كلّما انتفض أفراد من أيّ شعب عربي طلباً للحقوق والحريات والعيش الكريم التي تتجاهلها حكوماتهم الديكتاتورية الفاشلة الفاسدة المستبدة، ظهر من يتّهمهم بالخيانة في بلادهم، وفي بلاد أخرى تخشى أن تصلها عدوى الاحتجاجات الاجتماعية. الشعوب العربية مقهورة وحقوقها ضائعة أو منقوصة. حتى هؤلاء الذين يروّجون أنّهم يتمتعون بالعيش الرغيد، فإنّ أحداً منهم لا يملك رفع صوته لانتقاد الحكومة أو الحاكم، مهما فعل؛ وهو يكتفي بالتمتع بالمال لكنّه لا يعرف المعنى الحقيقي للحرية، وكثيراً ما يزعم هؤلاء أنّ العيش في أمان أهمّ من الحرية. الحكومات في العالم العربي، شرقاً وغرباً، مستبّدة أو تدعم الاستبداد، ولو زعم بعضها العكس، تمارس التطبيع مع إسرائيل علناً وسراً، ثمّ تروّج أنّها تدعم حقّ الشعب الفلسطيني في التحرّر. تأتمر بأوامر ترامب أو بوتين، ثم تدّعي أنّها تحكم دولاً ذات سيادة. يكره أغلب حكام العرب ثورات الربيع العربي لأنّ مطالبها كانت مشاركة الشعب في الثروة والقرار، بينما كثير منهم يفعل ما يشاء وقتما يشاء من دون حساب، ولا تعرف الشعوب العربية الديمقراطية، ما يجعل أوضاعها مزرية. يرفض البعض حكم العسكريّين بعد أن ثبت فشله حول العالم، بينما ما زال البعض عربياً يتمسّك به، والأوضاع في مصر وفي الجزائر وفي السودان وفي موريتانيا تشهد بالفشل. بشار الأسد ليس عسكرياً، لكنّه أيضاً ليس رئيساً ديمقراطياً لسورية، وإنّما ورث الحكم من والده الجنرال. عمر البشير جاء به الإخوان في انقلاب عسكري إلى سدّة الحكم في السودان، ظناً بأنّه سيترك السلطة لاحقاً، لكنه لم يفعل. وسبقه في ذلك جمال عبد الناصر في مصر، الذي أطاح بالرئيس محمد نجيب حين فكر في تسليم السلطة إلى المدنيين ليعود الجيش إلى ممارسة مهامه في حماية الحدود. لست من أنصار نظرية المؤامرة، لكن المؤامرة على بلاد العرب واضحة، إذ إنّ هناك من قرّر تدمير كلّ بلاد العرب الكبرى الغنية، أو تحويل شعوبها إلى فقراء، أو إغراقهم في الجهل. هذا هو الوضع حالياً في حواضر عربية كبرى مثل العراق وسورية واليمن والسودان والجزائر، وسبق ذلك فلسطين. من يدمّر البلدان العربية ليس عربياً، هو المستعمر القديم نفسه، وحكّام العرب متواطئون معه. مصر والسعودية على وجه الخصوص. في أيّ كارثة عربية، يتجاهل حكام العرب الضحايا لأنّهم عادة متورّطون أو مسؤولون أو مقصّرون. قارن ذلك بتوافدهم على باريس للمشاركة في مسيرة ضدّ الإرهاب. في تظاهرات السودان، يتجاهل الإعلام العربي الأحداث، وكذا يفعل الإعلام الغربي. قارن ذلك بالتغطية الواسعة لتظاهرات السترات الصفراء في فرنسا.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية