عن العربي الجديد
يشرح عبد الرحمن الكواكبي (1855-1902) في كتابه "طبائع الاستبداد" الذي كتبه في حلب المنكوبة حالياً، أسباب أزمات العرب المتواصلة. ورغم أن الكتاب شهير ومتوافر، لكن الظاهر أن العرب لم يفهموا ما فيه أبداً.
كتب الكواكبي في كتابه الصادر قبل 115 سنة: "لما كان ضبط أخلاق الطبقات العليا من الناس أهم الأمور، أطلقت الأمم الحرة حرية الخطابة والتأليف والمطبوعات، مستثنية القذف فقط، ورأت أن تحمّل ضرر الفوضى في ذلك أهون؛ لأنه لا مانع للحكام أن يجعلوا الشعرة من التقييد سلسلة من حديد يخنقون بها عدوّتهم الطبيعة، أي الحرية".
وكتب: "المستبد يود أن تكون رعيته كالغنم درا وطاعة، وكالكلاب تذللا وتملقاً، وعلى الرعية أن تعرف مقامها: هل خلقت خادمة لحاكمها، تطيعه إن عدل أو جار، وخلق هو ليحكمها كيف شاء بعدل أو اعتساف؟ أم هي جاءت به ليخدمها لا يستخدمها؟ والرعية العاقلة تقيّد وحش الاستبداد بزمام تستميت لبقائه في يدها لتأمن من بطشه".
ولا يتجاهل "طبائع الاستبداد" دهاء الحاكم، فيقول: "لا يخفى على المستبد، مهما كان غبياً، أن لا استعباد ولا اعتساف إلا مادامت الرعية حمقاء تتخبط في ظلامة جهل، وترتعد فرائص المستبد من علوم الحياة التي توسع العقول، وتعرف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب، وكيف النوال، وكيف الحفظ".
وهو لا يتجاهل أيضاً خطايا الرعية، فيؤكد: "العوام هم قوة المستبد. بهم عليهم يصول ويطول؛ يأسرهم فيتهللون لشوكته؛ ويغتصب أموالهم فيحمدونه على إبقاء حياتهم؛ ويهينهم فيثنون على رفعته؛ ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته؛ وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريما؛ وإذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيماً؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ؛ وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بُغاة".
ويتابع: "إنه ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، أو تعطيه مقاماً ذي علاقة مع الله. ولا أقل من أن يتخذ بطانة من رجال الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله، وأقل ما يعينون به الاستبداد، تفريق الأمم إلى مذاهب وشيع متعادية، فتتهاتر قوة الأمة ويذهب ريحها، فيخلو الجو للاستبداد ليبيض ويُفرّخ".
والكواكبي يطرح للحل نظرية مفادها "يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ماذا يُستبدل به الاستبداد، والمعرفة الإجمالية في هذا الباب لا تكفي مطلقاً، بل لا بد من تعيين المطلب والخطة تعيينا واضحا موافقا لرأي الكل، أو الأكثرية التي هي فوق الثلاثة أرباع، وإلا فلا يتم الأمر".
عسى أن تقرأ الشعوب العربية "طبائع الاستبداد" مجدداً.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق