اختار بعض الناس الخبز بديلاً عن الحرية، وبعضهم انشغل بالبحث عن الحرية المطلقة دون الانتباه إلى خطورة غياب الخبز، رغم أن المنطق يؤكد أن كليهما لازم لاستمرار الحياة، وأن توفر أحدهما دون الآخر لا يوفّر حياة كريمة.
لما ظهرت الدولة كنظام حكم بدأ تصنيف الناس، فهناك حكام ومحكومين، وفقراء وأغنياء، وأحرار وعبيد. كان الناس دوما يتعاملون مع بعضهم البعض وفق منطق القوة، فباتت الدولة تتعامل معهم كذلك بنفس المنطق، وعلى الرغم من أنها في الأصل مسؤولة عن تطبيق العدالة والمساواة بين الناس، إلا أن غالبية الأنظمة اختارت أن تكون ندا للمواطنين، أو بالأحرى عدوا لهم.
ومع ظهور مصطلح الدول الكبرى أو الإمبراطوريات، بدأت تتغير مفاهيم كثير من الحقوق والحريات الشخصية للأفراد، والحجة دائما حماية الدولة من الأخطار، وهو زعم كان ولازال يعني استمرار بقاء الحاكم على رأس الدولة، حتى لو كان فاشلا، وخصوصا لو كان مستبدا.
في دول العالم الثالث، هناك من يفتقرون إلى الخبز، وهناك من يفتقرون إلى الحرية، وكثيرون يفتقرون إليهما معاً، وهذا يفسر التقلبات والتحولات المجتمعية والسياسية المتكررة، كما يمكن وفقه تفسير موجات الهجرة التي أصابت العالم عدة مرات بأزمات خانقة، بينها أزمة الهجرة نحو الشمال القائمة حاليا.
تفشل الحكومة في الوفاء بمتطلبات المواطنين الأساسية، فتطالبهم بعدم تحميل الحكومة المسؤولية. ثم عندما تنجز أي مشروع، حتى لو كان وهمياً أو محدود المنفعة، فالمواطن مطالب بالثناء عليها وعلى إنجازاتها.
إن فشلت الحكومة فالمواطن هو السبب وعليه يقع اللوم والضرر، وإن نجحت فالمواطن لا دور له في النجاح، ولا يستفيد منه في الأغلب.
عرف التاريخ عشرات آلاف الثورات، وفي غالبيتها العظمى كان الخبز هو المطلب الأساسي، بعض تلك الثورات نجح في تحقيق مطالبه، وغالبيتها فشلت، لكن تكرار الفشل لم يتسبب أبداً في توقف الناس عن الثورة بأشكالها المختلفة للمطالبة بحقوقهم، وأبرزها الخبز والحرية، حتى عندما تؤدي تلك الثورات إلى تدني أحوالهم المعيشية، أو فرض قيود أكبر على حرياتهم.
وقائع التاريخ تؤكد أن الشعوب لن تتوقف عن الثورة على الفاسدين والمستبدين حتى تتحقق لهم كامل المطالب وتتاح لهم كل الحقوق، وأتباع الحكومات المستبدة في الشرق الأوسط الذين يلوكون ليل نهار أن الشعوب لن تقدم على ثورة جديدة لأنها عانت من آثار الربيع العربي بعد أن تعرض للهزيمة على يد الثورات المضادة، يعرفون أنهم واهمون، ويدركون أن الثورة قادمة لتطيح بهم وبمن يدعمونه، وأنها لن تكون كسابقتها.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق