اشتهر الأديب الراحل توفيق الحكيم بأنه "عدو المرأة"، على
الرغم من أن آراءه يمكن النظر إليها وفق المتعارف عليه من ثقافة مجتمعه، والغالب
أن التهمة التصقت به لأنه عاش في فترة تموج بما أطلق عليه "تحرير
المرأة"، وهو شعار ما زال قائماً على الرغم من مرور أكثر من قرن على ذيوعه.
يرجع كثيرون مسؤولية علاقة الحكيم المتوترة بالنساء إلى أول امرأة
عرفها في حياته، وهي أمه، التي كانت سيدة متعجرفة متسلطة، يعتقد أنه رسم شخصيتها
الكريهة من خلال شخصية "الهانم" في روايته الشهيرة "عودة الروح".
لكن الثابت أنه لم يكن عدواً مطلقاً، وإنما لم تكن آراؤه تلبي تطلعات
من انتقدنه من النسوة، خصوصاً زعيمة حركة تحرير النساء آنذاك، هدى شعراوي، التي
عارضها وجادل في صحة آراء تيارها، سواء في مقالاته أو رواياته.
هذا النص من حوار منشور أجري معه، مثال واضح: "ناديت دائماً
بتثقيف المرأة تثقيفاً تاماً لتكون زينة البيت، وأستاذة الطفل، ومعلم الجيل.
المرأة ليست قطعة من أثاث البيت توضع فيه بجهلها وعقلها المغلق. وهي ليست خادمة
تطعم الرجل وتغسل ملابسه، ولكنها شريك محترم ينبغي أن يجد فيه الرجل متعة عقلية
تحبب إليه البيت حتى لا يهرب إلى المقاهي. أؤيد بقاء المرأة في البيت لكي تكون بحق
ملكة. إن من النساء في صدر الإسلام من فقن الرجال في فنون الأدب والعلم، وكان
لبعضهن مجالس مشهورة يحضرها رجال الدولة ونوابغ الشعراء والأدباء. وكان ذلك في عصر
لم تزاحم فيه المرأة الرجل في المناصب والأعمال".
في المقابل، تظل قصة إنكار هدى شعراوي لزواج ابنها من المطربة فاطمة
سري، لأسباب طبقية، قبل أن تقضي محكمة بصحة الزواج، علامة فارقة في تاريخ الرائدة
النسائية، وربما يصلح دليلاً على أن بعض النساء أكثر عداوة لبنات جنسهن من بعض
الرجال.
ويبقى نص خطاب التنديد الذي أرسلته سري إلى شعراوي، نموذجاً معبراً عن
التناقض بين الشعارات والواقع، وفيه تقول المطربة للزعيمة: "إن اعتقادي بك
وبعدلك، ودفاعك عن حق المرأة، يدفعني إلى التقدم إليك طالبة الإنصاف، وبذلك تقدمين
للعالم برهاناً على صدق دفاعك. لو كان الأمر قاصراً علي لما أحرجت مركزك، لعل أنك
أم تخافين على ولدك ومستقبله، وعلى سمعته من أن يقال إنه تزوج امرأة كانت في ما
مضى تغني على المسارح، ولك حق إن عجزت عن تقديم ذلك البرهان الصارم على نفسك؛ لأنه
يصيب من عظمتك وجاهك وشرف عائلتك، كما تظنون يا معشر الأغنياء، ولكن هناك طفلة
مسكينة هي ابنتي وحفيدتك (...) أخاف إلهاً عادلاً سيحاسبني يوماً عن حقوقها، إن لم
تحاسبني هي عليها".
عسى أن تتخلص
النساء أولاً من عداوة بعضهن.
سمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق