كشف موقع ذي إنترسيبت الأمريكي الإخباري النقاب عما وصفه بـ”الحياة الماجنة” المزدوجة التي يعيشها سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة.
يعتمد التقرير في الرواية التي يسردها على ثلاثة مصادر يعضد بعضها بعضا. هناك أولاً رسائل البريد الإلكتروني المسربة من صندوق بريد العتيبة المقرصن، وهناك المقابلة التي أجراها موقع ذي إنترسيبت مع رومان باسكال، أحد الشخصيات المقربة من العتيبة والذي كان يشارك لسنوات فيما كان ينفق عليها العتيبة مئات الآلاف من الدولارات من حفلات المجون والعربدة – بما فيها من استجلاب للعاهرات وشرب للمسكرات وتعاط لغير ذلك من الموبقات. وهناك أخيرا سجلات المحكمة الأمريكية التي قضت بحبس المستشار القانوني للسفارة الإماراتية بايرون فوغان، والذي كان من أقرب مقربي العتيبة منذ أيام دراسته في جامعة جورج تاون في واشنطن، بعد أن أدين بالاختلاس من مؤسسة خيرية أسسها العتيبة ونصبه فيها مديرا.
يتحدث رومان باسكال في تصريحه للموقع عما كانت تقوم به من ممارسات مجموعة من الأصدقاء المقربين من العتيبة، والذين كان يطلق عليهم اسم “فريق ألفا”، ويقول إنه شعر بعد حين بأنه ما عاد يقوى على الاستمرار في ذلك النمط من العيش، سابحا في الخمور ومتنقلاً بين طاولات القمار وخدور العاهرات، ولعل الذي وخز ضميره كما يقول هو اكتشافه أن بعض العاهرات اللواتي كان يجلبهن له ولأصدقائه العتيبة، وخاصة في شقة داخل مدينة أبو ظبي، كن ضحايا الاستعباد الجنسي.
يصف باسكال أحد المشاهد قائلاً: “كانت النساء يؤتى بهن إلى الشقة وهن ملتفات بالكامل في عباءات، ثم يقال للرجال اختاروا من تريدون منهن، ومن تختارها تكون ملكا لك حتى اليوم التالي. وما إن تسدل الواحدة منهن العباءة عن جسدها حتى تظهر في ملابس الأندية الليلية”. في تلك الليلة اختار باسكال فتاة رومانية من بين سبع عرضن عليه وعلى رفاقه. ويبين باسكال أنه كان قد طار إلى الإمارات العربية المتحدة على نفقة صديقه يوسف العتيبة، الذي خصص له ولرفاقه شقته ليقيموا فيها. كان ذلك في شتاء 2003- 2004، وكان العتيبة حينها نجما صاعدا في الإمارات، ما زالت أمامه بضعة أعوام قبل أن يعين سفيرا لبلاده لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
بدأت صداقة باسكال بالعتيبة قبل ذلك بقليل في واشنطن، حين التقى الرجلان في ملهى تتجرد فيه الراقصات من ملابسهن أمام الجمهور اسمه كاميلوت.
ولم يلبث باسكال طويلاً قبل أن أصبح عضوا أصيلا في فريق ألفا الذي كان العتيبة يتعهده بالإنفاق والإمتاع. كانت تلك هي التجربة الأولى من نوعها التي يكتشف فيها باسكال نمط العيش الرغيد الذي كان ينعم به العتيبة في بلاده، وكانت الحلقة الأولى من سلسلة امتدت على مدى أربعة أعوام لازم فيها العتيبة وهو يتردد على الملاهي والأندية الليلية في نيويورك ولوس أنجلوس ودبي وأبو ظبي.
ومع مرور الزمن اكتشف باسكال أن في الأمر أخطر من مجرد ممارسات جنسية مع عاهرات تجري بالتراضي بين الطرفين. والذي فتح عينيه على ذلك امرأة روسية، بادرت بعد أول لقاء له بها بإعطائه رقم هاتفها حتى يتصل بها مباشرة فيما لو أحب أن يلتقيها دون أن يدفع لها أجرا على ذلك. وفعلاً، التقيا عدة مرات بعد ذلك، وفي إحدى المرات فتحت المرأة له قلبها حول الجانب المظلم من عملها.
يقول باسكال: “فتحت الباب، فهرولت إلى داخل غرفتي، وألقت بنفسها في الزاوية وفرائصها ترتعد”. سألها باسكال: “ماذا دهاك؟ ماذا تفعلين؟”، فأخبرته بأنها رأت للتو أحد الأشخاص ينهال بالضرب على صديقتها التي انتهى بها المطاف في المستشفى. ثم أخبرته بالتفصيل كيف آلت أمورها إلى ما هي عليه الآن، وأن أحد الأشخاص صادر جواز سفرها. وهذا ما جعل باسكال يستنتج أن هذه الفتاة، وربما كثيرات من الأخريات، إنما هن ضحايا الاستعباد الجنسي.
يرى محرر “ذي إنترسيبت” أن تورط العتيبة في مثل هذه الأمور يتناقض تماما مع الصورة التي سعى على مدى عقد من الزمن في رسمها لشخصه كدبلوماسي خليجي مستنير، يدافع عن حقوق المرأة ويطالب بالعلمانية ويتبنى الحداثة. وستشكل رواية باسكال صدمة لمن اطلعوا على الرسالة التي وجهها العتيبة في يوم المرأة العالمي هذا العام إلى ابنته يؤكد فيها على تكريم المرأة. إلا أن صورة الشخصية العامة الموقرة، حسبما جاء في التقرير، ما كانت لتتم لولا الإنفاق السخي الذي كان يمارسه العتيبة للترويج للإمارات في أمريكا، ممولاً – كما لو كان يغرف من بئر بلا قرار – كافة أنواع النشاطات من حفلات الاستقبال إلى حفلات أعياد الميلاد إلى الولائم إلى افتتاح أجنحة في المستشفيات إلى رحلات البذخ التي كان ينظمها لمختلف الشخصيات إلى دبي أو إلى أبو ظبي.
يذكر أن يوسف العتيبة، وهو ابن أول وزير نفط في الإمارات مانع سعيد العتيبة، كان بعد أن أنهى دراسته في الكلية الأمريكية في القاهرة قد توجه بتشجيع من سفير أمريكا في مصر حينذاك فرانك ويزنر للدراسة في جامعة جورج تاون. ولكن يقول محرر ذي إنترسيبت، وبناء على تصريح حصل عليه من إدارة الجامعة، فإن العتيبة لم يكمل دراسته الجامعية في جورج تاون، بل تحول إلى الجامعة الوطنية للدفاع في واشنطن بعد حصوله على منحة للدراسة فيها. ومع ذلك، كانت جورج تاون محطة مهمة في حياة العتيبة وحياة رفيق دربه منذ سنته الأولى فيها بايرون فوغان.
كان أول تعارف لباسكال على فوغان قد جرى في عام 2003 حين قدمهما العتيبة إلى بعض أثناء وجودهم جميعا في ملهى تعري تتجرد فيها الراقصات من ملابسهن. وما لبثت العلاقات أن توطدت بين باسكال وفوغان حتى باتا يشكلان النواة الصلبة لفريق ألفا الذي شكله العتيبة من مجموعة من رفاق دربه.
في العام الماضي، اعترف بايرون فوغان بارتكابه لجريمة تبييض أموال لما يزيد على مليون دولار من مؤسسة غير ربحية أقامها العتيبة. ويبدو أن إدانته، حسبما يقول كاتب تقرير “ذي إنترسيبت”، قد أعادت له اتزانه، وحفزته على انتهاج سبيل مختلف في حياته، كانت أولى خطواته الاعتراف للمحققين بأن جرائمه كانت بوسوسة من شياطين كانت تسكن فيه لم يشعر بوجودها سواه.
وكان تقرير الإدانة الصادر عن المحكمة قد قال بحقه: “ما لم يكن يعرفه أصدقاؤه ومعارفه هو أن إدمانه على الخمور هو الذي دفعه إلى السرقة والاختلاس”. إلا أن ما أدلى به باسكال وما تسرب من رسائل البريد الخاصة بالعتيبة يلقي بالشك على هذا الاستنتاج، ويشير إلى أن صحبه كانوا على معرفة جيدة بمشاكله بل وحاولوا التستر عليه، وبشكل خاص العتيبة الذي بذل جهودا، بعضها بصفة شخصية وبعضها بصفة رسمية عبر السفارة في واشنطن، لإقناع وزارة الخارجية بالضغط على وزارة العدل الأمريكية لتخفيف التهم الموجهة إلى صديقه وإعفائه من عقوبة السجن، ولكن دون طائل.
يقول باسكال إنه عندما سمع بخير إدانة فوغان ضحك، لأنه كان يفترض بعد سنوات من تركه للمجموعة بأنهم لربما “غيروا من سلوكهم ولم يستمروا في تعاطي مثل هذه الأشياء”.
وللقصة تفاصيل كثيرة يخصص لها موقع “ذي إنترسيبت” حيزا كبيرة في هذا التقرير الذي يتجاوز ستة آلاف كلمة، ويبدأ منذ عام 2000 عندما كان العتيبة مدير الشؤون الدولية لدى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، والذي ارتبط به بعلاقة حميمية ما زالت مستمرة حتى الآن منذ ذلك الوقت، وهي التي يستمد منها العتيبة المال والنفوذ.
وبينما كان نجم العتيبة في صعود، فقد واجهت الإمارات العربية المتحدة أزمة دبلوماسية كبيرة حينما حاولت مؤسسة مملوكة للدولة اسمها “موانئ دبي العالمية” شراء موانئ أمريكية في عام 2006. كان الكونغرس الأمريكي ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة تجتاحها حالة من هوس الإسلاموفوبيا، ما نجم عنها إبطال الصفقة. وبناء على ذلك فقد قرر محمد بن زايد أنه بحاجة لأن يبتعث العتيبة، موضع ثقته، إلى واشنطن لكي يقوم بترميم سمعة الإمارات وتحسين صورتها.
لم يكتف العتيبة بذلك، بل استخدم ما اجتمع لديه من نفوذ في واشنطن للتأثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتوجيهها بشكل حاد ضد إيران وضد الإخوان المسلمين وضد تيار الإسلام السياسي بشكل عام، وفي نفس الوقت عمل على ضبط علاقة الولايات المتحدة بالسعودية وتصعيد أشخاص معينين من أفراد العائلة الملكية الحاكمة فيها ممن يتوسم فيهم خدمة مصالح الإمارات بشكل أفضل.
واليوم، وبينما يخالط العتيبة المتنفذين من صناع القرار ومن الإعلاميين الأمريكيين، تساند الإمارات زعيم متمردين يثير الفوضى في ليبيا (حفتر)، وتمول فرق الموت وتدير مقرات الاعتقال والتعذيب في اليمن، وتشارك في الحصار المفروض على جارتها المنافسة لها، قطر. وما إن وصل دونالد ترامب إلى السلطة حتى نجح العتيبة في إقامة روابط متينة مع زوج ابنته جاريد كوشنر.
في عام 2007، وبعد أن ساعد الرئيس جورج دبليو بوش في كسب تأييد بلدان المنطقة في مشروعه لتعزيز القوات الأمريكية في الحرب على العراق أراد العتيبة الاحتفال بما حققه من نجاح. يروي باسكال أنه كان في أبو ظبي حين اتصل به يوسف وقال له: “اسمع، أظن أننا ربما تمكنا من قضاء عطلة نهاية أسبوع متميزة. لست متأكدا، يجب علي التأكد من أن ذلك موافق للشيخ محمد، ولكن لا أظن أن ثمة بأس في ذلك”. ويمضي بسكال في روايته قائلاً: “عند تلك النقطة، بدأنا جميعا بالاستعداد والتدريب كما لو كنا سندخل حلبة ملاكمة من الوزن الثقيل لأننا كنا نعرف أننا سنقضي نهاية أسبوع من الفسق والعربدة”.
يبدو أن الأمر كان موافقا للشيخ محمد بن زايد، بدليل أن العتيبة أرسل سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني يشاطر من خلالها رفاقه التفكير بما يخططون لعمله، وكانت هذه السلسلة بعنوان “فيغاس بيبي”. يقول في إحدى رسائله: “إذا ما مشت الأمور حسب الخطة، فإن من المقرر أن فريقي (بايرون، كيف، جوان، رومان) وأنا معهم، سنصل في الخامس عشر، لا أعرف الوقت تحديدا حتى الآن، ولكننا سنقيم في الجناح العلوي (سكاي لوفت) في إم جي إم غراند. لست متأكدا مما إذا كانت الرهبة أو السعادة التامة هي ما أشعر به الآن. لكن أيها السادة، سوف تسود حالة من الفوضى العارمة”.
من المعروف أن الجناح العلوي (سكاي لوفت) من أكثر أجنحة الفنادق فخامة ورغدا في العالم. وعندما وصل العتيبة برفقته ورفقة صديق آخر، كما يروي باسكال، سارعت إدارة الفندق إلى نقلهم إلى مجموعة من الأجنحة الأكبر والأفخم حتى إن “فندق الفور سيزنز بدا مزبلة بالمقارنة”.
كان فوغان في حالة من الإثارة والانفعال ابتهاجا بالرحلة لدرجة أنه كتب إلى العتيبة يقول: “يا للهول. يمكن أن تكون هذه أعظم رحلة على الإطلاق”.
أما العتيبة فكتب لأصحابه يسألهم عن ما إذا كانت حصانته الدبلوماسية تحميه من تبعات ما كان سيمارسه في فيغاس، فبادر فوغان – الذي كان حينها لا يزال طالبا في كلية الحقوق – إلى تقديم بعض النصائح القانونية، حيث قال له: “ما دمنا سنحصل على إقرار بالرضى، لا أظن أننا سنواجه أي مشاكل قانونية.. سوف أعد بعض البطاقات حتى يوقع عليها الصغار”.
وأشار عليه فوغان إلى كتابة عقد مع الفتيات الصغيرات بالعمر، تكتب فيه الفتاة اسمها وتقر بأنها تبلغ من العمر فوق 18 عاما، وبذلك يكون كل شيء قانونيا.
بالإضافة إلى ذلك، تبادل العتيبة مع أفراد فريقه بعض النصائح حول خدمة تقدم عن طريق الإنترنيت تقترح على من يقيم علاقات غير شرعية أدلة براءة. رد فوغان على العتيبة يقول: “هذه الخدمة أشد خطورة علي من المخدرات أو القمار. شيء بديع. في بعض الأوقات لا تملك إلا أن تمارس الكذب”.
في واحدة من الرسائل ضمن نفس السلسلة، كتب العتيبة إلى أصدقائه يؤهلهم لما ينتظرهم من فسق وعربدة، قائلاً: “الأعضاء المبجلون في فريق ألفا. أود التأكيد بأنه قد أعطي الإذن الرسمي بالمضي قدما في عملية دامبو دروب (اسم لفيلم كوميدي أمريكي حربي يعود إلى عام 1995)، والتي ستجري وقائعها في فيغاس خلال عطلة نهاية الأسبوع، وسوف يبدأ نشر القوات حسب ما هو مقرر. أريد من كل واحد منكم بذل جهد لا يقل عن 100% طوال فترة العملية، وكل من يقبض عليه متلبسا بالكسل والترهل سوف يسرح من الخدمة بشكل غير مشرف وسيوضع اسمه في القائمة السوداء حتى لا يشارك في أي عملية أخرى في المستقبل، وخاصة في ذلك المسرح من العمليات. انطلقوا، انطلقوا، انطلقوا، انطلقوا، انطلقوا، انطلقوا، انطلقوا”.
استلم العتيبة مهامه كسفير لبلاده في واشنطن في عام 2008، وبينما كان في حالة صفاء وتدبر قبل أسابيع من تسليمه أوراق اعتماده بشكل رسمي إلى الرئيس جورج دبليو بوش، أرسل العتيبة إلى صديقه فوغان مجموعة من الرسائل التي كان قد تبادلها معه في عام 2004، وقال له: “أنا متأكد من أنني سوف أفتقد تلك الأيام”. فرد عليه فوغان قائلاً: “لدي شعور بأنك ستجد طريقة للتغلب على الحنين لأي شيء”. فرد العتيبة طالبا من صديقه شيئا واحدا: “امسحها”.
وما هي تلك الرسائل المتبادلة في عام 2004 والتي ربما تمنى العتيبة لو أنها لم تر النور؟ تكشف التسريبات، بحسب “ذي إنترسيبت”، أن من بينها رسائل تبادلها العتيبة مع “ترايسي”، والتي يبدو أنها كانت إحدى “القوادات”، اللواتي عملن مع العتيبة عبر الإنترنت لتوفير مرافقات من ذوات الأسعار المرتفعة. وكانت ترايسي قد تمكنت من سرقته من مدبرة عاهرات أخرى، كان قد جرى النقاش بشأنها بينها وبين العتيبة في رسائل البريد الإلكتروني.
تقول ترايسي في إحدى الرسائل: “عزيزي يوسف. شكرا، وأعتذر بإخلاص لك. لقد تلقينا 8 ملايين اتصال خلال الأسبوعين الأخيرين حيث إن “سنيب” فازت بجائزة خليلة هذا العام. كما أن اثنتين من فتياتي الأخريات، ظهرت صورهما على أغلفة أعداد خاصة من “كتاب الغيارات الداخلية” ومن مجلة “بلاي بوي”. أعتذر، في ما يأتي الصور الإضافية للبنات، مع أسمائهن. بإمكانك أيضا أن تختار “سنيب” بحسب ما أعتقد. وهاك بعض الصور الإضافية. آسفة، واستمر في المحاولة. ونحن الآن نسعى إلى نقل الموقع إلى شركة خدمات أخرى”.
قبل ذلك بأيام، في السادس والعشرين من مايو/ أيار 2004 كتبت ترايسي إلى العتيبة تقول: “شكرا على محادثتك معي اليوم. أعتذر لما واجهته من مشاكل مع كايتلين. وكما قلت لك، واجهت وضعا مشابها. البنات المتاحات على موقعي هن: “سنيب”. ولمعلوماتك، ظلت كايتلين تحكي وتحكي لاثنتين من فتياتي المقربات مني جدا عن جمالك ورشاقتك، حتى باتت هاتان الفتاتان في شوق شديد للعمل معك. هاتان قريبتان جدا مني. بإمكاني إرسالهما إليك في بلدك، أو أن تنتظر إلى أن تتواجد في الولايات المتحدة. كلاهما لديهما جوازات سفر”.
رد العتيبة بعد ذلك بأيام في 30 مايو/ أيار 2004 بقائمة من المرافقات اللواتي يفضلهن، واستفسر عن واحدة منهن، لأنه اعتقد بأن الصورة الترويجية لها كانت مؤرخة، وطلب في كل الأحوال من ترايسي معلومات حسابها البنكي حتى يباشر في العلاقة، وقال: “ابعثي لي بتفاصيل حسابك البنكي وسوف أحول الفلوس إلى حسابك”.
ردت عليه ترايسي قائلة: “يوسف، سعدت جدا بتلقي الاتصال منك، وأنا في غاية الغبطة أنني سأعمل معك في المستقبل. الاقتراح الأول الذي أتقدم به إليك هو باولا، نظرا لأنك تحب الفتيات ذوات الشعر البني. لا تنس قائمة تمنياتك. هاك معلومات الحساب البنكي”.
يقول محرر موقع “ذا إنترسيبت” إنه تمكن من التحقق من صحة رسائل البريد الإلكتروني بطرق متعددة. ففي عام 2008، اجتمع العتيبة واثنين من مستشاريه المقربين مع شخص رابع، طلب عدم الكشف عن هويته حتى لا يخسر فرصة العمل في المنطقة في المستقبل، وذلك للتباحث حول كيفية التعامل مع ما بدا أنها محاولة للابتزاز تتعلق برسائل البريد الإلكتروني نفسها. في مقابلة مع ذي إنترسيبت، قال هذا الشخص الرابع: “ظننته يريد الحديث عن السياحة وإذا به يتحدث بدلاً من ذلك عن العاهرات”. وكان هذا الشخص قد أطلع على حيثيات الابتزاز وأخبر عن رسائل البريد الإلكتروني، التي وُجدت فيها إشارة إلى حدوث هذا اللقاء، وفي نفس التاريخ الذي ذكره الشخص الرابع.
وفي حدث منفصل، يقول كاتب التقرير إنه حصل في عام 2015، بينما كان يكتب مقالاً عن حياة العتيبة، على البريد الإلكتروني التي تبادلها مع ترايسي، ولكنه في حينها لم يتمكن من التأكد من صدقيتها إلى أن سرب القراصنة نفس المجموعة من البريد الإلكتروني، وكان التطابق تاما. بالإضافة إلى ذلك، صرح رومان باسكال بأنه اطلع على البريد الإلكتروني في حينه بينما كانت ترسل لأن العتيبة كان يرسل منها نسخا لرفاقه ليطلعوا عليها ويدلوا بدلوهم فيها.
تظهر رسائل البريد الإلكتروني المسربة من حساب العتيبة أن سفير الإمارات تكفل بتكاليف حضور باسكال حفلات على الأقل في مناسبتين، في عام 2006 وفي عام 2007، وقد حجز له في كل مناسبة تذاكر سفر في درجة رجال الأعمال ليأتي من واشنطن إلى أبو ظبي. وتكشف الرسائل المتبادلة بينهما أنهما كانا يستمتعان بما يقومان به معا من مغامرات.
وتشير رسائل أخرى وجدت في علبة الوارد في حساب العتيبة إلى أن التفاعل والتعامل مع العاهرات والأشخاص المتورطين في هذا النوع من العمل كان أمرا روتينيا. فقد كتب باسكال رسالة في عام 2006 تحت اسم “جوب باخوس” يقول فيها: “لا أظن أننا بحاجة إلى كثير من التوظيف، وإلا، فاطلب من أحد أعضاء فريق ألفا أن يذهب إلى كاميلوت (نادي تعر) ويذكر اسمك ويرى كم شخصا سيوافقون على السفر إلى الخارج”. فما كان من العتيبة إلا أن مرر الرسالة إلى أعضاء الفريق.
وقد حصل موقع ذي إنترسيبت من باسكال على معلومات تؤكد صحة ما ورد في التسريبات بالإضافة إلى صور له ولأعضاء فريق ألفا وهم يشاركون في حفلات في الولايات المتحدة وفي أبو ظبي، ويبدو العتيبة في إحداها جالسا إلى طاولة وفي مواجهته امرأة يقول باسكال إنها عاهرة تتقاضى سعرا مرتفعا جيء بها جوا من أمريكا إلى أبو ظبي خصيصا لرحلة المتعة تلك. وفي صورة أخرى يظهر باسكال والعتيبة يجلسان بجانب نساء قال باسكال إنهن راقصات في نادي كاميلوت للتعري في واشنطن، أرسلن بالقطار إلى نيويورك ليصاحبن أعضاء الفريق في الحفلة. يقول محرر التقرير إنه عرض الصورة على مدير نادي كاميلوت، نيك تريانتيس، الذي أكد مباشرة أن النساء كن فعلاً راقصات في ناديه.
يرى محرر تقرير “ذي إنترسيبت” أن توصيف الأحداث الذي قدمه باسكال يعزز من صدقيته في إجراء قام به قبيل انسحابه من عضوية فريق ألفا وإنهائه للعلاقة به. وذلك أن هيلاري كلينتون، التي أصبحت فيما بعد وزيرة للخارجية، كانت قد قالت قبل تعيينها في المنصب إنها ستضع محاربة تهريب البشر على قائمة أولوياتها. وذلك ما تبنته فعلاً بعد أن تولت مهام منصبها.
يذكر الموقع بهذا الخصوص أن تهريب العمالة في الإمارات العربية المتحدة أكثر شيوعا من تهريب المومسات، ومع ذلك ورد في تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية ما يأتي: “بعض النساء، وبشكل رئيس من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، والعراق وإيران والمغرب، تتعرضن للإكراه على ممارسة البغاء في الإمارات العربية المتحدة”.
تشير “ذي إنترسيبت” في تقريرها إلى أنه على الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة تطبق إجراءات صارمة بحق من يدانون بجرائم تتعلق بالممارسات الجنسية غير الشرعية، إلا أن هذه الإجراءات لا تطال علية القوم وأصحاب النفوذ في البلاد. ليس هذا فحسب، بل تواترت التقارير عن وجود قطاع خفي من تجارة الجنس في أبو ظبي ودبي، الأمر الذي أقر به العتيبة في محادثاته الخاصة بعيدا عن الأضواء.
في شهر فبراير (شباط) من عام 2008، بث برنامج “ستون دقيقة” في إحدى القنوات الأمريكية تقريرا عن دبي ورد فيه حديث عن قطاع تجارة الجنس وتهريب البشر لتغذية هذه التجارة. وفي اليوم التالي تلقى العتيبة رسالة إيميل من صديق له، حصلت “ذي إنترسيبت” على نسخة منها، يقول فيها: “كنت أنتظر أن أراك في برنامج “ستون دقيقة” الليلة الماضية. فما هو حجم مشكلة الدعارة عندكم؟”.
رد العتيبة عليه برسالة مازحا جاء فيها: “أقصد… لماذا كنت تنتظر رؤيتي في موضوع كهذا يا كلب”. ثم أضاف بنبرة أكثر جدية: “إنها مشكلة كبيرة، لكنها ليست صارخة… أقصد بذلك أنك لن تجد (المومسات) يتسكعن على نواصي الشوارع… ولكنها (ظاهرة) مستترة، داخل البيوت والشقق، وليست من النوع الذي تراه أمامك حيثما وليت وجهك. لكن من المؤكد أن الظاهرة في دبي صارخة أكثر مما هي عليه في أبو ظبي”.
وبالعودة إلى باسكال، فإنه ينقل عنه محرر التقرير في “ذي إنترسيبت”، أن المرأة الروسية التي أخبرته بأن جواز سفرها قد سرق منها كانت الأولى من ضمن عدة نساء صارحنه بما هن فيه من كرب، فبدأ يحكي لبعض أقرانه عما تنامى إلى علمه، فحذره بعضهم من مغبة السكوت عما يعلم خاصة بعد أن تبنت هيلاري كلينتون مشروع محاربة التهريب البشري وإكراه الفتيات على البغاء. فكتب مقالاً في مايو/ أيار 2009 دون فيه تجربته، وقال فيه: “بت ضائعا في الحياة. لقد انتحلت صفات المنعم علي، وصرت أتوق إلى مضاجعة عاهرات تكلف الواحدة منهن عشرة آلاف دولار في الليلة. كنا نقضي ما بين ست إلى ثماني ساعات في اليوم في أندية خاصة بالرجال في الولايات المتحدة وفي الخارج، وصارت تحدوني الرغبة في أن أكون داخل نوادي التعري ذلك الرجل الذي يشار إليه بالبنان مثلي في ذلك مثل الشخص الذي يدفع الفاتورة”.
بعد ذلك تواصل باسكال مع وزارة العدل ومع وسائل الإعلام المحلية، والتقى بوكيل النيابة الأمريكي روي أوستن في عام 2009. لم يكن هدف باسكال توجيه إصبع الاتهام حصريا إلى العتيبة وإنما كان يقصد التنبيه إلى المشكلة بشكل عام، وهذا ما أكده كثيرون ممن كان قد تحدث معهم بما في ذلك الصحفي بريان كارم، الذي تقصى الموضوع وصولاً إلى العتيبة نفسه بدليل أن صندوق الوارد في حسابه اشتمل على رسالة إيميل من كارم. أثارت رسالة كارم الذعر في أوصال سفارة الإمارات في واشنطن، فسارع العتيبة إلى الاتصال بصديق يثق به ليعالج الموضوع، وكان ذلك بايرون فوغان.
وفي معرض حديثه عن تجربته مع موقع ذي إنترسيبت يقول باسكال: “للوهلة الأولى تبدو الإمارات العربية المتحدة كما لو كانت دولة بمواصفات أوروبية أقيمت في الشرق الأوسط، إلا أن ثمة طبقة دونية داخل المجتمع العربي سواء في أبو ظبي أو في دبي ديدنها ممارسة الدعارة وتهريب البشر والنزوع إلى تصنيف الإنسان بناء على قيمته المالية.”
فيما تبقى من تقريره، يخوض موقع ذي إنترسيبت في تفاصيل فضيحة مؤسسة أويسيس (الواحة) التي كان تأسيسها أول إجراء رسمي يقوم به العتيبة بعد توليه منصب السفير في عام 2008، والتي نصب بايرون فوغان مديرا تنفيذيا لها وواحدا من ثلاثة أشخاص شكلوا مجلس إدارتها. ويشير التقرير إلى ما ورد في وثائق المحكمة، التي أدانت فوغان فيما بعد بالاختلاس، من تفاصيل تتعلق بممارسات مشبوهة ليس فقط في ما يتعلق بمؤسسة أويسيس ولكن أيضا بمختلف شؤون السفارة في واشنطن. ويستدل محرر التقرير بعدد من الشهادات لأشخاص كانوا على اطلاع بحيثيات القضية تفيد بأن العتيبة كان على علم تام بالمخالفات التي ترتكب بل وبأنه حاول التستر عليها ومارس ضغوطا شخصية ودبلوماسية على الجهات المعنية في الإدارة الأمريكية لإسقاط القضية أو تخفيف التهم الموجهة فيها إلى صديقه فوغان.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية