السبت، 19 مايو 2018

فانوس ومسحراتي

يعيد حلول شهر رمضان سنويا إلى مخيلتي الكثير من ذكريات الطفولة المرتبطة بطقوسه المميزة في مصر، والتي اختفى بعضها تماما، وتطور بعضها الأخر.
 كأغلب أقراني آنذاك، كان لفانوس رمضان أهمية كبرى كأحد مستلزمات الشهر الأساسية، وإن كانت عملية شراءه لا تخلو من مشكلات بسبب إعجابي بأكثر من فانوس عادة، وعدم القدرة على اختيار أحدها، أو اختيار الفانوس، ثم اكتشاف فانوس أخر أفضل. لم تكن عملية الشراء عادة تمر بهدوء.
 لازلت أتذكر فانوسي المعدني الصغير المزين بالزجاج الملون، والذي تضيئه شمعة بيضاء رفيعة، وأتذكر أنني حصلت في سنوات لاحقة على فوانيس أكبر حجما، لكن ظل الفانوس الأول صاحب الحظوة عندي.
في سنوات لاحقة توقفت عن شراء الفانوس باعتباره شأن طفولي. وقتها ظهرت أنواع من الفوانيس التي تصدر صوت موسيقى أو يسمع منها أجزاء من أغنيات أو أدعية دينية، كما ظهرت أشكال متعددة من الفوانيس، لكن كل تلك الأشكال لم تؤثر على مكانة الفانوس المعدني المغطى بالزجاج الملون الذي يحوي شموعا، والذي تحول بمرور السنين إلى هدية قيمة.
عندما ظهر الفانوس الذي يضيء بمصباح يعمل ببطارية جافة، والذي كان حدثا كبيرا وقتها، لم أكن من المعجبين به، ولم أنفك أفضل فانوس الشمعة التقليدي عليه، ولازلت حتى يومنا هذا.
  مثلما ارتبط رمضان في مخيلتي بالفانوس، كانت مكانة المسحراتي مميزة، رغم أن مهمته الأصلية في تنبيه الناس إلى موعد السحور لم تعد مطلوبة لتعدد وسائل التنبيه مثل الساعة والراديو والتليفزيون، وصولا إلى الهواتف المحمولة.
لم يكن مسحراتي حينا يكرر تلك النصوص الشهيرة المتداولة عن المسحراتي "اصحى يا نايم. وحد الدايم. وحد الرزاق. رمضان كريم"، وإنما كان يكتفي بنقر طبلته الصغيرة نقرات خفيفة، قبل أن ينادي بصوت عال: "سحور يا حاج صلاح. سحور يا أستاذ علي"، أو ينادي سيدة البيت باسم ابنها أو ابنتها "سحور يا ست أم محمد. سحور يا ست أم سحر"، فذكر السيدات بأسمائهن المجردة كان ولا زال غير مستحبا في المجتمعات الشعبية. 
كان مرور المسحراتي في حينا الصغير يوميا، طقسا محببا لي في سنوات طفولتي، وكنت وغيري كثيرين، ندور معه على منازل الحي حاملين فوانيسنا المضاءة كل ليلة تقريبا.
  وفي رحلتنا مع المسحراتي كل ليلة عبر دروب الحي الضيقة، كنا لا نستطيع إخفاء انبهارنا بقدرته على حفظ أسماء جميع السكان، وكيف أنه يعرف أين يقيم كل منهم تحديدا، ولا يكاد يخطأ أبدا في اسم أو عنوان.
لم يكن يشغلنا وقتها كيف يكسب المسحراتي قوت يومه بعد انتهاء شهر رمضان، وكذا صانع الفوانيس.







يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق