يظن كثيرون أن الحكومات العربية هي الأسوأ على كوكب الأرض، وربما كان لديهم بعض الحق، لكن حكوماتنا تتشابه في كثير من الأمور مع غالبية حكومات العالم، فجميع الحكومات تتسم بأشكال متباينة من الفساد والتضليل والكذب. أول مبادئ علم الصحافة، حسب خلاصة خبرة الصحافي الاستقصائي وأستاذ علم الصحافة الأميركي، أي إف ستون: "الحكومات تكذب. كل الحكومات تكذب". الفارق أن العديد من الدول أقرت مبدأ تداول السلطة الذي يجعل الحكومة تفكر ألف مرة قبل أن تكذب على شعبها أو تنهب ثرواته، خوفا من يوم حساب، وإن تأخر. لازال مبدأ تداول السلطة مرفوضا في غالبية بلادنا، حتى أن الدول العربية القليلة التي عرفت تداولا شكليا للسلطة لم تتمكن بعد من إقراره كمبدأ، لكني لا أشك أن هذا الوضع سيتغير رغما عن الجميع. كانت لملوك أوروبا سلطات شبه إلهية قبل أقل من مائتي سنة. كان الملك يكرر أنه يحكم باسم الرب، ولا يعارضه رجال الدين. مثلما هو حال عدد من منافقي بعض الحكام العرب. حاليا كل ملوك أوروبا يملكون ولا يحكمون، والوضع مماثل في عدد كبير من ممالك أسيا. كان للكنيسة في أوروبا قبل بضعة قرون سطوة كبيرة على المجتمع، وقامت حروب بين الدول لمجرد اختلاف الكنائس. الكنائس الأوربية حاليا ليس لها نفس القوة، ولا السطوة الروحية القديمة. السيطرة على قرار الفاتيكان مثلا، كان سببا في صراعات دموية بين الدول الأوربية، إلى أن تم إقرار الفاتيكان دولة مستقلة لا تخضع لأي دولة، وإن كانت هناك ضغوط دائمة. يوما ما ستتغير بلادنا أيضا، والتغيير أصبح سريعا بحكم العصر، فما كان يستغرق في الماضي مائة سنة قد لا يستغرق حاليا عشر سنوات، وقد لا يستغرق في المستقبل سنة واحدة. يرى صديقي الهولندي أن غالبية مشاكلنا يمكن تجاوزها بسهولة لو أننا نرغب في تجاوزها. أجادله كثيرا، وأعترض على مقترحاته التي لا تناسب الواقع العربي، لكنه يواصل التأكيد على أن المشكلات العربية سببها العرب أنفسهم. لا يفهم صديقي الباحث الهولندي لماذا تتحكم السعودية وحدها في مكة والمدينة، ولا كيف يوافق أكثر من مليار مسلم في عشرات من دول العالم أن تسمح دولة واحدة لمن تشاء أو تمنع من تشاء من زيارة الأماكن المقدسة، والحل في رأيه هو تطبيق النموذج الفاتيكاني. أخبره أن هناك محاولات لطرح قضية "تدويل الحرمين"، لكنها لا تلقى دعما من أغلب الدول الإسلامية، فيكرر: قلت لك أنكم سبب مشاكلكم، قبل أن ينتقل إلى قضية أخرى شائكة قائلا: لو بدأت قضية التدويل فإنها لن تتوقف عند مكة والمدينة، وإنما ستمتد أيضا إلى وضع القدس.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية