الأحد، 15 يوليو 2018

سكك حديد مصر


لم تكن علاقتي جيدة يوما بالقطارات، رغم أن مصر تمتلك خطوط سكك حديدية ممتدة، ويتفاخر المصريون أحيانا بأنها من الأقدم في العالم، على الرغم من أن كونها تاريخية يعني فقط أنها متهالكة وخدماتها شبه منعدمة.
 كنت معتادا على التنقل بسيارات الأجرة والحافلات، فهي وإن كانت أكثر كلفة، على الأغلب، إلا أنها كانت أسرع، بخلاف القطارات المعروف عنها عدم انضباط مواعيدها.
كان البعض يعتبر القطارات أكثر أمنا من غيرها، وكانت قناعتي، ولازالت، أن كل وسائل النقل في مصر غير آمنة، فترتيب مصر في معدلات حوادث السير حول العالم متقدم، وفي السنوات العشرين الأخيرة، شهدت البلاد آلاف حوادث السير التي راح ضحيتها عشرات آلاف الأشخاص بين مصابين ومتوفين.
 وعلى عكس علاقتي المقطوعة بالقطارات، كانت تربطني لسنوات طوال علاقة شبه يومية بقطارات أنفاق القاهرة الكبرى التي يسميها المصريون "المترو"، إذ كنت أستخدم المترو في أغلب تنقلاتي بين أحياء ومناطق العاصمة، ورغم أنه لم يكن بنفس انضباط المواعيد التي كان عليها في السابق عندما كانت تديره الشركة الفرنسية، إلا أنه كان أفضل بقية وسائل النقل بسبب الزحام الشديد والنظام الغائب الذي يعرفه كل من زار القاهرة.
لذا كان المترو خياري المفضل يوميا، فرحلة الوصول باستخدامه تستغرق بين 15 إلى 20 دقيقة فقط، ويسبقها نحو 10 دقائق من المشي من منزلي إلى المترو، ويتلوها بضعة دقائق مشي أخرى من المترو إلى المكتب.
لسنوات كان عملي على مقربة من مسكني، وقطعت المسافة بينها على قدمي مرات معدودة، أغلبها خلال فترات إغلاق الطرق بسبب حظر التجول، وكانت الرحلة تستغرق نحو ساعة واحدة فقط سيرا، ومرات كثيرة استخدمت السيارة للوصول إلى العمل، وهي رحلة يفترض أن تستغرق 15 دقيقة، لكنها أحيانا كانت تستغرق أكثر من ساعتين كاملتين بسبب الاختناقات المرورية.
  رحلات المترو ليست كلها جيدة، فالزحام عادة خانق، والخدمات غائبة، والمحطات متدهورة، وأحوال القطارات سيئة على مستوى النظافة والتهوية، لكن كل تلك المشكلات يمكن التغاضي عنها باعتبار أن وسائل النقل الأخرى أسوأ حالا، كما أن تكلفة التنقل بالمترو كانت أقل. قبل شهرين، تم رفع أسعار تذاكر المترو بنسبة 300 في المائة بحجة تحسين الخدمة، ومؤخرا تم الإعلان عن الاستعداد لرفع أسعار تذاكر القطارات بنسبة تقترب من 200 في المائة بنفس الحجة، لتتضاعف التكلفة.
وخلال الأسبوع الأخير انقلبت عربتان من قطار مترو في محطة المرج، وبعد يومين، انقلبت ست عربات من قطار الصعيد جنوب الجيزة، فأين إذن تحسن الخدمات؟



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الأحد، 8 يوليو 2018

صورة بلا صوت



في مكتبنا حائط مكتظ بعدد كبير من شاشات التليفزيون، وغالبيتها مضبوطة على ترددات قنوات إخبارية متباينة بغرض متابعة أحداث العالم جنبا إلى جنب مع وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية التي نتابعها على مدار الساعة، وأحدها حاليا مخصص لمباريات كرة القدم بالتزامن مع كأس العالم في روسيا. كل المتواجدين في المكتب تربطهم بالأخبار علاقة وطيدة بسبب المهنة التي يمارسونها، ما يمنح الحائط أهمية كبيرة، حتى بات مطالعة الشاشات أحد التصرفات الغريزية، مثل التنفس، كما لا يخلو الأمر عادة من تنبيه أحد المتواجدين للباقين لمتابعة أحد الشاشات التي تعرض خبرا عاجلا، أو حدثا غريبا، أو مادة خاصة. كل ذلك يبدو عاديا ومتكررا، كما أن رفع صوت أحد القنوات، وهو أمر محظور في المعتاد، يصبح طبيعيا في حال كانت تعرض حدثا غير عادي، وهذا يجري مؤخرا مع مباريات المونديال دون غضاضة من أحد، حتى هؤلاء الذين لا يهتمون بكرة القدم. ولأن كل الشاشات بلا صوت في العادة، فإن غالبية التعليقات تركز على الصورة، ويحوز مقدمو ومقدمات البرامج ونشرات الأخبار على القسم الأكبر من التعليقات وأحيانا الانتقادات، ولا يخلو الأمر أبدا من السخرية، وأحيانا يحوز ضيوفهم الاهتمام، خصوصا لو كانوا من المشاهير. البعض يركزون على الملابس، وأخرين يهمهم وسامة الرجال أو جمال النساء، والغالبية يناقشون تطور شكل الأشخاص بمرور السنوات، سواء كانوا يتابعونهم تليفزيونيا، أو يعرفونهم بشكل شخصي، فهذا زاد وزنه، أو قام بزراعة شعر، وهذه أجرت جراحات تجميل، أو فقدت الكثير من الوزن، وهذا تطورت ذائقته في ارتداء الملابس، وتلك باتت تقتني ملابسها من دور أزياء عالمية بعد أن كانت أزياءها لا تناسب مهنتها، وأحيانا ما يدور الحديث حول الجنسية، والخلفية الثقافية أو السياسية، أو الوضع الاجتماعي للشخص. اللافت أنه نادرا ما تتحول دفة الحديث إلى تقييمهم مهنيا، وربما يكون السبب تكرار تقييمهم سابقا حتى باتت قدراتهم أمرا مسلما به لدى الجميع، أو ربما لأن غالبيتهم لا يتطورون، أو بالأحرى لا يتطورون بالشكل الكافي لإعادة تقييمهم. على فترات متباعدة يبرز في مكتبنا صوت ينتقد اهتمامنا بالحديث عن الشكل أو الملابس، لكنه يخفت سريعا بسبب ما يبدو أنه أشبه باتفاق ضمني على أن النقد مباح، وحتى بعض السخرية، خصوصا أن بعضنا تربطه بعدد منهم علاقات صداقة أو زمالة قديمة. لكن الحديث عن مقدمي ومقدمات برامج التليفزيون لا يمكن أن يقارن بالتعليقات اللاذعة التي نسمعها عندما يكون أحد الزملاء ضيفا تليفزيونيا، خصوصا الضيوف المكررين.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الاثنين، 2 يوليو 2018

الخبز والحرية معا


اختار بعض الناس الخبز بديلاً عن الحرية، وبعضهم انشغل بالبحث عن الحرية المطلقة دون الانتباه إلى خطورة غياب الخبز، رغم أن المنطق يؤكد أن كليهما لازم لاستمرار الحياة، وأن توفر أحدهما دون الآخر لا يوفّر حياة كريمة.
 لما ظهرت الدولة كنظام حكم بدأ تصنيف الناس، فهناك حكام ومحكومين، وفقراء وأغنياء، وأحرار وعبيد. كان الناس دوما يتعاملون مع بعضهم البعض وفق منطق القوة، فباتت الدولة تتعامل معهم كذلك بنفس المنطق، وعلى الرغم من أنها في الأصل مسؤولة عن تطبيق العدالة والمساواة بين الناس، إلا أن غالبية الأنظمة اختارت أن تكون ندا للمواطنين، أو بالأحرى عدوا لهم.
 ومع ظهور مصطلح الدول الكبرى أو الإمبراطوريات، بدأت تتغير مفاهيم كثير من الحقوق والحريات الشخصية للأفراد، والحجة دائما حماية الدولة من الأخطار، وهو زعم كان ولازال يعني استمرار بقاء الحاكم على رأس الدولة، حتى لو كان فاشلا، وخصوصا لو كان مستبدا.

في دول العالم الثالث، هناك من يفتقرون إلى الخبز، وهناك من يفتقرون إلى الحرية، وكثيرون يفتقرون إليهما معاً، وهذا يفسر التقلبات والتحولات المجتمعية والسياسية المتكررة، كما يمكن وفقه تفسير موجات الهجرة التي أصابت العالم عدة مرات بأزمات خانقة، بينها أزمة الهجرة نحو الشمال القائمة حاليا.
تفشل الحكومة في الوفاء بمتطلبات المواطنين الأساسية، فتطالبهم بعدم تحميل الحكومة المسؤولية. ثم عندما تنجز أي مشروع، حتى لو كان وهمياً أو محدود المنفعة، فالمواطن مطالب بالثناء عليها وعلى إنجازاتها.
 إن فشلت الحكومة فالمواطن هو السبب وعليه يقع اللوم والضرر، وإن نجحت فالمواطن لا دور له في النجاح، ولا يستفيد منه في الأغلب.

عرف التاريخ عشرات آلاف الثورات، وفي غالبيتها العظمى كان الخبز هو المطلب الأساسي، بعض تلك الثورات نجح في تحقيق مطالبه، وغالبيتها فشلت، لكن تكرار الفشل لم يتسبب أبداً في توقف الناس عن الثورة بأشكالها المختلفة للمطالبة بحقوقهم، وأبرزها الخبز والحرية، حتى عندما تؤدي تلك الثورات إلى تدني أحوالهم المعيشية، أو فرض قيود أكبر على حرياتهم.

وقائع التاريخ تؤكد أن الشعوب لن تتوقف عن الثورة على الفاسدين والمستبدين حتى تتحقق لهم كامل المطالب وتتاح لهم كل الحقوق، وأتباع الحكومات المستبدة في الشرق الأوسط الذين يلوكون ليل نهار أن الشعوب لن تقدم على ثورة جديدة لأنها عانت من آثار الربيع العربي بعد أن تعرض للهزيمة على يد الثورات المضادة، يعرفون أنهم واهمون، ويدركون أن الثورة قادمة لتطيح بهم وبمن يدعمونه، وأنها لن تكون كسابقتها.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية