الاثنين، 29 يوليو 2019

الخروج من الأزمة


 يأمل عدد كبير من المصريين، والعرب، أن يؤدي خروج مصر من أزماتها الراهنة إلى إنهاء كثير من الأزمات بمنطقة الشرق الأوسط، على اعتبار أن مكانة مصر وقدراتها في مجالات عدة كانت قادرة في أوقات سابقة على تحقيق ذلك. لكن هذا المنطق، في رأيي، يناقض الواقع، ومن يردده إما جاهل أو ساذج، وربما منخدع بما يروّجه حكام مصر كذباً من أنها استعادت مكانتها اللائقة، وهي مكانة تتراجع منذ عقود لأسباب متباينة، على رأسها سوء تصرف حكام البلاد أنفسهم، والأوضاع الإقليمية والدولية. في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كانت الدولة المصرية تتدخل في شؤون كل دول الجوار بأشكال مختلفة، بينها القوة العسكرية. حدث هذا في اليمن كمثال صارخ، وكان التحالف مع سورية وتكوين الجمهورية العربية المتحدة جزءاً من رغبة مصرية في التوسع أو السيطرة، لكن تلك الرغبة ذاتها كانت سبباً مباشراً في عدم صمود تلك الوحدة طويلاً، وكان عبد الناصر لا يتورع عن تهديد دول وحكام. لا شك أن مصر وقتها كانت تمتلك أيضاً قوة ناعمة مؤثرة تتمثل في الإعلام والثقافة والسينما، والمدرسين والأطباء والمهندسين، لكن هزيمة الجيش المصري في اليمن، ثم هزيمة 1967 أضرت كثيراً بهذه القوة. في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، خسرت مصر المزيد من قوتها على جميع المستويات، حتى أن غالبية الدول العربية قاطعتها بعد اتفاقية كامب ديفيد مع العدو الإسرائيلي، كما تدهورت قوتها الناعمة أيضاً خلال مهاترات الانفتاح الساداتي. في عهد الرئيس السابق حسني مبارك زاد اعتماد مصر على الدعم الخارجي، العربي والدولي، ما جعل قرارها محكوماً بتوجهات المانحين، ومرتهناً بمواقفهم. ظل نظام مبارك بمناوراته وألاعيبه قادراً على البقاء، لكن هذا لم يمكّن البلاد من أي مكانة أو قوة. بمرور السنوات، فقدت مصر الثقل الكبير السابق في محيطها العربي، وتراجعت قوتها الناعمة في مقابل قوى أخرى؛ ربما ما زالت الذاكرة العربية تعتبرها حاضرة مهمة، لكن الواقع أن دولاً أخرى باتت تحتل المكانة الأهم، سياسياً واقتصادياً، وإعلامياً وفنياً. ولا شك أن استعادة مصر لمكانتها السابقة ليس بالأمر السهل، ربما لأن الخسارة فادحة، أو لأنها خسارة على مستويات متعددة، فضلاً عن أن العرب بعد فورة النفط، والتحالفات المتشعبة، انسلخوا تماماً من شعارات القومية الناصرية إلى الهموم المحلية، ناهيك عن تداعيات التبعية، أميركية كانت أم روسية. الوضع المصري مزر جداً، وتوقع تغييره خلال فترة وجيزة ضرب من الخيال، ومثله تماماً الواقع العربي. علينا دائماً الاعتراف بحقيقة الواقع، وبعدها التمسك بالأمل كضرورة.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الأحد، 14 يوليو 2019

تربية المراهقين



 قبل فترة طالعت إعلاناً في وسائل الإعلام عن دورة متخصصة في "تربية المراهقين"، ولما كنت أحد الآباء الذين يعايشون تجربة طفلين على أعتاب المراهقة، قررت أن أتبين التفاصيل، فاكتشفت أن المدرب لا يمتلك شهادة علمية في التربية، أو علم النفس، وإنما واحد من هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم حالياً لقب "مدرب تنمية بشرية" بغرض التربح. قناعتي الراسخة أن كل شخص يتخذ قراراته ويبني اختياراته وفقاً للطبيعة الأيديولوجية والثقافية للمجتمع الذي يعيش فيه، ثم مواقف عائلته من مجموعة المبادئ الأساسية، وأبرزها الحقوق والحريات، فضلاً عن التجارب التي يخوضها شخصياً، والأخطاء التي يقع فيها. يفترض أن الإنسان كائن يتعلم من خلال تجاربه، ويستفيد من أخطائه، وكلما كثرت تجارب الشخص زادت خبرته، وكلما قلت أخطاؤه بات أقرب إلى النجاح. لا أدعي أنني والد مثالي، فأحياناً يدفعنا خوفنا الغريزي على أطفالنا إلى ارتكاب أخطاء لا ندرك خطرها إلا بعد فوات الأوان، لكني رغم ذلك حريص على أن أظل والداً متفهماً، سواء لطبيعة المرحلة العمرية التي يمران بها، أو للتباين بين تفاصيل مراهقتهما وما كانت عليه مراهقتي، كما أحاول جاهداً عدم تكرار أخطائي تجاههما فور اكتشافها. أبرز مشكلات التعامل مع المراهقين تتمثل في عدم إيمان الأهل بأهمية النقاش، ومن مظاهر تلك المشكلة أن لا يتمكن الأب أو الأم من إدارة حوار جدي مع الابن أو الابنة، أو أن ينتهي الحوار سريعاً بقرار من الأهل دون الانتباه إلى وجهة نظر الأبناء، أو إلى أسباب اعتراضهم على القرار. يخطئ كثير من الآباء حين يسلبون أبناءهم حق الاختيار ظناً منهم أنهم أكثر وعياً من أطفالهم، أو أن الأبناء غير مؤهلين نظراً لحداثة سنهم، أو قلة خبراتهم، لكن الواقع أن هذا الفعل عادة ما يظهر فشل الأهل في إقناع الأبناء بصحة قراراتهم، أو عدم قدرتهم على مواجهة حجج الأبناء القوية. لا أنكر أيضاً أنني أتعلم الكثير من تعاطيهما مع مواقف مختلفة، فمثلما نؤثر نحن في قناعات واختيارات ومستقبل أطفالنا، فإن لهم تأثيراً كبيراً على قراراتنا وخياراتنا ومستقبلنا، وتلك العلاقة التكاملية ضرورية، ويجب البناء عليها. شخصياً، أحاول منح طفليّ القدرة على التعامل مع مستقبل يبدو أسوأ من الواقع السيئ الذي نعيشه حالياً، وأوضاع عالمية ينتظر أن تفتقد إلى كثير من مبادئ العدالة، وتتراجع فيها حريات الأشخاص وقدرتهم على الاختيار بفعل تدخل الحكومات والمؤسسات. ويتطلب التعاطي مع هذا المستقبل في رأيي الكثير من التمسك بالمبادئ والثقة بالنفس، وليس الكثير من التحصيل العلمي.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية