الاثنين، 17 ديسمبر 2018

ذكريات ضائعة


جلس صديقي القادم من مصر، يحكي عن توجهه مؤخرا إلى أحد المقاهي التي كنا نرتادها سويا على ضفة نهر النيل في الجيزة، وكيف أنه لم يجد المقهى الذي تم إزالة جميع معالمه، وأنه اضطر إلى التوجه لمقهى ثان في نفس المنطقة لم تكن تعجبنا جلسته أو مشروباته، أو يدللنا العاملون فيه.
قال صديقي إنه كان منزعجا من تغير طبيعة المنطقة المحيطة بسبب ظهور بناء ضخم أحال هدوءها السابق إلى ضجيج وزحام متواصل، لكن كل هذا كان هينا مقارنة بغضبه من زوال المكان الذي كانت تقصده مجموعتنا لسنوات، وأن ذكريات المقهى الكثيرة مرت أمامه كشريط فيديو حين اكتشف إزالته.
كنت أتابع حديثه منزعجا أيضا، لكن انزعاجي كان أقل حدة منه لأسباب مختلفة.
ورد ذكر المقهى الذي كان يحكي عنه قبل فترة قصيرة في حديث جمعني بأصدقاء أخرين حول مناطق التجمع في القاهرة، ووقتها كنت منزعجا جدا، ليس لأنه تمت إزالته، إذ لم أكن أعلم وقتها، وإنما كان مصدر انزعاجي أنني لم أستطع تذكر اسمه.
لاشك أن فترات الغربة تجعلنا ننسى كثير من التفاصيل التي كانت سابقا هامة في حياتنا، وهي إن كانت تفاصيل صغيرة، ونسيانها ليس أمرا ذا شان، لكنها تؤكد أن عقولنا تقوم بطريقة غير محسوسة بتفريغ تفاصيل ومعلومات قديمة لتحل محلها أخرى عن أماكن وذكريات لازلنا على علاقة مباشرة بها.
ذكرتني تلك الواقعة بما كتبه على "تويتر" في شهور غربتي الأولى قبل نحو خمس سنوات، أحد رفاق الثورة السابقين الذي أغضبه رفضي تأييدهم للانقلاب العسكري، فاعتبر أنني انقلبت على "الشلة"، وإنني خسرتهم كأصدقاء.
بعد نحو ثلاث سنوات مما كتبه الصديق السابق عني، عرفت أنه اضطر إلى مغادرة مصر خوفا من اعتقاله بعدما بات يقول إن ما جرى في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، هو "انقلاب عسكري"، بعد أن كان يسميه "الثورة الثانية"، وقال لي صديق مشترك إنه طلب منه إبلاغي بإعتذاره.
أتابع طيلة السنوات الماضية آراء كثير من رفاق الثورة السابقين الذين شاركوا في دعم حركة "تمرد"، وشاركوا في تظاهرات الثلاثين من يونيو، رغم وضوح أنها كانت مصنوعة للإجهاز على كل مكتسبات ثورة يناير.
بعضهم اكتشف بعد فوات الأوان، أنه تم استخدامه في الانقلاب على الثورة التي كان مؤمنا بها، وأخرين لازالت تأخذهم العزة بالإثم ويرفضون الاعتراف بالجريمة التي ارتكبوها في حق تلك الثورة.

لازلت غير قادر على التسامح مع المعترفين بالخطأ، خصوصا الأصدقاء السابقين منهم، ولا أفهم أسباب عدم إزالة عقلي لمواقفهم الكريهة تلك من ذاكرتي مثلما حدث مع أمور أخرى لا تزعجني بنفس القدر.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق