السبت، 27 ديسمبر 2014

أجور السعوديين وعجز الموازنة


 * سلامة عبد الحميد

عندما دشن المواطن السعودي محمد الجهني هاشتاج "الراتب ما يكفي الحاجة" منتصف عام 2013، لم يكن يدري أنه سيحدث كل هذا الجدل، ويفتح جرحا كبيرا يتم تجاهله في المملكة، التي كشفت مؤخرا عن عجز في موازنتها، يتزامن مع خسائر كبيرة جراء تدهور أسعار النفط عالميا.
وقتها، برر الجهني الهاشتاج بالبحث عن حلول، نافيا نيته فضح ضعف الأجور أو التفاوت الصارخ في الدخول بين السعوديين، لكن المغردون فجروا الكثير من القضايا لاحقا فيما يخص توزيع الدخل في المملكة، وأجبروا الحكومة على الحديث علنا عن نسب البطالة، ونيتها دراسة زيادة الحد الأدنى للأجور.
مرتب الجهني لم يتجاوز 3 ألاف ريال، يدفع منها ألف ريال قسطا للسيارة، ولا يملك بيتاً أو أرضاً، حسبما قال لوسائل إعلام سعودية، لكنه من خلال الهاشتاج، اكتشف أن حاله أفضل من كثيرين غيره من مواطني الدولة العربية الأغنى.







المثير في الأمر أن الموازنة السعودية تشير إلى أن مخصصات الرواتب والأجور تصل إلى 50 في المئة من إجمالي الإنفاق العام، بينما يتم الحديث عن نسبة بطالة تصل إلى 10 في المئة، ما يعني أن محاولات تخفيض نسبة البطالة المتفاقمة ستزيد من أعباء الموازنة، التي عرفت عجزا هذا العام لأول مرة منذ 6 سنوات.
لكن الجانب الأكثر غموضا في الأزمة، يبقى في تعامل الحكومة السعودية مع التفاوت الواسع في الأجور في البلاد، خاصة مع تواتر الحديث علنا عن وقائع فساد مالي في مشروعات ومؤسسات حكومية، كان أبرزها ما جرى الحديث عنه بعد غرق مدينة جدة بالسيول، رغم مخصصات مبالغ فيها للإنفاق على البنية التحتية.
ووفقا لأرقام رسمية يبلغ متوسط أجور الموظف الحكومي السعودي 6967 ريالا شهرياً (1857 دولارا)، ويبلغ متوسط أجور القطاع الخاص 4801 ريال شهرياً (1280 دولارا)، وبحسب تقارير مصلحة الإحصاء والمعلومات يتوزع 86 في المئة من دخل الأسرة السعودية على السكن والملبس والغذاء.


وليست السعودية وحدها التي يعاني مواطنوها البطالة، ففي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي كشف تقرير لمنظمة العمل العربية، عن تفاقم معدلات البطالة في العديد من الدول العربية، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بفعل عدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية إثر الثورات والاحتجاجات في المنطقة، حيث ارتفع عدد العاطلين عن العمل من 17 مليونا قبل 2011 إلى نحو 20 مليونا في 2013، ما يجعل معدل البطالة الإجمالي 17 في المئة مقابل 14.5في المئة قبل 2011.








يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

السبت، 20 ديسمبر 2014

يوسف وهبى مع ناهد جبر فى لقاء نادر جدا برنامج سينما القاهرة



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدرأي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

برنامج سينما القاهرة مع عبد الحليم حافظ تقديم ناهد جبر عام 1971



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدرأي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

سعاد حسنى مع ميرفت امين فى برنامج سينما القاهرة



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدرأي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

سينما القاهرة فى منزل رشدى أباظة وسامية جمال



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدرأي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

السبت، 13 ديسمبر 2014

بوليوود إلى مصر.. بعد قطيعة طويلة



عن العربي الجديد

ظلّ الترويج لمصر سياحياً عبر السينما شعاراً رسمياً وشعبياً مرفوعاً في البلاد على مدار عقود، لكنّ أحداً لم ينّفذه. 

بقي الشعار، بينما واصلت عشرات الأفلام العالمية الهرب، أو تجاهلت التصوير في مصر، بسبب معوقات إداريّة وجمركيّة وأمنيّة، يقف خلفها أشخاص يجهلون قيمة السينما الفنيةّ ومردودها السياحي والاقتصادي الكبيرين على البلاد. 

مؤخّراً، وبشكل مفاجئ، أُعلن في مصر عن استضافة فريق عمل فيلم هندي، ليتمّ تصوير جزء من أحداثه في مصر. الفيلم بعنوان "Love in Cairo" أو "حب في القاهرة"، وعقد للإعلان عن تصويره في مصر مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي، بحضور مخرجه Javed Rehman Khan وأبطاله Ratan Apurv وPanchal Maheshbhai... 

لم يذكر البيان أيّ معلومة عن قصّة الفيلم، ولا الأماكن التي سيتمّ تصويره فيها، إلا أنّه ذكر أسماء أبطاله، وهي أسماء من الصفّ الثاني، فبطله الرئيسي راتان أبروف، شارك في فيلمين شهيرين، هما Jail عام 2009 وفيلم Luv U Soniyo عام 2012، لكنّه قدّم في كليهما دوراً ثانوياً. 

ولم يقدم المنتجون الكبار في العالم على التصوير في مصر لسنوات لأسباب كثيرة، معظمها له علاقة بالتدخلات الرسمية. وقصّة لجوء المخرج أنتوني منجيلا، مخرج الفيلم الشهير "المريض الإنجليزي"، الذي تدور أحداثه في صحراء مصر الغربية للتصوير في تونس خير دليل، وتعبّر عن الأمر بوضوح. 

شركات الإنتاج العربية فرّت إلى المغرب وتونس، حتى إنّ مدينة ورزازات المغربية توّجت بلقب "هوليوود أفريقيا"، وشهدت عبر عقود إقبالاً كبيراً من منتجين عالميين، حطوا رحالهم في رحابها، جاعلين منها المكان الأنسب لتصوير أحداث تدور في الصحراء والبيئة العربيين. 

وكانت وزارة الثقافة المصرية أعلنت مطلع يوليو/تموز الماضي أنّها ستسهّل إجراءات تصوير الأفلام الأميركية بعد سنوات، ما اعتبره كثيرون "تعنّتاً في منح تراخيص لتصوير أفلام أجنبية في البلاد"، لكنّ الوزارة لم تعلن عن الخطوات اللازمة لتنفيذ ذلك أبداً، واكتفت ببيان نشرته الصحف المصرية، وتداولته عنها وكالات الأنباء العالمية، فيما بدا نوعاً من الخداع من وزير الثقافة الحالي، ومعه فريق من السينمائيين، لمنتجي السينما العالمية. 

شهدت مصر تصوير عدد من كلاسيكيات السينما العالمية، أشهرها فيلم "الوصايا السبع" عام 1956 للمخرج الكبير سيسيل دي ميل، وأجزاء من فيلم "الجاسوس الذي أحبّني" أو The Spy who loved me عام 1977، وهو أحد أجزاء سلسلة أفلام "جيمس بوند" وقام ببطولته النجم روجر مور... 

الكثير من الأفلام العالمية الشهيرة صوّرت في المغرب والأردن وتونس بديلاً عن مصر، كما دخلت دول أخرى مؤخراً ضمنها الإمارات وقطر في قائمة البدائل، فقد شجّعت هاتان الدولتان الخليجيتان الصناعة السينمائية على أراضيهما. 

وبينما كان تركيز وزارة الثقافة المصرية على السينما الأميركية، خاصة في ظلّ التضييق على الأعمال التركية، التي أعلن عن مشروعات عدّة لها في السابق، لم تنفّذ بسبب الخلاف السياسي، إلا أنّ الفيلم الهندي يتمّ استضافته لأهداف سياحية بالأساس. 

ويقول الخبير السياحي المصري جمال حسن في بيان عن الفيلم الهندي وصل "العربي الجديد": "الفيلم يهدف إلى الترويج والتنشيط للسياحة المصرية في الهند وجميع الدول التي سيوزّع بها"، لكنّ المفاجأة أنّ الفيلم سيتمّ توزيعه وفق البيان ذاته، في تركيا، إضافة إلى دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة وكندا وجنوب أفريقيا واليابان وكوريا الجنوبية، وغيرها. 
وحاولت مصر عام 2004، ممثّلة في مدينة الإنتاج الإعلامي، استضافة مشروع سينمائي أميركي كبير بعنوان "كليوباترا"، لكنّ المشروع لم يظهر للنور أبداً، واقتصر على أخبار نشرتها الصحف مع صور مصاحبة لمنتج أميركي شهير زار القاهرة وقتها. 

وفي العام التالي مباشرة، صوّر مشهد من فيلم "سيريانا" Syriana في أحد شوارع القاهرة، وظهر فيه النجم جورج كلوني متجولاً بين العامّة، بينما صوّر جزء صغير من الجزء الثاني من سلسلة أفلام "المتحوّلون" في مصر عام 2009، وهو الجزء الذي أثار جدلاً سينمائياً واسعاً حول قبول الرقابة في مصر تصويره، حيث تقصف قوّات المارينز الأميركية أهرامات الجيزة بالقنابل في المشهد. 

وفي العام التالي، تمّ تصوير مشهد سريع من فيلم "لعبة عادلة" أو Fair Game بطولة ناعومي واتس وشون بين، كما أعلن النجم توم هانكس قبل أشهر عن اختياره مدينة الغردقة المصرية لتصوير مشاهد من فيلمه الجديد A Hologram for the King، لكن أحداً لم يعرف مصير تلك المشاهد وهل تمّ تصويرها من عدمه

عودة السينما العالمية إلى مصر، وإن من خلال فيلم هندي بأبطال مغمورين، يلفت النظر إلى قطيعة طويلة بين مصر وبوليوود، حيث غاب عرض الأفلام الهندية في دور العرض المصرية نحو 17 عاماً متتالية، انتهت فقط قبل عام بطرح الفيلم الهندي، "شيناي إكسبريس"، للمخرج روهيت شيتي، في دور العرض المصرية أوائل أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بالتزامن مع احتفال الهند بمرور مائة عام على عرض أول فيلم سينمائي هندي طويل عام 1913. 

وللسينما الهندية تاريخ باهر في الشارع المصري، الذي اعتاد مشاهدة الأفلام الهندية في العصر الذهبي لتلك السينما، خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، والجيل الأكبر سنّاً يذكر الأفلام الكلاسيكية مثل "سانجام" و"سوراج"، بينما يرتبط جيل الشباب أكثر بالنجم الشاب شاروخان، من خلال عرض أفلامه تليفزيونياً. 

وشهدت مصر أوائل عام 2010 عرضاً ناجحاً للفيلم الهندي الشهير "اسمي خان" للمخرج كاران جوهار، وبطولة النجم شاروخان، والذي حقّق إيرادات قدّرت بأكثر من مليون جنيه مصري، فيما يعدّ سابقة في تاريخ عرض الأفلام الأجنبية في مصر، لكنّ الفيلم عرض في مصر، باعتباره فيلماً أميركياً وليس فيلماً هندياً، كونه من إنتاج شركتي "فوكس ستار ستوديوز" و"فوكس سيرش لايت". 




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الاثنين، 1 ديسمبر 2014

سلامة عبد الحميد: رضوى عاشور.. رحيل القاهرية عاشقة غرناطة






عن العربي الجديد

"عند موت من نحب نكفِّنه. نلفه برحمة ونحفر في الأرض عميقاً. نبكي. نعرف أننا ندفنه لنمضي إلى مواصلة الحياة"، هكذا كتبت الروائية والناقدة والأكاديمية المصرية رضوى عاشور في روايتها البديعة "الطنطورية" الصادرة في القاهرة عام 2010.

فجر اليوم الاثنين، رحلت رضوى عاشور عن عمر 68 عاماً، تاركةًّ وراءها سيرة انسانية متميزة، وميراثا أدبياً يليق بها.

رحلت تاركة زوجها الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، وابنها الشاعر تميم البرغوثي، وآلافاً من الأصدقاء في أنحاء الأرض، وملايين القراء الذين يدركون الفارق بين الأدب الجيد، وذاك المتكلف أو المصطنع.

"لكل أمر تحت السماوات وقت، للولادة وقت، وللموت وقت، للغرس وقت ولخلع المغروس وقت"، هكذا كتبت رضوى في رائعتها الأدبية "ثلاثية_غرناطة". وفي "الطنطورية" كتبت "أمسى البكاء مبتذلا. ربما لأن الدموع صارت تستحي من نفسها.. لا مجال".

ولدت رضوى عاشور في القاهرة، في 26 مايو/أيار 1946، وهي قاصة وروائية وناقدة أدبية وأستاذة جامعية، يتميّز مشروعها الأدبي بتيمات التحرر الوطني والإنساني، وأعمالها الأدبية والنقدية منشورة بالعربية والإنكليزية، وقد ترجمت بعض أعمالها إلى الإنكليزية والإسبانية والإيطالية والإندونيسية.

وكانت الراحلة تكرر دوما: "أكتب لأنني أحب الكتابة، وأحب الكتابة لأن الحياة تستوقفني، تُدهشني، تشغلني، تستوعبني، تُربكني وتُخيفني وأنا مولعةٌ بهـا".

درست اللغة الإنكليزية في كلية الآداب في جامعة القاهرة، وبعد حصولها على شهادة الماجستير في الأدب المقارن، انتقلت إلى الولايات المتحدة حيث نالت شهادة الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس، بأطروحة حول الأدب الإفريقي الأميركي.

في العام 1977، نشرت رضوى عاشور أول أعمالها النقدية "الطريق إلى الخيمة الأخرى" حول التجربة الأدبية لغسان كنفاني. وفي العام 1978 صدر لها بالإنكليزية كتاب "جبران وبليك"، وهو دراسة نقدية شكلت أطروحتها لنيل شهادة الماجستير سنة 1972.

أما في العام 1979، وفي ظل حكم الرئيس أنور السادات، تمّ منع زوجها الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي من الإقامة في مصر، ما أدى إلى تشتيت أسرتها.

أولى رواياتها كانت "أيام طالبة مصرية في أميركا" عام 1983، وأتبعتها بإصدار ثلاث روايات هي "حجر دافئ"، و"خديجة وسوسن" و"سراج"، وفي الأخيرة كتبت: "الأموات يحتاجوننا كما نحتاجهم، إن لم نوافهم بالسؤال يثقلهم الحزن و تركبهم الوحشـة"، كان الموت بالنسبة لها أمراً هاماً، عبرت عنه في رواياتها كثيرا، بقدر تعبيرها عن الحياة.

لكن تبقى أبرز ابداعاتها الأدبية روايتها التاريخية "ثلاثية غرناطة"، التي صدر الجزء الأول منها سنة 1994، والتي حازت بفضلها على جائزة أفضل كتاب لسنة 1994 في مصر.

في الثلاثية الشهيرة، كتبت رضوى: ما الخطأ في أن يتعلق الغريق بلوح خشب أو عود أو قشة؟ ما الجرم في أن يصنع لنفسه قنديلا مزججا وملونا لكي يتحمل عتمة أيامه؟ ما الخطيئة في أن يتطلع إلى يوم جديد آملا ومستبشرا؟

عملت الراحلة بين العامين 1990 و1993 كرئيسة لقسم اللغة الإنكليزية وآدابها بكلية الآداب بجامعة عين شمس، ما شغلها بعض الشيء عن الكتابة، ونشرت بين الأعوام 1999 و2012 أربع روايات ومجموعة قصصية واحدة، أبرزها رواية "الطنطورية" (2010) ومجموعة "تقارير السيدة راء" القصصية.

لكن مع بداية الألفية الثالثة، عادت للنقد الأدبي، إذ أصدرت مجموعة من الأعمال تتناول مجال النقد التطبيقي، وساهمت في موسوعة الكاتبة العربية  (2004)، وأشرفت على ترجمة الجزء التاسع من موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي (2005).

في العام 2007 توجت بجائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان، وأصدرت في العام 2008، ترجمة إلى الإنجليزية لمختارات شعرية لزوجها مريد البرغوتي بعنوان "منتصف الليل وقصائد أخرى".
وظلت رضوى عاشور حتى وفاتها عضواً فاعلاً في لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، واللجنة الوطنية لمقاومة الصهيونية في الجامعات المصرية، ومجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعات، إضافة إلى عضويتها في مجموعة من اللجان التحكيمية المرتبطة بالمجالين الثقافي والأكاديمي بينها لجنة جائزة الدولة التشجيعية ولجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة.

أما آخر انتاجها الأدبي، فكان سيرتها الذاتية غير المكتملة بعنوان "أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية"، الصادرة عن دار الشروق في القاهرة في 2013، والتي روت فيها جوانب من حياتها الشخصية، وآرائها في الحياة والأشخاص والأحداث.

تقول رضوى الانسانة في سيرتها الذاتية: "هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دُمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا"، وتكتب الثائرة رضوى "كلما تضمّنت الثورة نقلة نوعية في تاريخ البلد أو في التاريخ البشري، كانت التعقيدات أكبر والشكوك حولها أعنف".
 


 

يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

سلامة عبد الحميد يكتب: صباح مصرية.. عاشت...عملت...تزوّجت وغنّت في القاهرة






عن العربي الجديد
كمواطن عربي، لم يعد يفجعني كثيراً الاستيقاظ على خبر وفاة أحدهم. أصبحت يومياتنا نحن العرب مليئة بالوفيات. لكن الاستيقاظ على خبر وفاة الشحرورة مفجع ومؤلم. - See more at: http://www.alaraby.co.uk/search?searchedtext=%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF&pagenumber=1#sthash.m8083ji2.dpuf


كمواطن عربي، لم يعد يفجعني كثيراً الاستيقاظ على خبر وفاة أحدهم. أصبحت يومياتنا نحن العرب مليئة بالوفيات. لكن الاستيقاظ على خبر وفاة الشحرورة مفجع ومؤلم.
كان الخبر مفجعاً، على الرغم من أنّي أدرك تماماً أنّ الموت حق على الجميع، لكنّ صباح تمثّل الملايين، وأنا واحد منهم. تمثّل رمزاً لحب الحياة والبقاء والتمتع بها.
أذكر في طفولتي الأولى جدلية طويلة بيني وبين أصدقائي حول الشحرورة. كان الجميع يؤكد أنّ صباح مطربة مصرية. وبعضهم يرجع شكلها المميز ولكنتها الغريبة بعض الشيء إلى أنّ مسقط رأسها هو مدينة الإسكندرية، ومنهم من أشار إلى أنّ أمها ليست مصرية. رفضوا جميعهم تقبّل روايتي التي تؤكّد أنّ "الصبوحة" لبنانيّة الجنسيّة، وقد جاءت إلى مصر كغيرها من الفنانات بحثاً عن الشهرة واحتراف الفن. حيث كانت القاهرة في ذلك الوقت، قبلة الفن العربي وهوليوود الشرق.
كما كنت أعدّد جنسيات الفنانين على مسامعهم علّهم يقتنعون، فاستشهدت بالفنانيْن السوريين فريد الأطرش وأسمهان، ووردة من الجنسيّة الجزائرية، وعزيزة جلال من المغرب، والشحرورة من لبنان. استطعت إقناعهم بكل جنسيات الفنانين باستثناء صباح. كانوا واثقين تماماً أنّها مصرية مثلهم، ولم يشككوا للحظة أنّها قادمة من بلد آخر. بعضهم كان يُعلّل بأغنيتها الشهيرة عن فريقيْ مصر الأشهر في كرة القدم، الأهلي والزمالك، لتأكيد نظريته بأنّها مصريّة الأصل، متسائلاً: "هل يمكن أن يغني مطرب غير مصري لقطبيْ الكرة المصرية بتلك الطريقة"؟
مع مرور الوقت، اكتشفت أنّ أغلبية المصريين يعتقدون أنّ الصبوحة مصرية. وليس هذا فقط، بل يرفضون بشكل قاطع القول إنّها لبنانيّة. ويعود السبب بذلك إلى اندماج صباح مع الشعب المصري، وعشق هذا الأخير لها، فأتى الإصرار على وصفها بالـ "المصرية الخالصة". هي نفسها لم تستغرب الأمر، ربّما حافظت في فترات من حياتها، بل كانت حريصة على أن تبدو مصرية، كما يرغب جمهورها المصري.
بعد تخرجي، تخصصت في الصحافة الفنية، ما أتاح لي مقابلة عدد كبير من الفنانين والنقاد. بعضهم كان قريباً من الشحرورة، عمل معها أو تربطه بها صداقة. وكنت دائماً أسأل عنها. كانت تبهرني تلك الشخصية بشكل كبير، لم يكن يعنيني أبداً الجدل المتواصل حول عمرها، ولا حول زيجاتها المتعددة، ولا رغبتها في الزواج من رجال يصغرونها سنّاً. كنت شغوفاًا بتلك الحالة الفنيّة غير المسبوقة، بتلك المرأة الجميلة الموهوبة، بتلك المسيرة الفنية التي لا تنتهي.
كان كل من يعرف الصبوحة عن قرب، يؤكد أنّها شخصية مشرقة مليئة بالحيوية، لا تتأثّر بتقدّم العمر، ولا خيبات الأمل الكثيرة، ولا الظروف المحيطة. كانت دائماً قوية قادرة على تحدي كل الصعاب. تسقط أو تتعثر، فتقوم مجدّداً بحثاً عن فرصة أخرى للنجاح. كانت العيون تلمع كلما تحدث أحد المقربين منها عن مواقف خاصة بها، وكانت رغبتي في الاقتراب منها تزداد مع ازدياد القصص التي أعرفها. شغلتني لفترة فكرة "مصريتها". إذ عاشت في مصر أكثر مما عاشت في لبنان. عملت في مصر أكثر مما عملت في لبنان، وكانت معظم زيجاتها مصريّة. كان هاجس حبها لمصر أكثر من لبنان يطاردني، لكني طرحته بعيداً عن مخيلتي، إذ يبقى الشخص مديناً لمسقط رأسه بالوفاء، حتى وإن لم يعش فيه يوماً.
بات يشغلني لاحقاً حب الجمهور المصري لها، أقترح أسباباً، وأناقش أطروحات ونظريات لتفسير هذا الحب، بعد محاولات عدة، قرّرت أن أشغل نفسي بعملها عوضاً عن البحث عن تبريرات أو أسباب لحب المصريين لها.


كتبت مرات عدة عن صباح من جوانب متعددة، وكلما زادت كتاباتي، كنت أكتشف أنّ تلك الفنانة الكبيرة لم تحصل على ما تستحقه بعد، وأن انشغال البعض بزيجاتها وغيابها عن الساحة، ثم عودتها المفاجئة المتكررة، ولاحقاً أخبار مرضها ووفاتها التي كانت شائعة شبه أسبوعية، كل تلك الأمور شغلت كثيرين عن رصد مسيرة حياة فنانة متميزة، قدّمت للفن أكثر مما قدم غيرها. امراة أعطت الأمل لكثيرين، أنّ الحياة تستمر طالما بقيت الأنفاس ودقات القلوب مستمرة.
كان استمرار قدرة صباح على النجاح في عصر فني يضم عمالقة مثل شادية ووردة ونجاة، وأم كلثوم، أمراً بالنسبة لي غير عادي. كيف قاومت ووصلت وحافظت على مكانتها بين هؤلاء؟ كيف تجاوزت المؤامرات والمشكلات التي قضت على مسيرة فنانين كثيرين؟ كيف استطاعت أن تعبر باب النجومية الذي كان يحتله كل هؤلاء؟
آخر مرة شاهدت الشحرورة، قبل نحو ثلاثة أعوام، كانت ضيفة شرف حفل اختتام مهرجان أوسكار الأغنية المصرية، في قاعة الفندق القاهري المتسعة. كانت الصبوحة قبلة الحفل كله. لا أنسى أبداً ملابسها الحمراء الزاهية، ولا خفّة ظلّها وابتساماتها التي وزّعتها على جميع الحضور. في تلك الليلة التي كانت فيها نجمة فوق العادة، طلبت منها بإلحاح أن تغني لنا. كان منظمو الحفل حرصاء على ألاّ تستجيب. ربّما حرصاً عليها، وعلى صورتها الراسخة في الأذهان، خصوصاً وأنّ مئات الكاميرات وعشرات القنوات الفضائية كانت في المكان في شرف استقبال الصبوحة. إلاّ أنّ كبر سنّها لم يخزلنا، فجأة استجابت للطلب، قرّرت أن تغني، واختفت بقبولها كل الأصوات الرافضة للفكرة، وتكرر استحسان الحاضرين، وتلهفهم لسماعها. وفجأة انطلق صوتها العذب مردداً "ع البساطة البساطة، يا عيني ع البساطة". كانت تحفظ الأغنية جيداً، وتعي تفاصيل ما تفعله تماماً، تكرّر ألفاظاً بعينها، وتشدد على كلمات بعينها، وتبدي دلعاً وغنجاً في كوبليهات محددة، كانت في لحظة وجد وتركيز. هذه هي الصبوحة التي اعتاد على سماعها ورؤية أناقتها وغنجها الجميع، لم تتغيّر.
قالت بعد أن انتهت من الغناء، وبعدما هدأت عاصفة التصفيق "شكرا لكم، كنت عاوزة أغني فعلاً، سعيدة إنكم استمتعتم".
كدت أبكي فرحاً، تلك الفنانة العظيمة تشكرنا لأنّنا استمتعنا بغناءها الجميل، وتتمنى لو أنّنا كنا مستمتعين بغناءها، مثلما استمتعت هي بالغناء لنا. من هذه الشخصية؟ كيف استطاعت على الرغم من كلّ ما مرّت به، أن تحافظ على هذا النقاء الانساني النادر. إنّها حالة خاصة في الحياة، بل إنّها الحياة.. عاشت الصبوحة.. عاشت.

كمواطن عربي، لم يعد يفجعني كثيراً الاستيقاظ على خبر وفاة أحدهم. أصبحت يومياتنا نحن العرب مليئة بالوفيات. لكن الاستيقاظ على خبر وفاة الشحرورة مفجع ومؤلم. - See more at: http://www.alaraby.co.uk/search?searchedtext=%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF&pagenumber=1#sthash.m8083ji2.dpuf






 



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية