السبت، 20 يناير 2018

ماذا عن تحرش النساء بالرجال؟



 تشتعل دورياً حملات التنديد بالتحرّش وفضح المتحرّشين في أنحاء العالم. تخبو قليلاً ثم تعود مجدداً للظهور، وكأنّها جريمة بلا رادع، على الرغم من أنّ عشرات القوانين تعاقب مرتكبيها. المثير دائماً في تلك الحملات أنّها تقتصر على تحرّش الرجال بالنساء، وكأنّه لا وجود للتحرّش من جانب النساء، على الرغم من أنّ التحرّش فعل يقوم به الجنسَان يوميا تجاه بعضهما البعض، وبأشكال مختلفة، ولأغراض متباينة. تروّج النساء دوماً أنهنّ ضحايا الرجال، ولا يتوقف منذ قرون الحديث عن ذكورية المجتمعات التي تعامل النساء باعتبارهنّ جنساً أدنى. وعلى الرغم من أنّ النساء حصلنَ على كثير من الحقوق، إلا أنّ بعض حقوقهنّ ما زالت منقوصة، لكنّ النظر إلى الصورة الأوسع للظلم تؤكد أنّه واقع على الجنسَين، وليس على النساء وحدهنّ. في مقابل مظلومية النساء القائمة تلك، تدعم بعضهنّ ذكورية المجتمع بأشكال مختلفة، خصوصاً في المجتمعات الفقيرة والمحافظة، فهناك من يركنّ إلى عدم العمل اعتماداً على الزوج، أو يتحججنَ برعاية الأطفال لعدم تحمّل مسؤوليات عائلية، وبعضهنّ يعتمدنَ في كثير من شؤون حياتهنّ على الرجل، الأب أو الأخ أو الزوج أو الابن. جمعتني بأصدقاء مناقشة حول التمييز بين الجنسَين، فأشار صديق إلى التصريحات المتوالية لعدد كبير من نجمات السينما العالمية حول جرائم تحرّش تعرّضنَ لها من نجوم ومخرجين ومنتجين، بعضها حدث قبل أن يتحوّلنَ إلى فنانات شهيرات. يرى صديقي القريب من الفنانين أنّ تحرّش الممثلات الصاعدات بالمخرجين والمنتجين والنجوم ظاهرة معروفة، وأنّها أحياناً طريقهنّ إلى الشهرة السريعة، ويرصد علاقات عابرة أو زيجات قصيرة بين فنانين كبار وفتيات صغيرات تحوّلنَ بعدها إلى نجمات، كدليل على تحرّشهن بهؤلاء الرجال لتحقيق أغراضهنّ. وتلفت صديقة إلى نظرية تبدو منطقية لتفسير تجريم التحرّش بالنساء دون التحرّش بالرجال، مفادها أنّ أغلب الرجال لا يرفضنَ تحرّش النساء بهم، وأنّ الرجل يشعر بنشوة ذكورية زائفة عندما يتعرّض للتحرّش، وغالباً ما يستجيب، في حين أنّ غالبية النساء يرفضنَ تحرّش الرجال بهنّ، ويشعرنَ بأنّه انتقاص من كرامتهنّ، وغالباً ما يقاومنَه. لا يمكن بحال إنكار وجود التحرّش كظاهرة في كلّ الأوساط المهنية، في الفنّ كما في الطب كما في الإعلام، وغيرها، لكنّه في الأغلب تحرّش متبادل. يتحرّش المدير بموظفاته، وتتحرّش الموظفات بمديريهنّ، ويتحرّش الكبار بالشابات بحثاً عن شعور زائف بشباب زائل، أو استغلالاً للنفوذ، وتتحرّش الشابات بكبار السنّ طمعاً في أموالهم أو نفوذهم، أو بحثاً عن نموذج أبويّ. رغم ذلك، ما زال التحرّش جريمة ملتصقة بالرجال دون النساء.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الخميس، 18 يناير 2018

التشدق بقضية فلسطين





 يتشدق العرب، حكاما ومحكومين، منذ عقود، بأن فلسطين قضيتهم الأولى، لكن الأمر لا يتجاوز الحناجر عادة، بينما الواقع أن مساعي التطبيع جارية على قدم وساق.

 يكاد لا يمر يوم دون أن تسمع حاكما من هنا وزعيما سياسيا من هناك يردد المقولات المحفوظة عن القضية العربية والعدو الإسرائيلي، والأقصى الأسير والهيكل المزعوم، وتهويد القدس وجدار الفصل وغيرها، قبل أن يضاف إليها مؤخرا مصطلحات جديدة بعد قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها إلى القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل.
 بعد القرار الأميركي عادت القضية إلى الواجهة بفعل انتفاضة الفلسطينيين الغاضبين، فعقدت عربيا وعالميا، مؤتمرات وندوات، وظهرت تصريحات رسمية وشعبية منددة ورافضة، لكنها جميعا لم تتجاوز التشدق الكلامي إلى رد فعل حقيقي.
بات الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ستاراً لإخفاء الجبن العربي. تنتهك المقدسات والحقوق، ويقتل البشر ويعتقلون يومياً في فلسطين ولا يتحرك العرب، يكتفي الحكام بالشجب والتنديد، ويكتفي المحكومون بتكرار أنهم مقهورون لا يملكون وسائل المقاومة.
كثير من المواقف تجاه فلسطين وشعبها بات هدفه الأساسي تحقيق مكاسب سياسية أو انتخابية، أو التعمية على مشكلات اقتصادية واجتماعية محلية، وقد تترجم في بعض الأحيان إلى تبرعات بفتات أموال تنفق ببذخ على اللهو والملذات.
  نحو نصف قرن مرت ولم يطلق العرب رصاصة لتحرير فلسطين، رغم أن بعضهم يتشدق يوميا بالمقاومة، ويستخدم تلك المقاومة المزعومة لتهديد الآخرين، كما يفعل حزب الله في لبنان، وما أكاذيب النظام السوري عن الممانعة المزعومة إلا مثال واضح، وما حرص النظام المصري على السلام الدافئ مع إسرائيل إلا دليل آخر.
أغلب حكام العرب لا تهمه القدس ولا الأقصى بقدر مواصلة سرقة مقدّرات شعب يحكمه بالحديد والنار، وبعضهم يحميه من يحمون بقاء إسرائيل، ما يعني أنه لا يملك قرارا، وإنما تحركه أجندة الحماية الخارجية.
بعض العرب يحرّض العدو على المقاومة الفلسطينية، وبعضهم يتهم المقاومة بالإرهاب تضامناً مع عدوها، وبعضهم يقاطع المقاومة ويعتقل عناصرها تودداً للعدو الذي باتت تربطه بمعظم الأنظمة العربية علاقات وثيقة. سمعنا مراراً أن تحرير فلسطين يمر من دمشق، أو يمر من بغداد أو القاهرة أو الرياض، أو حتى أنقرة أو طهران، لكن يبدو أن تحرير العواصم العربية والإسلامية قد يبدأ من القدس.
  كان انطلاق الربيع العربي إنذاراً لهؤلاء، ولهذا تحالفوا ضده لإجهاضه، لكن الواقع أن النار مشتعلة تحت الرماد، وأن موجة جديدة من الثورات ستتفادى أخطاء الموجة السابقة.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الجمعة، 12 يناير 2018

ترف نفاد الصبر




 كان صديقي ملتزماً بالنقاش لمعرفة آراء الآخرين، وبالتبعية إبداء آرائه الثابتة التي تتلخص في ضرورة إزالة حكم الفرد في كل بلدان العالم، ومنح الشعوب حرية اختيار حكامها، والتعامل مع الحاكم كموظف مهمته تنفيذ رغبات من يحكمهم.
 كان يرى أن تلك المبادئ جزء لا يتجزأ من محاولة تحقيق الرفاه للمواطنين حول العالم، وأن محاولات التعدي المتواصلة على تلك الحقوق هي السبب الرئيس في كل المآسي التي عرفها العالم، والتي تهدر فيها الأرواح والثروات والحقوق.
لما انطلق الربيع العربي شعر بنشوة كبيرة، وظن أن الوقت قد حان لتتحقق آماله التي ظل يروّج لها لسنوات، وكان فخوراً بالشباب الذي ملأ الميادين بصدور عارية في مواجهة قمع الحكومات المستبدة الفاشلة، والتي لم تتورع عن إطلاق الرصاص عشوائياً على المعارضين بعد اتهامهم بالخيانة. 
 بمرور السنوات وتوالي انتصارات الثورة المضادة، نفد صبره، وبات سريع الغضب، وكان ينزوي لأيام، ويهرب من التجمعات التي تضم من يعبرون عن آراء لا تعجبه، أو لا توافق مبادئه. لكن أزمته الشخصية تطورت إلى ما هو أبعد من الانزواء، فبعد أن كان حريصاً على حرية الشعوب، ويناضل لجعل الآخرين يدركون أن حريتهم حق وليس منة من الحاكم، بدأ حماسه يخبو، وبات يصب غضبه على هؤلاء الحريصين على بقاء الحكام المستبدين، بعد أن كان سابقاً يشفق عليهم.
أغلق التلفزيون من فوره، وأمسك بهاتفه يطالع ما يكتبه أصدقاؤه عبر مواقع التواصل. من بين ما طالعه منشور لصديق عمره الذي يقف على النقيض منه، والذي كتب أن الشعوب العربية لا يمكن أن تحكم إلا بالحديد والنار، وأن ما يسميه البعض ربيعاً لم يكن إلا خراباً على العرب، معتبراً أن الشعوب العربية لا تفهم الحرية، ولا تستطيع دفع تكلفتها أو تحمل مسؤولياتها.
جلس يشاهد نشرة أخبار منتصف النهار التي كانت تعرض مشاهد لحروب وصراعات وأزمات، وتتوالى فيها أخبار القتلى والدماء، من فلسطين إلى الصومال، ومن العراق إلى سورية إلى اليمن إلى ليبيا، وحتى في مصر وتونس. انفجر غاضباً: "العرب لا ينتجون إلا المشكلات. العالم بدون العرب سيكون أفضل".
  هاله ما قرأه، لكنه كان سبباً مباشراً في عودته إلى صوابه الذي كاد يفقده بسبب الإحباط من مآلات الثورات في بلاد العرب. قرر أن يعود إلى مبادئه الأساسية التي تتهم الحكام بالمسؤولية عن كل كوارث الشعوب، لكنه هذه المرة لم يكن بنفس التعاطف السابق مع الشعوب، فأحداث السنوات السبع الأخيرة في رأيه لا تترك للشعوب مجالاً للتنصل من مسؤولية تضييع الفرصة التي كانت سانحة، والتي كادت أن تتحول إلى واقع.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الخميس، 11 يناير 2018

أم كلثوم والشيخ زكريا







فى سنة 1951 اشتد الخلاف بين أم كلثوم، والشيخ زكريا أحمد. لينتهى فى أروقة القضاء، حيث طلب الشيخ وقف إذاعة الأغنيات التى لحنها للست أو تعويضه التعويض المناسب.
فى أوراق القضية والمذكرات المتبادلة نطلع على نص فلسفى وليس مجرد ردود قانونية...
قالت أم كلثوم إن اللحن أحد العناصر المكونة لفن أم كلثوم، وهو ملكية خالصة لها تحمل طابعها كمطربة الشرق. 
ورد زكريا أحمد إن أم كلثوم مجرد مؤدية مهمتها توصيل رسالة الشاعروالملحن. وأضاف: لوحظ لدى رجال السمع عند جماعات المتتبعين لصوت المطربة المعلن إليها أنها كلما أرادت أن تخلو بخيالها إلى مفارقة ما وضعه الملحن من أصول موسيقية معينة فى الأغنية، وأنها تعمل من جانبها على محاولة الخروج عن أصول الأداء التلحينى المرسومة، وكلما فعلت ذلك فشلت فشلا ذريعا يكشف ما عرفت به من أنها لا تقدر على تلحين أية أغنية مهما صغرت فى صياغتها.
ظلت القضية متداولة فى المحاكم يتناوب عليها القضاء حتى وصلت إلى قاضى مستنير، ظل يتحدث ثلاث ساعات كاملة عن الخسارة أو النكبة التى أصيب بها الفن فى مصر بسبب خلاف الاثنين. وحكم فى النهاية بأن يلحن الشيخ ثلاث أغنيات لأم كلثوم مقابل 700 جنيه للشيخ عن كل أغنية. فكانت رائعتهما "هو صحيح الهوى غلاب".



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الثلاثاء، 9 يناير 2018

قصيدة "يقول الدم العربي" للشاعر فاروق شوشة





أخيراً،

يقول الدم العربيُّ:
تساويْتُ والماءَ
أصبحتُ لا طعْمَ،
لا لوْنَ،
لا رائحة!

أخيراً،
يقول الدم العربيُّ:
أسيلُ...
فلا يتداعى ورائي النخيلُ
ولا ينبتُ الشجرُ المستحيلُ
أسيلُ....
أُروّي الشقوقَ العطاشَ،
وأسكبُ ذاكرتي للرمالِ،
فلا يتخلّقُ وجهُ المليحةِ،
أو حُلمُ فارسها المستطارِ،
وأنزفُ حتى النخاعِ،
وينحسرُ المدُّ،
تنبُتُ فوقي حجارتُكم،
مدناً تتمدّدُ أو تستطيلُ
وتأكل ما يتبقّى من الأرضِ،
لكنها أضرحة!
****

أخيراً،
يقول الدمُ العربيُّ: اكتفيْْتُ
تجاوزتُ جسْرَ الشرايينِ،
أسرجتُ خيلي بقلبِ العراءِ،
وخيّمْتُ في نُقطةِ الجدْبِ
أحكمْتُ أغنيتي
وانتشيتُ لنفسي
وقلتُ:
أطاولُ كلّ الدماءِ التي أنضجتْها الحرائقُ،
كلّ الدماءِ التي أهرقتها الملاحمُ،
كلّ الدماءِ التي اعتصرتْها المآدبُ،
فاخرْتُ أني الوحيد الذي
جعلوا من بقاياهُ خاتمة للبكاءِ
وفاتحة للغناءِ
ومن رئتي مذبحة!
****

أغوص بذاكرةِ الرمل،
وجهي عروسُ تخطّفها الموتُ،
والقاتلُ الهمجيُّ
تغيبُ ملامحُها
ويغيبُ الهوى العربيُّ
قاومْتُ،
فانفلتت فيّ فُقَّاعةُ،
وانطفْأتُ،
تشاغلْتُ،
أحكمتُ فوق ملامحها قبضتي
واسترحْتُ،
أغوصُ بذاكرةِ الرُّعبِ،
وجهي سحابةُ يُتْمٍ،
تُعشّشُ في كل بيتٍ
وتتركُ بعض عناكبها في تراب الملامحِ
وجهي الذي يتشكّلُ في كل حالٍ،
ويلبسُ أقنعةً لا تبوحُ،
وينظرُ في رحمِ الغيْبِ،
ماذا تُجنُّ الغيومُ؟
وماذا تقولُ البروقُ؟
وماذا تخبّئُ عاصفةُ في العروقِ،
ودمدمةُ في الرؤوسِ
وأشبهت الليلةُالبارحة!
****

أخيراً،
يقول الدم العربيُّ المسافرُ عَبْرَ العواصمِ
والمتجمّعُ خلْفَ الحواجزِ
والمتناثر في كل أرضٍ:
تعبتُ
وهذي بقيةُ لحمي،
وهذي هويّةُ جلدي
وبعض ملامح أرضي التي سكنتْ في العيونِ،
تعبْتُ،
فمن يحملُالآن عني بقية يومي،
وأشلاء حُلمي،
ويمضي...

تعبتُ....
الدروبُ يُلاحقها الموتُ،
يسكنُها الصمتُ
والقلبُ يملؤهُ القهرُ،
والشّاحنات الرجيمةُ ترتدُّ عبْرَ الزوايا
شظايا

تعبتُ...
المدى... لا يُبينُ
الصدى... لا يُبينُ
ووجهيَ مازال مُنسحقاً
في جبين المرايا...
تلاحقهُ اللعنة الجامحة!



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

كيف اخترقت السينما الأميركية ستارة تشاوسيسكو الحديدية؟







يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الجمعة، 5 يناير 2018

عن الدولجية العرب




 تظاهر الشعب الإيراني ضد الفساد والاستبداد والغلاء والبطالة، فبرز صوت "الدولجية" العرب ترويجاً لحريتهم في التظاهر، رغم أن التظاهر محظور في أغلب بلدان العرب. دعم الدولجية حق الشعب الإيراني في مواجهة نظام يحكمه بالحديد والنار، رغم أنه لا فارق بينه وبين أنظمة الحكم في بلدانهم.
 تحوّلت دعوات الدولجية العرب الداعمة للتظاهرات إلى مثار للسخرية بسبب التناقض الظاهر في خطابهم الذي يطالب بحرية الرأي للإيرانيين، وكان مثاراً للأسى لأن تلك الحرية لا تتوفر لهم، إذ لا يملك أي منهم أن يعبر عن رأيه بحرية في النظام الذي يحكم بلاده.
"الدولجية" هم الأشخاص الذين يناصرون الأنظمة الحاكمة ظالمة أو مظلومة، بغضّ النظر عن قدرتها على إخراج البلاد من مشكلاتها، حتى وإن كانت الأنظمة نفسها هي المشكلة الأكبر، وهم الجموع التي تظهر فجأة لتهتف باسم الحاكم، خاصة في أوقات الأزمات، وعادة في حماية قوات النظام، والذين ظهروا منذ الأربعاء في إيران أيضا، حيث امتلأت بهم الشوارع رافعين شعارات مؤيدة للنظام في مواجهة من يطالبون بتغييره.
 عرفت كل عصور التاريخ الدولجية، لكن المصطلح بات شائعاً في السنوات الأخيرة، معظمهم ينتمون إلى الطبقة الدنيا، وبعضهم من أبناء الطبقة المتوسطة، ويتميز "الدولجي" بأنه شخص محدود الثقافة، محدود الوعي، وربما محدود الذكاء، لكن قدرتهم على التجمع والهتاف والجدال غير محدودة. تلازم غياب الوعي مع الفقر يجعل من توجيه هذه الفئة مهمة يسيرة على من يملك المال أو السلطة، وتلجأ الأنظمة الفاشلة أو الفاسدة أو القمعية إلى هؤلاء دوماً لإسباغ جماهيرية كاذبة على سياساتها، حيث تعتبر الأنظمة تلك الجماهيرية المصنوعة المدفوع ثمنها مسبقاً، نوعاً من الشرعية.
"الدولجي" الأخطر، ليس هذا الفقير غير الواعي، وإنما هو آخر ثري أو مرفّه، وبقدر خطورة محدودي الوعي على مستقبل الأمم، يظل خطر المثقفين والنخبويين والأثرياء "الدولجية" أكبر، لأنهم يؤثرون في قطاع عريض من المواطنين بتبريراتهم التي تحتاجها كل الأنظمة الفاشلة.
ينطلق "الدولجي" من قاعدة أن بقاء النظام أفضل من زواله، وأن الفقر مع الاستقرار، حتى لو كان مزعوما، أفضل من الفوضى المحتملة، وتغذّي أنظمة الحكم المستبدة تلك القاعدة بترويج شعارات تحذّر من مصير شعوب مجاورة. يدافع "الدولجي" عن النظام بكل ما يملك، بعضهم يفعل ذلك لأن النظام يدفع له، وبالتالي فالأمر مصدر رزق، وفي مرحلة ما يدافع من دون مقابل، خشية أن يزول هذا النظام ويأتي نظام آخر يختار "دولجية" آخرين، فتضيع عليه امتيازات كان ينالها.
 


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية