الجمعة، 24 نوفمبر 2017

كوتا ونساء





 أول ما يتبادر إلى الذهن عندما تذكر لفظة "كوتا"، تلك القرارات التي تصدر في عدد كبير من البلاد التي يطلق عليها "الدول النامية"، لمنح النساء قدراً إضافياً من حقوقهن الضائعة، وخصوصاً في عضوية المؤسسات النيابية والبلدية، والتي يحرمن منها لأسباب معظمها ذكورية، يتم تبريرها في الأغلب بالعادات والتقاليد.
وبينما تعد "كوتا" النساء تلك محاولة بائسة لتجميل صورة الأنظمة، إلا أن البعض، وخصوصاً في بعض الدول العربية، يعتبرها إنجازاً، ويحتفي بإقرارها باعتبارها انتصاراً تاريخياً للنساء المحرومات من حقوقهن. لا يمكننا هنا أن نتجاهل أن النساء يحكمن بعض الدول، لكن هذا لا يعني بالضرورة حيازة نساء تلك الدول على كامل حقوقهن، الواقع أن بعض الحاكمات يظلمن النساء أكثر مما يفعل الحكام الرجال، وأحياناً تتعمّد بعضهن ذلك حتى لا تتهم بمحاباة بنات جنسها.
يعود أصل كلمة "كوتا" إلى اللغة اللاتينية، وهي متداولة في لغات عدة غير العربية، بينها الإنكليزية والفرنسية والتركية، وتعني منح حصة ما في مجال ما لمجموعة أو قومية أو جنس أو سنّ محددة، واستخدم اللفظ لتعريف تلك الممارسة لسنوات طويلة في مجالات كثيرة. وتكرر مصادر عدة أن الانتشار الأوسع لاستخدام لفظ "كوتا" في العصر الحديث انطلق من الولايات المتحدة، وتحديداً مطلع ستينيات القرن الماضي، عندما طبق الرئيس الأميركي جون كينيدي (1917- 1963)، الكوتا بقرار "الإجراء الإيجابي"، والذي كان يهدف إلى دعم الجماعات المحرومة في مواجهة السلطات وأصحاب العمل، وكان القرار نتيجة مباشرة لحركة الحقوق المدنية التي قادها عددٌ من زعماء الأقلية السوداء التي كانت محرومة من كثير من الحقوق قبل نحو نصف قرن مضى. في البداية أقر كينيدي نظام الحصص النسبية (كوتا) بشكل يلزم المؤسسات التعليمية بتخصيص أماكن للطلاب السود لارتياد المدارس التي كانت ترفضهم، وتقتصر على التلاميذ البيض. ولاحقاً فرض الرئيس ليندون جونسون (1908- 1973) كوتا لمنح الفقراء امتيازات معيشية، قبل أن تبدأ جماعات أخرى أبرزها الحركة النسائية استخدام الأمر لتحصيل حقوق مهدورة أو استكمال حقوق منقوصة، ثم انتشر المصطلح وتطبيقه في بلدان كثيرة تشعر فيها الأقليات والعرقيات بالظلم.
اقتربت نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومازالت الكوتا مستخدمة في دول كثيرة حول العالم، بعضها تتفاخر بأنها ديمقراطية، بينما هي تحرم مواطنيها من الأقليات والعرقيات أو النساء والشباب، الكثير من الحقوق الإنسانية الأساسية مثل حرية التعبير أو المشاركة السياسية أو تقرير المصير.

يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

دماء أطفال درعا


 قصة بداية الثورة في سورية غريبة بالنظر إلى مقدار غرابة الأوضاع الحالية، خاصة لو كنت ملماً بالوضع المخابراتي السوري السائد عند قيامها، والذي يتعارض بالكلية مع الثقافة والإبداع المتجذر في إحدى أبرز حواضر العرب على مدار التاريخ. الرائج أن الثورة تفجرت من مدينة درعا التي كانت تعد أحد معاقل النظام، وكان القائد الأمني فيها ابن خالة بشار الأسد. بدأت القصة يوم إعلان تنحي حسني مبارك عن حكم مصر، باتصال هاتفي بين طبيبة سورية شابة من درعا، وصديقتها، قالت فيه: "مبارك تنحى عقبال عندنا". لم تكد تمر ساعتان فقط إلا وكان عناصر الأمن في منزل الطبيبة للقبض عليها بعدما سجلوا جملتها العفوية عبر نظام المراقبة الذي يشمل كل مناحي الحياة السورية. في المعتقل تم تعذيب الطبيبة والتنكيل بها، وأجبرت على تقبيل الأرض أمام صورة لبشار. بعد يومين توجه وفد من وجهاء درعا إلى الأمن طلباً للإفراج عن الطبيبة. في مكتب المسؤول الأمني قوبل الوجهاء بصلف، وإن تم قبول طلبهم بالإفراج عن الطبيبة. في يوم تال، قررت مجموعة من الأطفال، لا يتجاوز عمر أكبرهم الرابعة عشر، الانتقام للطبيبة، فانتشروا في الشوارع والأزقة يكتبون على الحيطان "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل ارحل يا بشار". قام مخبرون بالإبلاغ عن أسماء الأطفال، فقبض عليهم من مدارسهم ومنازلهم، واقتيدوا إلى مكان مجهول خضعوا فيه للتعذيب. مجدداً، توجه وفد الوجهاء إلى الأمن طالبين الإفراج عن الأطفال. لكن الرد هذه المرة كان أكثر قسوة، حيث رفض المسؤول الأمني إطلاق سراح الأطفال، وسب الوجهاء وأسقط عمامة أكبرهم وداسها بحذائه، ليخرج الرجال غاضبين، وينتشر الخبر. بعد ساعات، احتشد بضع مئات المتظاهرين في الشوارع، يتقدمهم أهالي الأطفال المحتجزين، وكانت مطالبهم إطلاق سراح الأطفال والاعتذار عن الإساءة للوجهاء. أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين، فقتلت العشرات، فانتفضت درعا كلها في الشوارع. من درعا انتشرت مطالب الحرية في عموم البلاد، وصولاً إلى العاصمة دمشق، وفي المقابل فتكت قوات الأمن والجيش بالمئات ليسقط في الشهور الخمسة الأولى أكثر من ثلاثة آلاف قتيل. رغم هذه البداية العفوية للثورة، ورغم الإجرام غير المبرر في مواجهتها، ما زال بعضهم يكرر مقولات غبية منها، إنها كانت ممولة من الخارج، أو ليتها ما قامت. والنظر إلى مآلات الثورة لا يمكن معه تخيل قدرة النظام على وأدها بعد سنوات من محاولة إزالته التي كانت وشيكة لولا تدخل قوى إقليمية ودولية لإبقائه جالساً على كرسيه الملطخ بدماء السوريين.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الاثنين، 13 نوفمبر 2017

محطات في حياة شادية: صوت مصر ونجمة الشباك الأولى





يضم رصيد النجمة المصرية شادية الفني نحو 700 أغنية، و118 فيلما، أولها "أزهار وأشواك" إخراج محمد عبد الجواد من إنتاج 1947. في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، أطلق على شادية لقب "نجمة الشباك الأولى"، اعتمادا على إيرادات أفلامها التي كانت تحقق أرقاما قياسية في صالات السينما مقارنة بغيرها من نجمات ذلك العصر. 

قبل تلك الفترة كانت الإيرادات تعتمد في الأغلب على أسماء الأبطال الرجال وليس البطلات، أو على البطولات المشتركة، لكن شادية غيرت الواقع السينمائي لتصبح الممثلات في سنوات لاحقة نجمات شباك يزاحمن النجوم الرجال، وكثيرا ما كان نقاد السينما في تسعينيات القرن الماضي يربطن الصراع المحتدم بين النجمتين نبيلة عبيد ونادية الجندي بالفنانة المعتزلة وقتها شادية. 

ويروي الناقد هشام لاشين في كتابه "شادية"، الصادر عن مهرجان القاهرة السينمائي سنة 1994، أنها كانت بمثابة الجواد الرابح لأي عمل تشارك فيه لدرجة أن اعتبر البعض أن تأشيرة النجاح لابد أن تأتي عبر شادية، كما فعل المطرب والمخرج اللبناني محمد سلمان عندما جاء إلى مصر، وكان جواز مروره للشهرة فيلمه معها "قدم الخير"، كما تكرر الأمر مع كارم محمود في "معلهش يا زهر" و"لسانك حصانك". وعندما تحول الملحن منير مراد للطرب وأراد دخول السينما، انطلق فوراً ليطلب من شادية مشاركته بطولة فيلميه "أنا وحبيبي" و"نهارك سعيد". 

وقال لاشين في الكتاب إنه "لم يشذ عن هذه القاعدة أحد، حتى عبد الحليم حافظ بكل جماهيريته في الغناء وقتها، حيث كانت بطاقة تعارفه السينمائية الأولى فيلماً مع شادية هو "لحن الوفاء"، وعندما ظهر المطرب كمال حسني ضمن تأشيرة النجاح من خلال شادية بمشاركتها فيلم "ربيع الحب" عام 1956، ووصل الأمر بنجم لامع مثل كمال الشناوي أن قدم معها أكثر من 30 فيلماً ليكونا بذلك أشهر ثنائي عرفته السينما العربية على مدار تاريخها". 

والشائع أن الشيخ متولي الشعراوي هو الذي طلب منها ألا تذهب لحضور التكريم الذي أعده لها مهرجان القاهرة السينمائي، قائلا لها "لا تعكري الماء الصافي"، لكن نقل عن ابن شقيقها خالد طاهر شاكر أن هذا لم يحدث، لكنه لم ينف أن الشعراوي كان وراء اعتزالها. 

ولا يعرف كثير من جمهور شادية عن مشاركتها في بطولة فيلم مصري ياباني تم تصوير أغلب أحداثه في القاهرة، وعرض لأول مرة مطلع سنة 1963، وهو فيلم "على ضفاف النيل"، للمخرج الياباني كونا كاهيرا. لكن لم يعرف ما الذي جعل المهرجان القومي للسينما يقرر في 2013 عرض فيلم "على ضفاف النيل" في حفل افتتاحه، مع احتفاء واسع ببطلته شادية ومنتجه المخرج الراحل حلمي رفلة. 

نسخة العرض لم تكن عظيمة، لكن الانبهار بمشاهدة الفيلم لأول مرة كان كافيا للتجاوز عن كثير من المشكلات، ربما كانت المرة الأولى التي تمتلئ فيها قاعة عرض لفيلم افتتاح المهرجان المحلي. 




بطل الفيلم الرئيسي هو الممثل الياباني إيشيهارا يوجيرو، ومعه مواطنته إيزومي إيشكاوا، لكن الفيلم يضم عددا كبيرا من الفنانين المصريين، بينهم إلى جانب شادية، كمال الشناوي وحسن يوسف ومحمود المليجي وصلاح نظمي ومحمود عزمي وزين العشماوي، والفنان وجدي العربي الذي كان وقتها طفلا. 

قصة الفيلم تم تفصيلها لتكون صالحة للتصوير في القاهرة، وتدور حول شاب متعدد العلاقات الغرامية يقرر والده الثري إرساله في جولة حول العالم ليتخلص من مشكلاته، لكنه يقع ضحية مشكلات أكبر بعد أن تتبدل حقيبة ملابسه في مطار بيروت بحقيبة أخرى تضم وثائق لها علاقة بخطة للثورة في إيران، وهي الواقعة التي تصل به إلى العاصمة المصرية التي يتعرف فيها على مطربة في أحد الملاهي الليلية تكشف له عن تفاصيل الأزمة التي أصبح طرفا فيها دون قصد، وتساعده على الخروج منها سالما. 

النسخة الوحيدة المتاحة لفيلم "على ضفاف النيل" على "يوتيوب" سيئة، وهي ناطقة باللغة اليابانية، والفنانون المصريون كانوا يتكلمون العربية، إلا أن أصواتهم تم دبلجتها إلى اليابانية، لكنها توفر مصدرا لمشاهدة الفيلم الذي لم يأخذ حقه من الشهرة، والذي يخلط كثيرون بينه وبين الفيلم الإنكليزي "جريمة على ضفاف النيل" من إخراج جون غويلرمن. 

في 1963، دخلت شادية في قطيعة طويلة مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهّاب، بسبب تصديها لحذف أغنية "بسبوسة" التي لحنها لفيلمها "زقاق المدق" لصالح أغنية "نو يا جوني نو" من ألحان محمد الموجي، بعد أن قرر المخرج حسن الإمام الاستغناء عن واحدة من الأغنيتين. كان رأي شادية أن حذف "بسبوسة" لا يضر بسياق الدراما بعكس الأغنية الثانية التي ترمز إلى سقوط البطلة في الخطيئة مع رواد الملهى الليلي من الجنود الإنكليز. 




لكن القصة الأكثر غموضا في مسيرة شادية تتعلق بقرارها الاعتزال وهي في أوج شهرتها، وبينما كانت بمسرحيتها الوحيدة "ريا وسكينة" تحقق إيرادات تفوق كل منافسيها، بمن فيهم نجم المرحلة عادل إمام، وهو الاعتزال الذي يربطه كثيرون بأغنية "خد بإيدي"، رغم أنها قدمت قبلها عددا من الأغنيات الدينية. 

في كتاب الصحافي سامي كمال الدين "سيرة شادية معبودة الجماهير"، تفاصيل عن قرار الاعتزال، والذي اتخذته عام 1986 بعد أزمة صحية قاسية، ومنه أن شادية "أعلنت أنها ستغني أغنية وطنية تقول كلماتها (علَّمينا يا مصر نسبَّح، لما عيونا تبص وتسرح، ونشوف صنعة رب القدرة في سماكي الزرقا ونخيلك، في النسمة الرايقة وفي نيلك) وكان عمر خيرت هو الذي سيلحن لها الأغنية". 

وسرد الكتاب تفاصيل عدد من أغنياتها الدينية: "أول أغنية دينية لشادية (قل ادعو الله) من تأليف زكي باشا الطويل، وتلحين ابنه الموسيقار كمال الطويل عام 1956 في فيلم (اشهدوا يا ناس) إخراج حسن الصيفي، وغنت عام 1971 (اللـهم اقبل دعايا) في المسلسل الإذاعى (نحن لا نزرع الشوك) لعبد الوهاب محمد وبليغ حمدي وإخراج محمد علوان" . 

وفي لقاء أجراه الصحافي المصري محمد تبارك مع الشيخ الراحل الشعراوي عن شادية، قال الشيخ الراحل إنه التقى بها أمام مصعد إحدى البنايات ولم يعرفها، فقالت له: أنا شادية، فرحب بها. فسأله الصحافي إنها اعتزلت الغناء بعد هذا اللقاء، فقال الشعراوي: "هذا يدل على أنها وجدت ارتقاء أسمى مما كانت فيه، وأن هناك نشوة ثانية أفضل من النشوة التي كانت تعيشها من قبل". 





يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

السبت، 11 نوفمبر 2017

حكاية شاب سلفي




 كنت عائداً من عملي، مساء أحد أيام النصف الثاني من شهر أغسطس/آب 2013، فاستوقفني في الشارع. هو عشريني طويل اللحية يعرف نفسه بأنه "السلفي". يملك ويدير متجراً صغيراً في الحي الذي أعيش فيه. كان زائع العينين. قال لي إنه نجا للتو من موت محقق في اعتداء على مسيرة كان مشاركاً فيها إلى ميدان رمسيس.
 حاولت أن أفهم كيف تحوّل إلى النقيض مما كان عليه سابقاً. كان يكره التظاهرات والمسيرات، ويكرر مقولات شيوخه حول طاعة الحاكم وإن جلد ظهرك وسلب مالك.
بعد تنحي مبارك بأيام استوقفني، وسألني باعتباري كنت ممن اعتصموا في ميدان التحرير: ما الذي يجري في البلد؟ فقلت: كان مبارك فاسداً مستبداً، وكان يجب إزاحته من الحكم، ويكفي ما كان يفعله "أمن الدولة" في عهده بمن هم مثلك من الملتحين؟ اكتفى بهز رأسه، فتذكرت قناعاته الراسخة حول تحريم الخروج على الحاكم.
 حكى لي أنه تجاهل الاستفتاء على الدستور، رغم أن معظم أقرانه السلفيين كانوا ناشطين في الدعوة للتصويت بنعم، وأنه لم يصوت في انتخابات البرلمان لأنه لم يكن مقتنعاً بفكرة الانتخابات ولا بالديمقراطية.
لكن الانقلاب على مرسي شهد التحول الأكبر في حياة الشاب الهادئ الذي لم يشارك في تظاهرة طوال حياته. كان يذهب إلى اعتصام ميدان نهضة مصر يومياً. فاجأني قوله إنه لا يصدق أن الأربعاء الدامي فاته، في إشارة إلى يوم فض الاعتصام.
وقال إنه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية اتخذ قراره بعدم التصويت لأي من المرشحين. لكنه في الجولة الثانية التي تنافس فيها محمد مرسي وأحمد شفيق، قرر التحول من التجاهل إلى المشاركة الفعالة دعما للمرشح المتدين مثله، قال إنه ذهب إلى صندوق الانتخاب لأول مرة في حياته لينتخب مرسي. بعد فوز مرسي بالرئاسة انقطع الشاب السلفي عن كل ما يتعلق بالسياسة مجدداً، وإن كرر مرات عدة أن مرسي كان مخطئاً في عدم التصدي للمؤامرة التي تحاك ضده.
  لم أتخيل أن يتحول هذا الشاب السلفي الرقيق إلى شخص يتحكم فيه الغضب، حاولت أن أهدئ من روعه، لكنه كان يتمتم بكلمات غير محددة حول ضرورة الانتقام. قلت إن الانتقام لن ينهي الوضع القائم وإنما سيزيد المشكلة تعقيداً. فأشاح بوجهه عني. قلت: لماذا لا تعود إلى سيرتك الأولى وتتجاهل السياسة. فرد: لست معنياً بالسياسة، وإنما بالقصاص لأصدقائي. قلت إن ما تقوله ليس صواباً وفق أصول الدين ولا وفق علوم السياسة.
تركته على وعد بأن نلتقي مجدداً لنستكمل نقاشنا، وطلبت منه أن يعود إلى بيته ليستريح، لكننا لم نلتق مجدداً. علمت بعدها أنه اعتقل في محيط مسجد الفتح في ميدان رمسيس.




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

لن أنتخب خالد علي مجددا





مطلع عام 2012، قرر المحامي الشاب خالد علي ترشيح نفسه لرئاسة مصر في مواجهة مرشحين كان هو أصغرهم سناً، ولما كان خالد ابن جيلي، وشريك ميدان، ومعبر عن أحلامنا في تمكين الشباب والتخلص من حكم "العواجيز"، الذي جثم على صدر بلادنا لعقود، قررت مع عدد من أصدقائي التصويت له في الانتخابات.
وقتها كانت الغالبية العظمى من الأصدقاء والزملاء منقسمة بين مرشحين آخرين؛ هما عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي.
وقتها لم يكن الخلاف السياسي يفرق الأصدقاء، كنا نجلس في مقاهي وسط القاهرة لنتناقش ونتجادل، كل منا يروج لمرشحه ويظهر عيوب المرشح المنافس الذي انحاز له صديق من بين الحضور، كانت أزهى عصور الديمقراطية بحق، رغم أننا كنا نسخر من المصطلح الذي تم إطلاقه زورًا وبهتانًا على العقد الأخير من حكم حسني مبارك.
في جلسة جمعتني برفاق التحرير، قررنا التخلص من الانحيازات والحديث بشكل منطقي، أذكر أن أحدهم واجهني بأن فرص خالد علي محدودة للغاية، وأن ترشحه يساهم في تفتيت الأصوات التي يمكنها أن تسهم في نجاح مرشح آخر من مرشحي الثورة، في مواجهة مرشح الإخوان ومرشح الجيش.

وقتها قلت للأصدقاء صراحة إن قناعتي أن أياً من المرشحين لا يملك فرصة، وأن مرشح "الإخوان" ومرشح الجيش/الشرطة، هما الأوفر حظاً، فرد أحد الحضور: ولماذا نجهد أنفسنا إذاً في دعم هؤلاء؟ أليس الأولى أن نختار أحد المرشحين الأوفر حظاً؟ فرد أحدهم: وهل توافق على أي من المرشحين الأوفر حظاً؟
ساد صمت قررت قطعه بهجوم مباغت على مرشحيهم، فقلت إن أبو الفتوح كمرشح لا فارق بينه وبين محمد مرسي وحازم صلاح أبو إسماعيل كمرشحين إسلاميين، وإن حمدين كناصري لا يفرق عندي كثيراً عن عمر سليمان وأحمد شفيق كمرشحين عسكريين.
لم يعجب كلامي الأصدقاء، وتوترت الجلسة التي كانت لطيفة، فقرر أحدهم أن يشن هجوماً مضاداً، وقال إن انحيازي لخالد علي أقرب إلى مقاطعة الانتخابات. قفزت الفكرة إلى ذهني فجأة، فقلت: أظن أنك على حق، هي مقاطعة ايجابية للانتخابات التي لا أتوقع أن تكون ديمقراطية تحت حكم عسكري قمعي.
حصل خالد علي على 124 ألف صوت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والتي انتهت إلى جولة إعادة بين مرشح الإخوان مرسي ومرشح العسكر شفيق، كان صوتي أحد الأصوات القليلة التي حصل عليها مرشح الشباب، وكنت فخوراً بأن حملته محدودة الموارد التي لا تحظى بأي دعم من أي فصيل في نظام الحكم استطاعت الحصول على هذا العدد من الأصوات الذي اعتبره كثيرون هزيلاً.
بعد الجولة الأولى عدت وأصدقائي إلى المربع الأول، إلى أي فريق سننحاز، فريق الإخوان أم فريق العسكر؟
عندها دبت بيننا خلافات واسعة، فريق أصر على ضرورة مقاطعة التصويت، وفريق أصر على تأييد أي شخص غير مرشح الإخوان، وفريق ثالث كنت ضمنه، أصر على تأييد أي شخص غير مرشح العسكر.
في الشهر التالي، كنت أحد من يهاجمون المرشح أحمد شفيق ليل نهار، لكنني لم أكن داعماً لمرسي كمرشح، لم أكن مقتنعاً بأي منهما، لكن الإخوان كانوا وما زالوا عندي أفضل من العسكر.
يوم التصويت، ذهبت إلى لجنة الانتخابات فوجدت العاملين في اللجنة يدفعون الناس دفعاً إلى التصويت لشفيق تحت سمع وبصر الشرطة والقضاة المشرفين على العملية الانتخابية، حتى إنني اختلقت أزمة مع أحدهم وهددته بفضحه إن لم يتوقف عن توجيه الناخبين.
عندما ذهبت إلى الصندوق للإدلاء بصوتي، أصابتني الحيرة، فأنا ضد شفيق قلباً وقالباً، لكني لست مقتنعاً بمرسي أيضاً. حملت ورقة التصويت وعدت أدراجي دون أن أدلي بصوتي، لتظل عملية تصويتي لخالد علي هي المرة الوحيدة التي أدلي فيها بصوتي في أي انتخابات مصرية.
في انتخابات ترشح السيسي للرئاسة، قاطع كل المرشحين السابقين المهزلة، إلا حمدين صباحي الذي استحق لقب "الكومبارس"، وقال خالد عنها إنها ليست انتخابات وإنما "مسرحية هزلية". كان هذا رأيي أيضاً. لكن عدداً من الأصدقاء عاشوا أوهام فوز حمدين في مواجهة العسكر والشرطة والثورة المضادة والنظام القديم.
خسر حمدين خسارة مدوية، لم يحصل حتى على نصف مليون صوت، في مقابل ملايين السيسي، وتفاخر السيسي بأنه خاض انتخابات ديمقراطية في مواجهة مرشح معروف سبق له خوض السباق، وبات حمدين محللاً صورياً لرئاسة السيسي.
قرر خالد علي الترشح للانتخابات الرئاسية 2018 في مواجهة السيسي، ولست أعلم ما الذي تغير في "المسرحية الهزلية" حتى يشارك فيها، أزعم أن الهزل زاد خلال السنوات الأربع التي حكم السيسي فيها البلاد بعد الانقلاب على كل مكتسبات الثورة، وأن خالد سيكون "الكومبارس" الجديد الذي يحلل الفترة الثانية من رئاسة السيسي بعد حمدين.
لهذا لن أنتخب المحلل الكومبارس.






يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

السبت، 4 نوفمبر 2017

اليونسكو والصحافيون ومشيرة



 احتفلت منظمة اليونسكو الخميس الماضي بـ"اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين"، بعد ثلاثة أسابيع فقط على إجراء انتخابات اختيار الأمين العام للمنظمة الأممية، وهي الانتخابات التي شهدت صراعاً عربياً محتدماً بين المصرية مشيرة خطاب والقطري حمد الكواري، لتنتهي بفوز الفرنسية من أصول مغربية أودري أزولاي. تقول اليونسكو إن 90 في المائة من حالات قتل الصحافيين حول العالم تمر من دون عقاب، وترصد مقتل 930 صحافياً في الفترة بين عامي 2006 و2016، في عام 2016 فقط، قتل منة وصحافيان. ووفقاً لتقرير المنظمة "الاتجاهات العالمية في مجال حرية التعبير وتنمية وسائل الإعلام"، فإن 94 في المائة من الصحافيين الذين قتلوا عام 2016، هم صحافيون يغطون أحداثاً محلية، ونصف حالات القتل وقعت في بلدان ليس فيها نزاعات مسلحة، وإنسبة الضحايا من الصحافيات ارتفعت من 5 في المائة عام 2006، إلى 10 في المائة عام 2016. في مصر التي خسرت مرشحتها لليونسكو، يعيش الصحافيون أوضاعاً مأساوية، حسب قول مقرر الأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حق حرية الرأي والتعبير، ديفيد كاي، قبل أسبوع في نيويورك. وطالب كاي، السلطات المصرية بالتوقف فوراً عن ملاحقة الإعلاميين، معتبراً أن "أوضاع الصحافة والإعلام أيام حسني مبارك، كانت أفضل كثيراً مما هي عليه الآن. لقد بات الوضع مرعباً ومخيفاً في مصر. إنهم لا يلاحقون المعارضين فقط، وإنما أيضا أي صاحب رأي مختلف". ووثق تقرير للمرصد العربي لحرية الإعلام اعتقال 94 صحافياً في مصر، بينهم المصور الصحافي محمود أبوزيد "شوكان" الحاصل على جائزة اليونسكو لحرية الصحافة. جلست أتخيل أن المرشحة المصرية فازت بمقعد رئاسة اليونسكو، وكيف كانت ستتعامل مع حملة المنظمة الأممية تلك، بينما تضع التقارير الحقوقية الدولية مصر، جنباً إلى جنب مع الصين وسورية والعراق، على رأس قوائم انتهاك حقوق الصحافيين. تقول سفيرة اليونسكو للنوايا الحسنة لحرية التعبير وسلامة الصحافيين، كريستيان آمانبور، إن "الأخبار مليئة بتقارير عن زملائنا الذين يقتلون ويصابون ويسجنون في جميع أنحاء العالم، ويجب علينا كوسائل إعلام الاستمرار في القتال من أجل إنهاء الإفلات من العقاب". تخيلت مجدداً آمانبور تستضيف خطاب (كمديرة لليونسكو) في برنامجها التليفزيوني الشهير، وبينما مشيرة تتحدث عن آليات حماية الصحافيين من القتل والاعتقال والتضييق، تسألها المذيعة عن موقفها المخزي من إغلاق عشرات المكتبات المصرية قبل شهور قليلة على انتخابات المنظمة. قدّر الله ولطف.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الجمعة، 3 نوفمبر 2017

قصة جماعة "أنصار الإسلام" التي تبنت مجزرة #الواحات




جروب الجماعة اللي اسمها "حراس الشريعة مصر الكنانة" اللي أعلنت النهاردة تبني مجزرة #الواحات اتفتح على "تليجرام" في 19 أكتوبر. والمجزرة كانت ليلة 20- 21 أكتوبر.


كل البوستات في الجروب قبل المجزرة تؤكد أن الجماعة تابعة لتنظيم القاعدة، بينها فيديوهات لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة وأبو قتادة، وفيها احتفاء بعمليات جماعة الشباب في الصومال وغيرها.
وقت الكشف عن عملية الواحات. كان الجروب ينقل عن وسائل الإعلام مثله مثل كل الأشخاص العاديين، ولم ينشر أي معلومة خاصة او تفاصيل غير منشورة في وسائل الإعلام.


في اليوم التالي 21 كان ينشر أيضا أخبارا متداولة وفيديوهات التسريبات التي نشرتها قنوات ومواقع إخبارية.


مساء يوم 21 أكتوبر. نشر بوست يبارك فيه العملية بعد أن نشر نقلا عن مواقع إخبارية أسماء أفراد الشرطة المقتولين فيها.
على مدار الأيام اللاحقة تفرغ لنشر أخبار منقولة من وسائل الإعلام. ولنشر مبادرة "الصلح بين المجاهدين"، والدعاية لعمليات الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة حول العالم.




يوم 26 أكتوبر نشر بوست منقول حول النقيب محمد الحايس يتحدث عن التضارب في تصريحات الداخلية حول خطفه أو مقتله.
يوم 28 أكتوبر نشروا بوستات عن إقالة محمود حجازي من رئاسة الأركان وتعيين محمد فريد حجازي. ثم إقالة مدير الأمن الوطني ومدير أمن الجيزة. دون أدنى ذكر لعملية الواحات. رغم أن كثيرين ربطوا القرارات بالعملية.


الجمعة 3 نوفمبر. نشروا بيان جماعة تسمى "أنصار الإسلام" لم يذكروها سابقا في الجروب، وحتى في نشر البيان لم يذكروا ما الصلة التي تربطهم بها.
وجاء في البيان أن تلك الجماعة منفذة عملية الواحات. وأنها أسرت عددا من عناصر الشرطة ثم أطلقت سراحهم. وأن النقيب الحايس استسلم لها طوعا. ورغم أنهم أطلقوا سراح زملاءه إلا أنه ظل محتجزا لديهم بلا سبب واضح. وأنهم خسروا في العملية عنصرا واحدا. وأن الطيران الحربي شن هجوما عليهم لتحرير الحايس الذي لا نعلم سبب احتجازه لديهم. وأن الهجوم راح ضحيته أحد قادتهم ويدعى أبو حاتم وعدد من أفراد فرقته.



القصة كلها على بعضها كدا غريبة ومريبة جدا


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية