من فيسبوك
ردا علي تخريفة إن الاخوان وجماعات الإسلام السياسي الحركية والمد الوهابي بأفكارهم الغريبة والمستوردة
اللي مزجت الدين بالسياسة، كانوا دخلاء علي الحركة الوطنية المصرية ومستوردين من الخارج. مصطفي كامل وحزبه الوطني الشهير صاحب الشعبية الكاسحة وسط أفندية المدن المصرية
والطبقة الوسطي الحضرية الحديثة في أوائل القرن العشرين، بأجياله المختلفة من أول
مصطفي كامل نفسه ومرورا بمحمد فريد والشيخ عبد العزيز جاويش وحتي شباب جمعية التضامن
الأخوي: شفيق منصور وابراهيم الورداني (قاتل رئيس الوزراء بطرس غالي باشا بسبب تعاونه
مع الإنجليز وتمديد امتياز قناة السويس سنة ١٩٠٩ واللي الحركة الوطنية المصرية قبل
الحرب العالمية الاولي كانت بتهتف له تسلم يمين الورداني اللي قتل بطرس النصراني)
والأخوة محمود عنايت وعبد الفتاح عنايت وعبد الحميد عنايت وغيرهم من الشباب والمثقفين
والكوادر السياسية اللي كونوا عشرات من الجمعيات والجماعات الوطنية الراديكالية اللي
مارست العمل السياسي المسلح العنيف والسلمي طوال سنوات ما قبل الحرب العالمية الاولي
وما بعدها وطوال سنوات ما قبل ثورة ١٩١٩ وما بعدها وكلهم كانوا يدورون في فلك المدار
السياسي والأيديولوجي للحزب الوطني بتاع مصطفي كامل اللي هو بالفعل جذر الوطنية المصرية
الحديثة أيديولوجيا وتمظهراتها المهمة فيما بعد مرورا بحركة مصر الفتاة في الثلاثينيات
والأربعينات وحتي الضباط الأحرار ودولة يوليو في الخمسينات والستينات (عبد الناصر
والسادات) وانت طالع حتي نصل إلى مرحلة الجنرال المؤمن عبفتاح البيصي قائد دولة العلم
والإيمان والاسلام المصري سنة ٢٠١٥.
الحزب الوطني
ومداره ده بقي بكل السياسيين والمثقفين والجمعيات والشباب دول في ذلك العصر في
أوائل القرن العشرين قبل الحرب العالمية الأولي وما بعدها وقبل ثورة ١٩١٩ وبعدها
كان معقل للمحافظة الدينية والثقافية والاجتماعية، والطائفية الشديدة، و الوطنية
علي أساس إسلامي، وأفكار الجامعة الاسلامية، وسياسات الهوية الدينية والوطنية، وكان انتماء الكثير منهم عثمانلي ولدولة الخلافة العثمانية حتي انتهائها. وكان
نضالهم ضد الاحتلال البريطاني يدور علي هذه الأرضية. وكل ده قبل ظهور الاخوان وجماعات الإسلام السياسي أصلا وقبل دخول المد الوهابي اللي أفسد مصر الحديثة كما تقول
روايات التنويريين.
الناس يا إما
مش عارفة تاريخ مصر الحديثة يا إما عارفة وبتستعبط يا إما مش عارفة وبتستعبط برضه. الناس
اللي مش عارفة دي حتتجنن لو عرفت إن مصطفي كامل (مؤسس الوطنية المصرية الحديثة وفقا
للسردية التاريخية الرسمية المعتمدة وصاحب مقولات لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا
وبلادي بلادي لكي حبي وفوادي اللي تحولت بعد كده إلى نشيد السلام الوطني المصري) كان إسلامي الهوي والميول وعثمانلي وعقيدته وقضيته السياسية المعلنة هي أن مصر
إسلامية عثمانلية وأنها يجب أن تستقل عن الاستعمار البريطاني لتحتفظ بهويتها في إطار
دولة الخلافة العثمانية الاسلامية وكانت الجامعة الاسلامية والوطنية متلازمتين عنده
ولم يكن يجد أي تناقض في هذا وبقي علي هذا حتي وفاته.
محمد فريد بقي كان عثمانلي
أكتر كمان من مصطفي كامل.
مصطفي كامل كمان كان رجعي اجتماعيا (بمقاييس الحداثة) وعدو شرس لقضية تحرر المرأة ومساواتها بالرجل (أشهر قضايا التحديث في مصر) مثله مثل
طلعت حرب "رائد الاقتصاد الوطني المصري الحديث " والشيخ عبد العزيز جاويش أحد اكبر قيادات الحزب الوطني ورئيس تحرير صحيفته اللواء وعدو المرأة والأقباط معا
وأحد أكبر المحرضين ضد الأقباط في مصر وقتها. والكلام ده كان قبل ما حسن البنا
يتولد أساسا ومن قبل ما الدولة السعودية الحالية تظهر للوجود.
إذن فالحزب الوطني
الشهير كان حزب سياسي إسلامي عثمانلي مؤمن بالجامعة الاسلامية ولا يختلف إلا قليلا
عن الأحزاب السياسية الاسلامية الموجودة حاليا في دول كثيرة. وماكانش لا مدني ولا
علماني وكانت عنده الوطنية المصرية إسلامية التوجه وده كان قبل ظهور جماعات الاسلام
السياسي الحركية. والحزب الوطني ده كان مركزي في تاريخ السياسة المصرية الحديثة وهو اللي شكل أيديولوجيا جذور دولة يوليو والوطنية المصرية السلطوية الحديثة فيما بعد.
بالفعل جماعة
الإخوان كانت مختلفة عن ما سبق لأنها أول تجمع عضوي حركي يطرح فكرة تأسيس المجتمع الإسلامي
البديل الشمولي الطابع بعد سقوط الخلافة العثمانية (لم تكن قد سقطت بعد أيام مصطفي
كامل والحزب الوطني) وحدوث التغريب الكامل كما يتصورون، ولكن ما أقوله إن ممارسة
السياسة علي أسس دينية إسلامية وهوياتية إسلامية ذات نفس طائفي ده كان موجود من قبل
الإخوان وكان في مركز السياسة المصرية الحديثة وتنظيماتها الحديثة والجماعة الوطنية
المصرية الحديثة وفي قلب متنها وليس علي هامشها ولم يكن مستوردا ولا وافدا مع المد
الوهابي بعد كده ولا بطيخ، وإن خطاب الوطنية المصرية الحديثة في صيغته التنويرية الحالية
بتاعت التنويريين عنده مشكلة كبيرة أمام حقيقة أن المؤسس الأهم لهذا الخطاب تاريخيا
ورمزيا ووجدانيا (مصطفي كامل) كان إسلامي وعثمانلي. يعني من الاخر الدنيا معقدة
جدا والتاريخ المصري الحديث كان معقد ومركب جدا ويخرب بيت التفاهة والسطحية بتاعت
العالم دي.
الحركة السياسية
اللي كانت علمانية ومدنية في مرحلة ما قبل ثورة ١٩١٩ كانت حزب الأمة بتاع أحمد لطفي
السيد ودول كانوا القطب المعادي للحزب الوطني علي ٣ أرضيات: علماني ليبرالي متفرنج
في مقابل إسلامي تقليداني هوياتي- مصر للمصريين في مقابل مصر داخل الخلافة العثمانية- التعاون مع الاحتلال البريطاني والإصلاح التدريجي في مقابل معاداة الاحتلال وطلب
الاستقلال التام كأولوية.
أيضا حزب الأمة كان حزب أعيان ونخب أرستقراطية بينما الحزب
الوطني كان حزب الأفندية والمهنيين والطبقة الوسطي الحضرية الحديثة. وشعبية الحزب
الوطني وقدرته علي الحشد الشعبي والشبابي كانت أعلي بكثير.
وفي تعليق
للدكتور خليل العناني، قال: محمد بك فريد لم يكن فقط إسلامي الهوي، ده كان أحد منظري
دولة الخلافة. كتابه "تاريخ الدولة العلية" الذي طُبع أكثر من مرة هو كتاب
عمدة فى تاريخ الدولة العثمانية وكُتب من منظور عثماني محض ويعكس ولع فريد بك بالخلافة
العثمانية التي أنقذت ديار المسلمين على حد قوله من التفتت والانقسام وتكالب الأمم
الأوروبية عليها.
ولو رجعنا شوية لورا هنلاقي رفاعة الطهطاوي (أبو التنويريين المصريين
ومنظرّ الوطنية الأول حسبما يدعي التنويريون الجدد) كان من أشد المدافعين عن الخلافة
العثمانية وقام بتبرير استبداد الوالي العثماني مع مطالبته ببعض العدل.
كل تخاريف التنويريين
الجدد ما هي إلا محاولة لتبرير قمع الإسلاميين من جهة، وشرعنة تواطئهم مع السلطة من
جهة أخري.
وفي تعليق حاتم عبد الفتاح: طارق البشري
في المقدمة الثانية لكتابه الحركة السياسية في مصر بيشير للأمر ده باستفاضه وبيأكد
إن الأصيل في التجربة الوطنية المصرية كانت فكرة الاسلام كشرعة ومفهوم بتنوعات كلها
لا تختلف حول أصل الشريعة ومركزيتها، وإن الطاريء كان الفكرة العلمانية اللي بدأت في
مطلع القرن العشرين ولم تترسخ إلا بثورة 19 وما بعدها لما بقة دعاة العلمانية المتأثرين
بالأفكار الغربية شخصيات مثل طه حسين وعلي عبدالرازق بخلفيتهم الأزهرية بعد ما كانت
شخصيات مثل فرح أنطون وشبلي شميل هم الدعاة للفكر الغربي العلماني وتياراته الوافدة
على المجتمع المصري، بل إن المعاداة التاريخية للحزب الوطني الجديد مع الوفد كانت منبعها
نظرة قيادات الحزب الوطني للوفد بإنه دخيل على الوطنية المصرية بأفكاره المتحررة ودعواتها
اللي مرجعيتها ليست إسلامية النزعة.
وفي تعليق
حسني الشيخ: خليني أختلف معاك في أكتر من نقطة، الأولى إنك بتعتبر إن نظام
يوليو امتداد للحزب الوطني وتطوره لاحقا لمصر الفتاة، حيث أن أولا عبد الناصر واللي
معاه كانوا بيعتبروا أحمد حسين راجل معتوه عنتري واتسجل بأكتر من موقف إنهم كانوا بيذدروا
الرجل ومصر الفتاة فعلا، ثانيا بالنسبة للموقف من الأقباط فمن أكبر خطايا وبلاوي عبد
الناصر إنه هو اللي ابتدى يسحب الأقباط من التمثيل بالحياة العامة من خلال نخب أرستقراطية
زي طلعت حرب ومكرم عبيد وحتى بطرس غالي إلى الدخول في تنظيم الكنيسة وإن البابا كيرلس
السادس يكون ممثل المسيحين سياسيا وده مختلف تماما عن تطرف محمد فريد ضد الأقباط- واللي هو بالمناسبة أنا مختلف معاك إنك بتحلله على أرضية إنتماء إسلامي بينما محمد
فريد وجاويش كانوا بيبصوا للأقباط إنهم أقلية منتمية للاستعمار الإنجليزي وهو اللي صانعها
ومكنها من رأس المال زي اليهود والأجانب.
النقطة التالتة هي إن عبد الناصر بدأ مسيرته
كمصري فرعوني شيفوني شديد التعصب ثم ابتدى يطور أفكاره حوالين إن مصر تكون المركز الحضاري
والثقافي والسياسي للعرب بعد فراغ القوة العثمانلي وانكفاء تركيا على نفسها بالحقبة
الأتاتوركية، ثم ابتدى بأطر مختلفه تماما عن النسق بتاع مصطفى كامل وهو نضال شعوب العالم
التالت وكلام من ده.
بالنسبة لموقع الدين فعبد الناصر فعلا كان علماني وكانت نظرته
للهوية العربية جايه من أفكار ساطع الحصري وليس مصطفى كامل، وهيكل بنفسه بحلقاته عالجزيرة
اتكلم إنه انطرح فكرة ثورة ثقافية على النمط الماوي بعد هزيمة 67 ولكن عبد الناصر اعترض
على أساس إن ده هيخللي فيه عداء مع الشعب وصدام فحفاظه على المظهر الديني كان بالقدر
المطلوب شعبويا ليس إلا.
ورد أشرف الشريف: أنا اختلف كلية
يا شيخ حسني. دولة يوليو امتداد مصر الفتاة أيديولوجيا. نفس الأيديولوجيا: التصور
عن الدولة السلطوية التحديثية اللي بتمثل ثقافة الشعب وهويته الوطنية واللي هي مزيج
من الأصالة والمعاصرة ومزيج من اليمين واليسار اقتصاديا وفيه هوس بالعداء للآخر
وسياسات القوة والمجد القومي وكراهية للديمقراطية البرلمانية البورجوازية والتعددية
وحقوق الأفراد.
التصور عن الأقباط كأقلية غير وطنية ولائهم للخارج هو بعينه تصور
دولة يوليو عن الأقليات مثل الأقباط والشيعة. وقطعا كان فيه نفس طائفي ديني عند
جاويش. الكلام عن أن أحمد حسين أهوج لا يتعارض مع تأثرهم بنمطه الأيديولوجي. أما بقى تحليلك الطويل عن شخصية عبد الناصر فهو أولا مش صحيح. عبد الناصر عمر
ما كان ليه أيديولوجية محددة. بدا متأثرا بمظاهرات مصر الفتاة وهذا ثابت تاريخيا
ثم الإخوان ثم الشيوعيين. الثابت الوحيد عنده كان عداؤه للوفد والديمقراطية البرلمانية
وده برضه تأثير أيديولوجية التحديث السلطوي بتاعت مصر الفتا. أصلا بقي تحليل
شخصية عبد الناصر مش مهم. أنا بتكلم
عن دولة يوليو وسياساتها الرسمية. ماوية ايه بس يا عم الحاج؟! نص مجلس قيادة الثورة كانوا إخوان مسلمين فكريا والنص التاني كانوا يمين
محافظ اقتصاديا واجتماعيا. كل سياسات دولة يوليو كانت هجين ثقافيا (وده بعينه فكر
مصر الفتاة). اقرأ مداولات مؤتمر القوي الشعبية اللي أنتج الميثاق (الحدث الأيديولوجي
الأبرز لدولة يوليو) سنة ١٩٦١ وانت حتلاقي هيمنة الفكر المحافظ والهوياتي والديني
كمان فيما يخص الثقافة والمجتمع والقيم المرأة والأخلاق بشكل حيدهشك جدا (على عكس
الأساطير الشائعة ودعاية الناصريين عن هذه الفترة) ووجود قوي للأزهر كفكر ومؤسسة. أصلا نجم المؤتمر كان الشيخ محمد الغزالي وبعديه خالد محمد خالد. وفي النهاية المؤتمر أنتج وثيقتين: الميثاق وده أكثر علمانية، وميثاق توضيحي وده اكثر إسلامية. والاثنين ملزمين. وهي الخلطة دي تحديدا أيديولوجية
مصر الفتاة. الخطاب الديني عامة كان مركزي في خطاب دولة يوليو أكثر مما يتخيل البعض
والدين والأزهر كان بيتم توظيفهم علي طول ليس فقط لشرعنة السياسات العامة ولكن كمكون
أصيل لهوية النظام. وأخيرا عمر ما نظام دولة يوليو كان يسار. ماوية إيه بس؟!
ده كان نظام دولة تحرر وطني تحديثي قايم علي رأسمالية دولة ومناهضة
الاستعمار وخلطة تلفيقية بين الأصالة والمعاصرة ومحافظة أخلاقوية وهوياتية وهي
دي بعينها كانت أيديولوجية مصر الفتاة. سيبك أصلا من شخص عبد الناصر لأنه كان شخص
انتهازي ومش مؤدلج وركز في سياسات دولة يوليو نفسها ومؤسساتها وبياناتها ووثائقها
التأسيسية وكوادرها. وللا انت كنت فاهم إن الجسم المهول بتاع الدولة المحافظة ده أيام عصر السادات ظهر فجأة للوجود بضغطة زرار من السادات ؟!
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق