الجمعة، 24 مايو 2019

وسط البلد



 لم تدهشني كثيرا الضجة التي أثارها وسم #وسط_البلد الذي تصدر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر خلال الأسبوع الأخير، فللمنطقة أهمية في الوعي الجمعي المصري، واكتسبت خلال السنوات العشر الأخيرة مكانة مميزة لدى المصريين، وبينهم آلاف المؤثرين على مواقع التواصل، سواء كانوا موالين للنظام، أو معارضين، أو مهادنين. يطلق وصف "وسط البلد" اصطلاحاً على المنطقة التجارية في وسط القاهرة، ويفضل البعض تسميتها "القاهرة الخديوية" لأنه تم إنشاء كثير من مبانيها في عهد الخديوي إسماعيل الذي جعلها تنافس العواصم الأوروبية آنذاك. شهدت المنطقة غالبية التظاهرات والاحتجاجات التي مهدت لقيام "ثورة يناير"، كما كانت مركزاً لتلك الثورة وما تلاها من أحداث، وهي تضم مئات المقاهي وفضاءات التجمع، كما تضم مقار العديد من الصحف ودور النشر والنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، جنباً إلى جنب مع المقار الحكومية مثل البرلمان ومجلس الوزراء وعدد من الوزارات الهامة. يتردد على منطقة وسط البلد يومياً عشرات آلاف المصريين، فضلاً عن سكانها والعاملين فيها، ما يجعلها نموذجاً مصغراً لمجتمع المدينة المصري بكل طبقاته ومشكلاته، إذ لا يمكنك تجاهل وجود عدد من الأثرياء وبعض فاحشي الثراء، وعلى مقربة منهم أعداد من الفقراء وكثير من المهمشين، لكن الطبقة المتوسطة تظل الغالبة على تركيبة السكان، كما ينتمي إليها أغلب زوار المنطقة. في ظل هذا التباين الكبير، يصبح الحديث عن تصنيف واحد يجمع المقيمين والمترددين على وسط البلد محض محاولة بائسة لتزييف الحقائق، فهذا العدد الكبير من الأشخاص تؤثر في اختياراتهم ومواقفهم قناعات وخلفيات وصراعات، بغض النظر عن وجودهم في وسط البلد من عدمه. الواقع أن الإنسان هو الكائن الوحيد على هذا الكوكب الذين لا يمكن تصنيفه ضمن إطار قيمي واحد، إذ إنه قادر على تغيير رأيه ومواقفه بشكل مستمر، بل إن بعضهم تتبدل مواقفهم يومياً، وربما عدة مرات في اليوم الواحد. لا يعني هذا انكار أن للمحيط تأثير على الأشخاص، لكن التباين يظهر عادة في طريقة التفاعل مع الحدث أو الموقف، والأشخاص في "وسط البلد"، كما في بقية مناطق مصر، ليسوا ملائكة، ولا هم شياطين، وإنما بشر يصيبون ويخطئون، وفيهم الصالح والطالح، والواعي والتافه، والمناضل والمتربح، والمحافظ والمتحرر. ومحاولة تحميل هؤلاء مسؤولية مشكلات مصر الحالية والسابقة يمكن اعتباره خلل عقلي متفش، أو ربما هو أحد محاولات نظام الحكم المتكررة لشيطنة الشباب، وخصوصاً شباب وسط القاهرة الذين يعدهم خصماً.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الأحد، 5 مايو 2019

بيئة العمل تقتلنا



تؤكد دراسات وأبحاث عدة مدى خطورة العمل لفترات طويلة وعدم الحصول على أوقات راحة كافية على حياة البشر، اجتماعيا ونفسيا وصحيا، كما بات التوتر والقلق الناتج عن طبيعة العمل بين الأسباب الرائجة للوفاة المبكرة حول العالم. في إندونيسيا، لقي 316 شخصا حتفهم بسبب الإرهاق الشديد الذي تعرضوا له خلال عملهم في مراكز الاقتراع والفرز الخاصة بالانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت منتصف الشهر الماضي، والتي تم إجراءها في يوم واحد توفيرا للنفقات، كما تم فرز أوراق الاقتراع فيها يدويا رغم أن عدد المصوتين بلغ نحو 150 مليونا. وكشف باحثون في "جامعة برلين" نهاية أبريل/نيسان الماضي،، أن الإجهاد الوظيفى وارتفاع ضغط الدم وقلة النوم تجعل الأشخاص أكثر عرضةً للوفاة بأمراض القلب، وفق دراسة استمرت لمدة 18 عاما على عدد كبير من العاملين في مجالات مختلفة. في فبراير/شباط الماضي، قام باحثون بجامعة "أوكلاند للتكنولوجيا" في نيوزيلندا، بتجربة تخفيض أيام العمل من خمسة إلى أربعة أيام على أداء 250 موظفاً في 16 مكان عمل مختلف لمدة ستة أسابيع، فاكتشفوا ارتفاع الإنتاجية بنسبة 20 في المائة، وانخفاضاً بنسبة 7 في المائة في مستويات الإجهاد. واكتشف باحثون في "جامعة أوكسفورد" بعد تحليل للعادات والسجلات الصحية لما يزيد عن 600 ألف شخص في عام 2015، أن ثلث من يعملون لمدة 55 ساعة في الأسبوع يصبحون عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية، مقارنة بأولئك الذين يعملون أقل من 40 ساعة أسبوعيا. وفي كتابه "الموت من أجل الراتب" الذي صدر عام 2018، رصد البروفيسور جيفري فيفر، من "جامعة ستانفورد" الأميركية، أن سوء ظروف العمل والتوتر الناتج عن أساليب المديرين بين الأسباب الرئيسية لموت العاملين، ونصح العمال بعدم الاستسلام لتلك الظروف القاتلة، والحرص على حياتهم أكثر من حرصهم على عملهم. تحتفل الأمم المتحدة في 28 أبريل/ نيسان من كل عام، بـ"اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل" في محاولة لإنقاذ نحو 865 ألف شخص يواجهون احتمال الموت، أو التعرض لإصابات خطرة خلال أوقات العمل، فضلا عن تفشي أمراض منها السكري وارتفاع ضغط الدم والبدانة ومشكلات العمود الفقري بين العمال. وتكرس عدد من الأعمال أنواعا حديثة من الرق، ففي 1996، أقرت منظمة العمل الدولية استراتيجية القضاء على عمل الأطفال في ظروف أشبه بالعبودية بحلول عام 2016، لكنّ ذلك لم يتحقق وفقاً لتقارير المنظمة نفسها، إذ استمر استغلال الأطفال والنساء في ظروف عمل غير أدمية، وخصوصا في أسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية