الجمعة، 12 يناير 2018

ترف نفاد الصبر




 كان صديقي ملتزماً بالنقاش لمعرفة آراء الآخرين، وبالتبعية إبداء آرائه الثابتة التي تتلخص في ضرورة إزالة حكم الفرد في كل بلدان العالم، ومنح الشعوب حرية اختيار حكامها، والتعامل مع الحاكم كموظف مهمته تنفيذ رغبات من يحكمهم.
 كان يرى أن تلك المبادئ جزء لا يتجزأ من محاولة تحقيق الرفاه للمواطنين حول العالم، وأن محاولات التعدي المتواصلة على تلك الحقوق هي السبب الرئيس في كل المآسي التي عرفها العالم، والتي تهدر فيها الأرواح والثروات والحقوق.
لما انطلق الربيع العربي شعر بنشوة كبيرة، وظن أن الوقت قد حان لتتحقق آماله التي ظل يروّج لها لسنوات، وكان فخوراً بالشباب الذي ملأ الميادين بصدور عارية في مواجهة قمع الحكومات المستبدة الفاشلة، والتي لم تتورع عن إطلاق الرصاص عشوائياً على المعارضين بعد اتهامهم بالخيانة. 
 بمرور السنوات وتوالي انتصارات الثورة المضادة، نفد صبره، وبات سريع الغضب، وكان ينزوي لأيام، ويهرب من التجمعات التي تضم من يعبرون عن آراء لا تعجبه، أو لا توافق مبادئه. لكن أزمته الشخصية تطورت إلى ما هو أبعد من الانزواء، فبعد أن كان حريصاً على حرية الشعوب، ويناضل لجعل الآخرين يدركون أن حريتهم حق وليس منة من الحاكم، بدأ حماسه يخبو، وبات يصب غضبه على هؤلاء الحريصين على بقاء الحكام المستبدين، بعد أن كان سابقاً يشفق عليهم.
أغلق التلفزيون من فوره، وأمسك بهاتفه يطالع ما يكتبه أصدقاؤه عبر مواقع التواصل. من بين ما طالعه منشور لصديق عمره الذي يقف على النقيض منه، والذي كتب أن الشعوب العربية لا يمكن أن تحكم إلا بالحديد والنار، وأن ما يسميه البعض ربيعاً لم يكن إلا خراباً على العرب، معتبراً أن الشعوب العربية لا تفهم الحرية، ولا تستطيع دفع تكلفتها أو تحمل مسؤولياتها.
جلس يشاهد نشرة أخبار منتصف النهار التي كانت تعرض مشاهد لحروب وصراعات وأزمات، وتتوالى فيها أخبار القتلى والدماء، من فلسطين إلى الصومال، ومن العراق إلى سورية إلى اليمن إلى ليبيا، وحتى في مصر وتونس. انفجر غاضباً: "العرب لا ينتجون إلا المشكلات. العالم بدون العرب سيكون أفضل".
  هاله ما قرأه، لكنه كان سبباً مباشراً في عودته إلى صوابه الذي كاد يفقده بسبب الإحباط من مآلات الثورات في بلاد العرب. قرر أن يعود إلى مبادئه الأساسية التي تتهم الحكام بالمسؤولية عن كل كوارث الشعوب، لكنه هذه المرة لم يكن بنفس التعاطف السابق مع الشعوب، فأحداث السنوات السبع الأخيرة في رأيه لا تترك للشعوب مجالاً للتنصل من مسؤولية تضييع الفرصة التي كانت سانحة، والتي كادت أن تتحول إلى واقع.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق