لا أحد يعرف على وجه التحديد أسباب الانحدار الذي يتفشى في المجتمعات العربية، وإن كان هناك مؤشرات تؤكد مسؤولية الاستبداد والفساد والتسلط، فضلا عن تدني مستوى التعليم الذي ينتج أجيالا محدودة الوعي، أو ذات وعي مشوه. قبل أيام تفجر بيني وبين أصدقاء نقاش طويل حول من يطلق عليهم في بلادنا وصف "الإسلاميون"، وكان النقاش حادا وفيه تجاوزات تؤكد تردي الوعي العربي. كان رأيي أن وصف "الإسلاميون" أشمل من صفة "المسلمون"، وأن حصر إطلاقه على جماعات مثل الإخوان المسلمين أو السلفيين خطأ شائع مقصود. لكن هذا لم يعجب من أناقشهم، وهم ينتمون إلى خلفيات ثقافية وأيدلوجية متباينة، وقد أوضحت رأيي مؤكدا أن الإسلامي هو من يعيش في مجتمع غالبيته من المسلمين، وقد يكون غير مسلم، وأن هذا يؤثر على أفكاره وتصرفاته، ويتحكم في انحيازاته، متأثرا بالتقاليد والأعراف والقوانين، وحتى خرافات المجتمع الذي يعيش فيه. ومن أسف أن غالبية من يعيشون في المجتمعات الإسلامية علاقتهم بالحريات والديمقراطية والمساواة محدودة، وهي علاقة متغيرة بتغير الحكام، أو بتغير المفاهيم الرائجة حول القضايا المطروحة، وفي أحيان كثيرة تفرض عليهم من الخارج مفاهيم مخالفة لكل ما اعتادوا عليه، فيستجيبون لها دون تبصر وفق مزاعم التنوير أو التطوير. هؤلاء أنفسهم، لديهم مئات التابوهات التي يجب تفكيكها قبل محاولة التجانس مع العصر، ولديهم آلاف الأفكار البالية التي عليهم تجاوزها ليفهمهم الأخرين، كما ينبغي عليهم العمل على معلومات وشروحات خاصة بعشرات من مبادئهم ورموزهم التي يستخدمونها يوميا، لأن المجتمع يجهلها، أو معلوماته المتاحة عنها مغلوطة، وهذا بديل أساسي للتباكي على عدم فهم العالم للنظريات المؤسسة لأفكارهم. الواقع أن التباكي لا يعيد الحقوق، ولا يحقق مستقبلا. فالاحتلال الإسرائيلي لازال بعد عقود، يستغل الهولوكوست لابتزاز العالم، لكنهم في الوقت ذاته يعملون ليل نهار على امتلاك مصادر القوة، وألمانيا التي انهارت ودمرت تماما بعد هزيمة أدولف هتلر على أيدي الحلفاء، لم تركن إلى التاريخ والبكاء، وإنما عملت بكل جهد حتى باتت اليوم قوة لا يستهان بها، كما أن الإمبراطورية اليابانية التي فجعتها القنبلة النووية نهضت مجددا في زمن قياسي. طرح خلال النقاش أيضا أن هؤلاء الذين أسميهم "الإسلاميون" غير مؤهلين لملاحقة التطور العالمي، وهو زعم كاذب بالكلية، ولاشك أن المليارات تنفق لترويجه، حتى صدقه البعض، فتفوق الإسلاميين علميا وثقافيا وعسكريا استمر قرونا، وتكرار ذلك ممكن لو أنهم استفاقوا.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق