يأمل عدد كبير من المصريين، والعرب، أن يؤدي خروج مصر من أزماتها الراهنة إلى إنهاء كثير من الأزمات بمنطقة الشرق الأوسط، على اعتبار أن مكانة مصر وقدراتها في مجالات عدة كانت قادرة في أوقات سابقة على تحقيق ذلك. لكن هذا المنطق، في رأيي، يناقض الواقع، ومن يردده إما جاهل أو ساذج، وربما منخدع بما يروّجه حكام مصر كذباً من أنها استعادت مكانتها اللائقة، وهي مكانة تتراجع منذ عقود لأسباب متباينة، على رأسها سوء تصرف حكام البلاد أنفسهم، والأوضاع الإقليمية والدولية. في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كانت الدولة المصرية تتدخل في شؤون كل دول الجوار بأشكال مختلفة، بينها القوة العسكرية. حدث هذا في اليمن كمثال صارخ، وكان التحالف مع سورية وتكوين الجمهورية العربية المتحدة جزءاً من رغبة مصرية في التوسع أو السيطرة، لكن تلك الرغبة ذاتها كانت سبباً مباشراً في عدم صمود تلك الوحدة طويلاً، وكان عبد الناصر لا يتورع عن تهديد دول وحكام. لا شك أن مصر وقتها كانت تمتلك أيضاً قوة ناعمة مؤثرة تتمثل في الإعلام والثقافة والسينما، والمدرسين والأطباء والمهندسين، لكن هزيمة الجيش المصري في اليمن، ثم هزيمة 1967 أضرت كثيراً بهذه القوة. في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، خسرت مصر المزيد من قوتها على جميع المستويات، حتى أن غالبية الدول العربية قاطعتها بعد اتفاقية كامب ديفيد مع العدو الإسرائيلي، كما تدهورت قوتها الناعمة أيضاً خلال مهاترات الانفتاح الساداتي. في عهد الرئيس السابق حسني مبارك زاد اعتماد مصر على الدعم الخارجي، العربي والدولي، ما جعل قرارها محكوماً بتوجهات المانحين، ومرتهناً بمواقفهم. ظل نظام مبارك بمناوراته وألاعيبه قادراً على البقاء، لكن هذا لم يمكّن البلاد من أي مكانة أو قوة. بمرور السنوات، فقدت مصر الثقل الكبير السابق في محيطها العربي، وتراجعت قوتها الناعمة في مقابل قوى أخرى؛ ربما ما زالت الذاكرة العربية تعتبرها حاضرة مهمة، لكن الواقع أن دولاً أخرى باتت تحتل المكانة الأهم، سياسياً واقتصادياً، وإعلامياً وفنياً. ولا شك أن استعادة مصر لمكانتها السابقة ليس بالأمر السهل، ربما لأن الخسارة فادحة، أو لأنها خسارة على مستويات متعددة، فضلاً عن أن العرب بعد فورة النفط، والتحالفات المتشعبة، انسلخوا تماماً من شعارات القومية الناصرية إلى الهموم المحلية، ناهيك عن تداعيات التبعية، أميركية كانت أم روسية. الوضع المصري مزر جداً، وتوقع تغييره خلال فترة وجيزة ضرب من الخيال، ومثله تماماً الواقع العربي. علينا دائماً الاعتراف بحقيقة الواقع، وبعدها التمسك بالأمل كضرورة.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية