فيلمه مشارك في المهرجان نفسه، ورفضت منح تأشيرة دخول للمخرجة السورية سؤدد كنعان، وكذا بطلة فيلمها المشارك في المهرجان "يوم أضعت ظلي"، السورية سوسن أرشيد. الواقع أنّ فرض تأشيرات دخول بين الدول العربية أمر يجب إنهاؤه فوراً، وربما لو أنّ جامعة الدول العربية مؤسسة حقيقية لكان ذلك أولى مهامها. في المقابل، تتبارى الأنظمة العربية في السماح لغير العرب بدخول أراضيها من دون قيود.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الأحد، 16 سبتمبر 2018

وقيعة منى المذبوح



أبديت تعاطفي مع اللبنانية منى المذبوح عند اعتقالها في مصر، على خلفية مقطع فيديو طويل لها، ورد فيه إهانات عدة لكل المصريين بحجة أنها تعرضت للتحرش. لم يكن تعاطفي معها لأنها بريئة، فما قالته في الفيديو من ألفاظ مسيئة لا يمكن تجاهله، وإنما كان تركيزي منصبا على تحويل الموضوع التافه إلى خلاف بين الشعبين بعد الانتشار المقصود لمقطع الفيديو الذي كان يمكن أن يمر بلا ضجة، لولا أن قرر أحدهم، على الأغلب في السلطة المصرية، تحويله إلى قضية وطنية، والذي يفسره التركيز الواسع من الإعلام الموالي للنظام عليه. أخطأت منى المذبوح، لا شك في هذا، وكان اعتذارها كافيا لإغلاق الموضوع، لكن تصوير هذا الخطأ الفردي باعتباره خطيئة كان مدبرا، واعتقالها والحكم بسجنها لعدة سنوات أمر مستهجن، كما أن تهجم بعض المصريين على كل النساء اللبنانيات بسببها تجاوز لا يمكن قبوله. لكن أبرز ما لفتني عند تفجر القضية كان المحاولات الجادة لتسييسها، في مصر وفي لبنان على حد سواء، فالحكومة المصرية، ووسائل الإعلام التابعة لها، قررت الانتقام لكرامة المصريين المهدرة على يد السائحة اللبنانية، متجاهلة كل الانتهاكات التي يتعرض لها المواطن المصري يوميا بسبب فشلها في شتى المجالات. والأشقاء اللبنانيين قرروا استغلال القضية للهجوم على حكومتهم لتصريف الأعمال بحجة أنها لم تتصد للدفاع عن المواطنة المعتقلة في القاهرة، ولما تدخلت تلك الحكومة أخيرا، تحولت فجأة الاتهامات الساخنة إلى بيانات متكررة لشكر الحكومة على القيام بدورها، متجاهلة كل فشلها الواضح الذي يعاني بسببه كل لبناني. فور وصولها إلى لبنان فجر الجمعة الماضي، قالت منى المذبوح للصحافيين: "ما قمت به لم يكن بإرادتي بل بسبب تعرضي لعدة مواقف غير لطيفة". استوقفتني تلك الجملة طويلا، إذ لم أفهم تحديدا ما الذي تعنيه، فهل سجلت مقطع الفيديو وهي غائبة عن الوعي؟ هل كانت تحت تأثير مخدر أو كحول؟ المؤكد أنه لا يحق لكل من يتعرض لمواقف "غير لطيفة" في بلد توجيه الإهانات إلى كامل الشعب، لا في مصر ولا في لبنان. لا أشكك في وجود جريمة التحرش في مصر، وفي لبنان كذلك، ولو صح أن المذبوح تعرضت للتحرش، فلا يمكن الإساءة إلى كل المصريين. إن كان بعض المصريين متحرشين، فلا يعني ذلك بالضرورة أن كلهم كذلك. وإن كانت المذبوح بذيئة اللسان، فلا يعني ذلك بالضرورة أن كل اللبنانيات كذلك. الطبيعي ألا يستدرجنا الغضب إلى الخطأ، وعلينا أن نتعلم من تلك الواقعة ضرورة عدم السماح للحكومات باستغلالنا في مخططاتها للتعمية على تكرار فشلها.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الاثنين، 10 سبتمبر 2018

إسلاميون أم مسلمون؟


لا أحد يعرف على وجه التحديد أسباب الانحدار الذي يتفشى في المجتمعات العربية، وإن كان هناك مؤشرات تؤكد مسؤولية الاستبداد والفساد والتسلط، فضلا عن تدني مستوى التعليم الذي ينتج أجيالا محدودة الوعي، أو ذات وعي مشوه. قبل أيام تفجر بيني وبين أصدقاء نقاش طويل حول من يطلق عليهم في بلادنا وصف "الإسلاميون"، وكان النقاش حادا وفيه تجاوزات تؤكد تردي الوعي العربي. كان رأيي أن وصف "الإسلاميون" أشمل من صفة "المسلمون"، وأن حصر إطلاقه على جماعات مثل الإخوان المسلمين أو السلفيين خطأ شائع مقصود. لكن هذا لم يعجب من أناقشهم، وهم ينتمون إلى خلفيات ثقافية وأيدلوجية متباينة، وقد أوضحت رأيي مؤكدا أن الإسلامي هو من يعيش في مجتمع غالبيته من المسلمين، وقد يكون غير مسلم، وأن هذا يؤثر على أفكاره وتصرفاته، ويتحكم في انحيازاته، متأثرا بالتقاليد والأعراف والقوانين، وحتى خرافات المجتمع الذي يعيش فيه. ومن أسف أن غالبية من يعيشون في المجتمعات الإسلامية علاقتهم بالحريات والديمقراطية والمساواة محدودة، وهي علاقة متغيرة بتغير الحكام، أو بتغير المفاهيم الرائجة حول القضايا المطروحة، وفي أحيان كثيرة تفرض عليهم من الخارج مفاهيم مخالفة لكل ما اعتادوا عليه، فيستجيبون لها دون تبصر وفق مزاعم التنوير أو التطوير. هؤلاء أنفسهم، لديهم مئات التابوهات التي يجب تفكيكها قبل محاولة التجانس مع العصر، ولديهم آلاف الأفكار البالية التي عليهم تجاوزها ليفهمهم الأخرين، كما ينبغي عليهم العمل على معلومات وشروحات خاصة بعشرات من مبادئهم ورموزهم التي يستخدمونها يوميا، لأن المجتمع يجهلها، أو معلوماته المتاحة عنها مغلوطة، وهذا بديل أساسي للتباكي على عدم فهم العالم للنظريات المؤسسة لأفكارهم. الواقع أن التباكي لا يعيد الحقوق، ولا يحقق مستقبلا. فالاحتلال الإسرائيلي لازال بعد عقود، يستغل الهولوكوست لابتزاز العالم، لكنهم في الوقت ذاته يعملون ليل نهار على امتلاك مصادر القوة، وألمانيا التي انهارت ودمرت تماما بعد هزيمة أدولف هتلر على أيدي الحلفاء، لم تركن إلى التاريخ والبكاء، وإنما عملت بكل جهد حتى باتت اليوم قوة لا يستهان بها، كما أن الإمبراطورية اليابانية التي فجعتها القنبلة النووية نهضت مجددا في زمن قياسي. طرح خلال النقاش أيضا أن هؤلاء الذين أسميهم "الإسلاميون" غير مؤهلين لملاحقة التطور العالمي، وهو زعم كاذب بالكلية، ولاشك أن المليارات تنفق لترويجه، حتى صدقه البعض، فتفوق الإسلاميين علميا وثقافيا وعسكريا استمر قرونا، وتكرار ذلك ممكن لو أنهم استفاقوا.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الأحد، 2 سبتمبر 2018

المساواة في التحرش



يتجدد الحديث حول جريمة التحرش كل فترة مع تكرار اعلان اتهام أشخاص بهذا الجرم، عربيا أو عالميا، ورغم أن التحرش جريمة قديمة، إلا أن التطور الكبير لوسائل التواصل بات سببا مباشرا في زيادة انتشاره، لكنه في الوقت ذاته ساهم في زيادة نطاق الحديث عن مخاطره وكذا ضرورة تشديد عقوباته. المثير أن البعض لازال يجادل في تعريف التحرش، وفي مدى خطورته، ويختلف كثيرون حول الفرق بين التحرش اللفظي والتحرش المادي، في حين أن أحدهما على الأغلب يؤدي إلى الأخر، أو يكون له نفس التأثير النفسي على الضحية. بين المسلمات الرائجة أن المجتمع العربي ذكوري الطابع، والواقع أن العالم كله متهم بذلك، بينما يفاقم الأمور عربيا تلك الطبيعة الأبوية الشائعة في كل بلدانه، شرقا وغربا، والتي تتعامل مع الرجل باعتباره مسؤولا عن كل شيء، وتتعامل مع المرأة باعتبارها تابعا، أو تضعها في مرتبة متأخرة عن الرجال. وفي حين تعرف كثير من المجتمعات العربية، خصوصا الريفية والبدوية، مكانة لائقة لا يمكن تجاهلها للنساء، إلا أن ذلك لا يمنع، ولم يمنع يوما، إقرار النسوة أنفسهن بأهمية إبراز السمة الذكورية للمجتمعات التي يعشن فيها، حتى أنك تستطيع ملاحظة ذلك ببساطة في المقولات الشائعة، وفي الأمثال الشعبية، وحتى في الأغاني الرائجة. في السنوات الأخيرة، أصبح الحديث عن المساواة بين الجنسين أحد أهم الظواهر العربية، وتفرد لها وسائل الإعلام مساحات نقاش، وتكرر الحكومات الزعم بانها تطبق المساواة، وانطلق البعض من ذلك إلى طرح قضايا جدلية، مثل المساواة في الميراث، أو تجنيد الفتيات. لكن أحدا لا يتحدث أبدا عن المساواة بين الجنسين في جريمة التحرش. المتداول أن الرجال فقط يتحرشون بالنساء، وأنهم وحوش طليقة تطارد فرائسها من الإناث في كل مكان، بينما الواقع يؤكد أن النساء أيضا يتحرشن بالرجال، وإن كان على نطاق أقل. لكن لا يمكن بحال التفريق بين ارتكاب أي من الجنسين للجريمة وفقا لمبدأ المساواة. ربما يكمن الفارق في أن غالبية النساء يرفعن الصوت بالشكوى من تحرش الرجال، ويعتبرنها جريمة ضد أنوثتهن، وهي كذلك. ولاشك أن بعضهن يشتكين من التحرش دون أن يتحرش بهن أحد لإظهار أنهن مرغوبات، أو لدفع الرجال من حولهن للاهتمام بهن. في حين أن غالبية الرجال الذين يتعرضون للتحرش من النساء يتفاخرون بالأمر، ويعتبرونه دليلا على فحولتهم، ونادرا ما يشكو رجل من تحرش امرأة خشية سخرية رفاقه، وإن فعل فإنه يسميه توددا، ولاشك أن بعضهم يدعي زورا أن إحداهن تحرشت به، أو يختلق قصصا حول تقرب النساء منه.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية