ورغم إن عدد محدود من النواب المحترمين فازوا على مقاعد فردية، لكن ده لا يغير أن المنافسة كانت فاقدة للعدالة والمصداقية، والغالبية العظمى اختارتهم الأجهزة بالاسم.
عشان كده أيدوا بيع الجزيرتين، وأيدوا قبلها كل قرار أمرهم بيه اللي عينهم.
التحقيق منشور بموقع مدى مصر اللي تم حجبه، عشان كده هنا هننقل نصه مع بعض الاختصار.
**هكذا انتخب السيسي برلمانه**
في أول أيام العام الجاري نشر حازم عبد العظيم، المسئول السابق في حملة ترشح المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية ما أسماه “شهادة حق في برلمان الرئيس“، تضمنت تفاصيل كشفت لأول مرة عن دور جهاز المخابرات العامة في تشكيل قائمة “في حب مصر”...
تلقى عبد العظيم اتصالاً في شهر يناير ٢٠١٥٥ “من أحد المساعدين المقربين لرئيس الجمهورية، ربما يكون الثالث في الرئاسة…وكنا سويا في حملة الرئيس وقال لي إنه يريد مقابلتي لأمر هام جدا في الاتحادية“.
وفي اجتماع لاحق في نفس الشهر بقصر الاتحادية قال هذا المساعد لعبد العظيم “…نحن نؤسس لقائمة جديدة للدخول للبرلمان وستكون أنت أحد المؤسسين لهذه القائمة”. وقلت: قائمة الجنزوري! وقال: لا. قائمة الجنزوري لن تستمر. ولكن القائمة الجديدة بها أعضاء كانوا على قائمة الجنزوري. ثم اتصل بي في نهاية يناير وقال لي إن أول اجتماع للقائمة سيكون في جهاز المخابرات العامة يوم الثلاثاء 3 فبراير 2015. واندهشت! وقلت لماذا جهاز المخابرات العامة؟ قال لي معلهش أول اجتماع لازم يكون هناك”.
عن هذا الاجتماع كتب عبد العظيم في شهادته ما يلي:
“التاريخ: الثلاثاء ٣ فبراير ٢٠١٥ – الساعة السابعة مساءا
المكان: قاعة اجتماعات داخل جهاز المخابرات العامة المصرية في دور أرضي
الغرض من الاجتماع: الإعلان عن قائمة انتخابية جديدة لخوض انتخابات مجلس النواب
الحضور: على رأس الطاولة وكيل من الجهاز مع أربعة من رجال المخابرات (ثلاثة منهم شباب بين الـ30 والـ40 عاما) وعلى الطرف الآخر مستشار قانوني مقرب جدا من الرئيس والده عضو مجلس النواب من المعينين - أحد المساعدين في مكتب الرئيس برئاسة الجمهورية وهو صاحب الدعوة لي بالحضور - والباقون حوالي 15 من الشخصيات العامة المؤسسة لهذه القائمة وكنت أحدهم.
من كان يدير الجلسة ويوجهها هم وكيل جهاز المخابرات من ناحية والمستشار القانوني من ناحية أخرى. تم توزيع أوراق على جميع الحاضرين بها اسم القائمة ووثيقة مبادئ تعبر عن القائمة الانتخابية الجديدة! وكانت “حب مصر”…هي المولود في هذا الاجتماع! نعم داخل جهاز المخابرات العامة المصرية. وسبب حضوري الاجتماع كان بناءً على دعوة موجهة لي من رئاسة الجمهورية”.
(...)
*****
نحو قائمة "وطنية"
“…تضمن الدولة سلامة إجراءات الاستفتاءات والانتخابات وحيدتها ونزاهتها، ويحظر استخدام المال العام والمصالح الحكومية والمرافق العامة…في الأغراض السياسية أو الدعاية الانتخابية”
—الدستور المصري، المادة ٨٧
حصل “مدى مصر” من مصدرين منفصلين على معرفة وثيقة بمجريات اجتماع الثالث من فبراير 2015 على قائمة الحاضرين الذين دعاهم مساعد رئيس الجمهورية لهذا الاجتماع التأسيسي بمقر المخابرات:
سامح سيف اليزل، ضابط المخابرات السابق والذي سيتم تعيينه فيما بعد منسقاً للقائمة، ومحمود بدر، أحد مؤسسي حركة تمرد التي كانت قد أطلقت مبادرة إسقاط محمد مرسي من الرئاسة في 2013، ومحمد بدران، رئيس حزب “مستقبل وطن” والرئيس السابق لاتحاد طلاب مصر، وطارق الخولي، القيادي المنشق عن حركة 6 إبريل، والجبالي المراغي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وأسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق في فترة حكم المجلس العسكري، ومقدم البرامج أسامة كمال، والسيد محمود الشريف، نقيب الأشراف الذي سيتم انتخابه لاحقاً وكيلاً لمجلس النواب، وعماد جاد، الباحث السياسي والقيادي السابق بحزبي المصري الديمقراطي ثم المصريين الأحرار، وطاهر أبو زيد، وزير الرياضة الأسبق. وكانت السيدة الوحيدة بين الحاضرين هي آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.
كافة الحضور ترشحوا فيما بعد على قائمة في حب مصر، وحصلوا بالطبع على مقاعد في مجلس النواب الحالي، باستثناءين هما حازم عبد العظيم، الذي أعلن لاحقاً انسحابه من القائمة، وأسامة كمال الذي قرر بعدها التفرغ لعمله الإعلامي، رغم أن الاجتماع شهد تكليفه متحدثاً رسمياً باسم القائمة. وفي نهاية شهر فبراير أطلق كمال برنامجاً جديداً على فضائية القاهرة والناس بعنوان “سيادة النائب” لتقديم المرشحين المحتملين وبرامجهم للناخبين.
أدار الاجتماع مسئول أشارت إليه المصادر باسم “اللواء إيهاب” وعلم بعض الحاضرين- الذين التقوه يومها للمرة الأولى- لاحقاً أنه وكيل جهاز المخابرات العامة اللواء إيهاب أسعد. وشاركه في تسيير أعمال الاجتماع المحامي محمد أبو شقة، الذي كان قد شغل منصب المستشار القانوني للحملة الرئاسية بتوكيل قانوني من السيسي في2014.
(...)
*****
ضباط الاتصال
“…أكد السيد الرئيس في أكثر من مناسبة أن الدولة تقف على الحياد من كل القوائم وكل المرشحين ولا تتدخل ولا تدعم أيا منهم…ومن هنا نؤكد لحضراتكم أن الدولة ما زالت وستظل تقف على مسافة واحدة من الجميع، ولم ولن تدعم أي قوائم أو أشخاص.”
—المكتب الإعلامي للسيد رئيس جمهورية مصر العربية، المصري اليوم، 4 مارس 2015
كشفت المعلومات التي حصل عليها “مدى مصر” أن المساعد الرئاسي الذي وجه الدعوة للمشاركين في اجتماع 3 فبراير 2015 هو الرائد أحمد شعبان، ضابط المخابرات الحربية الذي لعب الدور الأبرز في تشكيل قوائم المرشحين الموالين للنظام سواء على مقاعد القائمة أو المقاعد الفردية، والذي يعمل معاوناً لصيقا للواء عباس كامل مدير مكتب السيسي في قصر الاتحادية الرئاسي.
لا توجد الكثير من المعلومات المنشورة حول الضابط شعبان، ولكنه اسم معروف في الأوساط الحزبية والإعلامية بوصفه حلقة الاتصال مع رئاسة الجمهورية وخاصة مع اللواء عباس كامل، كاتم أسرار السيسي وأقرب المقربين إليه. وتقتصر الإشارات السابقة إلى اسم شعبان على عدد محدود للغاية من الأخبار والتقارير الصحفية وأعمدة الرأي.
عمل شعبان في السابق مديراً لمكتب المتحدث باسم القوات المسلحة، وفور انتخاب السيسي رئيساً للجمهورية في يوليو 2014 تم انتداب شعبان من وزارة الدفاع إلى مكتب الرئيس، بصحبة كل من اللواء عباس كامل والعقيد أحمد علي، الذي اختفى عن المشهد بعدها بوقت قصير ليصبح شعبان الرجل الثاني في الاتحادية والذراع اليمنى لعباس كامل.
تأكد هذا فيما بعد في عدد محدود من مقالات الكتاب الموالين للنظام والتي تضمنت أحياناً تعليقات عابرة تشيد بدوره في التواصل بين الرئاسة والإعلام، مثل مي عزام التي كتبت في المصري اليوم عن ” الرائد أحمد شعبان الذي يعرفه شباب الإعلاميين وشيوخهم، فهو الوسيط بين قصر الاتحادية والإعلاميين…مهمة الرائد الشاب اللبق الذي اختاره الرئيس شخصيا الاتصال برجال الصحافة والإعلام”، وغادة شريف التي أشارت في الصحيفة نفسها إلى شعبان بوصفه “شخص يتسم بالذكاء الخارق… الذكاء المهني والذكاء الاجتماعي، وهما أشد ما يميز الرائد شعبان، وأضف لهذا أدبه الجم واهتمامه الشديد بعمله وتركيزه فيه وهو ما جعله جديرا بثقة الرئيس”، فضلاً عن إشارات مقتضبة حول دور شعبان في هندسة مبادرة “شباب الإعلاميين” الذين يتواصل معهم السيسي في عدة ملفات، من بينها فحص أسماء الشباب المحبوسين بموجب قانون التظاهر ليصدر السيسي قرارات بالعفو عنهم.
كان اللافت أن مخرجات اجتماع الثالث من فبراير، وأسماء بعض المدعوين إليه، بل وموعد المؤتمر الصحفي المخطط لليوم التالي تم تسريبها جميعاً قبل ساعات من انعقاد الاجتماع إلى جريدة اليوم السابع المقربة للأجهزة الأمنية (...).
لم يكن من قبيل المصادفة انفراد اليوم السابع بمخرجات الاجتماع ونشرها قبل أن يعلم بها المشاركون في الاجتماع. فأحد الشباب الحاضرين للاجتماع كان ياسر سليم، الذي قدم نفسه بوصفه ضابطاً سابقاً بالمخابرات العامة ما زال يعمل حالياً بصفة مدنية لصالح الجهاز. سيتولى سليم فيما بعد منصب المنسق الفعلي لقائمة حب مصر، خلف واجهة المنسق المعلن للقائمة اللواء سيف اليزل. كما سيبرز اسم سليم إلى العلن على مدى الشهور التالية كأحد القائمين الرئيسيين على تشكيل المشهد الإعلامي المصري لصالح الجهاز خلف واجهة شركة إعلامية تدعى “بلاك أند وايت”.
فقبل بضعة أشهر من انعقاد الاجتماع، في منتصف 2014، أعلن السيد سليم حصول شركته على كافة الحقوق التسويقية الحصرية لجريدة وموقع اليوم السابع داخل وخارج مصر بالشراكة مع شركة “بروموميديا”. وفي نهاية عام 2015، قامت شركة سليم “بلاك أند وايت” بشراء كامل أسهم موقع “دوت مصر”.
وكشف أحد ملاك أسهم الموقع لـ”مدى مصر”-شريطة عدم ذكر اسمه- أن الممولين الإماراتيين (وهم الملاك الفعليون للموقع) اتصلوا به وبكافة الشركاء الاسميين في أوراق الشركة وتم تكليفهم بنقل أسهمهم لياسر سليم وشركائه بعد أن تقرر “نقل ملكية الموقع وإداراته للمخابرات العامة المصرية مباشرة في ضوء تعثر الموقع مهنياً ومالياً” بعد الوفاة المفاجئة لمؤسسه عبد الله كمال في منتصف 2014.
وفي الشهر ذاته أعلن التلفزيون المصري توقيع تعاقد مع “بلاك أند وايت” لإنتاج برنامج “توك شو” يومي بعنوان “أنا مصر”. ومع انتشار الهمس ثم التصريح بالتساؤلات حول كون البرنامج الجديد- الذي انطلق في يناير من العام الجاري- من إنتاج جهة سيادية، اضطر رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون عصام الأمير إلى التصريح للصحف بأن “الشركة الراعية ليس لها علاقة بأي جهات سيادية”.
ولم يكن ياسر سليم هو الرابط الوحيد بين صحيفة اليوم السابع وبين المسئولين الأمنيين القائمين على تشكيل القائمة. ففي مطلع 2015 أيضاً أعلنت الصحيفة “انضمام الكاتب الصحفي (ابن الدولة) إلى قائمة كتابها” بعمود يومي. وعلم “مدى مصر” من مصدر رفيع بهيئة تحرير اليوم السابع أن الكاتب المجهول خلف الاسم المستعار هو ذاته الرائد أحمد شعبان.
ويبدو أن المعلومة انتشرت سريعاً بشكل واسع في الأوساط الصحفية، ففي مايو 2015 تعرضت صحيفة الوطن لمصادرة عددها الورقي اليومي، وكان السبب مقالاً كتبه مساعد رئيس التحرير علاء الغطريفي بعنوان “الضابط…ابن القصر يكتب” أشار فيه إلى شعبان دون أن يسميه، فكتب “أن يكتب ضابط من القصر كلمات في صحيفة لإحساسه بأن قائده لا يجد من يدافع عنه مسألة تدعو إلى المرارة وتؤشر إلى حالة السيولة، فكأن المؤسسة تبحث عن أصدقاء، رغم أنها جاءت بتأييد شعبي غير مسبوق”.
في صباح اليوم التالي لاجتماع المخابرات، انعقد المؤتمر الصحفي بالفعل للإعلان عن القائمة بفندق سونستا في 4 فبراير بحضور المشاركين في الاجتماع وأعلن فيه سامح سيف اليزل عن إطلاق القائمة. وفي وقت لاحق من نفس الأسبوع عقد القائمون على القائمة مؤتمراً أخر بفندق الماريوت أعلنوا فيه عن دفعة جديدة غير مكتملة من أسماء مرشحيها.
عن هذا المؤتمر كتب حازم عبد العظيم في شهادته “بعد ذلك في فندق الماريوت…لا أنسى عندما كانت تأتي الأسماء لسامح سيف اليزل بالتليفون من أحد افراد المخابرات وهو شاب كان حاضر في جميع الاجتماعات وساعتها كنا بنسمع هذه الأسماء لأول مرة على مرأى ومسمع الجميع اثناء العشاء الفاخر!” وذكر بعض من حضروا مؤتمر الماريوت أن الضابط المقصود لم يكن سوى السيد ياسر سليم.
ورغم تكليف سليم بأعمال التنسيق اليومي للقائمة، فإن دور الضابط أحمد شعبان لم يتوقف بالكامل. كشف عن ذلك شاب من إحدى محافظات الوجه القبلي في مقابلة مع “مدى مصر”، ذكر فيها أنه كان أحد الأسماء المرشحة لخوض الانتخابات على قائمة حب مصر كممثل عن إحدى التكتلات المشاركة فيها. يقول الشاب: “في نفس يوم مؤتمر الماريوت [8 فبراير] اتصل بي الرائد أحمد شعبان وقال لي احنا عارفين أنك شاب كويس وبتحب البلد بس مش هينفع تبقى معانا في القائمة لكن أوعدك هتنزل فردي وهننجحك”.
تلقى الشاب ذاته، وفقاً لشهادته لـ”مدى مصر” اتصالاً لاحقاً من الرائد شعبان يطلب مقابلته بعد إعلان تأجيل الانتخابات في الشهر التالي في ضوء حكم القضاء بعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات الخاصة بعدالة تقسيم الدوائر الانتخابية. “ذهبت لمقابلته في نهاية مارس [2015] في الاتحادية. مكتبه على الشمال بعد ما تطلع سلالم بوابة القصر. لقيته شاب صغير في السن أسمر ورفيع ولابس بدلة رمادي وقال لي إن هو كمان صعيدي، من مركز ببا بني سويف. واستمر الاجتماع 3 ساعات إلا ربع.”
يضيف المرشح المستبعد: “سألته هل حضرتك مسئول عن الانتخابات؟ قال لي أيوه يا سيدي. فقلت له أنا خايف على البلد دي لأن كل شيء ماشي بالوسائط والرشوة وشرحت له اعتراضاتي على بعض الأسماء المعلن ترشيحها على قائمة حب مصر. فوجئت أنه بيوافقني على كل اللي باقوله وطلب مني اقتراح أسماء تانية لشخصيات وطنية لتضمينها في القائمة في ضوء تأجيل الانتخابات فاقترحت بعض الأسماء وفي نهاية الاجتماع حلف بالطلاق إني لازم أدخل القائمة”.
لم ينجح الشاب الصعيدي في النهاية في الحصول على مكان في التشكيل النهائي للقائمة، حيث وقع الاختيار على اسم آخر من الكيان الذي ينتمي إليه. لكنه قبل استبعاده شارك في اجتماعات القائمة التي انتقلت للانعقاد في مقرها الرسمي بحي التجمع الخامس، ويتذكر: “ياسر سليم كان بيحضر معانا الاجتماعات على أنه ضابط مخابرات وهو منسق القائمة. بعدها فوجئنا بظهور صوره في الجرايد على أنه رجل أعمال بيفتتح مطعمه الجديد في وسط البلد”. وبالفعل فقد نشرت اليوم السابع في يوليو 2015 خبراً بعنوان “بالصور.. نجوم المجتمع يحتفلون بافتتاح مطعم “باب الخلق” مع رجل الأعمال ياسر سليم.”
لم يستجب أي من السيد أحمد شعبان أو السيد ياسر سليم لعدة اتصالات ورسائل من “مدى مصر” تطلب تعليقهم على محتويات هذا التحقيق.
*****
عقبات في الطريق
“والحق أنكم وصلتم إلى مقاعدكم تلك نتيجة لانتخابات برلمانية تمت في مناخ آمن وأجواء شفافة شهد لها العالم كله بذلك، وكانت نتائج هذه الانتخابات تعبيرا جليا عن إرادة الشعب المصري العظيم”
— من خطاب رئيس الجمهورية أمام مجلس النواب، 13 فبراير 2016
فور الإعلان عن تشكيل قائمة في حب مصر في مطلع 2015 انطلقت الانتقادات العلنية من القوائم والأحزاب المنافسة أو الراغبة في الانضمام إلى “قائمة السيسي” مع توسيع حصة مقاعدها في القائمة. وتصاعدت الانتقادات وحروب التصريحات والبيانات حتى وصلنا إلى اللحظة التي لم يعد فيها من غير المألوف أن تصدر صحيفة يومية كالشروق بتقرير عنوانه “الأمين العام لحزب المؤتمر: الأجهزة الأمنية شكلت قائمة في حب مصر”.
لكن الهجوم الأبرز قاده السيد البدوي رئيس حزب الوفد... أصدر السيد البدوي بياناً رسميا باسم حزب الوفد في 13 فبراير 2015 جاء فيه بمنتهى الوضوح: “كنا على ثقة من قدرة قوائمنا الثلاث على الفوز لقوة مرشحيها وحسن تمثيلهم لمكونات القائمة من محافظات إلى أن فوجئنا بأن قوائم في حب مصر قد تم اختيار أعضائها بمعرفة بعض الأجهزة السيادية في الدولة”.
(...)
الأمر نفسه عبر عنه نجيب ساويرس، مؤسس وممول حزب المصريين الأحرار... ففي مقاله الأسبوعي بجريدة أخبار اليوم في ديسمبر 2015 كتب ساويرس مبرراً موقف حزبه: “وافقنا على مضض على الدخول في قائمة في حب مصر حتى لا نتهم بشق الصف في ظروف صعبة تمر بها بلادنا، ولكن هل يعقل أن يتم تحزيم البرلمان بائتلاف تحت أي مسمي حتى ولو كان دعم الدولة؟”.
مصدر القلق الحقيقي للقائمين على القائمة كان حيال قائمتين منافستين بالتحديد: أولاهما قائمة تحالف الجبهة المصرية بزعامة أحمد شفيق رئيس حزب الحركة الوطنية، وثانيهما حزب النور، فكلاهما نجح قبل إغلاق باب الترشح في التقدم بمرشحين على كافة مقاعد الدوائر الأربعة المخصصة للقوائم.
جاء الحل في صورة حكم الدستورية العليا ببطلان بعض مواد قوانين الانتخابات في 1 مارس 2015، ليتنفس معاونو الرئيس الصعداء، ويعودوا إلى لوحة الرسم من جديد لإعادة ترتيب صفوفهم بعد أن تأجلت الانتخابات.
أحد أقرب معاوني شفيق والذي يحتل منصباً قيادياً في حزب الحركة الوطنية الذي يرأسه المرشح الرئاسي السابق، قال في مقابلة مع “مدى مصر”- اشترط فيها عدم ذكر اسمه- إن حزبه والتحالف الذي أنشأه الحزب كان جاهزاً للمنافسة بقوة على مقاعد القوائم، لكن عدة عوامل أطاحت بطموحات شفيق وتحالفه.
(...)
الأزمة المالية والهجمات الإعلامية أدت لانسحاب عدد من أقوى المرشحين الذين كان تحالف شفيق قد أعلن أسماءهم قبل تأجيل الانتخابات، “بعضهم فهم الرسالة وبعضهم جاءته تعليمات مبطنة أو صريحة بالانضمام لمستقبل وطن وحب مصر”، يضيف المسئول الحزبي، “لدرجة أن نائب رئيس حزبنا علي مصيلحي نفسه نزل الانتخابات وكسب كمستقل بعد ما قرر عدم استخدام اسم الحزب”، في إشارة إلى الوزير السابق والقيادي بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في عهد مبارك. “قبل الانتخابات بشهر ونص الفريق [شفيق] توقف عن متابعة الانتخابات وقال لنا خلاص game over“، يختم المسئول.
تحرك غير بعيد تم اعتماده أيضاً مع حزب النور السلفي الذي كان قد حصل على ربع مقاعد البرلمان في انتخابات 2011. أحد أبرز قياديي الحزب ذكر لـ”مدى مصر” أن “النظام فوجئ بإعدادنا لأربع قوائم على الأربع دوائر بكامل أسماء المرشحين المسيحيين والأعضاء الاحتياطيين. لذلك لم نفاجأ عندما تقرر تأجيل الانتخابات”.
بعدها ببضعة أشهر، يقول القيادي السلفي إن الحزب “بدأ يتلقى رسائل، بالأساس من اللواء عباس [مدير مكتب السيسي] للمهندس جلال مرّة [أمين عام حزب النور]”. كانت فحوى رسائل مكتب الرئيس، وفقاً لشهادة القيادي السلفي “من نوع إحنا والله خايفين عليكم، مش كل أجهزة الدولة متقبلاكم، حاولوا تبعدوا عن الاستفزاز، وهكذا. فهمنا الرسالة لأن الدولة عموماً وبعد 3 يوليو [2013] تحديدا اعتادت عدم التعامل معنا بالتصريح والاكتفاء بالرسائل المبطنة”.
من هنا، ومع إعادة فتح باب الترشح في سبتمبر 2015، أعلن حزب النور طواعية الانسحاب من دائرتي الصعيد وشرق الدلتا، والاكتفاء بقائمتين بدلاً من أربعة، “منعاً لاستفزازهم” كما يقول القيادي.
(...)
لكن الحاجة ظلت قائمة لتدعيم مقاعد القوائم بعدد غير قليل من المقاعد الفردية من أجل الاقتراب من الأغلبية البرلمانية المريحة، وهو الدور الذي تقرر أن يلعبه حزب مستقبل وطن.
*****
حزب شباب الرئيس
“حزب مستقبل وطن يؤمن كل الإيمان بأن أمن الوطن وسلامة أراضيه هما الأولوية الأولى والمطلقة لدى كل المصريين”
–الصفحة الرسمية لحزب مستقبل وطن.
(...)
من أجل تتبع صعود الحزب لابد من العودة إلى شهور سابقة على إشهاره رسمياً، وبالتحديد إلى 15 ديسمبر 2013 حين شهدت دار الأوبرا المصرية إطلاق ما يسمى “حملة مستقبل وطن” بحضور 1500 شاب بهدف “دعم الوطن في هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها” وبحضور مسئولين كبار في الدولة من بينهم مصطفى حجازي، المستشار السياسي لرئيس الجمهورية المؤقت وقتها عدلي منصور.
(...)
أحد الأعضاء المؤسسين لحملة مستقبل وطن، كان رئيساً لاتحاد الطلاب بإحدى الجامعات الإقليمية، وصار من المقربين إلى بدران الذي كان قد اعتمد على دعمه في انتخابات اتحاد طلاب مصر. كشف هذا الطالب في مقابلة مع “مدى مصر”- بشرط عدم ذكر اسمه أو محافظته- تفاصيل مثيرة عن المجريات داخل الحملة تشير بمنتهى الوضوح إلى علاقتها العضوية بالدولة ومسئوليها الأمنيين منذ اللحظة الأولى لإطلاقها.
يذكر المصدر أن فكرة مفوضية الشباب أخذت في التراجع بعد عدد من الاجتماعات التي شارك فيها بشأن إنشائها، ثم اختفت تماماً وظهر بدلاً منها مقترح تحويل الفكرة إلى حملة شبابية غير رسمية. واكتشف المصدر فيما بعد أن سبب التحول كان إدراك مسئولي الدولة الجدد أن إنشاء مفوضية رسمية سيخضعها لقوانين الدولة والرقابة على ميزانيتها، بعكس الحملة غير الرسمية التي لن تخضع لأي تنظيم قانوني أو رقابة.
ويضيف المصدر: “بعد أن جمعنا عدداً من الأسماء المقترحة لعضوية مفوضية شباب، بدران قال لي إن القيادة السياسية شايفة من الأفضل إطلاق حملة تشبه تمرد. اجتمعنا وحددنا أسماء مقترحة للحملة زي (شباب مصر) و(المستقبل بإيدينا) و(المستقبل لينا). بعدها فوجئنا أن اسم الحملة هو (مستقبل وطن) بدون ما حد يعرف مين اقترح الاسم ده”. وكانت هذه الاجتماعات تعقد بفندق فيرمونت بمصر الجديدة.
كانت التكليف الأول للحملة بعد أقل من شهر على إطلاقها هو حشد الناخبين للتصويت لصالح الدستور الجديد في يناير 2014. تم تعيين الناشط الطلابي مسئولاً للحملة في محافظته، ليبدأ في اكتشاف حقيقة الحملة التي يقول إنه لم يكن يعرفها في البداية: “كان بيجيلنا فلوس كتير للإنفاق على الحملة بدون أي قيود. استأجرنا مقر في أرقى شوارع المحافظة وأنفقنا كتير على تأسيسه وكان عندنا تمويل شهري أكبر من أكبر أحزاب المحافظة”.
كان بدران يرسل له الأموال في صورة سائلة على دفعات “بلغت أحيانا 20 ألف جنيه ونسخ من الدستور الجديد وكراتين عصير” مع مندوب لم يكن المسئول الإقليمي يعرف اسمه.
في أحد الأيام المبكرة لحملة دعم الدستور طلب بدران من مسئول المحافظة أن يذهب إلى مكتب المخابرات الحربية في عاصمة المحافظة لمقابلة ضابط بالاسم (قرر “مدى مصر” عدم نشر اسمه لحماية هوية المصدر). عندما ذهب الناشط المحلي في الموعد ودخل إلى مكتب الضابط أصيب بالذهول. كان هو نفس المندوب اللي بيوصل لي الفلوس، يقول الناشط، مضيفاً أن الضابط “بدأ يكلمني عن الحملة وأن المخطط هو ترشيح أعضاء منها لمجلس النواب بعد كده وأعطاني رقمه وطلب مني عدم الإعلان عن هذا الاجتماع أبداً. ومن بعد الاجتماع ده بقت الفلوس بتوصل لي بشيكات موقع من بدران باسمي مع مندوب من المخابرات الحربية وتوقف الضابط عن الحضور بنفسه لتوصيل الفلوس”. أحد هذه الشيكات، تلقاها عشية اليوم الأول للاستفتاء على الدستور في يناير 2014، وكان الشيك الصادر عن البنك الأهلي المصري بقيمة 150 ألف جنيه.
كان مسئول الحملة في المحافظة يُكلف أحيانا بتنظيم مسيرات أو وقفات لدعم الجيش أو الشرطة أو إدانة الإرهاب، ويقول “كان بيجيلي في حدود 15 أو 20 ألف جنيه من نفس الضابط لتنظيم كل مسيرة وكانت المحافظة بتبعت لنا شباب من بتوع مراكز الشباب ووزارة الشباب والرياضة عشان يشاركوا وكل واحد بياخد 100 جنيه في المسيرة”.
إلى جانب ذلك، كان أعضاء مستقبل وطن الذين يثبتون كفاءتهم يحصلون على وعد بإعفائهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بعد إنهاء دراستهم الجامعية. أحد قيادات اتحاد الطلاب بجامعة إقليمية روى لـ”مدى مصر” أنه عندما ذهب إلى المنطقة العسكرية لإنهاء أوراق تجنيده طلب مقابلة ضابط بالاسم، وفقاً لتعليمات من بدران، وأن الضابط التقاه وأنهى إجراءات حصوله على تأجيل خدمته العسكرية لمدة عام، حصل بعده على إعفاء نهائي من التجنيد.
لم يكن بالحملة متطوعون بالمعني التقليدي. فالمسئول الإقليمي يقول إن مقر الحملة التي كان يرأسها في محافظته كان يعمل به موظفون حكوميون كانت المحافظة تمنحهم إجازات تفرغ للعمل بالحملة تحت مسميات بيروقراطية مختلفة.
التكليف التالي بعد إقرار الدستور كان البدء في جمع توكيلات موثقة بالشهر العقاري من الشباب في كل محافظة لمطالبة السيسي بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية. يقول المسئول “طلبوا منا ألف توكيل من كل محافظة. التوكيل كانت رسوم استخراجه 15 جنيه لكن كنا بندفع لكل واحد يعمل توكيل 50 جنيه لتشجيع الناس. كان فيه حملات تانية في المحافظة بتنافسنا على إصدار توكيلات أكتر. حملة اسمها (مصر بلدي) مثلا كانت بتدفع في التوكيل الواحد 300 جنيه”.
(...)
المرة الوحيدة التي تواصل فيها المنسق الإقليمي مباشرة مع شعبان كانت مساء اليوم الأول للاقتراع في الانتخابات الرئاسية. يقول “جالي مكالمة من رقم برايفت وقال لي أنا الرائد أحمد شعبان وطلب مني أخلي التليفون مفتوح تاني يوم الساعة 9 الصبح عشان هيجي لي مكالمة من رقم برايفت برضو”. يقول المصدر إنه علم من منسقي الحملة في محافظات أخرى أنهم تلقوا نفس التنبيه، ما دفعه للاعتقاد بأن مكالمة الصباح كانت جماعية وربما كانت رسالة مسجلة.
في التاسعة تماماً تلقى منسقو المحافظات المكالمة الموعودة وكان الصوت على الجانب الآخر من الخط هو المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي. “المكالمة كانت غاضبة وكلها زعيق بسبب أن الناس ما نزلتش اللجان في أول يوم خالص. قال لنا أنا مشغل معايا عيال؟ فين الإقبال؟ شدوا حيلكم أكتر مش عايزين نندم أننا اعتمدنا عليكم. عايزين كل الناس تنزل النهارده. وهكذا. حاولنا طول اليوم نشجع الناس تنزل بس ما حدش كان متحمس. في نهاية اليوم قرروا يمدوا التصويت يوم تالت والناس فجأة ظهرت بعربيات وأوتوبيسات والتصويت ارتفع بس برضو بدرجة قليلة”.
(...)
جاءت الإشارة الرسمية الأبرز لقرب الحزب من السيسي في حفل افتتاح تفريعة قناة السويس في أغسطس 2015، عندما ظهر بدران واقفاً بجوار السيسي على مركب المحروسة أثناء افتتاح القناة. كان هذا الظهور أول إعلان رسمي مبطن برعاية الدولة للحزب وقرب رئيسه من رئيس الجمهورية، وهو ما انعكس بقوة في رأي المراقبين واللاعبين السياسيين على قرار عدد من المرشحين لانتخابات مجلس النواب الانضمام للحزب والنزول باسمه في الانتخابات، فضلاً عن تشجيع كبار رجال الأعمال على تمويل الحزب باعتبارها تكليفاً رئاسياً، وباعتبار مستقبل وطن هو حزب الرئيس الفعلي.
جاءت الإشارة التالية بشأن الرعاية الرسمية لبدران لاحقاً في شهر أغسطس أيضاً، حين كتب الصحفي أحمد رفعت مقالاً في العدد الأسبوعي لجريدة الصباح بعنوان “كيف تصبح طفلا للرئيس في تسع خطوات”، انتقد فيه مواقف بدران التي أدت لصعوده السريع ليقف بجوار السيسي في افتتاح القناة. رفض القائمون على مطابع الأهرام طباعة عدد الجريدة بعد تدخل جهة أمنية غير معروفة، واضطرت الجريدة لحذف المقال من نسختها المطبوعة قبل أن يسمح بطباعة عددها الذي صدر متأخراً. وصلت الرسالة للجميع بأن بدران قد أصبح فوق النقد.
(...)
مثل بدران، كان أشرف رشاد عضواً بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي في مسقط رأسه بمحافظة قنا، قبل أن يعلن استقالته من الحزب بعد الثلاثين من يونيو 2013. لكن علاقتهما تعود إلى ما قبل الثورة، حيث كان رشاد أيضا رئيساً لاتحاد طلاب جامعة أسيوط في 2010، واحتضن بدران بعد ثورة يناير وكان داعمه الرئيسي للحصول على مقعد رئيس اتحاد طلاب مصر.
“مدى مصر” التقى رشاد مؤخراً بمقر الحزب الفخم بمصر الجديدة، وهي نفس الفيلا متعددة الطوابق التي كان قد تم تخصيصها لحملة مستقبل وطن قبل إشهار الحزب... يجلس رشاد- البالغ من العمر 31 عاماً- مرتدياً جلباباً صعيديا على مكتب يحمل صورة لبدران مع السيسي، وخلفه على الحائط بورتريه مرسوم لبدران. يقول “علاقتي بمحمد [بدران] أبوية وباعتبره ابني البكري وهو مشروع عمري”، رداً على سؤال بشأن سر الاختفاء المفاجئ لسلفه وتنصيبه بديلاً له دون مقدمات، على خلفية شائعات ترددت بشأن خلاف نشأ بينهما بشأن الانضمام لائتلاف دعم مصر في مجلس النواب والذي رفضه بدران وأيده رشاد. يصر رشاد أن سفر بدران كان مقرراً قبلها بعام كامل، ويقول إنه يدرس علوم الإدارة والاقتصاد والسياسة في “جامعة بروكلين”.
(...)
لكن المفاجأة هي أن رشاد أنه لم ينكر العلاقة الوثيقة لحزبه بجهاز المخابرات الحربية بالذات. فحين سألناه لماذا تذكر المخابرات الحربية كلما ذكر حزب مستقبل وطن أجاب بمنتهى الوضوح: “لأننا في وقت ظهورنا في 2013 كانت المخابرات الحربية لاعب أساسي في الساحة السياسية بعد ثورة ٣٠ يونيو ومن بين كل قيادات الدولة كانوا أكثر من تحمس لنا ودعمونا وساعدونا في التواصل في المحافظات خاصة على مستوى القيادات التنفيذية”.
*****
مصارين البطن تتعارك
(...)
كانت الخطوة الأولى في تنفيذ هذه المهمة هي صياغة قانون انتخابي يضمن عناصر ثلاثة: هيمنة للمرشحين الفرديين على حساب القوائم الحزبية ليكون برلماناً أقل تسييساً من سابقه؛ ونسبة مخصصة لقوائم مغلقة تحصل في حالة فوزها على كافة المقاعد بصرف النظر عن نسبة الأصوات التي حصلت عليها القوائم المنافسة، على عكس نظام القوائم النسبية المعتمد في برلمان 2012 والذي ضمن لكل قائمة عدداً من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصلت عليها؛ وأخيرا أن تشكل المقاعد المخصصة للقائمة كتلة مضمونة من النواب المؤيدين للرئيس يمكن لها، بعد إضافة مقاعد المرشحين الفرديين الموالين للرئيس، أن تنتج أغلبية مريحة من ثلثي أصوات النواب أو أكثر.
مع تولي المخابرات العامة مسئولية تشكيل ودعم قائمة “في حب مصر” وتولي المخابرات الحربية دور تأسيس ودعم حزب “مستقبل وطن”، ترك ذلك شعورا بالاستبعاد، وربما الضيق، لدى قطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية، وهو الضلع الثالث في مثلث أجهزة الأمن السياسي في البلاد.
كان جهاز أمن الدولة (قبل تغيير اسمه إلى قطاع الأمن الوطني) قبل ثورة يناير هو المسئول الأساسي عن هندسة المشهد السياسي والبرلماني والتواصل مع الأحزاب والنواب بالعصا والجزرة حسب الاحتياج. وفي المقابلات التي أجراها “مدى مصر” مع لاعبين سياسيين كثر تواترت الإشارات إلى شعور قيادات الأمن الوطني بأن الاضطراب الذي تشهده الساحة السياسية والبرلمانية حاليا يرجع إلى تهميش دورهم واستبدالهم بمسئولين أمنيين من أجهزة أخرى لا يملكون أي خبرة سابقة في إدارة الانتخابات أو توجيه البرلمانات.
فعلى الرغم من النجاح الظاهري الذي حققه اللاعبون الأمنيون الجدد بفضل جهودهم الحثيثة والمنسّقة، بدءاً من حصول قائمة “حب مصر” على كافة مقاعد القوائم، ومرورا بتحولها إلى “ائتلاف دعم مصر” داخل المجلس بعد ضم أغلب الأحزاب والمستقلين الموالين، وانتهاء بانتزاع مقعد رئيس المجلس للدكتور علي عبد العال- مرشح “حب مصر” عن دائرة الصعيد وأستاذ القانون الذي نال المنصب بعد توليه صياغة قوانين النظم الانتخابية منذ 2014- فإن مسئولي الرئاسة والأجهزة “السيادية” انتهى بهم الأمر إلى نيل عقاب لم يتوقعوه: حصل النظام على أكثرية دون أغلبية، وأصبحت وسائل الإعلام تحفل كل يوم بأخبار تستعرض فشل قيادات الدولة والبرلمان والأجهزة في السيطرة على مئات النواب الذين تم اختيارهم بعناية على أساس وحيد هو الولاء للنظام الحالي دون أن يجمعهم أي شعور بالتقارب الأيديولوجي أو الالتزام الحزبي أو حتى المصلحة المشتركة.
(...)
بعض أعضاء المجلس الحالي ذكروا لـ”مدى مصر”- بشرط عدم ذكر أسمائهم- أن صراعات النفوذ بين الأجهزة الأمنية الثلاثة ليست بعيدة عن هذا الأداء المخيب لآمال النظام حتى الآن. أحد النواب قال إن أعضاء المجلس أصبحوا ينتظرون مداخلات النائب عبد الرحيم علي ليعرفوا توجهات قطاع الأمن الوطني، وهي التوجهات التي تأتي عادة في مواجهة مداخلات سامح سيف اليزل وأسامة هيكل المعبرة عن رأي المخابرات العامة، بحسب النائب، الذي يشير إلى أن هذا التوتر تعبر عنه أيضاً المواجهات الإعلامية بين جريدة البوابة لصاحبها عبد الرحيم علي في مواجهة جريدة اليوم السابع وثيقة الصلة بجهازي المخابرات.
بعض هذه التوترات كان قد بدأ في الظهور في مرحلة التحضير للانتخابات قبل انعقاد المجلس بأشهر. فمنسق مستقبل وطن في محافظة الوجه البحري يقول إن محمد بدران كلفه باقتراح أسماء من محافظته لترشيحهم على قوائم الحزب قبل الانتخابات بعام كامل، في أكتوبر 2014، ليتلقى بعدها اتصالاً من مفتش الأمن الوطني بالمحافظة ليملي عليه بعض الأسماء التي يتوجب أن يرسلها لبدران في القاهرة. ويضيف “بعدها كلمني مدير فرع المخابرات الحربية وطلب مني حذف بعض الأسماء من القائمة قبل إرسالها، وأحد هذه الأسماء كان الأمن الوطني هو اللي قال لي أحطها في القائمة. بعدين طلبوني لأول مرة أروح مكتب المخابرات العامة في [عاصمة المحافظة] وسلموني قائمة تانية بأسماء مختلفة. كل جهاز كان بيدفع مرشحيه”.
وبالمثل، فإن القيادي الشبابي من محافظة الصعيد الذي تم استبعاده لاحقاً من قائمة حب مصر ذكر لـ”مدى مصر” أنه كان كلما عاد من أحد اجتماعات تشكيل القائمة في القاهرة يتلقى اتصالا من مفتش الأمن الوطني بمحافظته ليسأله عن تطوارت تشكيل القائمة: “كل مكالمة بنفس المحتوى، إيه الأخبار؟ مفيش تطورات؟ كان بيكلمني بس عشان يعرف آخر أخبار القائمة. واضح أنهم مكانوش بيكلموا بعض”، يضيف القيادي متعجباً.
هذه الصراعات المكتومة بين الأجهزة ينتظر أن تأخذ منحى جديداُ في الأشهر القادمة، مع اقتراب موعد عقد انتخابات المجالس المحلية للمرة الأولى منذ ثورة يناير والتي ستسفر عن انتخاب 55 ألف عضو في أنحاء الجمهورية. فبعض الأعضاء السابقين بحزب مستقبل وطن قالوا لـ”مدى مصر” إنهم يجري التواصل معهم حالياً للانضمام لكيان يدعى “جبهة شباب مصري“ التي يدعمها الأمن الوطني لتصبح بديلا عن حزب مستقبل وطن الخاضع لسيطرة المخابرات الحربية (...).
*****