الأحد، 10 سبتمبر 2017

خليك في بلدك


يعيش كثير من العرب حاليا مرحلة بائسة، حتى العدد المحدود من الدول العربية التي كانت تتباهى بالإستقرار لم تعد تملكه. يقتل الروهينغا المسلمون في ميانمار على يد الجيش في بلد تقوده حاصلة على جائزة نوبل للسلام، ولا تجد تظاهرة في بلد عربي لدعمهم، مقارنة بإندونيسيا وماليزيا، تتحدث عن الروهينغا فتجد من يستنكر عليك ذلك ويزعم أنك تتجاهل مأساة اليمن الذي يخضع لتدمير ممنهج زاده تفشي وباء الكوليرا مؤخرا بؤسا، وإن تحدثت عن اليمن تجد من يستنكر أيضا ويحيلك إلى ما يجري في سورية من كارثة متواصلة، وإن تحدثت عن سوريا أو ليبيا أو الصومال، تجد من يطالبك بالتركيز على فلسطين باعتبارها قضية العرب المركزية، وعادة ما ينتهي هذا الجدل العقيم بالجملة القبيحة: خليك في مشاكل بلدك. لا يملك عاقل أن يصنف أحوال العرب دون ذكر أوصاف من عينة محزنة، بائسة، أو على الأقل غائمة. لا توجد دولة عربية يعيش أهلها دون مشكلات متفاقمة، ربما يقال إن كل سكان العالم يعانون، وربما كان هذا حقا، لكن يبدوا أن المشكلات المعيشية للعرب تفوق غيرهم. كثير من المشكلات سببها المباشر طريقة تعامل العرب مع أمورهم، ومع جيرانهم ومحيطهم، وبالطبع مع حكامهم، كثير منا يعرف تفاصيل المشكلات، والبعض يدرك أسبابها أو الحلول المتاحة لها، لكن لا أحد يحرك ساكنا. عندما تفجرت ثورات الربيع العربي مطلع العام 2011، وهي التي تأخرت طويلا، ظن كثير من العرب أن الوقت قد حان لنفض غبار الانتظار وخرق جدار الصمت لتحصيل الحقوق الضائعة، أو حتى الوصول إلى مرحلة يتاح للمواطن فيها حرية الرأي ومسائلة المسؤول ومعرفة مصير ثروات بلاده. عشنا على مدار سنة أو أكثر قليلا، تلك الأحلام الجميلة، حتى أن البعض بدأ يعمل جديا على مشروعات ما بعد تحصيل الحقوق وحيازة الحريات، وعمل أخرون على أفكار تنموية لتطوير المجتمعات، فكريا وماديا، وظهرت الكثير من الأفكار القابلة للتحقق. لكن الأحلام سرعان ما تحولت إلى كوابيس لازالت ماثلة للعيان. استعادت أنظمة الفساد التي تغلغلت في كل مناحي الحياة لعقود قوتها، وبدأت بضراوة غير مسبوقة إفشال مساعي شباب العرب إلى إنهاء القمع والإستبداد، وجرى ذلك كله بدعم من أنظمة غربية تدعي الديمقراطية. يمكن القول إن أوضاع العرب الأن أسوأ مما كانت عليه قبل 2011، لكن العاقل لا يمكنه أن ينحي باللائمة على الثورات أو أحلام الشعوب، فالأمور قبل تفجر الربيع العربي لم تكن وردية، وإلا ما تفجر غضب الناس، والأمور بعده كان يمكن أن تكون أفضل كثيرا لو أتيحت الفرصة للتغيير الحقيقي.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق