جمعتني،
قبل أيام، جلسة امتدت لساعات مع أشخاص ينتمون إلى جنسيات عربية مختلفة، كما تتباين
المهن التي يمارسونها، وتتفاوت أعمارهم ومستوياتهم التعليمية والثقافية. كنا
نتحاور حول موضوع واحد هو "الغربة".
أغلب
الحضور كانوا مغتربين عن أوطانهم لأسباب اقتصادية، لكن الحوار كان مليئا
بالتباينات.
بدأت
صديقتنا اللبنانية الحوار بتأكيد عدم رغبتها في العودة إلى بلادها، وأنها تشعر أن
حياة الغربة أكثر راحة من العيش في الوطن، فوافقها صديق مصري قائلاً إنه لا يفكر
في العودة لأنه يرفض العيش في كنف نظام يحكم بلاده بالحديد والنار.
كان
صديقنا الليبي متحفزاً لطرح وجهة نظره. قال إنه لم يكن يخطر بباله يوماً أن يغادر
بلاده، أو أن لا يتمكن من العودة إليها مجدداً، لكن الأوضاع التي آلت إليها البلاد
تدفعه إلى ذلك، مضيفاً أنه يصعب عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الإطاحة
بالعقيد القذافي.
انبرى
رفيقنا المغربي متهماً إياه بالحنين إلى عهد القذافي، وأفاض في سرد الكوارث التي
فعلها العقيد طيلة عقود قبل قتله على أيدي الثوار.
فضّل
صديقنا الليبي الصمت، فحاولت صديقة سورية انتشاله من تهمة الحنين إلى عهد بائد،
مؤكدة أنه لا يمكن بعد كل ما جرى في بلدان الربيع العربي أن نستنكر بعضاً من
الحنين إلى هدوء العهود السابقة، وإن كان الفساد مستشريا فيها، وضربت مثالاً
ببلدها الذي بات شبه مدمر بالكامل، والذي يحلم كل شخص يحمل جنسيته لو عادت الأمور
إلى ما قبل 2011، رغم كل ما كان قائماً من ظلم وقمع وفساد.
كان
رفيقنا الفلسطيني يراقب من دون تدخل، فوجهت إليه سؤالاً مباشراً حول رغبته في
العودة إلى فلسطين. تجهّم الشاب الذي لا يكف عادة عن الضحك والسخرية، وقال إن
القرية التي تم تهجير جده منها بعد النكبة لم تعد موجودة على الخريطة، وبالتالي
فإنه لا يملك مسقط رأس يعود إليه.
سيطر
الوجوم على المجموعة لفترة، قبل أن تقطعه صديقتنا السورية قائلة: إذا ما عدت وعاد
غيرك، فعندها يمكن إعادة القرية إلى الخريطة مجدداً، فاحتد الشاب قائلاً: هذا
يستلزم إنهاء الاحتلال أولاً، وكيف ينتهي الاحتلال بينما الفصائل الفلسطينية
تتصارع معاً على تفاهات بدلاً من الاتفاق على أسلوب موحد للمقاومة.
تدخّل
صديق يمني مؤكداً أنه سيعود في حال أتيحت له الظروف، وأنه لن يسمح للغربة التي
فرضت عليه أن تستمر إلى الأبد.
ساد
صمت بارد قطعه تسلل صوت محمد عبد الوهاب في مقطع "خايف للغربة تحلالك. والبعد
يغير أحوالك. خليني دايما على بالك. يا مسافر وحدك وفايتني".
نظر
بعضنا إلى بعض للحظات، قبل أن يبدأ أغلبنا ترديد الأغنية.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق