تربى
داخل الجماعة منغلقا على نفسه، مطيعا لقياداته، لا يخالف قرار مجلس شورى الجماعة، ولا
يخرج عن الإجماع، يحمل الكثير من الشكوك تجاه الأخرين بحكم التنشئة في بيئة يعيش أفرادها
مطاردين، لا يثق إلا فيمن هم مثله، أعضاء في الجماعة، لا يصدق إلا ما يقوله له المنتسبون
لجماعته، حتى وإن خالف العقل والمنطق أحيانا.
ربما
كان التفكير سيئا، وكانت التنشئة خاطئة، لكن في الأوضاع المماثلة لما عاشته جماعة الإخوان،
فإن تلك القيود وحدها سمحت ببقاء الجماعة، رغم كل محاولات الإجهاز عليها.
وتلك
قناعة راسخة لدى معظم المنتسبين للجماعة، يواجهون بها من ينتقد خضوعهم للقيود والتزامهم
بالأوامر جاءت الثورة، وتغيرت الأمور، تغيرت الأوضاع وتغير الأشخاص، ظهرت حقائق واتضحت
أطماع، لم يعد الإخوان ذلك الفصيل القوي المعارض لمبارك، المضطهد المعتقل الممنوع من
العمل علنا، بل على العكس تماما، باتت الجماعة تمارس السياسة والتجارة والعمل الأهلي
في الشارع، وبدعم من كيانات كانت تطاردها وتهاجمها ليل نهار. وربما
كانت تلك خطة محكمة للإيقاع بهم.
اختلط الأمر على بعض أعضاء الجماعة، بعضهم كانوا قيادات
وسيطة، أو على وشك التحول على قيادات وسيطة، بعضهم برز نجمه بسبب الثورة، فاستهوته
الأضواء وبات حرصه على الظهور والشهرة أكبر من حرصه السابق على الجماعة ووحدة الصف
وبقاء واستقرار الكيان، وفق ما كانوا هم أنفسهم يرددون سابقا.
بدأ
التمرد داخل جماعة الإخوان مبكرا، قاده أشخاص معظمهم شباب ليس لهم مناصب وليسوا مرشحين لمناصب، ليسوا
قيادات، ويخشون أنهم لن يتحولوا إلى قيادات، كان يطلق عليهم داخل الجماعة وفق ما سمعته
من قيادات فيها "العيال".
لا شك أن الطمع كغريزة بشرية أمر قائم. لكن لا يجب أن نلقي بالتبعة على المتمردين وحدهم، فعواجيز الجماعة وقياداتها يحملون العبء الأكبر، هم تركوا الشباب لهواجسهم، وانصرفوا إلى ما يظنون أنه أهم من التخطيط لمستقبل جماعتهم، بينما لم ينتبهوا إلى ترتيب البيت من الداخل أولا، وتأهيل الجماعة للوضع الجديد الذي لم تعرفه سابقا.
لا شك أن الطمع كغريزة بشرية أمر قائم. لكن لا يجب أن نلقي بالتبعة على المتمردين وحدهم، فعواجيز الجماعة وقياداتها يحملون العبء الأكبر، هم تركوا الشباب لهواجسهم، وانصرفوا إلى ما يظنون أنه أهم من التخطيط لمستقبل جماعتهم، بينما لم ينتبهوا إلى ترتيب البيت من الداخل أولا، وتأهيل الجماعة للوضع الجديد الذي لم تعرفه سابقا.
تم
احتواء التمرد داخل الجماعة سريعا بالفعل، وعادت لتماسكها الشكلي، بعد أن لفظت عددا
من الأشخاص، بينهم قيادات كبار أبرزهم عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب، وعدد من الشباب
المتحمس، والذين بات يطلق عليهم "العيال"، وفي قول أخر أكثر شهرة "إكس
إخوان".
ظاهرة
الـ"إكس إخوان" ملفتة بلا شك، فرغم عددهم المحدود إلا أن صوتهم زاعق، ورغم
أن معظمهم كان بلا قيمة حقيقية داخل الجماعة، إلا أن الاهتمام الإعلامي بهم كبير، والأسباب
واضحة ومفهومة طبعا، فلا أحد يمكنه أن يسيء لجماعة مثلما يفعل أعضاءها السابقين، وبالتالي
فإن احتضان هؤلاء مهم، ودعمهم مطلوب، ويقوم به كارهو الإخوان على قدم وساق.
لكن
وبطبيعة الأشياء، فإن "الإكس إخوان" تطورت أوضاعهم من مجرد الرغبة في الشهرة،
والغضب من طردهم من الجماعة واتهامهم بالمارقين، إلى حالة شبه مرضية يبدو أنه لا فكاك
لهم منها.
انضم
بعضهم إلى مجانين "30 يونيو"، وتحول بعضهم إلى ضيوف دائمين على قنوات الفلول،
وانتشر بعضهم في الأنحاء يهاجمون جماعتهم وقيادتها الشائخة ليل نهار.
دون
أن يقولوا لنا مرة واحدة، لماذا ظلوا أعضاء في الجماعة لسنوات دون تغيير القيادات أو
اللوائح أو تطوير الأداء.
لا
يمكن أن يتجاهل عاقل مسئولية الجماعة عن التحول الذي يعانيه هؤلاء الأعضاء الشاردين،
ولا يجوز أبدا نكران العديد من الأخطاء التي وقعت فيها الجماعة بعد الثورة، ولا زالت
تكرر بعضها حتى الأن، وليس مقبولا، بطبيعة الحال، أن يكون انتقاد الإخوان أو تفصيل
مشكلاتهم تهمة، بحجة أن الوقت ليس مناسبا.
لكن
وفي الوقت ذاته، لم يعد أداء هؤلاء "العيال" ممن يتم توصيفهم بأنهم
"إكس إخوان" مقبولا أو طبيعيا، ما كان يقبل منهم وهم داخل الجماعة لم يعد
مقبولا وهم خارجها، ما كان يمكن تصديقه من كلامهم سابقا، بات هراء ممجوجا لا يمتلكون
عليه في الأغلب الأعم حجة ولا منطق، ناهيك عن تبريراتهم وطريقة عرضهم لمواقفهم وأراءهم
التي لا تختلف كثيرا، ربما بحسب العادة، عن تبريرات وطريقة الإخوان الذين يستمرون في
مطاردتنا بالكثير من التفاصيل التي تجاوزها الزمن أو بات تكرارها لا يطاق.
يحمل
"الإكس إخوان" كل مشكلات جماعتهم السابقة التنظيمية والأيدولوجية والسياسية،
وأضيف إليهم مشكلات جديدة صنعتها مرارتهم من جماعتهم السابقة، باتت تطاردهم وتضعف حجتهم،
فهم تفرغوا لتجرع غضبهم واجتراره، ثم طرحه في وجوهنا ليل نهار، وكأنه لا مشاكل لدينا
إلا طرد الإخوان لهم، وكأننا لا نعاني إلا العلاقات الداخلية بين قيادات الإخوان وقواعدهم.
هم
اعتادوا أن يعيشوا تلك الحياة داخل الجماعة، وعندما خرجوا منها مطرودين أو غاضبين،
لا يستطيعون حتى الأن التكيف مع الأوضاع الجديدة، ويتصرفون كما لو أنهم لا زالوا داخل
الجماعة، يفكرون بنفس الطريقة، ويتحدثون بنفس المنطق، من يعارضهم عدو، ومن يخالفهم
جاهل، ومن يكشف سوءاتهم حاقد. ارحمونا يرحمكم الله.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية