السبت، 16 مارس 2019

صعوبة الاعتراف بالفشل



جمعتني بأصدقاء من جنسيات مختلفة، جلسة طويلة على المقهى في وقت متأخر من مساء الإثنين الماضي، وجلساتنا المتكررة لا تخلو من مناقشات وتبادل أفكار وتكهنات حول الموضوعات الراهنة، عربياً ودولياً.
 بدأت الجلسة بعد نحو ساعتين من قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، عدم الترشح لولاية رئاسية خامسة، فكان القرار الحدث الأبرز في المقهى الذي كانت أنظار غالبية المتواجدين فيه متعلقة بجهاز التلفزيون، ولما احتدم نقاشنا انضم عدد من الجالسين إلينا بطريقة عفوية.
 شكك صديقي في نية السلطة الجزائرية، مؤكداً أن قرار بوتفليقة ليس إلا التفافاً صريحاً على مطالب الشعب الرافض لبقاء النظام، وحلقة جديدة من حلقات خداع الشعوب الراغبة في التحرر.
لم أكن متفقاً مع هذا الرأي بالكلية، فقرار عدم الترشح في رأيي، بداية يمكن للشعب الجزائري البناء عليها، وأن ينطلق منها إلى تفاوض جدي مع سلطة تحكم البلاد بقوة السلاح، مع ضرورة عدم السقوط في أخطاء تسببت في فشل الثورة في مصر، أو الانزلاق إلى فخ العنف كما في سورية واليمن وليبيا.
 رفض أحد الأصدقاء منطق التعامل مع انتفاضات الشعوب العربية وفق نفس المقياس، مشدداً على أن لكل بلد خصوصيته المميزة التي تصبغ حراكه، كما أن لكل سلطة خصوصيتها التي تصبغ رد فعلها. لم نختلف كثيراً في هذا، فالخصوصية واقع قائم، لكنها ليست العامل الرئيس في نجاح أو فشل أي ثورة، وإنما عوامل كثيرة متشابكة، بعضها داخلية، وكثير منها خارجية.
أحاول جاهداً ألا يتحول النقاش إلى صراع جنسيات، فأقول: المهم أن الثورة المضادة فشلت في القضاء على الربيع العربي رغم كل الخيبات.
اتفق الجالسون على خطورة التأثير الخارجي، وخصوصاً التأثير الفرنسي في الشأن الجزائري. وقتها لم يكن تصريح الرئيس الفرنسي الفج قد صدر بعد. يستوقفنا صوت سوري يشدد على خطورة غياب بوتفليقة عن المشهد، ويحذر من تداعيات ما بعده، فيرد شاب تونسي مؤكداً أن بقاءه أخطر بعد أن أعلن الشعب رأيه فيه، فيستدرك أحد أصدقائي: هو لا يحكم فعلياً منذ سنوات، والجميع يعرف هذا.
  يعاجلني صديق لم يبد طيلة النقاش إلا بعض همهمات وإيماءات، بضرورة التوقف عن اعتبار ما جرى في مصر نموذجاً يصلح تطبيقه في بقية بلاد العرب، ويضيف: فشلكم ليس ملزماً للجميع. ألجأ إلى الصمت لأنني لا أستطيع ادعاء عدم فشل ثورتنا، أو بالأحرى فشلنا في إدارتها، قبل أن يعلو صوت شاب سوداني قائلاً: يوميات ثورة مصر تصلح دليلاً لمن يريد النجاح. يكفيه فقط أن يفعل عكس كل ما فعله المصريون.
أكاد أرد مستهجناً، فيقمعني صديقي المقرب قائلاً: ليس الفشل عاراً لتنكره.




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق