الجمعة، 29 ديسمبر 2017

الذكرى السنوية للربيع

مع حلول ذكرى الربيع العربي سنوياً، يتجدد الجدال بين المؤيدين والمعارضين. بين فريق يراه حلاً للأزمات العربية المتراكمة، وفريق يراه مؤامرة خارجية لتدمير دول كانت تزعم أنّها مستقرة. بين من يرون أنّ ما قبل الربيع أفضل ممّا بعده، ومن يرون أنّ تعمّد إفشاله هو سبب ما نحن فيه من بلاء، متجاهلين أنّ أنواعاً أخرى من البلاء كانت قائمة قبله. وسط النقاش السنوي المتجدد، يلجأ بعضهم إلى استحضار ما عاشه من ذكريات، وما عاش فيه من أحلام، ويُظهر آخرون ما يضمرونه من كراهية، كما تتكشف فصول جديدة من قصة الربيع وفصول المؤامرة على أحلام شبابه. انتصرت الثورة المضادة في دول الربيع بأشكال مختلفة، ولم تتحقق الأهداف الرئيسية التي خرج المواطنون في عدد من الدول من أجلها، حتى في تلك الدول التي تغيّرت فيها الأنظمة، كان التغيير شكلياً أو غير متوافق مع الطموحات. فشل الربيع العربي واقع لا يجادل فيه إلا أعمى، حتى تونس التي ندّعي أنّها أحسن حالاً من باقي بلدان الربيع ليست في أفضل أحوالها، وما زالت تعاني من مشكلات عدّة، اقتصادياً واجتماعياً، وإن كان بعضهم في دول أخرى يحلمون أن تصل بلادهم إلى ما وصلت إليه تونس. لا يمكنك بحال أن تقارن الوضع المرتبك في تونس بالدمار والقتل وضبابية المستقبل في سورية أو اليمن أو ليبيا، ولا يمكنك مقارنة تونس بالوضع في مصر التي تعيش وهم انتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظلّ تدمير كامل لكلّ مكتسبات الثورة التي تفاءل بها كثير من العرب لإنقاذهم من الأنظمة المستبدة القابعة على مقاعد الحكم في بلدانهم. أحوال من شاركوا في الربيع العربي أيضاً متباينة بتباين أحوال بلدانهم، أو البلدان التي انتقلوا إليها، وكذا بقدرتهم على التحمّل أو التمسّك بالأمل. بعض هؤلاء قرّر الانضمام إلى تيارات متطرّفة، وبعضهم قرّر الانعزال عن الدنيا، وبعضهم الآخر قرّر عدم الصدام مع الأنظمة الجديدة وانصاع للأوضاع الجديدة ليصبح مواطناً على مقاس النظام، لكنّ فريقاً ثالثاً ما زال يقاوم. يرى كثيرون، أنّ الثورات المضادة كانت حتميّة، فالأنظمة التي قامت الثورة عليها لم تكن لتسمح لتلك الثورات أن تنجح، وكانت منذ اللحظة الأولى تتحيّن الفرص للإجهاز عليها بالتعاون مع أنظمة أخرى شعرت بالتهديد من تقويض عروشها بعد الثورات، مثلما انتقلت الشرارة من تونس إلى مصر ثم إلى ليبيا واليمن وسورية. الواقع يظهر أيضاً أنّ سذاجة الثوار، وسوء النخبة من مثقفين وفنانين وأكاديميين، وفساد العسكريين، كلّها أسباب مباشرة لفداحة نتائج الثورة المضادة التي ضربت بلداناً لطالما تفاخرت بالحضارة.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

صلاح عيسى.. نهاية رحلة من اليسار إلى السلطة



عام 1986، صدر كتاب "مثقفون وعسكر" (مدبولي) في القاهرة لـ الكاتب المصريالراحل صلاح عيسى (1939-2017)، والذي أعلن وفاته اليوم الإثنين، في مستشفى المعادي العسكري، بعد صراع مع المرض امتد لأسابيع.
في الكتاب، رصد عيسى عدداً من الوقائع التي دونها في مقالات أو كان شاهداً على تفاصيلها، وأغلبها يدور حول نفاق المثقفين للسلطة في عصر الرئيسين المصريين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وهي الفترة التي كان الكاتب منتمياً فيها إلى اليسار المصري، حتى أنه تعرض للسجن عدة مرات في 1966 و1977 و1981، وللطرد من عمله مرات أخرى بسبب أرائه السياسية.
يفصّل عيسى حقيقة مثقفي الأنظمة في كتابه قائلاً: "عرفنا أنماطاً من المثقفين يفهمون الثقافة والفكر على أنها لسان ذرب، وقلم سيال، وعقل يملك مهارة الاحتيال على الحق ليصبح باطلاً، وعلى الأسود ليجعله أبيض، يلعبون بالأفكار ويضحكون على الذقون، ويسربلون الأغراض الدنيئة بأنبل الشعارات".
ويضيف "معظم هؤلاء للأسف من أصول اجتماعية متواضعة، نحتوا بأظافرهم فى الصخر طريقاً صعباً ودامياً ليصعدوا من أسفل السلم الاجتماعى إلى حيث يصبحون أقرب ما يكونون إلى القمة، وحين يجدون أنفسهم هناك، تأسرهم أضواء الكاميرات، ويفقدون تقدير أنفسهم، فيستكثرون ما وصلوا إليه، ويعضون بالنواجذ عليه، حتى لا يضيع، ويتملكهم رعب السقوط إلى القاع الذى صعدوا منه، وتصطك أوصالهم وأسنانهم فرقاً من أعباء الانتماء للفقراء الذين كانوا منهم يوماً، ورعباً من السجون والفصل والتجميد، فيتطوعون لتبرير كل ما يفعله السادة، ويقنعون أنفسهم بأن الثقافة حرفة كالحدادة والسباكة والنجارة".
ويتابع "كما أنه ليس من حق الحرفي أن يرفض عملاً، اعتراضاً على رب العمل، فليس من حق المثقف أن يضن بحرفته على أي نظام حكم، وبذلك أصبحوا بعضاً من حاشية السلطان، يدافعون بشراسة عن الذين لا يؤمنون به، ويهاجمون بشراسة ما يعتقدون أنه الصواب والحق، يقفون كالحجّاب على أبواب السلاطين، لا يغادرون مكانهم حين يغادر السلطان عرشه، ولكنهم يغيرون مواقفهم إذا ما عنّ للسلطان أن يغير مواقفه، أو يوم يخلفه خليفة يسير على خط سلفه بممحاة".
ينتقد الكتاب الكاتب الراحل يوسف السباعي، ويتهمه بالتضييق على الكتاب اليساريين، ويسميه في الجزء المخصص عنه "الكولونيل"، في إشارة صريحة إلى كونه عسكري سابق، كما ينتقد مواقف الكاتبين الراحلين نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم المؤيدة لاتفاق السلام الذي عقده السادات مع إسرائيل في كامب ديفيد، ويرصد أيضاً حواراً له مع الكاتب محمد حسنين هيكل حول كتابه "خريف الغضب" الذي يتناول عهد السادات بانتقاد شديد.
من النصوص اللافتة في الكتاب قوله "عرفنا مثقفين أقوياء فيهم صلابة حقيقية وشجاعة داخلية، تتوزع على مدى العمر، وتنمو مع التجربة، وتؤثر إيجابياً في بناء الآخرين، وأخرى فيها صلابة هشة تتجمع في موقف، أو تتركز في بضع سنوات، ثم تنكسر مع العمر فتنثني ولا تعتدل! جيلنا من المثقفين العرب، مصريين وغير مصريين، سيدخل التاريخ من باب السيكولوجيا، لا من باب الأدب أو الفن أو الفكر".



في سنوات لاحقة، أصبح عيسى أحد رجال سلطة حسني مبارك، ودخل ما كان يطلق عليه وزير ثقافة مبارك، فاروق حسني، حظيرة الدولة، فبات يكتب في صحفها الرسمية، ويظهر في قنواتها الرسمية، ثم أسند إليه رئاسة تحرير صحيفة وزارة الثقافة، والتي تسمى "القاهرة"، ليصبح أحد منظري النظام في ميدان الثقافة، وينتهي عيسى المعارض، حتى وفاته مؤيداً لعبد الفتاح السيسي.
وكان عيسى أحد المثقفين الذين قابلوا مبارك يوم 30 سبتمبر/أيلول 2010، قبل أقل من أربعة أشهر على ثورة يناير التي أطاحت به، وقد أفردت لهم صحيفة "الأهرام" الرسمية، صفحة عنوانها "لقاء مبارك مع المثقفين.. بأقلام كتاب الأهرام"، مزينة بصورهم.
لم يكن مفهوماً لكثيرين أسباب التحول، خاصة وأنه طاول عدداً من المثقفين اليساريين، ومنهم الراحلين محمد سيد أحمد ورفعت السعيد، والكاتب محمد سلماوي وغيرهم، فمن يقول إن المناضلين أتعبهم النضال فاختاروا الركون إلى الراحة لأنهم اكتشفوا أن النضال بلا جدوى، ومن يرى أنه تم تخييرهم بين الانضمام إلى حظيرة السلطة أو البقاء في السجون، وربما السبب هو ذلك الذي أورده عيسى في كتابه، من أنهم "يتملكهم رعب السقوط إلى القاع الذي صعدوا منه، ورعب من السجون والفصل والتجميد، فيتطوعون لتبرير كل ما يفعله السادة".
في سنة 2010، أصدر صلاح عيسى كتاباً بعنوان "شخصيات لها العجب"، يمكن اعتباره نقيضاً مناسباً لكتابه "مثقفون وعسكر". الكتاب الأحدث كان أيضا تجميعاً لمقالات منشورة مثل الكتاب الأقدم، لكن تلك المقالات نشر أغلبها في صحيفة وزارة الثقافة التي كان عيسى يرأس تحريرها، وبالطبع كانت محددة بسقف النظام، وفيها يلتمس الكاتب الأعذار لكثير من الشخصيات التي صب عليها غضبه في سنوات حياته السابقة، وكأنه يعتذر عن تهوره في انتقاد المثقفين والكتاب في عهدي عبد الناصر والسادات، واتهامهم بنفاق السلطة وتشويه وعي المجتمع، ربما لأنه فعل مثلهم في عهد مبارك.
من أوضح ما كتبه عيسى في "شخصيات لها العجب"، والذي يمكن اعتباره نموذجا للتحول من النقيض إلى النقيض، ما كتبه عن الكاتب الراحل لطفي الخولي (1928 ـ 1999)، وعنه يقول: "تعلّم جيلنا الثورة والتمرد من الخولي، ومن جيله، لاحقاً، كنا ننظر إليهم بغضب، لأنّهم، في ما كنا نعتقد، كفّوا أن يكونوا ثواراً، وتخلّوا عن قضايا الأمة والوطن والشعب، واستناموا إلى المقاعد الوثيرة التي منحتها لهم السلطة في أحد الجوانب القصية من صالة المسرح. وكما يفعل الأبناء مع الأباء عادةً، اتخذنا منهم شواخص أولى لسخطنا. وكان سخطنا فواراً بمقدار حبنا لهم، وعنيفاً بقدر ما نظن أنّه خديعتنا فيهم. في ما بعد أيقنت أن تلك سنن الله في خلقه وفي كونه".




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

صلاح عيسى يكتب: حسن البنا... لا عنف ولا تزمت




الذين يضعون فأس اتجاهات التيارات الإسلامية في مصر والعالم العربي نحو التزمت ثم العنف في عنق الشيخ (حسن البنا) مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الذي غاب عن دنيانا في مثل هذه الأيام منذ خمسين عاما، يسيئون عن عمد قراءة وقائع التاريخ ويقحمونه في الصراع السياسي القائم الآن بينهم وبين التيار الإسلامي بمجمل فصائله. فلا يسيئون بوضعهم الجميع في سلة واحدة لوقائع التاريخ فحسب، ولكنهم وهذا هو الأخطر، يؤججون نيران العنف حيث يتوهمون أنهم سيقضون عليه ويقودون الأمة إلى صراع عبثي لا جدوى من ورائه، يتوهم خلاله كل تيار من تياراته الرئيسية في الحركة السياسية العربية أن بإستطاعته إستئصال الآخرين، وبذلك تطيش خطواتها نحو المستقبل في الألفية الثالثة كما طاشت في الألفية الثانية.

وما يتجاهله الذين يحملون (الشيخ حسن البنا) المسئولية عن نشأة تيار العنف هو أن تشكيل المنظمات شبه العسكرية كان موضة لدى كل التيارات السياسية في الثلاثينيات في إطار النتائج الإيجابية التي حققتها نظم الحكم في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية التي نجحت استنادا إلى عسكرة المجتمع في استعادة ما أضاعته الحرب العالمية الأولى من حقوق البلدين الوطنية وأن فرق الجوالة التي أنشأها (البنا) وعرفت بفرق القمصان الكاكية لم تكن الوحيدة في الساحة فقد كانت هناك فرق القمصان الخضراء التي شكلتها جماعة (مصر الفتاة) وكان من أعضائها (جمال عبدالناصر)! بل إن (الوفد) وهو الحزب الديمقراطي العتيد قد شكل هو الآخر فرق القمصان الزرقاء وكل الشواهد التاريخية تؤكد أن (جوالة الإخوان) كانت أكثر هذه الفرق انضباطا سواءا من الناحية الأخلاقية أو من ناحية الإلتزام بالقانون.

ومما يتجاهلونه كذلك أن الإخوان المسلمين لم يكونوا هم الذين بدأوا باستخدام الرصاص في الحوار السياسي مع القوى السياسية المحلية، فقد كان أول استخدام له في هذا الإتجاه عام 1922، وقبل ست سنوات من تشكيلهم، عندما اغتال مجهولون يشك في أنهم من المتعاطفين مع (الوفد) اثنين من زعماء (الأحرار) الدستوريين إبان الصراع العنيف بين الطرفين. كما أن أحدا من الإخوان المسلمين لم يشارك في محاولات الإغتيال التي تعرض لها (إسماعيل صدقي) وأركان الأنقلاب الديكتاتوري الذي تزعمه طوال النصف الأول من الثلاثينيات وكان أحد أعضاء (مصر الفتاة) هو الذي حاول أغتيال مصطفى النحاس عام 1937.

ولم يكن العنف ضد الإحتلال البريطاني في الأربعينيات قاصرا على الإخوان فباستثناء الشيوعيين الذين لا يؤمنون- من حيث المبدأ- بالعنف الفردي فقد كان اللجوء للعنف لإجبار المحتلين على الجلاء، أو على الأقل تنفيذ معاهدة 1936 والرحيل عن المدن الكبرى إلى قاعدة قناة السويس، يكاد يكون توجها عاما بين التيارات السياسية الجديدة- كالحزب الوطني الجديد ومصر الفتاة- فضلا عن كثير من المنظمات السرية الشبابية التي استلهمت تجارب المقاومة السرية ضد الإحتلال النازي لدول أوروبا وخاصة فرنسا، بل إن هذه الموجة قد شملت كذلك قواعد شبابية تنتمي إلى الأحزاب التقليدية ومنها (الوفد).

ولم يكن الإخوان وحدهم الذين غيروا في النصف الثاني من الأربيعينات اتجاه رصاصهم من صدور جيش الإحتلال إلى صدور المصريين، فالذي قتل (أحمد ماهر)- أول ضحية تسقط نتيجة لهذا التغيير- لم يكن إخوانيا بل كان من المنتمين لشباب الحزب الوطني، ولم يكونوا أصحاب نظرية هذا التوجه لأن صاحبها هو ضابط الجيش المفصول آنذاك (أنور السادات) الذي تعرف إلى مجموعة من الشبان يتزعمهم (حسين توفيق) كانوا يقومون بعمليات مقاومة سرية ضد ضباط وجنود ومؤسسات جيش الإحتلال ويمكنون له إنطلاقا من تصور يرى أن تطهير البلاد من عملاء الإحتلال وجواسيسه هو المقدمة الأولى للإنتصار عليه. وهو التيار الذي تواءم مع سعي القصر الملكي للثأر من خصومه من الوفديين وأسفر عن اغتيال (أمين عثمان) وعن محاولتين لاغتيال (مصطفى النحاس) زعيم الوفد.

وليس (حسن البنا) هو الذي أسس تيار التزمت في الفكر الإسلامي، إذ الحقيقة أن هذا التيار قد تأسس ضده ونشأ تمردا على قيادته وكان أول انشقاق عن جماعته اسفر عام 1937 عن تشكيل (جماعة شباب محمد) التي اتهمته بالقعود عن الإجتهاد وبالإكتفاء بمساندة ثوار فلسطين- الذين يجاهدون ضد الصهيونية- بالكلمات وليس بالقتال الفعلي وبمهادنة القوى التي تماطل في تطبيق الشريعة وبالتواطؤ مع الذين لا يحكمون بما أنزل الله وطالبته بالتخلي عن قيادة الدعوة أو اتخاذ موقف جهادي واضح يجابه الحكومة بأنها كافرة ويقاوم المنكر في المجتمع بالعنف, وكانت مصر الفتاة في سياق التنافس مع الإخوان هي التي ارتادت على الصعيد الحركي طريق مقاومة المنكر باليد حين قام انصارها عام 1939 بالهجوم على الحانات لتحطيمها والأعتداء على روادها وفي المرتين قاوم (البنا) هذا الإتجاه وأعلن انه خروج عن القوانين مهما كان رأيه في درجة إسلاميتها.

والذين يضعون فأس المسئولية عن العنف الديني الذي تفشى منذ ذلك الحين في أنحاء مختلفة من المنطقة العربية في رقبة (حسن البنا) يتجاهلون أن المسئول الأول عن ذلك هم الذين شجعوا بل تآمروا على إقامة دولة دينية في المنطقة عن طريق العنف، والذين سعوا إلى ذلك عن طريق هجرة استيطانية تحولت إلى أحزاب سياسية صهيونية علنية لكل منها جناح عسكري سري تتعاون جميعها في ممارسة العنف ضد أصحاب البلاد الأصليين من المسلمين والميسحيين لكي تطردهم منها وتحل محلهم.

وكان هذا التحدي الذي استجاب له (البنا) فاتبع نفس الطريقة ولكن لهدف مضاد وشرع- بمشورة المجاهدين الفلسطينيين- في تشكيل الجهاز الخاص للاخوان المسلمين ليكون بمثابة جناح عسكري للجماعة يجند طاقات الشبان الأكثر حماسا واستعدادا للتضحية من خلال دراسات فقهية حول نظرية الجهاد في الفقه الإسلامي وبرامج للتدريب العسكري للأسلحة والمتفجرات لكي يكونوا مؤهلين لمواجهة الغزو الصهيوني والاحتلال الاجنبي لبلاد المسلمين.
وبصرف النظر عن مدى صواب ذلك أو عدم صوابه فإن المسئول عن نشؤ العنف الديني في المنطقة ليس صاحب (رد الفعل) ولكنه صاحب (الفعل) الذي يملأ الدنيا الآن في بلاد الغرب صؤاخا ضد هذا النوع من العنف.

والشواهد التاريخية تؤكد أن معظم عمليات العنف التي قام بها الجهاز الخاص أو تلك التي قام بها قسم الوحدات الذي يضم ضباط الجيش وجنوده وضباط الشرطة من الإخوان ظلت في إطار الهدف الذي أنشئ من أجله الجهازان، وفي السياق نفسه لعمليات مشابهة قام بها أعضاء من فرق سياسية أخرى سواء بصفتهم الحزبية أو الشخصية إذ توجهت في الأساس تجاه جنود ومؤسسات جيش الإحتلال ثم بعد ذلك وحين تعقد الوضع بين الفلسطينيين و الصهاينة- في أعقاب صدور قرار التقسيم- توجهت ضد الممتلكات اليهودية ومع أن تحفظا قد يرد على عمليات من نوع نسف حارة اليهود أو محلات مثل (شيكوريل) و(أوركو) فإن الفظائع التي كان يرتكبها الصهاينة ضد الفلسطينيين تجعل وقوعها أمرا واردا وفضلا عن ذلك فقد تطوع عدد كبير من أعضاء القسمين ضمن أفواج المتطوعين العرب التي دخلت أرض فلسطين قبل أن تدخلها الجيوش العربية رسميا في 15 مايو 1948.

لكن الجهاز الخاص الذي كان قسما ذا استقلال شبه ذاتي له قيادته التنفيذية و تشكيلاته الخاصة ولوائحه المستقلة ولا يربطه عمليا بالجماعة سوى مجلس من المستشارين ورئاسة (حسن البنا) ما لبث بعد أن أتسعت عضويته وتعاظم نفوذه أن بدأ ينحو نحو مزيد من الإستقلال ونشأ لدى بعض قيادته وخاصة (عبدالرحمن السندي) نزوع للإنفراد باتخاذ القرار تذرعا بأن ضرورات التنفيذ تبيح محظور عدم استشارة المرشد العام!

ومن الإنصاف للرجل أن نقول بأن عمليات العنف التي قام بها الجهاز الخاص ضد مصريين في حياته لا تتجاوز ثلاثة هي قتل القاضي (أحمد الخازندار) بسبب أحكام قاسية أصدرها بحق بعض الذين قاموا بأعمال عنف ضد قوات الإحتلال- من أعضاء الجهاز ومن غيرهم- واغتيال رئيس الحكومة (محمود فهمي النقراشي) ردا على قراره بحل جماعة الإخوان ومصادرة ممتلكاتها وإعتقال قادتها وأخيرا محاولة نسف محكمة الإستئناف لإحراق الأوراق السرية للجهاز الخاص التي كانت قد ضبطت في سيارة جيب لتدمير أدلة الإتهام ضد قياداته وتأمين من لم يقع في أيدي الشرطة من أعضائه.

ولم يكن (البنا) طرفا في هذه العمليات الثلاث, فقد نفذت أولاها دون علمه و غضب غضبا شديدا لوقوعها ونفذت الثانية والثالثة بعد حل الجماعة وتفكك روابطها التنظيمية بسبب إعتقال قادتها ومطاردة الآخرين ووضعه هو نفسه تحت الرقابة بوليسية صارمة حالت بين الذين خططوا لهما وبين عرض الأمر عليه وحالت بينه وبين الإعتراض على التنفيذ بل إنه أعتبر الرصاصات التي وجهت (للنقراشي) قد أصابته هو نفسه ونظر إلى محاولة نسف محكمة الإستئناف باعتبارها تحديا له إذ كان يجري مباحثات سياسية لكي يلغي قرار الحل أبدى خلالها مرونة سياسية وصلت إلى حد أبدى فيه استعداده لأن يقصر نشاطها على الجانب الديني وحده ويتوقف عن التدخل في الشؤون السياسية.

ولم يكن استقلال الجهاز السري للإخوان برؤاه وعملياته بعيدا عن القوانين العامة لهذا النوع من الأجهزة بل يكاد يكون تكرارا لتجربة الجهاز السري لثورة 1919 الذي نشأ للقيام بعمليات عنف محسوبة ضد الإحتلال ومع أن الثورة قد حققت أهدافها فأعلن الإستقلال ثم الدستور وتولى زعيمها سعد زغلول رئاسة الوزارة فقد قامت مجموعة منه بإغتيال القائد البريطاني للجيش المصري وحاكم السودان العام فكانت النتيجة استقالة وزارة سعد وسحب الجيش المصري من السودان و تعطيل الدستور.

والحقيقة أن انشغال (البنا) بالحشد والتحريك والتنظيم على حساب ما كان محتما ألا يتأخر في القيام به وهو صياغة فقه إسلامي يستجيب لحاجات العصر وخاصة فيما يتعلق بالمسألة السياسية لم يؤد فقط إلى المخاوف التي أشاعها هذا الحشد في نفوس بقية الفرقاء على الساحة الإجتماعية والسياسية والمحلية والدولية ولم يسفر عن تعدد الرؤى داخل جماعته، بل وانعكس كذلك داخل الجهاز الخاص الذي قام بالعمليات الثلاث استنادا إلى اجتهاد خاص ببعض أعضائه لم ينظر إلى الإخوان المسلمين كما كان (البنا) ينظر إليها باعتبارها (جماعة من المسلمين) يجوز الخلاف معها بل نظر إليها باعتبارها جماعة المسلمين التي يتوجب حمل السلاح في وجه من يختلف معها.

ومن سوء الحظ التاريخي أن الذين توجهت إليهم رصاصات الجهاز الخاص للإخوان- إستنادا إلى هذا الفهم الخاطئ- لم يميزوا بين الرجل وبين الذين أساؤوا فهم أفكاره ووضعوها في سلة واحدة فاغتالوه! وفي ظنهم أنهم يقضون على العنف فإذا بهم يشعلونه في الأرض إذ أن المؤكد أنه لولا غياب حسن البنا لتغير وجه النصف الثاني من القرن العشرين عما صار إليه ولاختلف استقبالنا للألفية الثالثة عما نحن فيه.



نشر المقال عام 1999 في جريدة الشرق القطرية




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الجمعة، 22 ديسمبر 2017

عرب من المريخ





 لا تنتهي الأزمات العربية تقريباً، يكاد لا يمر شهر دون أزمة جديدة، وأحياناً عدد من الأزمات خلال الشهر الواحد، ومع تكرار الأزمات يتكرر اكتشاف حجم البؤس الكامن في عقول العرب الناتج عن التعرض لقرون من سيطرة الرجعية والاحتلال والاستبداد والقمع. يبدو بعضهم غير قادر على تصديق حجم الانحياز الأميركي لصالح إسرائيل ضد العرب، وكأنهم كانوا يعيشون في المريخ بلا أي اتصال مع الأرض خلال الخمسين سنة الماضية، ويبدي بعضهم استنكاره مما يفعله ترامب في ملف القدس وفي غيره من الملفات العربية والإسلامية، بينما الواقع أنه يفعل بوضوح وفي العلن ما كان يفعله سابقوه بطرق ملتوية أو في السر. بعضهم مندهش من "فيتو" الولايات المتحدة الأخير في مجلس الأمن ضد قرار حول القدس، بينما الأرقام تؤكد أنه من أصل 80 مرة استخدمت فيها واشنطن حق النقض في مجلس الأمن، كان 42 منها لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي، و31 منها ضد قرارات تخدم الشعب الفلسطيني. ووسط الهرولة العربية إلى التطبيع مع إسرائيل، تطالعنا أبواق الأنظمة بخطاب زائف يحاول تصوير إسرائيل باعتبارها واحة الحرية والديمقراطية، متجاهلين كل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال يومياً في حق الفلسطينيين، وخصوصاً ضد الأطفال والنساء، كما يتجاهلون العشرات من فتاوى الحاخامات الصهاينة التي تعتبر المجاملات والتواصل مع العرب حراماً شرعاً، وتحظر تناول الطعام والشراب مع غير اليهود، أو تلك التي تبيح قتل العرب. في أزمة القدس الأخيرة، تحول البعض إلى أبواق سلطوية، يرفع راية حاكمه ويزعم أن له أفضالاً على أهل فلسطين وعلى القدس المحتلة، مقارنة بالحكام الآخرين، بينما الواقع أن حكام العرب طيلة القرن الأخير يتحملون قدراً كبيراً مما آلت إليه الأوضاع في فلسطين. بين وقائع البؤس العربي، أن بعضهم يحتفي بمواقف الطغاة الزائلين أمثال جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وصدام حسين ومعمر القذافي وزين العابدين بن علي وحسني مبارك، وحتى علي عبد الله صالح، ويرى أن مواقفهم كانت أفضل من مواقف الحكام الحاليين، رغم أن ما قدم إليه الطغاة السابقون أفضى إلى ما يفعله الطغاة الحاليون. عندما أصدر ترامب قراره، سكت كل حكام العرب عن انتقاد الرئيس الأميركي، حتى من انتقدوا القرار لم يأت أيهم على ذكر صاحبه. لما قصفت جماعة الحوثي اليمنية العاصمة السعودية الرياض بصاروخ باليستي تعالت الأصوات المنددة بجرائم الحوثيين، بينما التحالف الذي تقوده السعودية يقصف العاصمة اليمنية صنعاء يومياً، ويقتل الأطفال والنساء، ولا نسمع أحداً يندد أو يشجب عربياً.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الأربعاء، 20 ديسمبر 2017

تفاصيل استحواذ المخابرات العامة على "إعلام المصريين"




حصل «مدى مصر» اليوم، اﻷربعاء، على تفاصيل بشأن صفقة استحواذ شركة «إيجل كابيتال» على حصة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة في مجموعة «إعلام المصريين»، المالكة لشبكة قنوات «أون تي في» وعدد كبير من شركات الإعلام المصرية.
وفيما لم يعلن طرفا الصفقة أية معلومات بشأن عملية الاستحواذ أو بشأن شركة «إيجل»، غير المعروفة في سوق الأعمال المصرية من قبل، كشفت ثمانية مصادر منفصلة على اطلاع مباشر على جوانب مختلفة من الصفقة لـ «مدى مصر» عن خلفيات العملية التي أعلن عنها مساء أمس في بيان صادر عن إيجل. ووافق أغلب المصادر الثمانية على الحديث بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.
علم «مدى مصر» أن «إيجل كابيتال للاستثمارات المالية ش.م.م» التي ترأسها داليا خورشيد -وزيرة الاستثمار السابقة- هي صندوق استثمار مباشر مملوك لجهاز المخابرات العامة المصرية، جرى تأسيسه مؤخرًا ليتولى إدارة جميع الاستثمارات المدنية للجهاز في عدد كبير من الشركات المملوكة للمخابرات جزئيًا أو كليًا، وذلك وفقًا لمصادر تعامل بعضها مباشرة مع الشركة الجديدة والتقى أحدهم مع خورشيد شخصيًا بمقر الشركة في منطقة التجمع الخامس.
ووفقًا لمسؤول تنفيذي سابق رفيع المستوى بمجموعة شركات أبو هشيمة، فإن حصة الأخير من «إعلام المصريين» لم تتجاوز أبدًا عددًا محدودًا من الأسهم، حيث أن دوره كرئيس لمجلس إدارة الشركة انحصر بالأساس في تمثيلها كواجهة إعلامية، وتوقيع التعاقدات باسمها؛ فيما كانت الحصة الحاكمة من الشركة مملوكة بالفعل لجهاز المخابرات العامة، الذي أصبح بموجب صفقة الأمس يمتلك كافة أسهم مجموعة إعلام المصريين، وهي شركة قابضة تملك بدورها، إلى جانب شبكة «أون تي في»، ستة من الصحف والمواقع الإخبارية، أكبرها موقع وجريدة «اليوم السابع»، وشركتين للإنتاج الدرامي والسينمائي، وسبعة من شركات الخدمات الإعلامية والإعلانية، وشركة للأمن والحراسة، بحسب موقع المجموعة.
وفي اتصال هاتفي مع «مدى مصر» صباح اليوم، أكدت المحامية منى ذو الفقار أن مكتبها (ذو الفقار وشركاها) هو من تولى إتمام صفقة الاستحواذ على إعلام المصريين كوكيل قانوني عن شركة إيجل كابيتال. ورفضت ذو الفقار الإفصاح عن أية تفاصيل بشأن الصفقة -بسبب التزامها كمحامية بحماية أسرار العميل- واكتفت بالقول إن مكتبها «يتولى صفقات استحواذ واندماج في البلد كلها طوال الوقت، فلماذا كل هذه الضجة على صفقة إعلام المصريين؟»، وأضافت أن شركة إيجل ستنظم مؤتمرًا صحفيًا «قريبًا» للإعلان عن تفاصيل صفقة الاستحواذ.
على جانب آخر علم «مدى مصر» أن ممثل أبو هشيمة، بصفته رئيس مجموعة «إعلام المصريين»، في صفقة الاستحواذ كان الدكتور محمد سمير عبد الصمد، أستاذ القانون وصاحب مكتب سمير للمحاماة، وهو ما أكده أحمد الألفي، المدير المالي والإداري لمكتب سمير في اتصال هاتفي اليوم.
ووفقاً لوثيقة رسمية حصل «مدى مصر» على نسختها الأصلية من مصدر اشترط عدم الكشف عن هويته، فإن «إعلام المصريين للدعاية والإنتاج» قد تم قيدها بتاريخ 2 يونيو 2013، بسجل تجاري رقم 66705 بالهيئة العامة للاستثمار.
مصدر آخر اطلع على تفاصيل صفقة الاستحواذ أكد أن أبو هشيمة خرج من إعلام المصريين ضد إرادته، بعد أن توصلت داليا خورشيد إلى قناعة بأن قراراته الإدارية والمالية قد كبدت المجموعة خسائر مالية ضخمة لن يمكن معالجتها إلا بخروجه تمامًا من المشهد، دون أن يحتفظ حتى بأحد مقاعد مجلس الإدارة.
من جانبه، اكتفى أبو هشيمة بالإعراب رسميًا عن «امتنانه لفريق العمل وجهوده المبذولة لبناء وتنمية شركة إعلام المصريين وترسيخ ريادتها بين أبرز المؤسسات الإعلامية فى مصر، وإنه واثق أن شركة إعلام المصريين والشركات التابعة لها وفريق العمل سوف يستمرون فى الأداء المتميز والريادة تحت مظلة إيجل كابيتال». وأعلنت خورشيد أمس عن تعيين المهندس أسامة الشيخ رئيسًا للمجموعة بدلًا من أبو هشيمة. وكان الشيخ قد تولى من قبل رئاسة عدة مؤسسات إعلامية من بينها اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري ومجموعة قنوات دريم.
برز اسم أبو هشيمة في عام 2009 مع نمو استثماراته في مجال الحديد والصلب، ولكن دوره السياسي بدأ بعد ثورة 25 يناير 2011، حين اشترى جريدة «اليوم السابع» وعُرف بقربه من جماعة الإخوان المسلمين. وفي أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي أصبح أبو هشيمة من أشد داعمي الرئيس عبد الفتاح السيسي وأبرز ممولي حزب «مستقبل وطن» المؤيد للنظام، فضلًا عن تبرعاته المتتالية لصندوق «تحيا مصر» التابع للدولة. ومنذ 2016 توسع أبو هشيمة في شراء وسائل الإعلام باسم «إعلام المصريين».
كانت صحيفة الأخبار اللبنانية قد تنبأت بصفقة وشيكة بين خورشيد وإعلام المصريين في تقرير نشرته الشهر الماضي تحت عنوان «أبو هشيمة خارج المشهد الإعلامي قريباً؟».
ولم تستجب السيدة خورشيد لعدة مكالمات ورسائل من «مدى مصر» طوال اليوم للتعليق على محتويات هذا التقرير.
وتعد صفقة الاستحواذ على «إعلام المصريين» أولى التحركات العلنية لداليا خورشيد، التي كانت قد اختفت عن الأضواء بشكل شبه كامل منذ خروجها من وزارة الاستثمار في فبراير من العام الجاري، ثم إعلان زواجها في الشهر التالي من طارق عامر، المحافظ الحالي للبنك المركزي.
وفي صفقة مشابهة لم يعلن عنها من قبل، كشف مصدر مطلع داخل شبكة قنوات «سي بي سي» عن أن أسهم المخابرات العامة في الشبكة قد جرى خلال شهر ديسمبر الجاري نقلها في سرية إلى مجموعة إعلام المصريين، وبذلك أصبحت «إيجل كابيتال» منذ الأمس تمتلك أيضًا حصة تقترب من النصف من سي بي سي، التي لا تزال الحصة الحاكمة فيها -حتى وقت كتابة هذه السطور- مملوكة لرجل الأعمال محمد الأمين وأسرته.
وكانت شركة «المتحدة للطباعة والنشر وتكنولوجيا المعلومات»، المملوكة للمخابرات العامة، قد أعلنت في أكتوبر من العام الماضي عن استحواذها على حصة من تحالف شبكتي سي بي سي والنهار، وهو الاندماج الذي أعلن فشله في أبريل الماضي لتخرج شبكة النهار وتبقى الشراكة بين كل من شركة المتحدة (المخابرات العامة) ومحمد الأمين عبر شركته «فيوتشر».
ونفى المسؤول من شبكة سي بي سي أن تكون هناك نية لدمج شبكتي أون تي في وسي بي سي، مؤكدًا أن المتفق عليه حتى الآن هو أن تبقى الشبكتان منفصلتين مع تعاونهما الحتمي نظرًا لتبعيتهما الآن لشركة واحدة هي إيجل كابيتال.
الناشر الصحفي هشام قاسم، العضو المنتدب الأسبق لصحيفة «المصري اليوم» أكد من جانبه أنه سمع مباشرة من ملاك لصحف وقنوات تلفزيونية أخرى أن خورشيد تواصلت معهم على مدار الأسابيع الماضية للتفاوض بشأن مشاركة جهاز المخابرات العامة في شركاتهم أو شرائها بالكامل.
ويرى قاسم أن الأجهزة الأمنية تعمل في مجال الإعلام الآن بغرض واحد هو التحكم الكامل في الرسائل الإعلامية عبر شرائها من المنبع وعدم الاكتفاء بتعاون ملاك وسائل الإعلام أو الضغط عليهم: «ليست هناك أي خطط للربح أو حتى تفكير في قابلية هذه الوسائل الإعلامية للربح، وإنما هو مجرد تدافع لشرائها استجابة لتكليف معلن من رئيس الجمهورية بالوصول إلى مستوى الاصطفاف الإعلامي الكامل وراء القائد كما كان الحال في عهد [جمال] عبد الناصر». وقال قاسم إن الصفقات الإعلامية المتتالية للأجهزة الاستخباراتية تثير غضبًا شديدًا في أوساط صناعة الإعلام، أولًا بسبب ضخامة المبالغ المهدرة في هذه الصفقات، وثانيًا «لأن عددًا كبيرًا من العاملين في قطاع الإعلام يجلسون في منازلهم الآن دون عمل إما لأنهم يرفضون العمل لصالح أجهزة أمنية أو لأن تلك الأجهزة لا تقبل العمل معهم»، بحسب قوله.
أما بشأن مستقبل أبو هشيمة، فقد توقع المسؤول السابق بمجموعة شركاته أن تقوم داليا خورشيد، رئيسة «إيجل كابيتال»، في خطوتها التالية بشراء أسهمه في «حديد المصريين» بالكامل، تمهيدًا لإخراجه منها كما حدث مع «إعلام المصريين»؛ على أن تتفاوض خورشيد بعدها مع رجل الأعمال القطري محمد بن سحيم آل ثاني على شراء حصته من الشركة، والتي قدرها المسئول السابق بحوالي 70 في المائة من أسهم حديد المصريين حاليًا.
مسؤول حكومي سابق، شغل منصبًا اقتصاديًا رفيعًا، قال لـ «مدى مصر» إن مجتمع الأعمال بدوره يشعر بقلق متزايد من توسع أجهزة الدولة المعروفة بـ «السيادية» في الدخول في أنشطة اقتصادية مدنية ليست لها طبيعة أمنية أو استراتيجية، متسائلاً: «ما هو منطق الدولة في الدخول في هذه الأنشطة؟ وهل ستتمتع هذه الشركة الجديدة [إيجل كابيتال] بالشفافية المطلوبة في شركة اقتصادية مدنية من هذا النوع؟». وحذر المسؤول مما أسماه «تشويهًا متعمدًا للسوق» بسبب الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بين المستثمرين، حيث تحصل الشركات التابعة للأجهزة «السيادية» على معاملات تفضيلية من الدولة وكذلك من المستثمرين الراغبين في التقرب من الدولة.
كانت منظمة «مراسلون بلا حدود»، ومقرها باريس، قد أبدت في سبتمبر الماضي قلقها من سيطرة أجهزة المخابرات على عدد من المؤسسات الإعلامية المصرية، وذلك في تقرير بعنوان «مصر: حينما تبسط المخابرات سيطرتها على الإعلام، قالت فيه إن «رجال المخابرات أقرب إلى وسائل الإعلام من أي وقت مضى».






يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الجمعة، 15 ديسمبر 2017

انتفاضة من جديد


 أغلب الأخبار عن فلسطين حزينة طيلة العقود السبعة الماضية، ربما يظل الخبر المبهج الوحيد هو اندلاع انتفاضة، انتفاضات فلسطين عادة بعيدة عن مزالق الحزبية والتبعية، فلا فتح ولا حماس، وإنما شبان وفتيات فلسطينيون. خاض الفلسطينيون انتفاضات سابقة ضد الاحتلال الإسرائيلي، تفاعل معها المحكومون العرب قبل الحكام دائماً، وانحصر تفاعل الحكام عادة في الشجب والتنديد. لا تجد الانتفاضة الجديدة الرافضة لاعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال نفس الصدى العربي السابق، حتى الآن، وإن كانت بعض التظاهرات المتناثرة في عدد من الدول العربية تعتبر موقفاً قوياً. لم تخرج أفواج الشعوب الهادرة المعتادة، إلا في الأردن الذي يضم ملايين الفلسطينيين. ربما يبرّر البعض الأمر بالكوارث المتلاحقة التي ضربت البلدان التي كانت تنتفض سابقاً، أو بالقهر والقمع القائم في كثير من بلدان العرب. كانت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، محقة تماماً في تصريحها الذي قالت فيه إن بعض المعارضين والمشككين في بلادها كانوا يخشون من غضب عربي مدمر في حال إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، مضيفة أن الأيام مرت ولم ينتج عن الغضب العربي أي موقف أو قرار.
بدأت علاقتي بالقمم العربية والإسلامية في سن العاشرة. من القمة العربية سنة 1987 في العاصمة الأردنية. تقرر في البيان الختامي للقمة استرجاع كافة الأراضي العربية المحتلة والقدس الشريف كأساس للسلام، وبناء القوة الذاتية للعرب، وإدانة الإرهاب الدولي. 
على مدار الثلاثين سنة الماضية، واصلت متابعة القمم العربية والإسلامية. وكانت كلها تقريباً متشابهة في بيانات التنديد والشجب والكلام الفارغ من أية أفعال. وآخرها القمة الإسلامية التي انعقدت الأربعاء في تركيا، والتي لم تخرج بأية قرارات تحمي القدس من التغول الإسرائيلي، أو توقف الانحياز الأميركي للكيان الصهيوني، أو تلجم الهرولة العربية والإسلامية نحو التطبيع مع الاحتلال.
يظن البعض أن تحرير القدس سيكون بداية للتحرر العربي، بينما الواقع أن التحرر العربي بات شرطاً لتحرير القدس، وطالما ظل الحكام العرب منفصلين عن تطلعات ورغبات شعوبهم، أو يعملون وفق أجندات مفروضة من الخارج الذي يحمي بقاء حكمهم، فلا أمل في التحرر.
المنطقي ألا تتوقف الانتفاضة عند الغضب من المحتل، وأن تمتد إلى إعلان الغضب من الخنوع العربي المتواصل الذي يشجع ترامب ونتنياهو وبوتين وغيرهم على التدخل في شؤون العرب ليل نهار.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الجمعة، 8 ديسمبر 2017

نكبات فلسطين





 تصف الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان (1917 - 2003) أحوال القدس المحتلة بعد نكبة 1948 قائلة: "الأسى يهطل. ليل القدس صمت وقتام. حظروا التجوال. لاتطرق في قلب المدينة غير دقاتِ النّعال الدموية. تحتها تنكمش القدس كعذراء سبية".
 وفي مقابل رثاء طوقان، كتب الراحل محمود درويش (1941- 2008) متحدياً في "أيها المارون بين الكلمات العابرة"، ".. لنا في أرضنا ما نعمل. ولنا الماضي هنا. ولنا صوت الحياة الأول. ولنا الحاضر والمستقبل. ولنا الدنيا هنا والآخرة. فاخرجوا من أرضنا. من برنا. من بحرنا. من قمحنا. من ملحنا. من جرحنا. من كل شيء. واخرجوا من ذكريات الذاكرة".
 
في يونيو 1967، هزمت إسرائيل مجدداً الجيوش العربية واحتلت مساحات واسعة من الأراضي في فلسطين ولبنان وسورية ومصر، بعضها لا تزال تتمسك بها حتى اليوم، واعتبر كثيرون ما اصطلح على تسميته "النكسة" نكبة ثانية.
في منتصف 1976 كتب الشاعر المصري الراحل أمل دنقل (1940-1983) قصيدته الشهيرة "لا تصالح. ولو منحوك الذهب. أترى حين أفقأ عينيك. ثم أثبت جوهرتين مكانهما. هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى".
 
بعدها بأكثر من عام، زار الرئيس المصري أنور السادات إسرائيل، فيما اعتبر أول اعتراف عربي بالكيان الصهيوني. روّجت أذرعه الإعلامية أن هدف الزيارة هو الضغط على رئيس وزراء الاحتلال مناحيم بيغين. لكن النتيجة جاءت عكسية، فأعلن بيغين أن إسرائيل لن تعود إلى حدود 1967، واعتبرت دول عربية الزيارة بداية نكبة جديدة.
بعد الزيارة استدعت الشعوب العربية قصيدة "لا تصالح"، وباتت، وحتى اليوم، أيقونة الرفض العربي للتطبيع، على الرغم من الأكاذيب المتكررة التي تتهم الفلسطينيين ببيع الأرض أو التخلي عن القضية، أو تلك التي تزعم أن السادات كان محقاً في فتح باب التنازل للعدو.
في سبتمبر 1993 وقع اتفاق أوسلو، في العاصمة الأميركية واشنطن، واعتبره كثيرون نكبة جديدة. 
كتب الراحل نزار قباني (1923- 1998) عن "المهرولون إلى أوسلو" قصيدته التي يقول فيها "بعد هذا الغزل السري في أوسلو. خرجنا عاقرين. وهبونا وطناً أصغر من حبة قمح. وطناً نبلعه من غير ماء. كحبوب الأسبرين. بعد خمسين سنة. نجلس الآن على الأرض الخراب. ما لنا مأوى كآلاف الكلاب. بعد خمسين سنة. ما وجدنا وطناً نسكنه. إلا السراب. ليس صلحاً. ذلك الصلح الذي أدخل كالخنجر فينا. إنه فعل اغتصاب".
 
قرر دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، فاستعاد كثيرون النكبة، لكننا لم نعد نعرف ترتيب النكبة الجديدة، فالنكبات كثيرة ومتتالية، وربما لن تنتهي.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

السبت، 2 ديسمبر 2017

مسارح العبث العربي



ظهر أدب العبث في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ربما كنوع من التمرّد على الفظائع التي عرفها العالم بسبب الحرب، وازدهر مسرح العبث في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي شهدت فظائع أكبر من سابقتها.
 يقول الكاتب والفيلسوف ألبير كامو (1913-1960): "لا أبغض العالم الذى أعيش فيه، ولكن أشعر أنني متضامن مع الذين يتعذبون فيه. إن مهمتي ليست أن أغيّر العالم، فأنا لم أعط من الفضائل ما يسمح لي ببلوغ هذه الغاية، ولكننى أحاول أن أدافع عن بعض القيم التى بدونها تصبح الحياة غير جديرة بأن نحياها، ويصبح الإنسان غير جدير بالاحترام".
لا يمكن بحال تجاهل أن العبث ينافس المنطق في الشأن العربي الراهن، ولا يتوقف العبث على الأحداث وحدها، وإنما يمتد إلى تعاطي غالبية المواطنين مع تلك الأحداث وكأنها تجري في كوكب بعيد عنهم، على الرغم من تأثيراتها المباشرة على كل تفاصيل حياتهم، وعلى مستقبل بلادهم وأبنائهم. الأزمة الخليجية القائمة تعد مرحلة متقدمة من العبث الذي يتجاوز كونها أزمة سياسية اعتمدت على مغالطة تجسد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتباره حاكم الكون الأوحد. والقضية الفلسطينية تستحق أن تكون جزءاً من مسرحية صامويل بيكيت (1906-1989) العبثية الشهيرة "في انتظار غودو"، وما يجري في اليمن جريمة عبثية يموت فيها الأطفال وتسرق الثروات بينما العالم كله لا يحرك ساكناً، والوضع نفسه تقريباً في ليبيا. بينما الأوضاع في سورية والعراق وصلت ذروة متفاقمة من العبثية، وكأنها جزء من رائعة ألبير كامو العبثية "أسطورة سيزيف". لا يملك أي عربي واع أن يتجاهل مقدار العبث في أزمة استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، مطلع الشهر الماضي، من العاصمة السعودية، وكل ما أثير عن احتجازه في الرياض، قبل أن يزورها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فيغادر الحريري إلى فرنسا، ثم يعود إلى بيروت ويتراجع عن استقالته مستخدماً مصطلح التريث. والعبث نفسه متكرر في تفاصيل إعلان رئيس الوزراء المصري الأسبق، أحمد شفيق، ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة من الإمارات، ثم حديثه اللاحق عن منعه من مغادرة أبوظبي، وكون ذلك تدخلاً يرفضه في الشأن المصري، وهو التدخل الذي لم يلفت نظره طيلة سنوات سابقة. يبدو أن العرب أعجبهم مسرح العبث، فقرروا تجسيد أعماله على أرض الواقع، فعلى غرار مسرحيات العبث، تتميز أغلب العلاقات العربية بأنها تتجاهل الزمان والمكان، وتعتمد على تبادل حوار غامض مبهم تعوزه الموضوعية، ويتحدث شخوصه طويلاً بلا منطق، ودون أن يتمكن من فهم الآخر، أو توصيل رسالته إلى الآخر.

يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الجمعة، 24 نوفمبر 2017

كوتا ونساء





 أول ما يتبادر إلى الذهن عندما تذكر لفظة "كوتا"، تلك القرارات التي تصدر في عدد كبير من البلاد التي يطلق عليها "الدول النامية"، لمنح النساء قدراً إضافياً من حقوقهن الضائعة، وخصوصاً في عضوية المؤسسات النيابية والبلدية، والتي يحرمن منها لأسباب معظمها ذكورية، يتم تبريرها في الأغلب بالعادات والتقاليد.
وبينما تعد "كوتا" النساء تلك محاولة بائسة لتجميل صورة الأنظمة، إلا أن البعض، وخصوصاً في بعض الدول العربية، يعتبرها إنجازاً، ويحتفي بإقرارها باعتبارها انتصاراً تاريخياً للنساء المحرومات من حقوقهن. لا يمكننا هنا أن نتجاهل أن النساء يحكمن بعض الدول، لكن هذا لا يعني بالضرورة حيازة نساء تلك الدول على كامل حقوقهن، الواقع أن بعض الحاكمات يظلمن النساء أكثر مما يفعل الحكام الرجال، وأحياناً تتعمّد بعضهن ذلك حتى لا تتهم بمحاباة بنات جنسها.
يعود أصل كلمة "كوتا" إلى اللغة اللاتينية، وهي متداولة في لغات عدة غير العربية، بينها الإنكليزية والفرنسية والتركية، وتعني منح حصة ما في مجال ما لمجموعة أو قومية أو جنس أو سنّ محددة، واستخدم اللفظ لتعريف تلك الممارسة لسنوات طويلة في مجالات كثيرة. وتكرر مصادر عدة أن الانتشار الأوسع لاستخدام لفظ "كوتا" في العصر الحديث انطلق من الولايات المتحدة، وتحديداً مطلع ستينيات القرن الماضي، عندما طبق الرئيس الأميركي جون كينيدي (1917- 1963)، الكوتا بقرار "الإجراء الإيجابي"، والذي كان يهدف إلى دعم الجماعات المحرومة في مواجهة السلطات وأصحاب العمل، وكان القرار نتيجة مباشرة لحركة الحقوق المدنية التي قادها عددٌ من زعماء الأقلية السوداء التي كانت محرومة من كثير من الحقوق قبل نحو نصف قرن مضى. في البداية أقر كينيدي نظام الحصص النسبية (كوتا) بشكل يلزم المؤسسات التعليمية بتخصيص أماكن للطلاب السود لارتياد المدارس التي كانت ترفضهم، وتقتصر على التلاميذ البيض. ولاحقاً فرض الرئيس ليندون جونسون (1908- 1973) كوتا لمنح الفقراء امتيازات معيشية، قبل أن تبدأ جماعات أخرى أبرزها الحركة النسائية استخدام الأمر لتحصيل حقوق مهدورة أو استكمال حقوق منقوصة، ثم انتشر المصطلح وتطبيقه في بلدان كثيرة تشعر فيها الأقليات والعرقيات بالظلم.
اقتربت نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومازالت الكوتا مستخدمة في دول كثيرة حول العالم، بعضها تتفاخر بأنها ديمقراطية، بينما هي تحرم مواطنيها من الأقليات والعرقيات أو النساء والشباب، الكثير من الحقوق الإنسانية الأساسية مثل حرية التعبير أو المشاركة السياسية أو تقرير المصير.

يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

دماء أطفال درعا


 قصة بداية الثورة في سورية غريبة بالنظر إلى مقدار غرابة الأوضاع الحالية، خاصة لو كنت ملماً بالوضع المخابراتي السوري السائد عند قيامها، والذي يتعارض بالكلية مع الثقافة والإبداع المتجذر في إحدى أبرز حواضر العرب على مدار التاريخ. الرائج أن الثورة تفجرت من مدينة درعا التي كانت تعد أحد معاقل النظام، وكان القائد الأمني فيها ابن خالة بشار الأسد. بدأت القصة يوم إعلان تنحي حسني مبارك عن حكم مصر، باتصال هاتفي بين طبيبة سورية شابة من درعا، وصديقتها، قالت فيه: "مبارك تنحى عقبال عندنا". لم تكد تمر ساعتان فقط إلا وكان عناصر الأمن في منزل الطبيبة للقبض عليها بعدما سجلوا جملتها العفوية عبر نظام المراقبة الذي يشمل كل مناحي الحياة السورية. في المعتقل تم تعذيب الطبيبة والتنكيل بها، وأجبرت على تقبيل الأرض أمام صورة لبشار. بعد يومين توجه وفد من وجهاء درعا إلى الأمن طلباً للإفراج عن الطبيبة. في مكتب المسؤول الأمني قوبل الوجهاء بصلف، وإن تم قبول طلبهم بالإفراج عن الطبيبة. في يوم تال، قررت مجموعة من الأطفال، لا يتجاوز عمر أكبرهم الرابعة عشر، الانتقام للطبيبة، فانتشروا في الشوارع والأزقة يكتبون على الحيطان "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل ارحل يا بشار". قام مخبرون بالإبلاغ عن أسماء الأطفال، فقبض عليهم من مدارسهم ومنازلهم، واقتيدوا إلى مكان مجهول خضعوا فيه للتعذيب. مجدداً، توجه وفد الوجهاء إلى الأمن طالبين الإفراج عن الأطفال. لكن الرد هذه المرة كان أكثر قسوة، حيث رفض المسؤول الأمني إطلاق سراح الأطفال، وسب الوجهاء وأسقط عمامة أكبرهم وداسها بحذائه، ليخرج الرجال غاضبين، وينتشر الخبر. بعد ساعات، احتشد بضع مئات المتظاهرين في الشوارع، يتقدمهم أهالي الأطفال المحتجزين، وكانت مطالبهم إطلاق سراح الأطفال والاعتذار عن الإساءة للوجهاء. أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين، فقتلت العشرات، فانتفضت درعا كلها في الشوارع. من درعا انتشرت مطالب الحرية في عموم البلاد، وصولاً إلى العاصمة دمشق، وفي المقابل فتكت قوات الأمن والجيش بالمئات ليسقط في الشهور الخمسة الأولى أكثر من ثلاثة آلاف قتيل. رغم هذه البداية العفوية للثورة، ورغم الإجرام غير المبرر في مواجهتها، ما زال بعضهم يكرر مقولات غبية منها، إنها كانت ممولة من الخارج، أو ليتها ما قامت. والنظر إلى مآلات الثورة لا يمكن معه تخيل قدرة النظام على وأدها بعد سنوات من محاولة إزالته التي كانت وشيكة لولا تدخل قوى إقليمية ودولية لإبقائه جالساً على كرسيه الملطخ بدماء السوريين.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الاثنين، 13 نوفمبر 2017

محطات في حياة شادية: صوت مصر ونجمة الشباك الأولى





يضم رصيد النجمة المصرية شادية الفني نحو 700 أغنية، و118 فيلما، أولها "أزهار وأشواك" إخراج محمد عبد الجواد من إنتاج 1947. في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، أطلق على شادية لقب "نجمة الشباك الأولى"، اعتمادا على إيرادات أفلامها التي كانت تحقق أرقاما قياسية في صالات السينما مقارنة بغيرها من نجمات ذلك العصر. 

قبل تلك الفترة كانت الإيرادات تعتمد في الأغلب على أسماء الأبطال الرجال وليس البطلات، أو على البطولات المشتركة، لكن شادية غيرت الواقع السينمائي لتصبح الممثلات في سنوات لاحقة نجمات شباك يزاحمن النجوم الرجال، وكثيرا ما كان نقاد السينما في تسعينيات القرن الماضي يربطن الصراع المحتدم بين النجمتين نبيلة عبيد ونادية الجندي بالفنانة المعتزلة وقتها شادية. 

ويروي الناقد هشام لاشين في كتابه "شادية"، الصادر عن مهرجان القاهرة السينمائي سنة 1994، أنها كانت بمثابة الجواد الرابح لأي عمل تشارك فيه لدرجة أن اعتبر البعض أن تأشيرة النجاح لابد أن تأتي عبر شادية، كما فعل المطرب والمخرج اللبناني محمد سلمان عندما جاء إلى مصر، وكان جواز مروره للشهرة فيلمه معها "قدم الخير"، كما تكرر الأمر مع كارم محمود في "معلهش يا زهر" و"لسانك حصانك". وعندما تحول الملحن منير مراد للطرب وأراد دخول السينما، انطلق فوراً ليطلب من شادية مشاركته بطولة فيلميه "أنا وحبيبي" و"نهارك سعيد". 

وقال لاشين في الكتاب إنه "لم يشذ عن هذه القاعدة أحد، حتى عبد الحليم حافظ بكل جماهيريته في الغناء وقتها، حيث كانت بطاقة تعارفه السينمائية الأولى فيلماً مع شادية هو "لحن الوفاء"، وعندما ظهر المطرب كمال حسني ضمن تأشيرة النجاح من خلال شادية بمشاركتها فيلم "ربيع الحب" عام 1956، ووصل الأمر بنجم لامع مثل كمال الشناوي أن قدم معها أكثر من 30 فيلماً ليكونا بذلك أشهر ثنائي عرفته السينما العربية على مدار تاريخها". 

والشائع أن الشيخ متولي الشعراوي هو الذي طلب منها ألا تذهب لحضور التكريم الذي أعده لها مهرجان القاهرة السينمائي، قائلا لها "لا تعكري الماء الصافي"، لكن نقل عن ابن شقيقها خالد طاهر شاكر أن هذا لم يحدث، لكنه لم ينف أن الشعراوي كان وراء اعتزالها. 

ولا يعرف كثير من جمهور شادية عن مشاركتها في بطولة فيلم مصري ياباني تم تصوير أغلب أحداثه في القاهرة، وعرض لأول مرة مطلع سنة 1963، وهو فيلم "على ضفاف النيل"، للمخرج الياباني كونا كاهيرا. لكن لم يعرف ما الذي جعل المهرجان القومي للسينما يقرر في 2013 عرض فيلم "على ضفاف النيل" في حفل افتتاحه، مع احتفاء واسع ببطلته شادية ومنتجه المخرج الراحل حلمي رفلة. 

نسخة العرض لم تكن عظيمة، لكن الانبهار بمشاهدة الفيلم لأول مرة كان كافيا للتجاوز عن كثير من المشكلات، ربما كانت المرة الأولى التي تمتلئ فيها قاعة عرض لفيلم افتتاح المهرجان المحلي. 




بطل الفيلم الرئيسي هو الممثل الياباني إيشيهارا يوجيرو، ومعه مواطنته إيزومي إيشكاوا، لكن الفيلم يضم عددا كبيرا من الفنانين المصريين، بينهم إلى جانب شادية، كمال الشناوي وحسن يوسف ومحمود المليجي وصلاح نظمي ومحمود عزمي وزين العشماوي، والفنان وجدي العربي الذي كان وقتها طفلا. 

قصة الفيلم تم تفصيلها لتكون صالحة للتصوير في القاهرة، وتدور حول شاب متعدد العلاقات الغرامية يقرر والده الثري إرساله في جولة حول العالم ليتخلص من مشكلاته، لكنه يقع ضحية مشكلات أكبر بعد أن تتبدل حقيبة ملابسه في مطار بيروت بحقيبة أخرى تضم وثائق لها علاقة بخطة للثورة في إيران، وهي الواقعة التي تصل به إلى العاصمة المصرية التي يتعرف فيها على مطربة في أحد الملاهي الليلية تكشف له عن تفاصيل الأزمة التي أصبح طرفا فيها دون قصد، وتساعده على الخروج منها سالما. 

النسخة الوحيدة المتاحة لفيلم "على ضفاف النيل" على "يوتيوب" سيئة، وهي ناطقة باللغة اليابانية، والفنانون المصريون كانوا يتكلمون العربية، إلا أن أصواتهم تم دبلجتها إلى اليابانية، لكنها توفر مصدرا لمشاهدة الفيلم الذي لم يأخذ حقه من الشهرة، والذي يخلط كثيرون بينه وبين الفيلم الإنكليزي "جريمة على ضفاف النيل" من إخراج جون غويلرمن. 

في 1963، دخلت شادية في قطيعة طويلة مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهّاب، بسبب تصديها لحذف أغنية "بسبوسة" التي لحنها لفيلمها "زقاق المدق" لصالح أغنية "نو يا جوني نو" من ألحان محمد الموجي، بعد أن قرر المخرج حسن الإمام الاستغناء عن واحدة من الأغنيتين. كان رأي شادية أن حذف "بسبوسة" لا يضر بسياق الدراما بعكس الأغنية الثانية التي ترمز إلى سقوط البطلة في الخطيئة مع رواد الملهى الليلي من الجنود الإنكليز. 




لكن القصة الأكثر غموضا في مسيرة شادية تتعلق بقرارها الاعتزال وهي في أوج شهرتها، وبينما كانت بمسرحيتها الوحيدة "ريا وسكينة" تحقق إيرادات تفوق كل منافسيها، بمن فيهم نجم المرحلة عادل إمام، وهو الاعتزال الذي يربطه كثيرون بأغنية "خد بإيدي"، رغم أنها قدمت قبلها عددا من الأغنيات الدينية. 

في كتاب الصحافي سامي كمال الدين "سيرة شادية معبودة الجماهير"، تفاصيل عن قرار الاعتزال، والذي اتخذته عام 1986 بعد أزمة صحية قاسية، ومنه أن شادية "أعلنت أنها ستغني أغنية وطنية تقول كلماتها (علَّمينا يا مصر نسبَّح، لما عيونا تبص وتسرح، ونشوف صنعة رب القدرة في سماكي الزرقا ونخيلك، في النسمة الرايقة وفي نيلك) وكان عمر خيرت هو الذي سيلحن لها الأغنية". 

وسرد الكتاب تفاصيل عدد من أغنياتها الدينية: "أول أغنية دينية لشادية (قل ادعو الله) من تأليف زكي باشا الطويل، وتلحين ابنه الموسيقار كمال الطويل عام 1956 في فيلم (اشهدوا يا ناس) إخراج حسن الصيفي، وغنت عام 1971 (اللـهم اقبل دعايا) في المسلسل الإذاعى (نحن لا نزرع الشوك) لعبد الوهاب محمد وبليغ حمدي وإخراج محمد علوان" . 

وفي لقاء أجراه الصحافي المصري محمد تبارك مع الشيخ الراحل الشعراوي عن شادية، قال الشيخ الراحل إنه التقى بها أمام مصعد إحدى البنايات ولم يعرفها، فقالت له: أنا شادية، فرحب بها. فسأله الصحافي إنها اعتزلت الغناء بعد هذا اللقاء، فقال الشعراوي: "هذا يدل على أنها وجدت ارتقاء أسمى مما كانت فيه، وأن هناك نشوة ثانية أفضل من النشوة التي كانت تعيشها من قبل". 





يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

السبت، 11 نوفمبر 2017

حكاية شاب سلفي




 كنت عائداً من عملي، مساء أحد أيام النصف الثاني من شهر أغسطس/آب 2013، فاستوقفني في الشارع. هو عشريني طويل اللحية يعرف نفسه بأنه "السلفي". يملك ويدير متجراً صغيراً في الحي الذي أعيش فيه. كان زائع العينين. قال لي إنه نجا للتو من موت محقق في اعتداء على مسيرة كان مشاركاً فيها إلى ميدان رمسيس.
 حاولت أن أفهم كيف تحوّل إلى النقيض مما كان عليه سابقاً. كان يكره التظاهرات والمسيرات، ويكرر مقولات شيوخه حول طاعة الحاكم وإن جلد ظهرك وسلب مالك.
بعد تنحي مبارك بأيام استوقفني، وسألني باعتباري كنت ممن اعتصموا في ميدان التحرير: ما الذي يجري في البلد؟ فقلت: كان مبارك فاسداً مستبداً، وكان يجب إزاحته من الحكم، ويكفي ما كان يفعله "أمن الدولة" في عهده بمن هم مثلك من الملتحين؟ اكتفى بهز رأسه، فتذكرت قناعاته الراسخة حول تحريم الخروج على الحاكم.
 حكى لي أنه تجاهل الاستفتاء على الدستور، رغم أن معظم أقرانه السلفيين كانوا ناشطين في الدعوة للتصويت بنعم، وأنه لم يصوت في انتخابات البرلمان لأنه لم يكن مقتنعاً بفكرة الانتخابات ولا بالديمقراطية.
لكن الانقلاب على مرسي شهد التحول الأكبر في حياة الشاب الهادئ الذي لم يشارك في تظاهرة طوال حياته. كان يذهب إلى اعتصام ميدان نهضة مصر يومياً. فاجأني قوله إنه لا يصدق أن الأربعاء الدامي فاته، في إشارة إلى يوم فض الاعتصام.
وقال إنه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية اتخذ قراره بعدم التصويت لأي من المرشحين. لكنه في الجولة الثانية التي تنافس فيها محمد مرسي وأحمد شفيق، قرر التحول من التجاهل إلى المشاركة الفعالة دعما للمرشح المتدين مثله، قال إنه ذهب إلى صندوق الانتخاب لأول مرة في حياته لينتخب مرسي. بعد فوز مرسي بالرئاسة انقطع الشاب السلفي عن كل ما يتعلق بالسياسة مجدداً، وإن كرر مرات عدة أن مرسي كان مخطئاً في عدم التصدي للمؤامرة التي تحاك ضده.
  لم أتخيل أن يتحول هذا الشاب السلفي الرقيق إلى شخص يتحكم فيه الغضب، حاولت أن أهدئ من روعه، لكنه كان يتمتم بكلمات غير محددة حول ضرورة الانتقام. قلت إن الانتقام لن ينهي الوضع القائم وإنما سيزيد المشكلة تعقيداً. فأشاح بوجهه عني. قلت: لماذا لا تعود إلى سيرتك الأولى وتتجاهل السياسة. فرد: لست معنياً بالسياسة، وإنما بالقصاص لأصدقائي. قلت إن ما تقوله ليس صواباً وفق أصول الدين ولا وفق علوم السياسة.
تركته على وعد بأن نلتقي مجدداً لنستكمل نقاشنا، وطلبت منه أن يعود إلى بيته ليستريح، لكننا لم نلتق مجدداً. علمت بعدها أنه اعتقل في محيط مسجد الفتح في ميدان رمسيس.




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

لن أنتخب خالد علي مجددا





مطلع عام 2012، قرر المحامي الشاب خالد علي ترشيح نفسه لرئاسة مصر في مواجهة مرشحين كان هو أصغرهم سناً، ولما كان خالد ابن جيلي، وشريك ميدان، ومعبر عن أحلامنا في تمكين الشباب والتخلص من حكم "العواجيز"، الذي جثم على صدر بلادنا لعقود، قررت مع عدد من أصدقائي التصويت له في الانتخابات.
وقتها كانت الغالبية العظمى من الأصدقاء والزملاء منقسمة بين مرشحين آخرين؛ هما عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي.
وقتها لم يكن الخلاف السياسي يفرق الأصدقاء، كنا نجلس في مقاهي وسط القاهرة لنتناقش ونتجادل، كل منا يروج لمرشحه ويظهر عيوب المرشح المنافس الذي انحاز له صديق من بين الحضور، كانت أزهى عصور الديمقراطية بحق، رغم أننا كنا نسخر من المصطلح الذي تم إطلاقه زورًا وبهتانًا على العقد الأخير من حكم حسني مبارك.
في جلسة جمعتني برفاق التحرير، قررنا التخلص من الانحيازات والحديث بشكل منطقي، أذكر أن أحدهم واجهني بأن فرص خالد علي محدودة للغاية، وأن ترشحه يساهم في تفتيت الأصوات التي يمكنها أن تسهم في نجاح مرشح آخر من مرشحي الثورة، في مواجهة مرشح الإخوان ومرشح الجيش.

وقتها قلت للأصدقاء صراحة إن قناعتي أن أياً من المرشحين لا يملك فرصة، وأن مرشح "الإخوان" ومرشح الجيش/الشرطة، هما الأوفر حظاً، فرد أحد الحضور: ولماذا نجهد أنفسنا إذاً في دعم هؤلاء؟ أليس الأولى أن نختار أحد المرشحين الأوفر حظاً؟ فرد أحدهم: وهل توافق على أي من المرشحين الأوفر حظاً؟
ساد صمت قررت قطعه بهجوم مباغت على مرشحيهم، فقلت إن أبو الفتوح كمرشح لا فارق بينه وبين محمد مرسي وحازم صلاح أبو إسماعيل كمرشحين إسلاميين، وإن حمدين كناصري لا يفرق عندي كثيراً عن عمر سليمان وأحمد شفيق كمرشحين عسكريين.
لم يعجب كلامي الأصدقاء، وتوترت الجلسة التي كانت لطيفة، فقرر أحدهم أن يشن هجوماً مضاداً، وقال إن انحيازي لخالد علي أقرب إلى مقاطعة الانتخابات. قفزت الفكرة إلى ذهني فجأة، فقلت: أظن أنك على حق، هي مقاطعة ايجابية للانتخابات التي لا أتوقع أن تكون ديمقراطية تحت حكم عسكري قمعي.
حصل خالد علي على 124 ألف صوت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والتي انتهت إلى جولة إعادة بين مرشح الإخوان مرسي ومرشح العسكر شفيق، كان صوتي أحد الأصوات القليلة التي حصل عليها مرشح الشباب، وكنت فخوراً بأن حملته محدودة الموارد التي لا تحظى بأي دعم من أي فصيل في نظام الحكم استطاعت الحصول على هذا العدد من الأصوات الذي اعتبره كثيرون هزيلاً.
بعد الجولة الأولى عدت وأصدقائي إلى المربع الأول، إلى أي فريق سننحاز، فريق الإخوان أم فريق العسكر؟
عندها دبت بيننا خلافات واسعة، فريق أصر على ضرورة مقاطعة التصويت، وفريق أصر على تأييد أي شخص غير مرشح الإخوان، وفريق ثالث كنت ضمنه، أصر على تأييد أي شخص غير مرشح العسكر.
في الشهر التالي، كنت أحد من يهاجمون المرشح أحمد شفيق ليل نهار، لكنني لم أكن داعماً لمرسي كمرشح، لم أكن مقتنعاً بأي منهما، لكن الإخوان كانوا وما زالوا عندي أفضل من العسكر.
يوم التصويت، ذهبت إلى لجنة الانتخابات فوجدت العاملين في اللجنة يدفعون الناس دفعاً إلى التصويت لشفيق تحت سمع وبصر الشرطة والقضاة المشرفين على العملية الانتخابية، حتى إنني اختلقت أزمة مع أحدهم وهددته بفضحه إن لم يتوقف عن توجيه الناخبين.
عندما ذهبت إلى الصندوق للإدلاء بصوتي، أصابتني الحيرة، فأنا ضد شفيق قلباً وقالباً، لكني لست مقتنعاً بمرسي أيضاً. حملت ورقة التصويت وعدت أدراجي دون أن أدلي بصوتي، لتظل عملية تصويتي لخالد علي هي المرة الوحيدة التي أدلي فيها بصوتي في أي انتخابات مصرية.
في انتخابات ترشح السيسي للرئاسة، قاطع كل المرشحين السابقين المهزلة، إلا حمدين صباحي الذي استحق لقب "الكومبارس"، وقال خالد عنها إنها ليست انتخابات وإنما "مسرحية هزلية". كان هذا رأيي أيضاً. لكن عدداً من الأصدقاء عاشوا أوهام فوز حمدين في مواجهة العسكر والشرطة والثورة المضادة والنظام القديم.
خسر حمدين خسارة مدوية، لم يحصل حتى على نصف مليون صوت، في مقابل ملايين السيسي، وتفاخر السيسي بأنه خاض انتخابات ديمقراطية في مواجهة مرشح معروف سبق له خوض السباق، وبات حمدين محللاً صورياً لرئاسة السيسي.
قرر خالد علي الترشح للانتخابات الرئاسية 2018 في مواجهة السيسي، ولست أعلم ما الذي تغير في "المسرحية الهزلية" حتى يشارك فيها، أزعم أن الهزل زاد خلال السنوات الأربع التي حكم السيسي فيها البلاد بعد الانقلاب على كل مكتسبات الثورة، وأن خالد سيكون "الكومبارس" الجديد الذي يحلل الفترة الثانية من رئاسة السيسي بعد حمدين.
لهذا لن أنتخب المحلل الكومبارس.






يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

السبت، 4 نوفمبر 2017

اليونسكو والصحافيون ومشيرة



 احتفلت منظمة اليونسكو الخميس الماضي بـ"اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين"، بعد ثلاثة أسابيع فقط على إجراء انتخابات اختيار الأمين العام للمنظمة الأممية، وهي الانتخابات التي شهدت صراعاً عربياً محتدماً بين المصرية مشيرة خطاب والقطري حمد الكواري، لتنتهي بفوز الفرنسية من أصول مغربية أودري أزولاي. تقول اليونسكو إن 90 في المائة من حالات قتل الصحافيين حول العالم تمر من دون عقاب، وترصد مقتل 930 صحافياً في الفترة بين عامي 2006 و2016، في عام 2016 فقط، قتل منة وصحافيان. ووفقاً لتقرير المنظمة "الاتجاهات العالمية في مجال حرية التعبير وتنمية وسائل الإعلام"، فإن 94 في المائة من الصحافيين الذين قتلوا عام 2016، هم صحافيون يغطون أحداثاً محلية، ونصف حالات القتل وقعت في بلدان ليس فيها نزاعات مسلحة، وإنسبة الضحايا من الصحافيات ارتفعت من 5 في المائة عام 2006، إلى 10 في المائة عام 2016. في مصر التي خسرت مرشحتها لليونسكو، يعيش الصحافيون أوضاعاً مأساوية، حسب قول مقرر الأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حق حرية الرأي والتعبير، ديفيد كاي، قبل أسبوع في نيويورك. وطالب كاي، السلطات المصرية بالتوقف فوراً عن ملاحقة الإعلاميين، معتبراً أن "أوضاع الصحافة والإعلام أيام حسني مبارك، كانت أفضل كثيراً مما هي عليه الآن. لقد بات الوضع مرعباً ومخيفاً في مصر. إنهم لا يلاحقون المعارضين فقط، وإنما أيضا أي صاحب رأي مختلف". ووثق تقرير للمرصد العربي لحرية الإعلام اعتقال 94 صحافياً في مصر، بينهم المصور الصحافي محمود أبوزيد "شوكان" الحاصل على جائزة اليونسكو لحرية الصحافة. جلست أتخيل أن المرشحة المصرية فازت بمقعد رئاسة اليونسكو، وكيف كانت ستتعامل مع حملة المنظمة الأممية تلك، بينما تضع التقارير الحقوقية الدولية مصر، جنباً إلى جنب مع الصين وسورية والعراق، على رأس قوائم انتهاك حقوق الصحافيين. تقول سفيرة اليونسكو للنوايا الحسنة لحرية التعبير وسلامة الصحافيين، كريستيان آمانبور، إن "الأخبار مليئة بتقارير عن زملائنا الذين يقتلون ويصابون ويسجنون في جميع أنحاء العالم، ويجب علينا كوسائل إعلام الاستمرار في القتال من أجل إنهاء الإفلات من العقاب". تخيلت مجدداً آمانبور تستضيف خطاب (كمديرة لليونسكو) في برنامجها التليفزيوني الشهير، وبينما مشيرة تتحدث عن آليات حماية الصحافيين من القتل والاعتقال والتضييق، تسألها المذيعة عن موقفها المخزي من إغلاق عشرات المكتبات المصرية قبل شهور قليلة على انتخابات المنظمة. قدّر الله ولطف.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الجمعة، 3 نوفمبر 2017

قصة جماعة "أنصار الإسلام" التي تبنت مجزرة #الواحات




جروب الجماعة اللي اسمها "حراس الشريعة مصر الكنانة" اللي أعلنت النهاردة تبني مجزرة #الواحات اتفتح على "تليجرام" في 19 أكتوبر. والمجزرة كانت ليلة 20- 21 أكتوبر.


كل البوستات في الجروب قبل المجزرة تؤكد أن الجماعة تابعة لتنظيم القاعدة، بينها فيديوهات لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة وأبو قتادة، وفيها احتفاء بعمليات جماعة الشباب في الصومال وغيرها.
وقت الكشف عن عملية الواحات. كان الجروب ينقل عن وسائل الإعلام مثله مثل كل الأشخاص العاديين، ولم ينشر أي معلومة خاصة او تفاصيل غير منشورة في وسائل الإعلام.


في اليوم التالي 21 كان ينشر أيضا أخبارا متداولة وفيديوهات التسريبات التي نشرتها قنوات ومواقع إخبارية.


مساء يوم 21 أكتوبر. نشر بوست يبارك فيه العملية بعد أن نشر نقلا عن مواقع إخبارية أسماء أفراد الشرطة المقتولين فيها.
على مدار الأيام اللاحقة تفرغ لنشر أخبار منقولة من وسائل الإعلام. ولنشر مبادرة "الصلح بين المجاهدين"، والدعاية لعمليات الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة حول العالم.




يوم 26 أكتوبر نشر بوست منقول حول النقيب محمد الحايس يتحدث عن التضارب في تصريحات الداخلية حول خطفه أو مقتله.
يوم 28 أكتوبر نشروا بوستات عن إقالة محمود حجازي من رئاسة الأركان وتعيين محمد فريد حجازي. ثم إقالة مدير الأمن الوطني ومدير أمن الجيزة. دون أدنى ذكر لعملية الواحات. رغم أن كثيرين ربطوا القرارات بالعملية.


الجمعة 3 نوفمبر. نشروا بيان جماعة تسمى "أنصار الإسلام" لم يذكروها سابقا في الجروب، وحتى في نشر البيان لم يذكروا ما الصلة التي تربطهم بها.
وجاء في البيان أن تلك الجماعة منفذة عملية الواحات. وأنها أسرت عددا من عناصر الشرطة ثم أطلقت سراحهم. وأن النقيب الحايس استسلم لها طوعا. ورغم أنهم أطلقوا سراح زملاءه إلا أنه ظل محتجزا لديهم بلا سبب واضح. وأنهم خسروا في العملية عنصرا واحدا. وأن الطيران الحربي شن هجوما عليهم لتحرير الحايس الذي لا نعلم سبب احتجازه لديهم. وأن الهجوم راح ضحيته أحد قادتهم ويدعى أبو حاتم وعدد من أفراد فرقته.



القصة كلها على بعضها كدا غريبة ومريبة جدا


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية