أنهى المسؤول الكبير في البيت الأبيض الاتصال الهاتفي المطول، وقد زادت حيرته، ظل ينظر إلى سقف الغرفة لنحو الدقيقة، قطعت صمته طرقات أحد مساعديه على الباب، فدعاه للدخول.
بدأ الشاب يعرض على رئيسه أوراقاً وملفات، لكن كان واضحا أن الرجل غير منتبه بالمرة إلى ما في الملفات، بدأ الشاب يتحدث حول محتوى الملفات عسى أن ينتبه رئيسه، لكن المسؤول المهموم قاطعه قائلاً: الرئيس يرغب في عمل شيء حيال الهجوم المتوقع عليه في حفل الأوسكار ليلة الغد.
لم يرد الشاب، وبدا أنه لم يفهم، فواصل رئيسه: "الرئيس يعرف أن حفل الأوسكار سيكون حافلاً بالهجوم عليه، على غرار ما جرى في غولدن غلوب، حتى أنه توقع أن بعض الجوائز سيتم منحها لأشخاص بعينهم ولأفلام بعينها نكاية به، وطلب بشكل مباشر البحث عن شيء يخفف من تأثير ما سيقال في حفل الأوسكار ضده. هل لديك أية أفكار؟".
بدأ الشاب يلتقط أنفاسه بصعوبة، وقال "علينا جمع الفريق، ليس الأمر بهذه السهولة، لا بد من خطة حتى لا نتعرض لأزمة نحن في غنى عنها"، أومأ الرئيس بالموافقة، فخرج الشاب من فوره إلى مكتبه وأجرى اتصالات سريعة بعدد من العاملين في البيت الأبيض، طالباً الحضور على الفور.
في مكتب متسع جلس نحو عشرة أشخاص إلى طاولة مستطيلة، وعلى وجوه الجميع ترقب لما سيطلب منهم. بدأ المسؤول الكبير الحديث قائلاً: تعرفون أن حفل توزيع جوائز الأوسكار بعد ساعات، وتعرفون أن مناسبات سابقة شهدت هجوماً مباشراً على الرئيس، والآن عليكم معرفة أننا مطالبون بالبحث عن وسيلة للتعامل مع الهجوم المتوقع غداً في الأوسكار.
أطرق الجميع، أغلبهم لا علاقة له بالسينما أو حفلات توزيع الجوائز، حتى العناصر الأمنية أو الاستخبارية بينهم تقتصر خبراتهم في هذا المجال على التأمين، تفهّم المسؤول الكبير توترهم، وقال: لدينا عدة أفكار، منها فتح ملف يشغل الناس عن الأوسكار، فأكد أغلب الحاضرين أن هذا لن يفيد، فواصل: علينا إذن تفجير فضيحة، فكرر الحاضرون أنها لن تفيد وأن الأوسكار أهم وأكبر.
ساد صمت ثقيل في القاعة، قبل أن يقطعه أحد الجالسين قائلاً: لماذا لا نفسد الحفل نفسه؟
بدأ النقاش يحتدم، إذ رأى البعض أن إفساد الحفل سيكون فضيحة للبلد وليس للأوسكار، بينما بدأ البعض يستنكر الطرح الذي يتعامل مع الأوسكار باعتباره "حفلاً مدرسياً".
طلب أحد الحضور، وكان عنصر استخبارات، منحه دقائق لإجراء بعض الاتصالات الهاتفية، عاد بعد قليل قائلا إنه وجد حلا لا يفسد الحفل بالكلية، لكنه يجعل من أي هجوم على الرئيس أمراً هامشياً مقارنة بالأزمة التي سيشهدها الحفل.
بدا الارتياح على أغلب الموجودين، وقال المسؤول الكبير إن على جميع أفراد الفريق تخصيص أفراد من إداراتهم لترتيب التفاصيل، وأنه ليس مسموحاً بأي هامش من الخطأ.
خرج الجميع إلى مكاتبهم، وبدأ تنفيذ العملية التي أطلق عليها اسم "موون لاند".
بدأت اتصالات مكثفة مع أشخاص عدة في إدارة تنظيم حفل الأوسكار، بينهم العناصر الأمنية وبعض العناصر المتعاونة مع الاستخبارات، وبعض الأشخاص المقربين من البيت الأبيض والإدارة الجديدة.
لم يكن الأمر سهلاً بالمرة، فإجراءات حفل الأوسكار صارمة، وكل التفاصيل تتم مراجعتها مرات عدة من أشخاص لديهم خبرة طويلة في تنظيم الحفل، وفريق العمل الخاص بالحفل في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية الأميركية لا يعرف الاستسهال في أي من التفاصيل، وخاصة أنها الدورة التاسعة والثمانين.
في البيت الأبيض، جلس ترامب مع عدد من أفراد إدارته لمشاهدة حفل الأوسكار، وبينما بدا التوتر على أغلب الجالسين، قال لهم إنه معتاد على مشاهدة الحفل سنوياً، وضحك قائلاً: "إنها المرة الأولى التي أشاهده فيها وأنا رئيس"، وأضاف أن لديه علاقات وثيقة مع كثير من الفنانين والمخرجين، وأنه ظهر سابقاً في عدد من الأفلام.
بدأ الحفل، وبدأ الهمز واللمز إلى الرئيس من جانب المشاركين، ولم تعجب ترامب سخرية مقدم الحفل جيمي كيميل، من تغريداته المنتظرة فجراً حول الحفل، وقال إنه لن يغرد أصلاً.
منحت جائز أفضل فيلم أجنبي للفيلم الإيراني "البائع"، والذي أعلن مخرجه وأبطاله أنهم لن يحضروا الحفل احتجاجاً على قرار منع دخول المسلمين، وكذا منحت جائزة أفضل ممثل مساعد للمسلم ماهر شالا علي، لأول مرة في تاريخ الأوسكار، ومنحت جائزة أفضل فيلم وثائقي لفيلم عن فرق "الخوذ البيضاء" السورية.
كانت تلك الجوائز مزعجة لترامب، وبدا على وجهه الانزعاج، لكنه قال إنه توقع ذلك مبكراً، قبل أن يعتدل في جلسته عندما بدأ الإعلان عن جائزة أفضل فيلم، أعلن عن منح الجائزة لفيلم "لا لا لاند"، فبدأ في التململ كمن ينتظر مرور الوقت، صعد صناع الفيلم إلى المسرح لتسلم الجائزة الكبرى للمسابقة الأشهر سينمائياً في العالم.
لم يتمالك الرئيس نفسه، فبدأ يتمتم: متى تبدأ (موون لاند؟)، لم يكن أغلب الجالسين يفهم ما يقوله، أو بالأحرى لا يخطر ببالهم، فجأة بدأ الارتباك على المسرح، وأعلن منتج "لا لا لاند" أن فيلمه لم يفز بالجائزة الكبرى، وأن الجائزة منحتها الأكاديمية لمنافسه فيلم "موون لايت".
بدأ الرئيس بالضحك، وبدأ الجالسون إلى جواره يتهامسون في محاولة للفهم، قبل أن ينهي حيرتهم قائلاً: هكذا لم يعد للهجوم عليّ في الأوسكار أي قيمة، وقع الأوسكار في خطأ لن ينساه التاريخ، فلينشغلوا بأنفسهم.
بدأ البعض يتمتم: هل كان الخطأ التاريخي الكبير مدبراً؟ هل الرئيس مسؤول عنه؟ فقطع الرئيس الحيرة قائلاً: نعم. نحن من فعلها.
كل ما سبق قصة متخيلة لأحداث لم تقع، الحقيقة الوحيدة فيها أن ما جرى في حفل الأوسكار غير مسبوق، وأنه سيظل عالقاً بتاريخ الجائزة، وأن كل الهجوم المستحق في الحفل على الرئيس الأميركي دونالد ترامب توارى تماماً بسبب الإعلان عن منح الجائزة الكبرى لفيلم غير الفيلم الفائز.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق