الجمعة، 7 يونيو 2019

من ميدان التحرير



 جمع الستيني المصري حوله عدداً كبيراً من الأشخاص، غالبيتهم من الشباب، في قلب ميدان التحرير بوسط القاهرة، في أحد الأيام الأخيرة من شهر يناير/كانون الثاني 2011، ليروي لهم ما يمكن اعتباره خلاصة تاريخ مصر المعاصر الذي يختلف كثيراً عما قرأوه في كتب التاريخ المدرسية. قال الرجل للمتجمعين المنتبهين، إن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر استخدم جماعة الإخوان للوصول إلى الحكم والتخلص من الرئيس وقتها، محمد نجيب، ثم الهيمنة على الحكم، ثم لم يلبث أن بدأ عملية ممنهجة للتنكيل بالإخوان، وبغيرهم ممن قرروا معارضته، حتى بعض أعضاء المجلس العسكري. وأضاف: أخرج الرئيس الراحل أنور السادات المعارضين الذين اعتقلهم عبد الناصر، وخصوصاً الإخوان، من السجون، ودعم وجودهم في المجتمع، ليس لأنه ديمقراطي أو يرفض الممارسات الديكتاتورية، ولكن ليستفيد من قدراتهم على الحشد في مرحلة التجهيز لحرب استعادة شبه جزيرة سيناء المحتلة، وليوقف بهم تغول التيار الشيوعي الذي حوله عبد الناصر في حربه على هيمنة التيار الديني إلى معارض جديد بات يهدد السلطة الحاكمة بشعارات إنهاء الرأسمالية ومنح المواطنين حقوقهم الاجتماعية، خاصة العمال والفقراء؛ بينما كان السادات على أبواب مرحلة من الانفتاح المالي الكامل التي لا يمكنها الاستجابة للدعوات التي يتبناها اليسار والشيوعيون. أكمل الرجل بينما الشباب يتابعون باهتمام: الرئيس حسني مبارك لعب في بداية حكمه على كل الحبال قبل أن يعادي الجميع بغباء منقطع النظير، فلا هو قرب اليمين ولا اليسار، ربما بسبب فشل النظامين السابقين عليه في التعامل مع كليهما، وربما كان ذلك سبباً في حكمه نحو ثلاثين سنة متصلة اعتمد في النصف الأخير منها على تقوية جهاز الأمن لاستخدامه في القمع، واستثمار التدهور المجتمعي والثقافي الذي بدأ نهاية السبعينات مع التحول من دولة تستثمر في التعليم والثقافة والصحة إلى دولة تستثمر في الفساد. واستطرد: لم تكن الصورة بهذه القتامة، فالأجيال اللاحقة سمحت لها الظروف والتطور التكنولوجي وفورة وسائل الاتصال بثقافة وتطور نوعي مكّنها من إدراك الكثير مما حاولت أنظمة سابقة تزويره أو تدميره أو إخفاءه، فتحولت إلى وقود الغضب ضد مبارك. لا شك عندي أن حوارات مماثلة جرت خلال الشهور الأخيرة في ميادين الثورة في السودان، وفي الجزائر، فتاريخ كل الدول العربية الحديث مليء بالأكاذيب، والملايين في تلك الدول لا يدركون أنه تم خداعهم لسنين طوال بشعارات كاذبة روّجتها السلطات الحاكمة، بينها أن العسكريين أكثر وطنية من بقية الشعب.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق