أول
مرة أسمع اسم الصحافي المصري علاء حيدر، رئيس تحرير وكالة الأنباء المصرية الرسمية
حاليا، كانت في أبريل/نيسان 2012، وصلتني منه، دون سابق معرفة، رسالة إلكترونية تضم
بيانا صحافيا يرغب في نشره، حول رواية له بعنوان " سقوط مبارك ومن بعده المتأسلمين"،
عرف نفسه في البيان باعتباره مدير تحرير وكالة أبناء الشرق الأوسط.
ركاكة
البيان كانت واضحة جدا، لكني كنت متمرسا على تفهم ركاكة أسلوب كثير من الصحافيين في
المؤسسات الحكومية المصرية، وتجاهلت الركاكة بعدما علمت أنه محرر في القسم الفرنسي
في وكالة الأنباء المصرية الرسمية، وبالتالي فليس مهتما بالعربية، وإن كان وصوله إلى
منصب مدير تحرير الوكالة أمر عجيب والحال كما ذكرت.
الرواية
التي كان الكاتب يصر على أنها "كتاب"، ترصد بحسب البيان سالف الذكر
"تسع شخصيات مؤيدة ومعارضة للرئيس السابق مبارك دخلت في غيبوبة طويلة إثر حادث
مروري وقع قبل سقوط مبارك بأكثر من شهر لتستفيق هذه الشخصيات بعد فترة تراوحت بين
6 إلى 8 أشهر لتجد مبارك وولديه جمال وعلاء في قفص الاتهام فاعتقدت أن علاء وجمال يستعدان
للعب مباراة في التنس بسبب ملابسهما الأنيقة ناصعة البياض المصممة وفقا لأحدث خطوط
الموضة الفرنسية، فيما أعتقد البعض الآخر أن الأمر لا يزيد عن كونه إحدى حلقات برنامج
الكاميرا الخفية على أساس أن المصريين لا يثورون أبدا على حكامهم منذ عهد جدهم الأكبر
الفرعون خوفو".
ورغم
ما في الأمر من مغالطات تنكر أن المصريين ثاروا كثيرا على حكامهم، ورغم الركاكة وعدم
اقتناعي بما أورده الكاتب حول مبارك في روايته، خاصة وأنه من المعروف تماما أن الوصول
إلى سدة مكتب باريس في الوكالة الرسمية لا يمكن إلا أن يكون بموافقات أمنية ومخابراتية،
ورضا رأس النظام الذي حاول الكاتب اتهامه بالفساد "بمنتهى الحنية، في الرواية،
إلا أن الأكثر وضوحا كان أن الرواية جزء من الحملة الجارية على قدم وساق لشيطنة الإسلاميين
وتقديمهم باعتبارهم خطرا على الدولة، وهي الحملة التي كان المجلس العسكري الحاكم وقتها
يديرها باقتدار.
حكى
لي حيدر في مكالماتنا الهاتفية الكثيرة عن بعض مما كان يفعله في مكتب باريس، وأن مهام
عمله كانت تقتصر في بعض الأحيان على تنظيم مواعيد "الهانم"، وهو اللقب الشائع
عن سوزان مبارك، زوجة الرئيس السابق، وهو أمر لم يكن يخفى علي.
بعد
عام وبضعة أشهر، وتحديدا في سبتمبر/أيلول 2013، وبعد انقلاب الجيش على الرئيس المنتخب،
عاد علاء حيدر للتواصل معي، الأمر هذه المرة كان متعلقا بمشروع سينمائي يجهز له، كان
وقتها يحاول الانتهاء من سيناريو فيلم عن الممثلة كاميليا (1919- 1950) التي ماتت في
حادث طائرة مشكوك في تفاصيله حتى الأن.
قال
لي إنه خلال عمله في مكتب الوكالة بباريس كانت له صلات بجهاز أمني فرنسي، وأنه اطلع
على وثائق سرية حول كاميليا، واستخدمها في كتابة عمل فني سيقدم مفاجآت عنها. وأنه يفكر
في تحويل العمل من فيلم إلى مسلسل تليفزيوني.
لاحقا
أرسل لي الحلقات الأولى من المسلسل بالفعل، ولازالت كلها عندي، ثم بدأ في طلب مساعدتي
على إيجاد منتج للعمل وترشيح أبطال مناسبين، كما ناقشني في ترشيح إيناس الدغيدي كمخرج.
الواقع
أن السيناريو لم يكن عظيما، لكن خبرتي في هذا المجال تؤكد أنه ليست كل السيناريوهات
التي تصل مرحلة الانتاج جيدة، وإن تحويل السيناريو المكتوب إلى عمل فني مهمة يقوم بها
فريق عمل كبير.
للمناسبة،
تابعت مؤخرا أن مسلسلا تليفزيونيا عن كاميليا يتم التجهيز له من بطولة غادة عادة وإخراج
زوجها مجدي الهواري، لكني لم أجد عليه اسم حيدر، وإنما كتب أن مؤلفه هو الممثل محمود
البزاوي.
لاحقا.
وكنت وقتها لم أغادر مصر، عرفت بخبر اختيار علاء حيدر رئيسا لتحرير وكالة أنباء الشرق
الأوسط، لم أتعجب، فالوكالة ليست إلا دكانا صحافيا تديره المخابرات العامة والعسكرية
وجهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا)، ودورها الأساسي ترويج النظام حتى ولو بالكذب
أو الاختلاق، وبالتالي فالمهنية أو الصلاحية أمور لا قيمة لها في مقابل الثقة والانصياع
للأوامر.
لم
أستهجن أبدا، بعكس أخرين غيري، ما قاله حيدر مؤخرا في تصريحات مثيرة، أكد فيها أنه
"لو كان محل عبد الفتاح السيسي في فض اعتصام ميدان رابعة العدوية الشهير،
لقتل مليوناً من المعتصمين"، مبرراً ذلك بأنه ضرورة" حتى يعيش 90 مليون مصري
في أمان".
كما
لم تفاجئني خطيئته المعلوماتية حول عدد ضحايا فض اعتصام رابعة، حيث قال إن "النظام
قتل 150 فقط في رابعة وليس ألفين كما يتردد"، رغم أن هذا النظام الذي يتحدث عنه
نفسه قال رسميا إن العدد أضعاف ذلك.
إنها
يا سادة الصيغة المتبعة في اختيار المسؤولين عن المنصات الإعلامية في مصر منذ عقود،
المطلوب هو من ينفذ ولا يناقش، من ينقل لا من يكتب، من ينتظر البيان الرسمي ولا يسعى
إلى تحري الحقيقة، وأظن علاء حيدر نموذج جيد لتطبيق هذا الواقع.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق