الثلاثاء، 15 مارس 2016

هكذا انتخب السيسي برلمانه





في أول أيام العام الجاري نشر حازم عبد العظيم، المسئول السابق في حملة ترشح المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية ما أسماه "شهادة حق في برلمان الرئيس"، تضمنت تفاصيل كشفت لأول مرة عن دور جهاز المخابرات العامة في تشكيل قائمة "في حب مصر" الانتخابية الموالية للرئيس، وهي القائمة التي حصدت كافة المقاعد المائة والعشرين المخصصة للقوائم في الانتخابات البرلمانية التي كانت قد انتهت قبل حوالي شهر من نشر الشهادة.
وفقاً لهذه الشهادة، تلقى حازم عبد العظيم اتصالاً في شهر يناير ٢٠١٥ "من أحد المساعدين المقربين لرئيس الجمهورية، ربما يكون الثالث في الرئاسة...وكنا سويا في حملة الرئيس وقال لي إنه يريد مقابلتي لأمر هام جدا في الاتحادية".
وفي اجتماع لاحق في نفس الشهر بقصر الاتحادية قال هذا المساعد لعبد العظيم "...نحن نؤسس لقائمة جديدة للدخول للبرلمان وستكون أنت أحد المؤسسين لهذه القائمة". وقلت: قائمة الجنزوري! [رئيس الوزراء الأسبق ومستشار رئيس الجمهورية الحالي الذي كان يسعى وقتها لتشكيل قائمة انتخابية] وقال: لا. قائمة الجنزوري لن تستمر. ولكن القائمة الجديدة بها أعضاء كانوا على قائمة الجنزوري. ثم اتصل بي في نهاية يناير وقال لي إن أول اجتماع للقائمة سيكون في جهاز المخابرات العامة يوم الثلاثاء 3 فبراير 2015. واندهشت! وقلت لماذا جهاز المخابرات العامة؟ قال لي معلهش أول اجتماع لازم يكون هناك".
عن هذا الاجتماع كتب عبد العظيم في شهادته ما يلي:
"التاريخ: الثلاثاء 3 فبراير 2015 – الساعة السابعة مساءا
            المكان: قاعة اجتماعات داخل جهاز المخابرات العامة المصرية في دور أرضي
الغرض من الاجتماع: الإعلان عن قائمة انتخابية جديدة لخوض انتخابات مجلس النواب
الحضور: على رأس الطاولة وكيل من الجهاز مع أربعة من رجال المخابرات (ثلاثة منهم شباب بين الـ30 والـ40 عاما) وعلى الطرف الآخر مستشار قانوني مقرب جدا من الرئيس والده عضو مجلس النواب من المعينين – أحد المساعدين في مكتب الرئيس برئاسة الجمهورية وهو صاحب الدعوة لي بالحضور – والباقون حوالي 15 من الشخصيات العامة المؤسسة لهذه القائمة وكنت أحدهم. من كان يدير الجلسة ويوجهها هم وكيل جهاز المخابرات من ناحية والمستشار القانوني من ناحية أخرى. تم توزيع أوراق على جميع الحاضرين بها اسم القائمة ووثيقة مبادئ تعبر عن القائمة الانتخابية الجديدة! وكانت "حب مصر"...هي المولود في هذا الاجتماع! نعم داخل جهاز المخابرات العامة المصرية. وسبب حضوري الاجتماع كان بناءً على دعوة موجهة لي من رئاسة الجمهورية". 
لم يمثل الكشف عن تدخل الدولة في تشكيل القائمة ودعمها مفاجأة للكثيرين. فعلى مدى الأشهر السابقة على إجراء الانتخابات كانت وسائل الإعلام قد شهدت للمرة الأولى تلميحات تحولت سريعاً إلى تصريحات علنية توجه الاتهام لأجهزة الدولة "السيادية"- دون تحديد- بالتدخل في المجال السياسي وفي تشكيل البرلمان الأول في رئاسة السيسي عبر دعم مرشحين بعينهم وتشكيل قائمة مدعومة من تلك الأجهزة.
لكن الشهادة "القنبلة" لأحد المشاركين الأساسيين في تشكيل قائمة "في حب مصر" جاءت كأول إقرار علني بدور مباشر لكل من مكتب رئيس الجمهورية وجهاز المخابرات العامة تجاوز مجرد تقديم الدعم لمرشحين بعينهم ليصل إلى تولي المسئولية عن تشكيل قائمة الدولة بشكل كامل.
اختار عبد العظيم عدم إجراء أية مقابلات إعلامية بعد نشر شهادته. غير أن الشهادة شجعت آخرين على الحديث ورواية ما شهدوه من تحركات وما حضروه من اجتماعات سبقت التصويت في انتخابات نوفمبر وديسمبر 2015.
على مدى الأشهر الماضية، تحدث "مدى مصر" مع بعض هؤلاء الذين قرر أغلبهم الحديث بشرط عدم الكشف عن أسمائهم أو مناصبهم مقابل رواية تفاصيل ما شهدوه في الطريق الطويل نحو تشييد برلمان موالٍ للرئيس الحالي.
في هذا التحقيق خلاصة ما شهدوا به.
شهادة حازم عبد العظيم
شهادة حازم عبد العظيم

نحو قائمة "وطنية"          

"...تضمن الدولة سلامة إجراءات الاستفتاءات والانتخابات وحيدتها ونزاهتها، ويحظر استخدام المال العام والمصالح الحكومية والمرافق العامة...في الأغراض السياسية أو الدعاية الانتخابية"
--الدستور المصري، المادة 87
حصل "مدى مصر" من مصدرين منفصلين على معرفة وثيقة بمجريات اجتماع الثالث من فبراير 2015 على قائمة الحاضرين الذين دعاهم مساعد رئيس الجمهورية لهذا الاجتماع التأسيسي بمقر المخابرات: سامح سيف اليزل، ضابط المخابرات السابق والذي سيتم تعيينه فيما بعد منسقاً للقائمة، ومحمود بدر، أحد مؤسسي حركة تمرد التي كانت قد أطلقت مبادرة إسقاط محمد مرسي من الرئاسة في 2013، ومحمد بدران، رئيس حزب "مستقبل وطن" والرئيس السابق لاتحاد طلاب مصر، وطارق الخولي، القيادي المنشق عن حركة 6 إبريل، والجبالي المراغي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وأسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق في فترة حكم المجلس العسكري، ومقدم البرامج أسامة كمال، والسيد محمود الشريف، نقيب الأشراف الذي سيتم انتخابه لاحقاً وكيلاً لمجلس النواب، وعماد جاد، الباحث السياسي والقيادي السابق بحزبي المصري الديمقراطي ثم المصريين الأحرار، وطاهر أبو زيد، وزير الرياضة الأسبق. وكانت السيدة الوحيدة بين الحاضرين هي آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.
كافة الحضور ترشحوا فيما بعد على قائمة في حب مصر، وحصلوا بالطبع على مقاعد في مجلس النواب الحالي، باستثناءين هما حازم عبد العظيم، الذي أعلن لاحقاً انسحابه من القائمة، وأسامة كمال الذي قرر بعدها التفرغ لعمله الإعلامي، رغم أن الاجتماع شهد تكليفه متحدثاً رسمياً باسم القائمة. وفي نهاية شهر فبراير أطلق كمال برنامجاً جديداً على فضائية القاهرة والناس بعنوان "سيادة النائب" لتقديم المرشحين المحتملين وبرامجهم للناخبين.
أدار الاجتماع مسئول أشارت إليه المصادر باسم "اللواء إيهاب" وعلم بعض الحاضرين- الذين التقوه يومها للمرة الأولى- لاحقاً أنه وكيل جهاز المخابرات العامة اللواء إيهاب أسعد. وشاركه في تسيير أعمال الاجتماع المحامي محمد أبو شقة، الذي كان قد شغل منصب المستشار القانوني للحملة الرئاسية بتوكيل قانوني من السيسي في2014.
في الاجتماع علم الحاضرون للمرة الأولى بالاسم الذي تم اختياره لقائمتهم، وهو "في حب مصر"، ووُزعت عليهم "وثيقة مبادئ" قاموا بالتوقيع عليها وتضمنت تعهدهم بالانتماء لقائمة "وطنية" تدعم الدولة و"إعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية والاتجاهات الحزبية والسياسية".
طلب بعض الحاضرين التعرف على أسماء باقي المرشحين في القائمة فكانت الإجابة أن عملية الاختيار لازالت جارية. ومع ذلك فقد تم إخطار الحاضرين بأن مؤتمراً صحفياً سينعقد في صباح اليوم التالي ليعلن فيه تأسيس القائمة وبأنهم جميعاً مطالبون بالحضور.
مؤتمر في حب مصر
مؤتمر في حب مصر (Courtesy Vetogate)
لم يكن الطريق إلى تشكيل قائمة "في حب مصر" يسيراً، بل جاء بعد عدة محاولات سابقة لم يكتب لها النجاح. كانت الأشهر الأولى التالية لانتخاب السيسي في 2014 شهدت مشاورات من أجل تشكيل قائمة "وطنية" و"غير حزبية" لخوض الانتخابات. أولى هذه المبادرات أطلقها عمرو موسى رئيس لجنة صياغة دستور 2014، قال بعض من شاركوا في اجتماعاتها إنها لم تكن بدعوة من النظام أو حتى بدعمه، وإنما كانت محاولة من موسى لتشكيل قائمة "متوازنة تضم الجميع بمن فيهم حتى حزب الحركة الوطنية برئاسة أحمد شفيق، وبحيث تكون كتلة برلمانية لا تعارض النظام وفي الوقت ذاته لا تتحرك بأوامره" على حد تعبير محمد أبو الغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي والذي شارك في بعض اجتماعات قائمة موسى التي أطلق عليها اسم "ائتلاف الأمة المصرية". لم تكن هذه الوصفة مريحة للنظام الذي كان قد جربها من قبل في تشكيل لجنة الخمسين لصياغة الدستور وأسفرت عن اختيار أعضاء لم يمكن السيطرة عليهم بالكامل ومواد سببت إزعاجاً حتى للسيسي نفسه الذي انتقد لاحقاً مواداً في الدستور صيغت بـ"نوايا حسنة، والدول لا تبنيها النوايا الحسنة". لم تمر بضعة أشهر على مشاورات موسى التي أطلقها في يوليو 2014 ليعلن فشل محاولات التوافق "في ظل استمرار تشرذم الأحزاب".
قبل إعلان وفاة محاولة موسى كان قد دخل على خط تشكيل "قائمة الدولة" كاهن الدولة المصرية ورئيس وزرائها الأسبق كمال الجنزوري، الذي أوحى لجميع اللاعبين السياسيين بأنه مكلف مباشرة من قبل الرئاسة بتشكيل قائمة تدعم الدولة، وتدعمها الدولة، وينتظر أن تحصل على جميع المقاعد المائة والعشرين المخصصة للقوائم. لم يكن من العسير على الجنزوري إقناع الأحزاب بأنه في مهمة "رسمية"، فهو مستشار لرئيس الجمهورية منذ يوليو 2013 وكان يستضيف اجتماعات تشكيل القائمة في مكتبه داخل مقر الهيئة العامة للاستثمار، ويقول للحاضرين بوضوح إنه يشكل القائمة بتكليف من اللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس وبالتنسيق معه.
لم تكن محاولة الجنزوري أسعد حظاً من مبادرة موسي، فقد توالت انسحابات أغلب ممثلي الكتل المدعوة للمشاركة فيها، في ظل شكاوى من استعلاء الجنزوري في التعامل معهم وكأنه ما زال رئيسا لوزراء البلاد، ورفضت عدة أحزاب تمويل قائمة الجنزوري مقابل الحصول على نسب من مقاعدها، فضلا عن اعتراض عدد من الأحزاب على تدخل الجنزوري كممثل للسلطة التنفيذية في تشكيل السلطة التشريعية. وبرغم أن القائمة لم يكتب لها أن ترى النور، فإنها قد نجحت في تفتيت عدد من التحالفات والقوائم الأخرى التي انقسمت حول قبول أو رفض الانضمام لمبادرة الجنزوري، لتكتب نهاية ائتلافات مثل "تحالف الوفد المصري"، و"الجبهة المصرية" وغيرها، حتى أن أحد الكتاب وقتهاتساءل "هل أصبحت قائمة الجنزوري عصا موسى التي تبتلع القوائم الانتخابية الأخرى؟".
وبصرف النظر عما إن كانت محاولة الجنزوري صادقة أم مجرد مناورة جرى استخدامه فيها لاستكشاف الخريطة السياسية وتفتيت القوائم المنافسة، فإن المسألة كانت قد حسمت بحلول فبراير 2015: قرر مكتب الرئيس تنحية الجنزوري جانباً وأن يتولى المكتب مباشرة تشكيل القائمة دون الاعتماد على وسطاء سياسيين لا يمكن الاطمئنان بالكامل إليهم أو لا يحظون بالسطوة اللازمة لتكليف الأعضاء بالترشح وتكليف رجال الأعمال بالتمويل. وبذلك وصلنا إلى اجتماع 3 فبراير بمقر المخابرات العامة.

ضباط الاتصال

"...أكد السيد الرئيس في أكثر من مناسبة أن الدولة تقف على الحياد من كل القوائم وكل المرشحين ولا تتدخل ولا تدعم أيا منهم...ومن هنا نؤكد لحضراتكم أن الدولة ما زالت وستظل تقف على مسافة واحدة من الجميع، ولم ولن تدعم أي قوائم أو أشخاص."
--المكتب الإعلامي للسيد رئيس جمهورية مصر العربية، المصري اليوم، 4 مارس 2015
كشفت المعلومات التي حصل عليها "مدى مصر" أن المساعد الرئاسي الذي وجه الدعوة للمشاركين في اجتماع 3 فبراير 2015 هو الرائد أحمد شعبان، ضابط المخابرات الحربية الذي لعب الدور الأبرز في تشكيل قوائم المرشحين الموالين للنظام سواء على مقاعد القائمة أو المقاعد الفردية، والذي يعمل معاوناً لصيقا للواء عباس كامل مدير مكتب السيسي في قصر الاتحادية الرئاسي.
لا توجد الكثير من المعلومات المنشورة حول الضابط شعبان، ولكنه اسم معروف في الأوساط الحزبية والإعلامية بوصفه حلقة الاتصال مع رئاسة الجمهورية وخاصة مع اللواء عباس كامل، كاتم أسرار السيسي وأقرب المقربين إليه. وتقتصر الإشارات السابقة إلى اسم شعبان على عدد محدود للغاية من الأخبار والتقارير الصحفية وأعمدة الرأي.
عمل شعبان في السابق مديراً لمكتب المتحدث باسم القوات المسلحة، وفور انتخاب السيسي رئيساً للجمهورية في يوليو 2014 تم انتداب شعبان من وزارة الدفاع إلى مكتب الرئيس، بصحبة كل من اللواء عباس كامل والعقيد أحمد علي، الذي اختفى عن المشهد بعدها بوقت قصير ليصبح شعبان الرجل الثاني في الاتحادية والذراع اليمنى لعباس كامل. تأكد هذا فيما بعد في عدد محدود من مقالات الكتاب الموالين للنظام والتي تضمنت أحياناً تعليقات عابرة تشيد بدوره في التواصل بين الرئاسة والإعلام، مثل مي عزام التي كتبت في المصري اليوم عن " الرائد أحمد شعبان الذي يعرفه شباب الإعلاميين وشيوخهم، فهو الوسيط بين قصر الاتحادية والإعلاميين...مهمة الرائد الشاب اللبق الذي اختاره الرئيس شخصيا الاتصال برجال الصحافة والإعلام"، وغادة شريف التي أشارت في الصحيفة نفسها إلى شعبان بوصفه "شخص يتسم بالذكاء الخارق... الذكاء المهني والذكاء الاجتماعي، وهما أشد ما يميز الرائد شعبان، وأضف لهذا أدبه الجم واهتمامه الشديد بعمله وتركيزه فيه وهو ما جعله جديرا بثقة الرئيس"، فضلاً عن إشارات مقتضبة حول دور شعبان في هندسة مبادرة "شباب الإعلاميين" الذين يتواصل معهم السيسي في عدة ملفات، من بينها فحصأسماء الشباب المحبوسين بموجب قانون التظاهر ليصدر السيسي قرارات بالعفو عنهم.
كان اللافت أن مخرجات اجتماع الثالث من فبراير، وأسماء بعض المدعوين إليه، بل وموعد المؤتمر الصحفي المخطط لليوم التالي تم تسريبها جميعاً قبل ساعات من انعقاد الاجتماع إلى جريدة اليوم السابع المقربة للأجهزة الأمنية والتي نشرت الخبر على موقعها في الثالثة و44 دقيقة من عصر يوم الاجتماع ذاته تحت عنوان "مفاجأة.. الإعلان عن قائمة وطنية لخوض الانتخابات غدًا بدون الجنزوري" فيما اعتُبر قراراً رسمياً وعلنياً بإعفاء الجنزوري من مهمة تشكيل القائمة.
لم يكن من قبيل المصادفة انفراد اليوم السابع بمخرجات الاجتماع ونشرها قبل أن يعلم بها المشاركون في الاجتماع. فأحد الشباب الحاضرين للاجتماع كان ياسر سليم، الذي قدم نفسه بوصفه ضابطاً سابقاً بالمخابرات العامة ما زال يعمل حالياً بصفة مدنية لصالح الجهاز. سيتولى سليم فيما بعد منصب المنسق الفعلي لقائمة حب مصر، خلف واجهة المنسق المعلن للقائمة اللواء سيف اليزل. كما سيبرز اسم سليم إلى العلن على مدى الشهور التالية كأحد القائمين الرئيسيين على تشكيل المشهد الإعلامي المصري لصالح الجهاز خلف واجهة شركة إعلامية تدعى "بلاك أند وايت".
ياسر سليم
ياسر سليم (Courtesy اليوم السابع)
فقبل بضعة أشهر من انعقاد الاجتماع، في منتصف 2014، أعلن السيد سليم حصول شركته على كافة الحقوق التسويقية الحصرية لجريدة وموقع اليوم السابع داخل وخارج مصر بالشراكة مع شركة "بروموميديا". وفي نهاية عام 2015، قامت شركة سليم "بلاك أند وايت" بشراء كامل أسهم موقع "دوت مصر". وكشف أحد ملاك أسهم الموقع لـ"مدى مصر"-شريطة عدم ذكر اسمه- أن الممولين الإماراتيين (وهم الملاك الفعليون للموقع) اتصلوا به وبكافة الشركاء الاسميين في أوراق الشركة وتم تكليفهم بنقل أسهمهم لياسر سليم وشركائه بعد أن تقرر "نقل ملكية الموقع وإداراته للمخابرات العامة المصرية مباشرة في ضوء تعثر الموقع مهنياً ومالياً" بعد الوفاة المفاجئة لمؤسسه عبد الله كمال في منتصف 2014. وفي الشهر ذاته أعلن التلفزيون المصري توقيع تعاقد مع "بلاك أند وايت" لإنتاج برنامج "توك شو" يومي بعنوان "أنا مصر". ومع انتشار الهمس ثم التصريح بالتساؤلات حول كون البرنامج الجديد- الذي انطلق في يناير من العام الجاري- من إنتاج جهة سيادية، اضطر رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون عصام الأمير إلى التصريح للصحف بأن "الشركة الراعية ليس لها علاقة بأي جهات سيادية".
ولم يكن ياسر سليم هو الرابط الوحيد بين صحيفة اليوم السابع وبين المسئولين الأمنيين القائمين على تشكيل القائمة. ففي مطلع 2015 أيضاً أعلنتالصحيفة "انضمام الكاتب الصحفي (ابن الدولة) إلى قائمة كتابها" بعمود يومي. وعلم "مدى مصر" من مصدر رفيع بهيئة تحرير اليوم السابع أن الكاتب المجهول خلف الاسم المستعار هو ذاته الرائد أحمد شعبان. ويبدو أن المعلومة انتشرت سريعاً بشكل واسع في الأوساط الصحفية، ففي مايو 2015 تعرضت صحيفة الوطن لمصادرة عددها الورقي اليومي، وكان السبب مقالاً كتبه مساعد رئيس التحرير علاء الغطريفي بعنوان "الضابط...ابن القصر يكتب" أشار فيه إلى شعبان دون أن يسميه، فكتب "أن يكتب ضابط من القصر كلمات في صحيفة لإحساسه بأن قائده لا يجد من يدافع عنه مسألة تدعو إلى المرارة وتؤشر إلى حالة السيولة، فكأن المؤسسة تبحث عن أصدقاء، رغم أنها جاءت بتأييد شعبي غير مسبوق".
في صباح اليوم التالي لاجتماع المخابرات، انعقد المؤتمر الصحفي بالفعل للإعلان عن القائمة بفندق سونستا في 4 فبراير بحضور المشاركين في الاجتماع وأعلن فيه سامح سيف اليزل عن إطلاق القائمة. وفي وقت لاحق من نفس الأسبوع عقد القائمون على القائمة مؤتمراً أخر بفندق الماريوت أعلنوا فيه عن دفعة جديدة غير مكتملة من أسماء مرشحيها. عن هذا المؤتمر كتب حازم عبد العظيم في شهادته "بعد ذلك في فندق الماريوت...لا أنسى عندما كانت تأتي الأسماء لسامح سيف اليزل بالتليفون من أحد افراد المخابرات وهو شاب كان حاضر في جميع الاجتماعات وساعتها كنا بنسمع هذه الأسماء لأول مرة على مرأى ومسمع الجميع اثناء العشاء الفاخر!" وذكر بعض من حضروا مؤتمر الماريوت أن الضابط المقصود لم يكن سوى السيد ياسر سليم.
ورغم تكليف سليم بأعمال التنسيق اليومي للقائمة، فإن دور الضابط أحمد شعبان لم يتوقف بالكامل. كشف عن ذلك شاب من إحدى محافظات الوجه القبلي في مقابلة مع "مدى مصر"، ذكر فيها أنه كان أحد الأسماء المرشحة لخوض الانتخابات على قائمة حب مصر كممثل عن إحدى التكتلات المشاركة فيها. يقول الشاب: "في نفس يوم مؤتمر الماريوت [8 فبراير] اتصل بي الرائد أحمد شعبان وقال لي احنا عارفين أنك شاب كويس وبتحب البلد بس مش هينفع تبقى معانا في القائمة لكن أوعدك هتنزل فردي وهننجحك".
تلقى الشاب ذاته، وفقاً لشهادته لـ"مدى مصر" اتصالاً لاحقاً من الرائد شعبان يطلب مقابلته بعد إعلان تأجيل الانتخابات في الشهر التالي في ضوء حكم القضاء بعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات الخاصة بعدالة تقسيم الدوائر الانتخابية. "ذهبت لمقابلته في نهاية مارس [2015] في الاتحادية. مكتبه على الشمال بعد ما تطلع سلالم بوابة القصر. لقيته شاب صغير في السن أسمر ورفيع ولابس بدلة رمادي وقال لي إن هو كمان صعيدي، من مركز ببا بني سويف. واستمر الاجتماع 3 ساعات إلا ربع." يضيف المرشح المستبعد: "سألته هل حضرتك مسئول عن الانتخابات؟ قال لي أيوه يا سيدي. فقلت له أنا خايف على البلد دي لأن كل شيء ماشي بالوسائط والرشوة وشرحت له اعتراضاتي على بعض الأسماء المعلن ترشيحها على قائمة حب مصر. فوجئت أنه بيوافقني على كل اللي باقوله وطلب مني اقتراح أسماء تانية لشخصيات وطنية لتضمينها في القائمة في ضوء تأجيل الانتخابات فاقترحت بعض الأسماء وفي نهاية الاجتماع حلف بالطلاق إني لازم أدخل القائمة".
لم ينجح الشاب الصعيدي في النهاية في الحصول على مكان في التشكيل النهائي للقائمة، حيث وقع الاختيار على اسم آخر من الكيان الذي ينتمي إليه. لكنه قبل استبعاده شارك في اجتماعات القائمة التي انتقلت للانعقاد في مقرها الرسمي بحي التجمع الخامس، ويتذكر: "ياسر سليم كان بيحضر معانا الاجتماعات على أنه ضابط مخابرات وهو منسق القائمة. بعدها فوجئنا بظهور صوره في الجرايد على أنه رجل أعمال بيفتتح مطعمه الجديد في وسط البلد". وبالفعل فقد نشرت اليوم السابع في يوليو 2015 خبراً بعنوان "بالصور.. نجوم المجتمع يحتفلون بافتتاح مطعم "باب الخلق" مع رجل الأعمال ياسر سليم."
لم يستجب أي من السيد أحمد شعبان أو السيد ياسر سليم لعدة اتصالات ورسائل من "مدى مصر" تطلب تعليقهم على محتويات هذا التحقيق.

عقبات في الطريق

"والحق أنكم وصلتم إلى مقاعدكم تلك نتيجة لانتخابات برلمانية تمت في مناخ آمن وأجواء شفافة شهد لها العالم كله بذلك، وكانت نتائج هذه الانتخابات تعبيرا جليا عن إرادة الشعب المصري العظيم"
--من خطاب رئيس الجمهورية أمام مجلس النواب، 13 فبراير 2016
فور الإعلان عن تشكيل قائمة في حب مصر في مطلع 2015 انطلقت الانتقادات العلنية من القوائم والأحزاب المنافسة أو الراغبة في الانضمام إلى "قائمة السيسي" مع توسيع حصة مقاعدها في القائمة. وتصاعدت الانتقادات وحروب التصريحات والبيانات حتى وصلنا إلى اللحظة التي لم يعد فيها من غير المألوف أن تصدر صحيفة يومية كالشروق بتقرير عنوانه "الأمين العام لحزب المؤتمر: الأجهزة الأمنية شكلت قائمة في حب مصر".
لكن الهجوم الأبرز قاده السيد البدوي رئيس حزب الوفد، الذي كان يسعى بداية لتشكيل تحالف منافس باسم "الوفد المصري"، ثم قبل الانضمام لقائمة حب مصر ورشح عدداً من أسماء تحالفه للقائمين عليها ليفاجأ بعدها باتصال من اللواء سيف اليزل يخطره بقبول 20 فقط من بين قرابة 60 اسماً تم ترشيحها من تحالف الوفد المصري. مدفوعاً بالشعور بالإهانة أصدر السيد البدوي بياناً رسميا باسم حزب الوفد في 13 فبراير 2015 جاء فيه بمنتهى الوضوح: "كنا على ثقة من قدرة قوائمنا الثلاث على الفوز لقوة مرشحيها وحسن تمثيلهم لمكونات القائمة من محافظات إلى أن فوجئنا بأن قوائم في حب مصر قد تم اختيار أعضائها بمعرفة بعض الأجهزة السيادية في الدولة".
كان بيان الوفد هو الطلقة الأولى في معركة الاتهامات العلنية لقائمة في حب مصر بوصفها "قائمة الأجهزة"، وهي المعركة التي ستستمر على مدى الأشهر التالية حتى إجراء الانتخابات في خريف 2015. ورغم اشتعال التصريحات، فإن كثيراً من الأحزاب- من بينها حزب الوفد نفسه- قررت في النهاية الانضمام رسميا للقائمة، التي تحول قبول الترشح عليها بمثابة إعلان عن الولاء للنظام الحالي (أو على الأقل عدم معارضته)، ووسيلة للأحزاب لضمان عدم التضييق على مرشحيها على الدوائر الفردية خارج القائمة، وهو ما أعلنه صراحة سياسيون من بينهم النائب الحالي محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، الذي صرح للصحف بأن "حديث الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد، عن أن قائمة "في حب مصر" هي قائمة أمنية، وأنها قامت بسحب مرشحي تحالف الوفد المصري تدريجيا تحت مسمى الانضمام لسفينة الوطن صحيح، معتبرا أن القائمة بالفعل تديرها أجهزة أمنية...وأضاف لـ"اليوم السابع"، أن التحالف اضطر للانضمام إليهم بعد ما قرر إعطاء الأولوية لمرشحيه على المقاعد الفردي، ولتخفيف حدة الضغوط التي تتعرض لها وتتمكن من خوض معركتها الانتخابية بسهولة".
الأمر نفسه عبر عنه نجيب ساويرس، مؤسس وممول حزب المصريين الأحرار، الذي وافق على ترشيح بعد أعضائه على قائمة حب مصر، ثم أصر- بعد حلوله في المركز الأول بين الأحزاب التي خاضت الانتخابات- على رفض الانضمام إلى ائتلاف "دعم مصر" البرلماني الذي ضم مقاعد القائمة وأحزاباُ موالية ومستقلين. ففي مقاله الأسبوعي بجريدة أخبار اليوم في ديسمبر 2015 كتب ساويرس مبرراً موقف حزبه: "وافقنا على مضض على الدخول في قائمة في حب مصر حتى لا نتهم بشق الصف في ظروف صعبة تمر بها بلادنا ولكن هل يعقل أن يتم تحزيم البرلمان بائتلاف تحت أي مسمي حتى ولو كان دعم الدولة؟".
لكن التصريحات الإعلامية لم تكن مصدر قلق القائمين على القائمة، فالهجوم عليها باعتبارها "قائمة السيسي" ساعدهم في الوقت نفسه في ضم مرشحين أقوياء إليها ومن بينهم عدد غير قليل من أكبر وأثرى رجال الأعمال الذي تولوا تمويل القائمة رغم قدرتهم على الترشح كمستقلين على المقاعد الفردية، مثل فرج عامر وسحر طلعت مصطفى وأكمل قرطام ومحمد مصطفى السلاب وغيرهم.
مصدر القلق الحقيقي للقائمين على القائمة كان حيال قائمتين منافستين بالتحديد: أولاهما قائمة تحالف الجبهة المصرية بزعامة أحمد شفيق رئيس حزب الحركة الوطنية، وثانيهما حزب النور، فكلاهما نجح قبل إغلاق باب الترشح في التقدم بمرشحين على كافة مقاعد الدوائر الأربعة المخصصة للقوائم.
وفي ظل شعور القائمين على "حب مصر" بالتهديد الذي تمثله قائمتا شفيق والسلفيين، والصعوبات التي واجهتها الدولة في الانتهاء في وقت قصير للغاية من المفاوضات مع كافة الأحزاب والكتل التي قبلت الانضمام لقائمة حب مصر والاستقرار على الأسماء النهائية للمرشحين المائة والعشرين، فضلاً عن المرشحين الاحتياطيين، وبما يراعي تمييز الفئات التي نص الدستور على تمثيلها في القوائم، وسط كل هذه التحديات جاء الحل في صورة حكم الدستورية العليا ببطلان بعض مواد قوانين الانتخابات في 1 مارس 2015، ليتنفس معاونو الرئيس الصعداء، ويعودوا إلى لوحة الرسم من جديد لإعادة ترتيب صفوفهم بعد أن تأجلت الانتخابات.
أحد أقرب معاوني شفيق والذي يحتل منصباً قيادياً في حزب الحركة الوطنية الذي يرأسه المرشح الرئاسي السابق، قال في مقابلة مع "مدى مصر"- اشترط فيها عدم ذكر اسمه- إن حزبه والتحالف الذي أنشأه الحزب كان جاهزاً للمنافسة بقوة على مقاعد القوائم، لكن عدة عوامل أطاحت بطموحات شفيق وتحالفه: "كنا ممثلين جيداً في قائمة الجنزوري، أنا نفسي كنت من الأسماء الواردة على القائمة. فجأة الدولة أدركت أنها غير جاهزة للانتخابات، وهدأت وتيرة اجتماعات الجنزوري، لدرجة أنه أحياناً كان بيكلم الرئاسة ولا يرد على اتصالاته أحد. أحسسنا وقتها بأن فيه اتجاه لتأجيل الانتخابات، وهو ما حدث بالفعل".
ويضيف قيادي الحركة الوطنية إن قرار تأجيل الانتخابات "قضى على ائتلافنا بشكل كامل: الفلوس خلصت ولم نستطع توفير تمويل بشكل مستدام على مدى الشهور التالية، بعكس المصريين الأحرار ومستقبل وطن اللي تمويلهم لم ينقطع وانعكس على نتائجهم في الانتخابات". ومن ناحية أخرى، لاحظ حزب شفيق حملة من التسريبات الإعلامية التي تشير إلى رفض النظام الحالي لعودة شفيق أو لأي دور سياسي له في الوقت الراهن. "حملة الشروق بالذات كان غرضها بعث رسائل لمرشحينا وحلفائنا بأن شفيق مش راجع ومش مسموح له يلعب"، يضيف القيادي، في إشارة إلى سلسلة من التقارير نشرتها صحيفة الشروق في مايو ويونيو 2015- بعد تأجيل الانتخابات- تضمنت تصريحات من مصادر "سياسية" و"سيادية" مجهلة بأن الدولة تتحرك لوقف تحركات سياسية "غير مقبولة" يقودها شفيق من الإمارات التي يعيش فيها منذ منتصف 2012 خوفاً من ملاحقات قضائية في مصر بتهم تتعلق بالفساد لم تصدر بشأنها أحكام قضائية.
يشير عضو الهيئة العليا في حزب شفيق أن الأزمة المالية والهجمات الإعلامية أدت لانسحاب عدد من أقوى المرشحين الذين كان تحالف شفيق قد أعلن أسماءهم قبل تأجيل الانتخابات، "بعضهم فهم الرسالة وبعضهم جاءته تعليمات مبطنة أو صريحة بالانضمام لمستقبل وطن وحب مصر"، يضيف المسئول الحزبي، "لدرجة أن نائب رئيس حزبنا علي مصيلحي نفسه نزل الانتخابات وكسب كمستقل بعد ما قرر عدم استخدام اسم الحزب"، في إشارة إلى الوزير السابق والقيادي بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في عهد مبارك. "قبل الانتخابات بشهر ونص الفريق [شفيق] توقف عن متابعة الانتخابات وقال لنا خلاص game over"، يختم المسئول.
تحرك غير بعيد تم اعتماده أيضاً مع حزب النور السلفي الذي كان قد حصل على ربع مقاعد البرلمان في انتخابات 2011. أحد أبرز قياديي الحزب ذكر لـ"مدى مصر" أن "النظام فوجئ بإعدادنا لأربع قوائم على الأربع دوائر بكامل أسماء المرشحين المسيحيين والأعضاء الاحتياطيين. لذلك لم نفاجأ عندما تقرر تأجيل الانتخابات". بعدها ببضعة أشهر، يقول القيادي السلفي إن الحزب "بدأ يتلقى رسائل، بالأساس من اللواء عباس [مدير مكتب السيسي] للمهندس جلال مرّة [أمين عام حزب النور]". كانت فحوى رسائل مكتب الرئيس، وفقاً لشهادة القيادي السلفي "من نوع إحنا والله خايفين عليكم، مش كل أجهزة الدولة متقبلاكم، حاولوا تبعدوا عن الاستفزاز، وهكذا. فهمنا الرسالة لأن الدولة عموماً وبعد 3 يوليو [2013] تحديدا اعتادت عدم التعامل معنا بالتصريح والاكتفاء بالرسائل المبطنة".
من هنا، ومع إعادة فتح باب الترشح في سبتمبر 2015، أعلن حزب النور طواعية الانسحاب من دائرتي الصعيد وشرق الدلتا، والاكتفاء بقائمتين بدلاً من أربعة، "منعاً لاستفزازهم" كما يقول القيادي. كما أعلن الحزب تخفيض عدد مرشحيه على المقاعد الفردية، إلا أن القيادي يشير إلى أن الحزب أبقى فعلياً على كافة مرشحيه الفرديين، مستغلاً عدم إعلان أي من الأحزاب السياسية عن أعداد نهائية لمرشحيها على المقاعد الفردية. "كل ذلك لم يشفع لنا فتعرضنا لحملة أقل ما توصف به بأنها إبادة إعلامية"، قادتها وسائل الإعلام الموالية للنظام والتي أشاعت على مدى أسابيع قبل الانتخابات وطوال مراحل التصويت أن السلفيين في طريقهم لانتزاع الأغلبية البرلمانية وإحياء "مخطط أسلمة الدولة".
وهكذا، فما بين فبراير وديسمبر من عام 2015، كانت أجهزة الدولة ومعاونو السيسي قد تمكنوا من احتواء أغلب الأحزاب السياسية في تحالف "حب مصر"، وخرجت القوتان المنافستان بأقل من 12 مقعداً فردياً لكل منها، بينما قرر عدد آخر من الأحزاب والقوائم عدم خوض الانتخابات من الأصل. لكن الحاجة ظلت قائمة لتدعيم مقاعد القوائم بعدد غير قليل من المقاعد الفردية من أجل الاقتراب من الأغلبية البرلمانية المريحة، وهو الدور الذي تقرر أن يلعبه حزب مستقبل وطن.

حزب شباب الرئيس

"حزب مستقبل وطن يؤمن كل الإيمان بأن أمن الوطن وسلامة أراضيه هما الأولوية الأولى والمطلقة لدى كل المصريين"
--الصفحة الرسمية لحزب مستقبل وطن
ليس من الغريب أن يكون "أمن الوطن" هو القيمة الأولى التي يرد ذكرها في تعريف حزب مستقبل وطن لأولوياته. فعلى مدى الفترة القصيرة التي فصلت بين الإعلان عن إشهار الحزب في منتصف 2014 وبين صعوده الصاروخي على الساحة السياسية اليوم، لا يكاد الحزب يذكر في فضائية أو مقال رأي إلا ووردت مع ذكره الإشارة إلى أنه حزب أنشئ بدعم أجهزة أمنية.
لكن مقابلات أجراها "مدى مصر" مع عدد من الأعضاء السابقين والحالين في الحزب والمقربين من رئيسه ومؤسسه محمد بدران كشفت عن دور لجهاز المخابرات الحربية ومكتب رئيس الجمهورية يتجاوز مجرد دعم الحزب، بل يتضمن إنشائه وتمويله وتوجيهه بشكل مباشر منذ تأسيسه وحتى اليوم.
كتب حازم عبد العظيم في شهادته عن الحزب "أحد مساعدي الرئيس في رئاسة الجمهورية قال لي بنفسه بالحرف "حزب مستقبل وطن وكان في الأصل جبهة مستقبل وطن أسسته المخابرات الحربية ككيان شبابي لدعم الرئيس وده تبعنا".
وبالفعل، فمن أجل تتبع صعود الحزب لابد من العودة إلى شهور سابقة على إشهاره رسمياً، وبالتحديد إلى 15 ديسمبر 2013 حين شهدت دار الأوبرا المصرية إطلاق ما يسمى "حملة مستقبل وطن" بحضور 1500 شاب بهدف "دعم الوطن في هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها" وبحضور مسئولين كبار في الدولة من بينهم مصطفى حجازي، المستشار السياسي لرئيس الجمهورية المؤقت وقتها عدلي منصور.
كان رئيس الحملة محمد بدران في ذلك الوقت رئيساً لاتحاد طلاب مصر، وهو المنصب الذي حصل عليه بدعم من الأحزاب والتيارات السياسية المدنية في عهد محمد مرسي. وبعد إعلان عزل مرسي وإطلاق "خارطة الطريق" في يوليو 2013 تم تعيين بدران في لجنة الخمسين لكتابة الدستور كممثل عن طلاب الجامعات.
على هامش كتابة الدستور أطلق المستشار السياسي حجازي دعوة لإنشاء "مفوضية للشباب" لتكون كياناً معاوناً للسلطة التنفيذية في توصيل صوت الشباب إليها، ودعا عدداً من ممثلي الحركات الشبابية لاجتماعات في قصر الاتحادية الرئاسي لهذا الغرض، كان بدران من بينهم. ويعتقد مقربون من بدران أن هذه الاجتماعات كانت فرصة اكتشاف الأجهزة لهذا الشاب الصامت الذي يمكن التعاون معه واستخدامه كرمز شبابي يمكن إعداده لدور سياسي في المستقبل.
مع انتهاء أعمال لجنة الخمسين، كان مسئولون أمنيون على رأسهم الرائد أحمد شعبان مجدداً، قد استقروا على الحاجة إلى "كيان شبابي لدعم الرئيس" على حد وصف حازم عبد العظيم، رغم أن السيسي لم يكن قد أعلن بعد نيته الاستقالة من منصب وزير الدفاع والترشح لرئاسة الجمهورية.
أحد الأعضاء المؤسسين لحملة مستقبل وطن، كان رئيساً لاتحاد الطلاب بإحدى الجامعات الإقليمية، وصار من المقربين إلى بدران الذي كان قد اعتمد على دعمه في انتخابات اتحاد طلاب مصر. كشف هذا الطالب في مقابلة مع "مدى مصر"- بشرط عدم ذكر اسمه أو محافظته- تفاصيل مثيرة عن المجريات داخل الحملة تشير بمنتهى الوضوح إلى علاقتها العضوية بالدولة ومسئوليها الأمنيين منذ اللحظة الأولى لإطلاقها.
يذكر المصدر أن فكرة مفوضية الشباب أخذت في التراجع بعد عدد من الاجتماعات التي شارك فيها بشأن إنشائها، ثم اختفت تماماً وظهر بدلاً منها مقترح تحويل الفكرة إلى حملة شبابية غير رسمية. واكتشف المصدر فيما بعد أن سبب التحول كان إدراك مسئولي الدولة الجدد أن إنشاء مفوضية رسمية سيخضعها لقوانين الدولة والرقابة على ميزانيتها، بعكس الحملة غير الرسمية التي لن تخضع لأي تنظيم قانوني أو رقابة. ويضيف المصدر: "بعد أن جمعنا عدداً من الأسماء المقترحة لعضوية مفوضية شباب، بدران قال لي إن القيادة السياسية شايفة من الأفضل إطلاق حملة تشبه تمرد. اجتمعنا وحددنا أسماء مقترحة للحملة زي (شباب مصر) و(المستقبل بإيدينا) و(المستقبل لينا). بعدها فوجئنا أن اسم الحملة هو (مستقبل وطن) بدون ما حد يعرف مين اقترح الاسم ده". وكانت هذه الاجتماعات تعقد بفندق فيرمونت بمصر الجديدة.
تدشين حملة مستقبل وطن
كانت التكليف الأول للحملة بعد أقل من شهر على إطلاقها هو حشد الناخبين للتصويت لصالح الدستور الجديد في يناير 2014. تم تعيين الناشط الطلابي مسئولاً للحملة في محافظته، ليبدأ في اكتشاف حقيقة الحملة التي يقول إنه لم يكن يعرفها في البداية: "كان بيجيلنا فلوس كتير للإنفاق على الحملة بدون أي قيود. استأجرنا مقر في أرقى شوارع المحافظة وأنفقنا كتير على تأسيسه وكان عندنا تمويل شهري أكبر من أكبر أحزاب المحافظة".
كان بدران يرسل له الأموال في صورة سائلة على دفعات "بلغت أحيانا 20 ألف جنيه ونسخ من الدستور الجديد وكراتين عصير" مع مندوب لم يكن المسئول الإقليمي يعرف اسمه.
في أحد الأيام المبكرة لحملة دعم الدستور طلب بدران من مسئول المحافظة أن يذهب إلى مكتب المخابرات الحربية في عاصمة المحافظة لمقابلة ضابط بالاسم (قرر "مدى مصر" عدم نشر اسمه لحماية هوية المصدر). عندما ذهب الناشط المحلي في الموعد ودخل إلى مكتب الضابط أصيب بالذهول. كان هو نفس المندوب اللي بيوصل لي الفلوس، يقول الناشط، مضيفاً أن الضابط "بدأ يكلمني عن الحملة وأن المخطط هو ترشيح أعضاء منها لمجلس النواب بعد كده وأعطاني رقمه وطلب مني عدم الإعلان عن هذا الاجتماع أبداً. ومن بعد الاجتماع ده بقت الفلوس بتوصل لي بشيكات موقع من بدران باسمي مع مندوب من المخابرات الحربية وتوقف الضابط عن الحضور بنفسه لتوصيل الفلوس". أحد هذه الشيكات، تلقاها عشية اليوم الأول للاستفتاء على الدستور في يناير 2014، وكان الشيك الصادر عن البنك الأهلي المصري بقيمة 150 ألف جنيه.
كان مسئول الحملة في المحافظة يُكلف أحيانا بتنظيم مسيرات أو وقفات لدعم الجيش أو الشرطة أو إدانة الإرهاب، ويقول "كان بيجيلي في حدود 15 أو 20 ألف جنيه من نفس الضابط لتنظيم كل مسيرة وكانت المحافظة بتبعت لنا شباب من بتوع مراكز الشباب ووزارة الشباب والرياضة عشان يشاركوا وكل واحد بياخد 100 جنيه في المسيرة".
إلى جانب ذلك، كان أعضاء مستقبل وطن الذين يثبتون كفاءتهم يحصلون على وعد بإعفائهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بعد إنهاء دراستهم الجامعية. أحد قيادات اتحاد الطلاب بجامعة إقليمية روى لـ"مدى مصر" أنه عندما ذهب إلى المنطقة العسكرية لإنهاء أوراق تجنيده طلب مقابلة ضابط بالاسم، وفقاً لتعليمات من بدران، وأن الضابط التقاه وأنهى إجراءات حصوله على تأجيل خدمته العسكرية لمدة عام، حصل بعده على إعفاء نهائي من التجنيد.
لم يكن بالحملة متطوعون بالمعني التقليدي. فالمسئول الإقليمي يقول إن مقر الحملة التي كان يرأسها في محافظته كان يعمل به موظفون حكوميون كانت المحافظة تمنحهم إجازات تفرغ للعمل بالحملة تحت مسميات بيروقراطية مختلفة.
التكليف التالي بعد إقرار الدستور كان البدء في جمع توكيلات موثقة بالشهر العقاري من الشباب في كل محافظة لمطالبة السيسي بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية. يقول المسئول "طلبوا منا ألف توكيل من كل محافظة. التوكيل كانت رسوم استخراجه 15 جنيه لكن كنا بندفع لكل واحد يعمل توكيل 50 جنيه لتشجيع الناس. كان فيه حملات تانية في المحافظة بتنافسنا على إصدار توكيلات أكتر. حملة اسمها (مصر بلدي) مثلا كانت بتدفع في التوكيل الواحد 300 جنيه".
مع انطلاق حملة ترشح السيسي، تلقى منسق الحملة توكيلاً باسمه من المحامي محمد بهاء أبو شقة، المسئول القانوني لحملة السيسي يفوضه بتمثيل المرشح في كافة لجان محافظته. يتذكر المنسق أن بدران كان يأتي لاجتماعات منسقي المحافظات، في مقر الحملة الرئيسي بمصر الجديدة، وينقل لهم ما يقول إنها تعليمات الرائد أحمد شعبان، الذي كان وقتها قد انتقل للعمل بشكل شبه متفرغ في حملة السيسي إلى جانب عمله في إدارة الشئون المعنوية بوزارة الدفاع. "أحمد شعبان ما حضرش معانا ولا اجتماع. بدران هو اللي كان بيروح له ويجتمع معاه ويرجع لنا بالتكليفات".
المرة الوحيدة التي تواصل فيها المنسق الإقليمي مباشرة مع شعبان كانت مساء اليوم الأول للاقتراع في الانتخابات الرئاسية. يقول "جالي مكالمة من رقم برايفت وقال لي أنا الرائد أحمد شعبان وطلب مني أخلي التليفون مفتوح تاني يوم الساعة 9 الصبح عشان هيجي لي مكالمة من رقم برايفت برضو". يقول المصدر إنه علم من منسقي الحملة في محافظات أخرى أنهم تلقوا نفس التنبيه، ما دفعه للاعتقاد بأن مكالمة الصباح كانت جماعية وربما كانت رسالة مسجلة. في التاسعة تماماً تلقى منسقو المحافظات المكالمة الموعودة وكان الصوت على الجانب الآخر من الخط هو المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي. "المكالمة كانت غاضبة وكلها زعيق بسبب أن الناس ما نزلتش اللجان في أول يوم خالص. قال لنا أنا مشغل معايا عيال؟ فين الإقبال؟ شدوا حيلكم أكتر مش عايزين نندم أننا اعتمدنا عليكم. عايزين كل الناس تنزل النهارده. وهكذا. حاولنا طول اليوم نشجع الناس تنزل بس ما حدش كان متحمس. في نهاية اليوم قرروا يمدوا التصويت يوم تالت والناس فجأة ظهرت بعربيات وأوتوبيسات والتصويت ارتفع بس برضو بدرجة قليلة".
بعد شهر واحد من انتخاب السيسي، تقدم بدران بأوراق تأسيس حزب باسم مستقبل وطن في يوليو 2014، وحصل الحزب على موافقة لجنة الأحزاب السياسية بعدها بأقل من شهر. كانت حملة تمرد قد تعرضت لانشقاق جسيم قبيل الانتخابات الرئاسية، مع انضمام اثنين من مؤسسيها الأربعة لحملة حمدين صباحي المرشح المنافس للسيسي. وأعلن محمود بدر التراجع عن نية تحويل تمرد إلى حزب سياسي. تأسس حزب بدران وسط حفاوة إعلامية رسمية وصفته بأنه "أصغر رئيس حزب في العالم" في سن الرابعة والعشرين.
إلا أن العام الأول لتأسيس الحزب لم يشهد الكثير من الظهور العلني اللافت لبدران أو لحزبه. حتى جاءت الإشارة الرسمية الأبرز لقرب الحزب من السيسي في حفل افتتاح تفريعة قناة السويس في أغسطس 2015، عندما ظهر بدران واقفاً بجوار السيسي على مركب المحروسة أثناء افتتاح القناة. كان هذا الظهور أول إعلان رسمي مبطن برعاية الدولة للحزب وقرب رئيسه من رئيس الجمهورية، وهو ما انعكس بقوة في رأي المراقبين واللاعبين السياسيين على قرار عدد من المرشحين لانتخابات مجلس النواب الانضمام للحزب والنزول باسمه في الانتخابات، فضلاً عن تشجيع كبار رجال الأعمال على تمويل الحزب باعتبارها تكليفاً رئاسياً، وباعتبار مستقبل وطن هو حزب الرئيس الفعلي. وأعلن بدران لاحقاً في تصريحات صحفية أن حزبه "ممول من مجموعة رجال أعمال منهم أحمد أبوهشيمة، ومنصور عامر، وكامل أبو علي، وهاني أبو ريدة، وبعض العائلات الكبيرة مثل الغنيمي في الإسكندرية، والمغربي في القليوبية، والقرشي في أسيوط، والأشراف فى قنا".
بدران والسيسي
بدران والسيسي
جاءت الإشارة التالية بشأن الرعاية الرسمية لبدران لاحقاً في شهر أغسطس أيضاً، حين كتب الصحفي أحمد رفعتمقالاً في العدد الأسبوعي لجريدة الصباح بعنوان "كيف تصبح طفلا للرئيس في تسع خطوات"، انتقد فيه مواقف بدران التي أدت لصعوده السريع ليقف بجوار السيسي في افتتاح القناة. رفض القائمون على مطابع الأهرام طباعة عدد الجريدة بعد تدخل جهة أمنية غير معروفة، واضطرت الجريدة لحذف المقال من نسختها المطبوعة قبل أن يسمح بطباعة عددها الذي صدر متأخراً. وصلت الرسالة للجميع بأن بدران قد أصبح فوق النقد.
إلى جانب الدعم والتمويل والتوجيه الرسمي للحزب، فإن أغلب المراقبين والمنافسين السياسيين اعتبروا أن النتيجة المبهرة التي حققها الحزب بحصوله على 53 مقعداً، متقدماً على أحزاب كبيرة كالوفد والنور وغيرها، لم تكن لتتحقق إلا بفضل أشرف رشاد، الأمين العام للحزب، والذي أصبح لاحقا رئيس كتلته البرلمانية بمجلس النواب (لم يخض بدران الانتخابات لعدم بلوغه السن القانونية للترشح بعد)، ثم تولى حالياً منصب القائم بأعمال رئيس الحزب بعد السفر المفاجئ لمحمد بدران واختفائه عن المشهد بدعوى استكمال دراسته الجامعية خارج البلاد.
مثل بدران، كان أشرف رشاد عضواً بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي في مسقط رأسه بمحافظة قنا، قبل أن يعلن استقالته من الحزب بعد الثلاثين من يونيو 2013. لكن علاقتهما تعود إلى ما قبل الثورة، حيث كان رشاد أيضا رئيساً لاتحاد طلاب جامعة أسيوط في 2010، واحتضن بدران بعد ثورة يناير وكان داعمه الرئيسي للحصول على مقعد رئيس اتحاد طلاب مصر.
أشرف رشاد
أشرف رشاد (By Mada Masr)
كان أشرف رشاد أحد مؤسسي حملة مستقبل وطن، قبل أن يصبح أحد الأعضاء المؤسسين للحزب، ويدير المعركة الانتخابية الأولى لمرشحيه. وإلى جانب التمويل السخي والدعم الرسمي، فإن نجاح الحزب الانتخابي يرجع بالأساس لاختياره مرشحين قادرين على النجاح في دوائرهم، لاحتلالهم في السابق مناصب قيادية في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، أو انتمائهم لعائلات سياسية كبيرة، أو قدرتهم المالية على تمويل حملاتهم الانتخابية بكرم دون الحاجة لمساعدة. فرغم تفاخر الحزب في برنامج ترشحه للبرلمان بكونه "أول حزب شبابي بمصر، ويضم 120 الف شباب على مستوى الجمهورية، ولديه مائة مقر في جميع محافظات مصر، وعدد مرشحين ما يقرب من ربع مقاعد مجلس النواب" إلا أن دراسة حديثة أظهرت أن 60% في المائة من مرشحي الحزب في الدوائر الفردية كان عمرهم يتجاوز الخامسة والثلاثين، وأن نسبة مرشحيه الذين تجاوزا الخمسين عاماً قد وصلت إلى 25%.
"مدى مصر" التقى رشاد مؤخراً بمقر الحزب الفخم بمصر الجديدة، وهي نفس الفيلا متعددة الطوابق التي كان قد تم تخصيصها لحملة مستقبل وطن قبل إشهار الحزب. في حديقة الفيلا صور ولافتات كبيرة للسيسي، وأعضاء الحزب يشيرون لرئيسه باحترام بالغ بصفة "الباشمهندس"، حيث تخرج رشاد من كلية الهندسة بجامعة أسيوط.
يجلس رشاد- البالغ من العمر 31 عاماً- مرتدياً جلباباً صعيديا على مكتب يحمل صورة لبدران مع السيسي، وخلفه على الحائط بورتريه مرسوم لبدران. يقول "علاقتي بمحمد [بدران] أبوية وباعتبره ابني البكري وهو مشروع عمري"، رداً على سؤال بشأن سر الاختفاء المفاجئ لسلفه وتنصيبه بديلاً له دون مقدمات، على خلفية شائعات ترددت بشأن خلاف نشأ بينهما بشأن الانضمام لائتلاف دعم مصر في مجلس النواب والذي رفضه بدران وأيده رشاد.  يصر رشاد أن سفر بدران كان مقرراً قبلها بعام كامل، ويقول إنه يدرس علوم الإدارة والاقتصاد والسياسة في "جامعة بروكلين". المقربون من بدران في السابق يشكون في ذلك، خاصة وأن بدران منذ إعلان سفره المفاجئ في 18 يناير الماضي لم يدل بأي بيانات أو تصريحات، وأغلق كافة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وتوقف عن التواصل معهم باستخدام تطبيق وتساب كما كان يفعل في الماضي. مع ذلك يصر رشاد أنه "على تواصل مع بدران على مدى 24 ساعة يومياً".
منذ توليه منصب القائم بأعمال رئيس الحزب، قاد رشاد حملة لإعادة هيكلة الحزب، وتغيير قيادات أماناته بالمحافظات، وهو ما اعتبره أعضاء سابقون بمثابة تطهير للحزب من القيادات الموالية لبدران وتولية قيادات جديدة ولاؤها الوحيد لرشاد، ما أدى إلى عدد من الاستقالات الجماعية بأمانات المحافظات قال أصحابها إنها احتجاجاً على تنصيب أعضاء بارزين سابقين في الحزب الوطني على رأس أمانات أغلب المحافظات، باستثناء أمانات الصعيد التي كان ولاؤها لرشاد من الأصل.
ينفى رشاد في حواره مع "مدى مصر" وجود علاقة خاصة بين الحزب وبين الرائد أحمد شعبان، قائلاً "أعرفه طبعا بصفة شخصية وهو شخصية محترمة لكن كل علاقتنا به هو وجوده في اللقاءات التي تجمعنا بالرئيس مثل إفطار الأسرة المصرية" في رمضان الماضي.
لكن المفاجأة هي أن رشاد أنه لم ينكر العلاقة الوثيقة لحزبه بجهاز المخابرات الحربية بالذات. فحين سألناه لماذا تذكر المخابرات الحربية كلما ذكر حزب مستقبل وطن أجاب بمنتهى الوضوح: "لأننا في وقت ظهورنا في 2013 كانت المخابرات الحربية لاعب أساسي في الساحة السياسية بعد ثورة ٣٠ يونيو ومن بين كل قيادات الدولة كانوا أكثر من تحمس لنا ودعمونا وساعدونا في التواصل في المحافظات خاصة على مستوى القيادات التنفيذية".

مصارين البطن تتعارك

مع مطلع عام 2015 كانت المهمة الموكلة إلى المحيطين بالرئيس قد أصبحت واضحة: لم يعد من الممكن الاستمرار في تأجيل عودة البرلمان منذ تم حله في منتصف 2012. وبينما نجح النظام الجديد في تغيير ترتيب خارطة الطريق المعلنة في يوليو 2013 ليتم انتخاب السيسي رئيساً للبلاد قبل انتخاب برلمان جديد، فإنه أخفق في تضمين دستور 2014 ما يكفي من الحصانات التي تبقي على تركيز السلطة في يد رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية وتنتج مجلساً تشريعياً منزوع الأنياب.
وهكذا أصبح من الضروري بعد مرور أكثر من عام على انتخاب رئيس الجمهورية أن تجرى انتخابات تشريعية هي الأولى خلال أربعة أعوام تغيرت خلالها الخريطة السياسية للبلاد بشكل جذري، بشرط ضمان أن تنتج هذه الانتخابات مجلساً لا يشكل أي تحدٍ أمام سيطرة مكتب الرئيس على المجال السياسي بإحكام.
كانت الخطوة الأولى في تنفيذ هذه المهمة هي صياغة قانون انتخابي يضمن عناصر ثلاثة: هيمنة للمرشحين الفرديين على حساب القوائم الحزبية ليكون برلماناً أقل تسييساً من سابقه؛ ونسبة مخصصة لقوائم مغلقة تحصل في حالة فوزها على كافة المقاعد بصرف النظر عن نسبة الأصوات التي حصلت عليها القوائم المنافسة، على عكس نظام القوائم النسبية المعتمد في برلمان 2012 والذي ضمن لكل قائمة عدداً من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصلت عليها؛ وأخيرا أن تشكل المقاعد المخصصة للقائمة كتلة مضمونة من النواب المؤيدين للرئيس يمكن لها، بعد إضافة مقاعد المرشحين الفرديين الموالين للرئيس، أن تنتج أغلبية مريحة من ثلثي أصوات النواب أو أكثر، مع منع غيرها من الحصول على كتلة ثلث الأصوات المعطل للقرارات الحاسمة.
فقد تضمن دستور 2014 طائفة جديدة من الإجراءات التي لا يمكن لرئيس الجمهورية أو حتى لمجلس النواب الإقدام عليها بدون موافقة ثلثي أعضائه، من بينها إسقاط عضوية أحد أعضاء المجلس، وتمديد حالة الطوارئ، والموافقة على تعديل أي من مواد الدستور قبل طرح التعديل للاستفتاء الشعبي، وإقرار القوانين المكملة للدستور، والتي حدد النص الدستوري أنها تشمل "قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية وقوانين الأحزاب السياسية والسلطة القضائية وكافة القوانين المنظمة للحقوق والحريات الواردة في الدستور".
كما منح الدستور ثلثي أعضاء مجلس النواب سلطة إقرار القوانين التي يعترض عليها رئيس الجمهورية، وإعفاء رئيس المجلس أو وكيليه من مناصبهم، واتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور أو الخيانة العظمى أو أية جناية أخرى وتقديمه للمحاكمة، فضلا عن سلطة اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات مبكرة وطرح هذا الاقتراح للاستفتاء.
باختصار، لم يكن من الممكن المغامرة بظهور برلمان خارج السيطرة يملك تلك الصلاحيات المحورية.
 كان دخول جهازي المخابرات العامة والمخابرات الحربية إلى الملعب السياسي المحلي بهذه القوة والوضوح مصدراً للتوتر الداخلي بين المكونات الأمنية لإدارة السيسي. فمع تولي المخابرات العامة مسئولية تشكيل ودعم قائمة "في حب مصر" وتولي المخابرات الحربية دور تأسيس ودعم حزب "مستقبل وطن"، ترك ذلك شعورا بالاستبعاد، وربما الضيق، لدى قطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية، وهو الضلع الثالث في مثلث أجهزة الأمن السياسي في البلاد.
كان جهاز أمن الدولة (قبل تغيير اسمه إلى قطاع الأمن الوطني) قبل ثورة يناير هو المسئول الأساسي عن هندسة المشهد السياسي والبرلماني والتواصل مع الأحزاب والنواب بالعصا والجزرة حسب الاحتياج. وفي المقابلات التي أجراها "مدى مصر" مع لاعبين سياسيين كثر تواترت الإشارات إلى شعور قيادات الأمن الوطني بأن الاضطراب الذي تشهده الساحة السياسية والبرلمانية حاليا يرجع إلى تهميش دورهم واستبدالهم بمسئولين أمنيين من أجهزة أخرى لا يملكون أي خبرة سابقة في إدارة الانتخابات أو توجيه البرلمانات.
فعلى الرغم من النجاح الظاهري الذي حققه اللاعبون الأمنيون الجدد بفضل جهودهم الحثيثة والمنسّقة، بدءاً من حصول قائمة "حب مصر" على كافة مقاعد القوائم، ومرورا بتحولها إلى "ائتلاف دعم مصر" داخل المجلس بعد ضم أغلب الأحزاب والمستقلين الموالين، وانتهاء بانتزاع مقعد رئيس المجلس للدكتور علي عبد العال- مرشح "حب مصر" عن دائرة الصعيد وأستاذ القانون الذي نال المنصب بعد توليه صياغة قوانين النظم الانتخابية منذ 2014- فإن مسئولي الرئاسة والأجهزة "السيادية" انتهى بهم الأمر إلى نيل عقاب لم يتوقعوه: حصل النظام على أكثرية دون أغلبية، وأصبحت وسائل الإعلام تحفل كل يوم بأخبار تستعرض فشل قيادات الدولة والبرلمان والأجهزة في السيطرة على مئات النواب الذين تم اختيارهم بعناية على أساس وحيد هو الولاء للنظام الحالي دون أن يجمعهم أي شعور بالتقارب الأيديولوجي أو الالتزام الحزبي أو حتى المصلحة المشتركة.
وهكذا يبدو النظام اليوم- وفي العلن- وقد فشلت محاولاته في الحصول على مقعد الوكيل الثاني لرئيس المجلس، أو تمرير قانون الخدمة المدنية الذي صوتت ضده أغلبية النواب رغم محاولات مستميتة للضغط عليهم للموافقة، فضلاً عن شعور متنامٍ وتصريحات علنية بأن الحكومة- التي شكلها السيسي قبل أسابيع من الانتخابات- قد لا تحصل على ثقة البرلمان بعد عرض برنامجها عليه نهاية شهر مارس الجاري ما لم يتم تغيير بعض أعضائها. وانتهى الأمر إلى أن قياديين في تحالف دعم مصر أعلنوا انخفاض عدد نوابهم، بعد استبعاد النواب المخالفين للتعليمات واستقالة آخرين، من 400 إلى 250 نائب، بينما يتوقع سياسيون ونواب أن يستمر العدد في الانخفاض.
بعض أعضاء المجلس الحالي ذكروا لـ"مدى مصر"- بشرط عدم ذكر أسمائهم- أن صراعات النفوذ بين الأجهزة الأمنية الثلاثة ليست بعيدة عن هذا الأداء المخيب لآمال النظام حتى الآن. أحد النواب قال إن أعضاء المجلس أصبحوا ينتظرون مداخلات النائب عبد الرحيم علي ليعرفوا توجهات قطاع الأمن الوطني، وهي التوجهات التي تأتي عادة في مواجهة مداخلات سامح سيف اليزل وأسامة هيكل المعبرة عن رأي المخابرات العامة، بحسب النائب، الذي يشير إلى أن هذا التوتر تعبر عنه أيضاً المواجهات الإعلامية بين جريدة البوابة لصاحبها عبد الرحيم علي في مواجهة جريدة اليوم السابع وثيقة الصلة بجهازي المخابرات.
بعض هذه التوترات كان قد بدأ في الظهور في مرحلة التحضير للانتخابات قبل انعقاد المجلس بأشهر. فمنسق مستقبل وطن في محافظة الوجه البحري يقول إن محمد بدران كلفه باقتراح أسماء من محافظته لترشيحهم على قوائم الحزب قبل الانتخابات بعام كامل، في أكتوبر 2014، ليتلقى بعدها اتصالاً من مفتش الأمن الوطني بالمحافظة ليملي عليه بعض الأسماء التي يتوجب أن يرسلها لبدران في القاهرة. ويضيف "بعدها كلمني مدير فرع المخابرات الحربية وطلب مني حذف بعض الأسماء من القائمة قبل إرسالها، وأحد هذه الأسماء كان الأمن الوطني هو اللي قال لي أحطها في القائمة. بعدين طلبوني لأول مرة أروح مكتب المخابرات العامة في [عاصمة المحافظة] وسلموني قائمة تانية بأسماء مختلفة. كل جهاز كان بيدفع مرشحيه".
وبالمثل، فإن القيادي الشبابي من محافظة الصعيد الذي تم استبعاده لاحقاً من قائمة حب مصر ذكر لـ"مدى مصر" أنه كان كلما عاد من أحد اجتماعات تشكيل القائمة في القاهرة يتلقى اتصالا من مفتش الأمن الوطني بمحافظته ليسأله عن تطوارت تشكيل القائمة: "كل مكالمة بنفس المحتوى، إيه الأخبار؟ مفيش تطورات؟ كان بيكلمني بس عشان يعرف آخر أخبار القائمة. واضح أنهم مكانوش بيكلموا بعض"، يضيف القيادي متعجباً.
هذه الصراعات المكتومة بين الأجهزة ينتظر أن تأخذ منحى جديداُ في الأشهر القادمة، مع اقتراب موعد عقد انتخابات المجالس المحلية للمرة الأولى منذ ثورة يناير، والتي ستسفر عن انتخاب 55 ألف عضو في أنحاء الجمهورية. فبعض الأعضاء السابقين بحزب مستقبل وطن قالوا لـ"مدى مصر" إنهم يجري التواصل معهم حالياً للانضمام لكيان يدعى "جبهة شباب مصري" التي يدعمها الأمن الوطني لتصبح بديلا عن حزب مستقبل وطن الخاضع لسيطرة المخابرات الحربية وتحصل على نسبة كبيرة من مقاعد المحليات يتمكن من خلالها الأمن الوطني من استعادة بعض نفوذه في الحياة السياسية.
تم تحديث هذا المحتوى في الواحدة ظهرا في 9 مارس 2015



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

الاثنين، 7 مارس 2016

مغامرة بقاء السيسي في الحكم






أصبح واضحا تزايد عدد من لا يريدون بقاء السيسي في الحكم. المعارضون يرغبون في إزالته منذ اليوم الأول للانقلاب. حيث كان يحكم من خلف ستار الرئيس المؤقت الذي عرف بـ"الطرطور"، بينما كثير من المحايدين اكتشفوا سريعا وقبل مرور أشهر على توليه الحكم أنه فاشل وأنه لن يوفر لهم تلك الأوهام التي حلموا بها من حرية وديمقراطية وعدالة وتقدم اقتصادي وما كان يقال إنه "استعادة هيبة الدولة".

 الأهم أن المؤيدين المسيسين، والذين دعموه بكل قوتهم، وحرضوا على معارضيه بسفالة منقطعة النظير، والذين انقلب عليهم مؤخرا، بعدما شهور من انقلابه على أصدقاءهم مبكرا (يمكنك حصر مئات من مؤيدي الانقلاب في المعتقلات)، هؤلاء أنفسهم بات صوتهم يصدح بضرورة تغييره علنا، بعد أن كانوا يسرون بذلك في لقاءات ضيقة.
ليس سرا أن الحديث العلني المتكرر عن فشل السيسي من جانب شخصيات كانت محسوبة على جبهته الداعمة بات مقلقا بالفعل للدولة العسكرية التي يمثلها السيسي.

في مصر أصلا عدة دول داخل الدولة، دولة الأجهزة الأمنية ودولة رجال الأعمال لم تعد قادرة على تحمل الفشل الذي يتزايد يوما بعد يوم ويكاد يعصف بهم جميعا، حتى أن بعض الأذرع الإعلامية لم تعد قادرة على التبرير، بعد أن استنفدت كل الوسائل، خاصة وأن النظام العسكري لا يمنحها ما يمكنها أن تجادل به المعارضين.

الدولة الأهم في مصر هي دولة الجيش، ولا يمكن للمؤسسة العسكرية التي أصابها خلال سنة ونصف من حكم السيسي ضرر أكبر بكثير من سنة ونصف حكم فيها طنطاوي، إلا أن تفكر في تغيير الواجهة، فالجنرال الموضوع على الكرسي بات خطرا على المؤسسة التي خسرت الكثير في الوعي الجمعي للمصريين. وباتت أقرب إلى صورة الشرطة منها إلى صورة الجيش. وصورة الشرطة في مصر قاتمة جدا.

لاشك عندي أن مبادرة حمدين المولودة ميتة، ومؤتمر وزير الداخلية عن اتهام حماس والإخوان بقتل هشام بركات وقصة عكاشة كلها، وغيرها من القصص الصغيرة (غادة إبراهيم- أمناء الشرطة- ميريهان. وحتى اضراب الأطباء. أبو عيطة. الخ الخ) لا شك أنها جميعا محاولات جدية لإلهاء الشعب عن الواقع المرير الذي يعاني منه نظام السيسي، ولا شك أنها جميعا فشلت بجدارة.

المثير هو بدء نغمة الانتخابات الرئاسية المبكرة، وتكرارها. حتى أن مبادرة حمدين البلهاء نفسها تدفع في هذا الاتجاه، وإن لم تقل هذا صراحة، بل إن أحد مسؤوليها نفى تماما ذلك، وهذا أمر مفهوم في ظل حالة الرعب التي يعيشها صاحب المبادرة نفسه. إن كان هو صاحبها أصلا.
وأظن أن تخصيص عمرو أديب، كأحد أبرز الأذرع الإعلامية، حلقة الأمس للحديث عن تغيير السيسي بعد انتهاء مدته. مؤشر صريح على شعور نظام السيسي بالخطر من تداول فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة، التي لن ينجح فيها أبدا لو جرت بطريقة ديمقراطية.

لكن نظام السيسي يرى أن اللجوء إلى خيار الانتخابات الرئاسية المبكرة هو اعتراف صريح بالفشل، ما يجعله يرفضه كخيار بكل قوته. حتى لو جرت الدماء أنهارا. وقد جرت سابقا.


يبقى أن القرار ليس قرار السيسي ولا قرار دول المصالح المتصارعة داخل مصر، وإنما هو قرار خارجي بالأساس، تعمل كل تلك التروس في إطاره. ولو اتخذ القرار فلن يكون بمقدور السيسي أن يعارضه وإلا كانت نهايته على طريقة القذافي أو صدام.
نحن الآن في خضم مغامرة متكاملة متمثلة في بقاء السيسي على رأس الحكم في مصر، مصر هي المتضرر الأكبر منه، ولأن كثيرين لا يمكنهم تحمل هذا الضرر، ليس حبا في مصر دائما، فإن هذا الوضع لا يمكن تحمله كثيرا



اقرأ أيضا:

عمار علي حسن

كمال أبو عيطة

عبد الناصر سلامة




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية