عن العربي الجديد
"عند موت من نحب نكفِّنه. نلفه برحمة ونحفر في الأرض عميقاً. نبكي.
نعرف أننا ندفنه لنمضي إلى مواصلة الحياة"، هكذا كتبت الروائية والناقدة
والأكاديمية المصرية رضوى عاشور في روايتها البديعة "الطنطورية" الصادرة
في القاهرة عام 2010.
فجر
اليوم الاثنين، رحلت رضوى عاشور عن عمر 68 عاماً، تاركةًّ وراءها سيرة انسانية
متميزة، وميراثا أدبياً يليق بها.
رحلت
تاركة زوجها الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، وابنها الشاعر تميم البرغوثي،
وآلافاً من الأصدقاء في أنحاء الأرض، وملايين القراء الذين يدركون الفارق بين
الأدب الجيد، وذاك المتكلف أو المصطنع.
"لكل
أمر تحت السماوات وقت، للولادة وقت، وللموت وقت، للغرس وقت ولخلع المغروس وقت"،
هكذا كتبت رضوى في رائعتها الأدبية "ثلاثية_غرناطة". وفي "الطنطورية"
كتبت "أمسى البكاء مبتذلا. ربما لأن الدموع صارت تستحي من نفسها.. لا مجال".
ولدت
رضوى عاشور في القاهرة، في 26 مايو/أيار 1946، وهي قاصة وروائية وناقدة أدبية
وأستاذة جامعية، يتميّز مشروعها الأدبي بتيمات التحرر الوطني والإنساني، وأعمالها
الأدبية والنقدية منشورة بالعربية والإنكليزية، وقد ترجمت بعض أعمالها إلى
الإنكليزية والإسبانية والإيطالية والإندونيسية.
وكانت
الراحلة تكرر دوما: "أكتب لأنني أحب الكتابة، وأحب الكتابة لأن الحياة
تستوقفني، تُدهشني، تشغلني، تستوعبني، تُربكني وتُخيفني وأنا مولعةٌ بهـا".
درست
اللغة الإنكليزية في كلية الآداب في جامعة القاهرة، وبعد حصولها على شهادة
الماجستير في الأدب المقارن، انتقلت إلى الولايات المتحدة حيث نالت شهادة
الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس، بأطروحة حول الأدب الإفريقي الأميركي.
في
العام 1977، نشرت رضوى عاشور أول أعمالها النقدية "الطريق إلى الخيمة الأخرى"
حول التجربة الأدبية لغسان كنفاني. وفي العام 1978 صدر لها بالإنكليزية كتاب "جبران
وبليك"، وهو دراسة نقدية شكلت أطروحتها لنيل شهادة الماجستير سنة 1972.
أما
في العام 1979، وفي ظل حكم الرئيس أنور السادات، تمّ منع زوجها الشاعر الفلسطيني
مريد البرغوثي من الإقامة في مصر، ما أدى إلى تشتيت أسرتها.
أولى
رواياتها كانت "أيام طالبة مصرية في أميركا" عام 1983، وأتبعتها بإصدار
ثلاث روايات هي "حجر دافئ"، و"خديجة وسوسن" و"سراج"،
وفي الأخيرة كتبت: "الأموات يحتاجوننا كما نحتاجهم، إن لم نوافهم بالسؤال
يثقلهم الحزن و تركبهم الوحشـة"، كان الموت بالنسبة لها أمراً هاماً، عبرت
عنه في رواياتها كثيرا، بقدر تعبيرها عن الحياة.
لكن
تبقى أبرز ابداعاتها الأدبية روايتها التاريخية "ثلاثية غرناطة"، التي
صدر الجزء الأول منها سنة 1994، والتي حازت بفضلها على جائزة أفضل كتاب لسنة 1994
في مصر.
في
الثلاثية الشهيرة، كتبت رضوى: ما الخطأ في أن يتعلق الغريق بلوح خشب أو عود أو
قشة؟ ما الجرم في أن يصنع لنفسه قنديلا مزججا وملونا لكي يتحمل عتمة أيامه؟ ما
الخطيئة في أن يتطلع إلى يوم جديد آملا ومستبشرا؟
عملت
الراحلة بين العامين 1990 و1993 كرئيسة لقسم اللغة الإنكليزية وآدابها بكلية
الآداب بجامعة عين شمس، ما شغلها بعض الشيء عن الكتابة، ونشرت بين الأعوام 1999 و2012
أربع روايات ومجموعة قصصية واحدة، أبرزها رواية "الطنطورية" (2010) ومجموعة
"تقارير السيدة راء" القصصية.
لكن
مع بداية الألفية الثالثة، عادت للنقد الأدبي، إذ أصدرت مجموعة من الأعمال تتناول
مجال النقد التطبيقي، وساهمت في موسوعة الكاتبة العربية (2004)، وأشرفت على ترجمة الجزء التاسع من
موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي (2005).
في
العام 2007 توجت بجائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان، وأصدرت في العام
2008، ترجمة إلى الإنجليزية لمختارات شعرية لزوجها مريد البرغوتي بعنوان "منتصف
الليل وقصائد أخرى".
وظلت
رضوى عاشور حتى وفاتها عضواً فاعلاً في لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، واللجنة
الوطنية لمقاومة الصهيونية في الجامعات المصرية، ومجموعة 9 مارس لاستقلال
الجامعات، إضافة إلى عضويتها في مجموعة من اللجان التحكيمية المرتبطة بالمجالين
الثقافي والأكاديمي بينها لجنة جائزة الدولة التشجيعية ولجنة القصة بالمجلس الأعلى
للثقافة.
أما
آخر انتاجها الأدبي، فكان سيرتها الذاتية غير المكتملة بعنوان "أثقل من رضوى:
مقاطع من سيرة ذاتية"، الصادرة عن دار الشروق في القاهرة في 2013، والتي روت
فيها جوانب من حياتها الشخصية، وآرائها في الحياة والأشخاص والأحداث.
تقول
رضوى الانسانة في سيرتها الذاتية: "هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير
الهزيمة، ما دُمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا"، وتكتب الثائرة
رضوى "كلما تضمّنت الثورة نقلة نوعية في تاريخ البلد أو في التاريخ البشري،
كانت التعقيدات أكبر والشكوك حولها أعنف".
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر
أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية