الأحد، 24 نوفمبر 2019

عن شباب العائلة



عندما تفرض عليك الظروف الابتعاد عن العائلة لفترات طويلة، فإنك تكتشف بعد فترة عدم قدرتك على فهم تصرفات أفراد من عائلتك، وتفسير هذا قد يكون مرده إلى تغير طريقة تفكيرك، أو تغير طريقة تفكير، أو أعمار أفراد العائلة، وعادة كلاهما معاً. لن يكون هذا غريباً في حال كنت تناقش مشكلة شخص آخر، أو تقرأ تجربته الشخصية، لكن عندما يكون الأمر خاصاً بك، وبعائلتك، فلا شك أن تفسيراتك للأمر ستكون مختلفة، وربما تفشل في فهم المشاعر المتباينة التي ستنتابك، والتي قد تشمل الحيرة أو الحزن وربما الغضب. أتواصل عبر مجموعة مغلقة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي مع نحو عشرين شخصاً من عائلتي، وأفراد المجموعة العائلية من الجنسين، تتباين أعمارهم واهتماماتهم وثقافتهم، فمنهم من يدرس بالمرحلة الابتدائية، ومراهقون ومراهقات، وشباب وشابات، وأولياء أمورهم من أشقائي وأبناء عمومتي. تأسست المجموعة في الأصل لتبادل الأخبار الشخصية، والصور، والمعلومات عن العائلة، وهي مكان لتبادل التهاني في المناسبات، والمحافظة على الروابط العائلية، خصوصاً بالنسبة للجيل الأصغر الذي لا يملك نفس الأجواء الحميمية التي كان يتمتع بها الجيل الأكبر لأسباب بينها انشغال الكبار الذي لا يسمح لهم بأن يقابلوا بعضهم كثيراً، والمسافات التي تفصل بين أفراد العائلة بعد أن بات لكل منهم عائلته الخاصة، فضلاً عن مواقع التواصل التي باتت سبباً لقلة اللقاءات المباشرة. الأفراد الأصغر سناً في المجموعة هم الأكثر تفاعلاً، وهم أيضا الأكثر انفتاحاً، وصراحة، في حين يحجم آباؤهم وأمهاتهم عن الإسهاب في كتابة آرائهم أو أفكارهم خشية أن يتصيدهم أبناؤهم، كما أن التواصل الإلكتروني لا يغريهم كثيراً. ينصب اهتمام الكبار في الأغلب على محاولات تصويب أفكار الصغار، وأحياناً تهديدهم، وفي أحيان أخرى تقريعهم، وهي ممارسات أحرص على التصدي لها، وتحريض الجيل الأصغر على مقاومتها، ومطالبة الأهل بعدم استخدامها مع الأبناء. ينزعج الكبار دوماً من أسلوبي، لكن هذا لا يجعلني أحجم عن الدفاع عن حقوق الصغار، وحريتهم في التعبير. لطالما كانت طريقة تفكيري مختلفة عن أشقائي وأبناء عمومتي، ولطالما كانت علاقتي بمواقع التواصل والتقنية متطورة عنهم؛ ربما لأسباب تتعلق بطبيعة عملي، وأسفاري المتكررة، وتواصلي مع أشخاص من جنسيات وخلفيات حضارية وثقافية متباينة. لكن الأبرز في التجربة العائلية هو ما أتعلمه يومياً من هؤلاء الأطفال والشباب، من الجنسين، والذين أتيح لهم ما لم يتح للجيل الأكبر من تطور تقني يصبغ طريقة تفكيرهم وتصرفاتهم.




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

السبت، 9 نوفمبر 2019

على هامش أزمة الشعراوي



مات الشيخ محمد متولي الشعراوي قبل أكثر من عشرين سنة (1911 - 1998)، ورغم ذلك يتجدد ويتكرر الجدل حول تصريحاته وميراثه الديني والدعوي لأسباب متباينة أغلبها له علاقة برغبة السلطات في مصر في فتح مجالات نقاش هامشية تشغل الناس عن مشكلاتهم اليومية الحقيقية.
بداية، لست من "دراويش" الشيخ الشعراوي، ودراويش الشخص حسب المعنى الرائج هم تلك الفئة من الناس التي تدافع عنه بلا عقل أو تعقل، حتى إن بعضهم يعتبر كل إيجابياته أقرب إلى المعجزات، وكل سلبياته مجرد محاولات من الآخرين للانتقاص منه، متجاهلين كونه بشراً يصيب ويخطئ.
في الأصل؛ يجب أن يكون الفارق واضحاً بين الانتقاد المتاح لكل الناس ضمن حرية الرأي والتعبير، وبين الاتهام العلمي الذي لا يجوز إلا لذوي الاختصاص. من حق كل شخص أن ينتقد أسلوب الشيخ الشعراوي الدعوي، أو حتى يرفضه، باعتبار أنه لا يعجبه، أو لا يناسبه، فقد اعتمد الشيخ الراحل أسلوباً قريباً بالأساس من أنصاف المتعلمين وغير المتعلمين، وكان هذا اختياراً موفقاً، إذ إن المجتمع الذي كان يستهدفه بخطابه يضم الملايين من هؤلاء.
لكن هذا المجتمع نفسه يضم عشرات الآلاف من المتعلمين، ومئات الآلاف ممن يظنون أنفسهم متعلمين أيضاً، وهؤلاء لا يناسب كثير منهم الأسلوب الشعبي للشعراوي، فهم يرون أنفسهم في منزلة أعلى من العامة، ومنهم من يعتبر أن هذا الأسلوب انتقاص من القدرات العلمية والثقافية المتخيلة للمجتمع. كل هذا مقبول ومتاح، لكن الأمر مختلف تماماً عندما نتطرق إلى الاتهام المباشر الموجه إلى المحتوى العلمي، إذ علينا وقتها أن نترك المجال للمتخصصين، فليس هذا من شؤون العامة.
إحدى مشاكلنا عربياً يتمثل في غياب الدراسات العلمية المتخصصة، فتجد طبيباً يتحدث كمتخصص في التاريخ، أو مهندساً يتناول نظريات الفلسفة، وكثيرين يتكلمون في الدين والسياسة والاقتصاد كأنهم متخصصون؛ رغم أن كل ما يعرفونه لا يتعدى الثقافة العامة، أو الانطباعات التي لا يمكن وفقها بناء رأي علمي. تغيب ‏في بلادنا ثقافة المتخصص الذي يتصدى لدراسة الموضوعات، أو الشخصيات، عن طريق الاستفاضة في سرد المعلومات والمشكلات، والإيجابيات والسلبيات، بحياد وتجرد، ووفق منهج علمي، ثم يترك الحكم للقراء. ولهذا السبب يظل كثير من الموضوعات التي تشغل مجتمعاتنا بلا تأصيل واضح، وتدور المناقشات فيها عادة حول الهوامش وليس الوقائع، فتنتشر الأكاذيب والأهواء.
وهذا السبب نفسه، يجعلنا نعاني من غياب حلول عملية معتمدة على مشاركة المجتمع بعد أن تم تغييبه عن قصد، مما يتيح للسلطة الحاكمة فعل ما يحلو لها.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية