لا تنتهي الأزمات العربية تقريباً، يكاد لا يمر شهر دون أزمة جديدة، وأحياناً عدد من الأزمات خلال الشهر الواحد، ومع تكرار الأزمات يتكرر اكتشاف حجم البؤس الكامن في عقول العرب الناتج عن التعرض لقرون من سيطرة الرجعية والاحتلال والاستبداد والقمع. يبدو بعضهم غير قادر على تصديق حجم الانحياز الأميركي لصالح إسرائيل ضد العرب، وكأنهم كانوا يعيشون في المريخ بلا أي اتصال مع الأرض خلال الخمسين سنة الماضية، ويبدي بعضهم استنكاره مما يفعله ترامب في ملف القدس وفي غيره من الملفات العربية والإسلامية، بينما الواقع أنه يفعل بوضوح وفي العلن ما كان يفعله سابقوه بطرق ملتوية أو في السر. بعضهم مندهش من "فيتو" الولايات المتحدة الأخير في مجلس الأمن ضد قرار حول القدس، بينما الأرقام تؤكد أنه من أصل 80 مرة استخدمت فيها واشنطن حق النقض في مجلس الأمن، كان 42 منها لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي، و31 منها ضد قرارات تخدم الشعب الفلسطيني. ووسط الهرولة العربية إلى التطبيع مع إسرائيل، تطالعنا أبواق الأنظمة بخطاب زائف يحاول تصوير إسرائيل باعتبارها واحة الحرية والديمقراطية، متجاهلين كل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال يومياً في حق الفلسطينيين، وخصوصاً ضد الأطفال والنساء، كما يتجاهلون العشرات من فتاوى الحاخامات الصهاينة التي تعتبر المجاملات والتواصل مع العرب حراماً شرعاً، وتحظر تناول الطعام والشراب مع غير اليهود، أو تلك التي تبيح قتل العرب. في أزمة القدس الأخيرة، تحول البعض إلى أبواق سلطوية، يرفع راية حاكمه ويزعم أن له أفضالاً على أهل فلسطين وعلى القدس المحتلة، مقارنة بالحكام الآخرين، بينما الواقع أن حكام العرب طيلة القرن الأخير يتحملون قدراً كبيراً مما آلت إليه الأوضاع في فلسطين. بين وقائع البؤس العربي، أن بعضهم يحتفي بمواقف الطغاة الزائلين أمثال جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وصدام حسين ومعمر القذافي وزين العابدين بن علي وحسني مبارك، وحتى علي عبد الله صالح، ويرى أن مواقفهم كانت أفضل من مواقف الحكام الحاليين، رغم أن ما قدم إليه الطغاة السابقون أفضى إلى ما يفعله الطغاة الحاليون. عندما أصدر ترامب قراره، سكت كل حكام العرب عن انتقاد الرئيس الأميركي، حتى من انتقدوا القرار لم يأت أيهم على ذكر صاحبه. لما قصفت جماعة الحوثي اليمنية العاصمة السعودية الرياض بصاروخ باليستي تعالت الأصوات المنددة بجرائم الحوثيين، بينما التحالف الذي تقوده السعودية يقصف العاصمة اليمنية صنعاء يومياً، ويقتل الأطفال والنساء، ولا نسمع أحداً يندد أو يشجب عربياً.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق