الأحد، 2 سبتمبر 2018

المساواة في التحرش



يتجدد الحديث حول جريمة التحرش كل فترة مع تكرار اعلان اتهام أشخاص بهذا الجرم، عربيا أو عالميا، ورغم أن التحرش جريمة قديمة، إلا أن التطور الكبير لوسائل التواصل بات سببا مباشرا في زيادة انتشاره، لكنه في الوقت ذاته ساهم في زيادة نطاق الحديث عن مخاطره وكذا ضرورة تشديد عقوباته. المثير أن البعض لازال يجادل في تعريف التحرش، وفي مدى خطورته، ويختلف كثيرون حول الفرق بين التحرش اللفظي والتحرش المادي، في حين أن أحدهما على الأغلب يؤدي إلى الأخر، أو يكون له نفس التأثير النفسي على الضحية. بين المسلمات الرائجة أن المجتمع العربي ذكوري الطابع، والواقع أن العالم كله متهم بذلك، بينما يفاقم الأمور عربيا تلك الطبيعة الأبوية الشائعة في كل بلدانه، شرقا وغربا، والتي تتعامل مع الرجل باعتباره مسؤولا عن كل شيء، وتتعامل مع المرأة باعتبارها تابعا، أو تضعها في مرتبة متأخرة عن الرجال. وفي حين تعرف كثير من المجتمعات العربية، خصوصا الريفية والبدوية، مكانة لائقة لا يمكن تجاهلها للنساء، إلا أن ذلك لا يمنع، ولم يمنع يوما، إقرار النسوة أنفسهن بأهمية إبراز السمة الذكورية للمجتمعات التي يعشن فيها، حتى أنك تستطيع ملاحظة ذلك ببساطة في المقولات الشائعة، وفي الأمثال الشعبية، وحتى في الأغاني الرائجة. في السنوات الأخيرة، أصبح الحديث عن المساواة بين الجنسين أحد أهم الظواهر العربية، وتفرد لها وسائل الإعلام مساحات نقاش، وتكرر الحكومات الزعم بانها تطبق المساواة، وانطلق البعض من ذلك إلى طرح قضايا جدلية، مثل المساواة في الميراث، أو تجنيد الفتيات. لكن أحدا لا يتحدث أبدا عن المساواة بين الجنسين في جريمة التحرش. المتداول أن الرجال فقط يتحرشون بالنساء، وأنهم وحوش طليقة تطارد فرائسها من الإناث في كل مكان، بينما الواقع يؤكد أن النساء أيضا يتحرشن بالرجال، وإن كان على نطاق أقل. لكن لا يمكن بحال التفريق بين ارتكاب أي من الجنسين للجريمة وفقا لمبدأ المساواة. ربما يكمن الفارق في أن غالبية النساء يرفعن الصوت بالشكوى من تحرش الرجال، ويعتبرنها جريمة ضد أنوثتهن، وهي كذلك. ولاشك أن بعضهن يشتكين من التحرش دون أن يتحرش بهن أحد لإظهار أنهن مرغوبات، أو لدفع الرجال من حولهن للاهتمام بهن. في حين أن غالبية الرجال الذين يتعرضون للتحرش من النساء يتفاخرون بالأمر، ويعتبرونه دليلا على فحولتهم، ونادرا ما يشكو رجل من تحرش امرأة خشية سخرية رفاقه، وإن فعل فإنه يسميه توددا، ولاشك أن بعضهم يدعي زورا أن إحداهن تحرشت به، أو يختلق قصصا حول تقرب النساء منه.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق