نشرت أولا في مجلة الكويت
يصر معظم كتاب
السينما العرب في الداخل والخارج، حين نسألهم نحن المحررين عن الأفلام التي
شاهدناها معهم أو الظواهر التي نرصدها من دونهم، على أن نُسبقَ أسماءهم بلقب
الناقد، وبعضهم يحرص أن يكون لقبه متبوعا بلفظة «الكبير» رغم أن الكثير منهم لا
يستحق أكثر من لقب «الناقم».
بات النقد
السينمائي والنقد الفني عموماً مباحا متاحا لكل من شاهد فيلما سينمائيا ووجد من
ينشر له في زاوية أو عمود وما أكثر من ينشرون حاليا في ظل الهجمة الإلكترونية
القائمة التي انتهت بنا إلى نقاد لا نعرفهم إلا عبر مدوناتهم أو صفحات الفيس بوك
دون أن يخبرنا أحدهم بصلاحياته للحديث.
شخصيا حاول
البعض أن يصفوني بالناقد رغم حرصي الدائم على رفض اللقب الوثير الذي يستعذبه
كثيرون من زملاء المهنة وبات معروفا عني جملة مأثورة يتناقلها عني الأصدقاء نصها
«الله يحرق النقاد» وسببها كفري التام بالنقاد العرب الذين لا يملك معظمهم أيا من
أساسيات النقد التي تؤهلهم أصلا للكتابة ناهيك عن التحليل والنقد.
كيف أتقبل أن
زميلا أو صديقا في نهاية العقد الثاني من عمره بات ناقدا محترفا وكيف يمكنني قبول
تحول صحفي فشل في ممارسة المهنة إلى ناقد باعتباره النقد أسهل كثيرا من الصحافة
فهو لا يحتاج في رأي أشباه النقاد إلا مشاهدة الأفلام ثم جلسة هادئة وكوب شاي لزوم
تدبيج مطولة لا يمكن لعاقل أن يكملها لعدم ترابط معانيها حول عمل فني لا يعرف
الكاتب عنه إلا ما شاهده على الشاشة كما لا يعرف عن السينما إلا عدة أفلام شاهدها
وعدداً أكبر من المقالات التي كتبها غيره.
عشت كثيرا في
جدل عميق مع زملاء وأصدقاء حول أحقية فلان أو علان في إطلاق لقب الناقد عليه وكنت
دائما أحاول البحث عن سند لمن يصنف نفسه ناقدا دون وجه حق، كم فيلما شاهد في
حياته؟ وهل درس النقد الفني؟ بمعنى أنه يعرف النظريات الفنية والاتجاهات النقدية
وكم من الكتب والدراسات النقدية قرأ في حياته طالت أو قصرت وبأي لغات؟.
وهل يدرك مدعي
النقد الفروق بين الأجيال السينمائية وتغير التقنيات في الصناعة من جيل لآخر وكم
مهرجانا حضر؟ وكم ندوة ناقش فيها صناع السينما؟ وغيرها الكثير من الأسئلة التي
أعتقد أن الناقد لابد أن يكون لديه منها حصيلة واسعة من الأجوبة قبل أن نطلق عليه
لقب «ناقد».
الجدل كان
ينتهي دائماً بأني ناقم على النقاد أو أنني لا أعترف بالنقد كمهنة رغم أن هذا غير
حقيقي على الإطلاق لأني أقرأ لنقاد كبار كثيرين وأحرص على قراءتهم حتى أتعلم وأفهم
بينهم مصريون وعرب وأجانب كونت منهم قائمة أضيف إليها كل فترة اسما جديدا وأحذف
أيضا كل فترة أسماء تسقط من وجهة نظري في هاوية المصالح أو تعمد إلى بيع قلمها وهؤلاء
باتت كثرتهم أمرا محزنا حقا.
تبقى الأزمة
في تعدد المنابر الإعلامية التي تريد كتابات لملء فراغات وتسويد صفحات دون النظر
إلى قيمة ما يكتب أو مستوى ما يقدم فيه من تعليقات وملاحظات وعلاقته بالنقد وكونه
ينتمي إلى الانطباعات أم إلى الانتقادات التي لا تكون عادة مبنية على نظريات أو
أسس نقدية.
وبينما نعرف
في العالم العربي معاهد متخصصة للنقد الفني وجمعيات للنقاد تتفاوت في قوتها وعدد
أعضائها من بلد لأخر إلا أننا لا نمتلك تعريفا محددا للناقد الفني إجمالا قبل أن
نتحول إلى تصنيف النقاد في المجالات المختلفة حيث إننا نعرف نقاد السينما بشكل
واسع بينما لا نعرف تقريبا نقادا للتليفزيون وينحصر عدد نقاد الموسيقى والغناء في
فئة محدودة جدا تجعل الأمر مختلطا بين تلك المجالات المتباينة.
حالة الخلط
تلك ألقت بنا في هوة سحيقة من التضارب النقدي فالناقد السينمائي مثلا يكتب في
التليفزيون والموسيقى والمسرح وربما في الفنون التشكيلية وهو أمر لم يعرفه أي بلد
في العالم حيث ظل التصنيف محددا ومتباينا بين كل مجال وكان لكل مجال جمعية خاصة أو
تصنيف داخل جمعية عامة إلا لدى العرب فكل يكتب ما يشاء وقتما يشاء.
بعيدا عن
التصنيفات الواضحة التي لا يمكن إغفال دورها والنقاد الذين يظهرون يوميا دون رقيب
أو حسيب فإننا نعيش فوضى نقدية حتى على مستوى النقاد المعتمدين أو المفروضين علينا
قسرا دون أن نختارهم أو حتى نتمكن من إبداء آرائنا فيما يكتبون، فبينما الناقد غير
الصحفي إلا أن رؤساء الصفحات الفنية في كل الصحف العربية باتوا نقادا رغما عن
القراء لأن لديهم القدرة على اقتطاع أجزاء من تلك الصفحات التي يشرفون عليها
لأقلامهم على حساب الخبر والحوار والتقرير.
المهم أن
هؤلاء الزملاء ترقى بعضهم لمنصب الإشراف على الصفحات بحكم السن أو الأقدمية
وأحيانا الصدفة أو حتى المجاملة لا يجيد بعضهم الكتابة أصلا ولا يعرف الفارق بين
المقال والعمود والرؤية النقدية وتحليل العمل الفني ورغم ذلك فإننا مجبرون على
قراءة ما يسطرون مهما كان غثا والسكوت على أفكارهم غير المنطقية أو المرفوضة
أحيانا مهما كانت براقة.
لكن هؤلاء
الزملاء الأعزاء أفضل كثيرا من نقاد محترفين باعوا القلم لمن يكتب وعطلوا ضمائرهم
مقابل حفنة من المال أو مشاركة في مهرجان أو الإشراف على مسابقة في احتفالية حتى
أن بعضهم يعمل لدى شركات الإنتاج بمقابل مادي محدد سواء لرسم الخطط الإنتاجية أو
اختيار النصوص الجديدة أو حتى يحصلون على مقابل مالي دون عمل لمجرد تحييد أقلامهم
كونهم يمتلكون مساحات في صحف ومجلات يمكنهم فيها التقريع أو الهجوم على الأعمال
الفنية دون سند نقدي.
ورغم أن
الكثير من القراء يتجاهلون تماما المقالات النقدية بعكس المتخصصين الذين تلفت
نظرهم المقالات قبل الأخبار والتقارير بما يعني أن الناقد يكتب لحفنة من القراء
وأن ما يكتبه لا تأثير له على العامة ممن يسعى خلفهم المنتجون بحثا عن الإيرادات
ونسب المشاهدة إلا أن قلم الناقد مازال له نفس التأثير النفسي في عقل المنتج الذي
لا يهمه أن يقدم عملا جيدا بقدر ما يهمه أن يشتري أقلام النقاد حتى لا يهاجمون
عمله.
بقي أن نشير
إلى اختفاء المطبوعات النقدية المتخصصة في العالم العربي واحدة تلو الأخرى بما
يؤكد عدم الإقبال عليها من القراء بينما تصر الصحف على وجود مقالات نقدية في
صفحاتها الفنية يبقى بعضها أحيانا لمجرد ملء المساحة بينما كانت الصحف فيما مضى
تباع باسم الكاتب أو الناقد وحده.
وتسبب اختفاء
المطبوعات النقدية المتخصصة وزيادة عدد النقاد «عاطلا وباطلا» إلى تحول بعضهم إلى
التدوين، فعرفنا أخيرا نقاد المدونات الذين لا نعرف لهم نشاطا نقديا إلا عبر
مدوناتهم الإلكترونية التي تحولت في أوقات كثيرة إلى شتائم متبادلة بينهم لتصفية
خلافات شخصية أو الخلاف على أموال يتلقونها من جهات يتصارعون عليها أو لمجرد
محاولة كل منهم إثبات أنه الأجدر وأن الآخرين مجرد هواة مقارنة به.
رفضنا طويلاً
ومازلنا نرفض أن يتحول النقد إلى مهنة من لا مهنة له.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق