الجمعة، 14 أكتوبر 2016

قصيدة "يقول الدم العربي".. وداعا فاروق شوشة



غلاف مجلة "الهلال" المصرية.. يونيو 2011



أخيراً، 
يقول الدم العربيُّ:
تساويْتُ والماءَ. أصبحتُ لا طعْمَ، لا لوْنَ، لا رائحة!
أخيراً،
يقول الدم العربيُّ:
أسيلُ. فلا يتداعى ورائي النخيلُ
ولا ينبتُ الشجرُ المستحيلُ
أسيلُ. أُروّي الشقوقَ العطاشَ،
 وأسكبُ ذاكرتي للرمالِ،
فلا يتخلّقُ وجهُ المليحةِ،
أو حُلمُ فارسها المستطارِ،
وأنزفُ حتى النخاعِ، وينحسرُ المدُّ،
تنبُتُ فوقي حجارتُكم،
مدناً تتمدّدُ أو تستطيلُ
وتأكل ما يتبقّى من الأرضِ،
لكنها أضرحة!
****

أخيراً،
يقول الدمُ العربيُّ: اكتفيْتُ
تجاوزتُ جسْرَ الشرايينِ،
أسرجتُ خيلي بقلبِ العراءِ،
وخيّمْتُ في نُقطةِ الجدْبِ
أحكمْتُ أغنيتي وانتشيتُ لنفسي
وقلتُ:
أطاولُ كلّ الدماءِ التي أنضجتْها الحرائقُ،
كلّ الدماءِ التي أهرقتها الملاحمُ،
كلّ الدماءِ التي اعتصرتْها المآدبُ،
فاخرْتُ أني الوحيد الذي
جعلوا من بقاياهُ خاتمة ً للبكاءِ
وفاتحة ً للغناءِ
ومن رئتي مذبحة!

****
أغوص بذاكرةِ الرمل،
وجهي عروسُ تخطّفها الموتُ،
والقاتلُ الهمجيُّ
تغيبُ ملامحُها
ويغيبُ الهوى العربيُّ
قاومْتُ، فانفلتت فيّ فُقَّاعةُ،
وانطفْأتُ، تشاغلْتُ،
أحكمتُ فوق ملامحها قبضتي
واسترحْتُ، أغوصُ بذاكرةِ الرُّعبِ،
وجهي سحابةُ يُتْمٍ، تُعشّشُ في كل بيتٍ
وتتركُ بعض عناكبها في تراب الملامحِ
وجهي الذي يتشكّلُ في كل حالٍ،
ويلبسُ أقنعةً لا تبوحُ،
وينظرُ في رحمِ الغيْبِ،
ماذا تُجنُّ الغيومُ؟ وماذا تقولُ البروقُ؟
وماذا تخبّئُ عاصفةُ في العروقِ،
ودمدمةُ في الرؤوسِ
وأشبهت الليلةُ البارحة!

****
أخيراً،
يقول الدم العربيُّ المسافرُ عَبْرَ العواصمِ
والمتجمّعُ خلْفَ الحواجزِ
والمتناثر في كل أرضٍ:
تعبتُ وهذي بقيةُ لحمي،
وهذي هويّةُ جلدي
وبعض ملامح أرضي التي سكنتْ في العيونِ،
تعبْتُ، فمن يحمل ُالآن عني بقية يومي،
وأشلاء حُلمي، ويمضي..
تعبتُ..
الدروبُ يُلاحقها الموتُ،
يسكنُها الصمتُ
والقلبُ يملؤهُ القهرُ،
والشّاحنات الرجيمةُ ترتدُّ عبْرَ الزوايا
شظايا
تعبتُ..
المدى.. لا يُبينُ
الصدى.. لا يُبينُ
ووجهيَ مازال مُنسحقاً
في جبين المرايا..

تلاحقهُ اللعنة الجامحة!





يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية