السبت، 28 أكتوبر 2017

من حكايات المغفلين




 المُغَفَّلُ في "لسان العرب" هو الشخص الذي لا يملك الفطنة لمعرفة الحق من الباطل والصالح من الطالح والمنفعة من المضرة، وليس من التجني القول إن كثيراً من البشر هم "مغفلون"، والواقع أن هذا لا يتأثر في كثير من الأحوال بمستوى التعليم أو الوعي.
لما اشتعلت ثورة يناير في مصر، كان أغلب المشاركين فيها مغفلين لدرجة تصديق أنهم هزموا ما يطلق عليه "الدولة العميقة" في ثمانية عشر يوماً، وكان معارضوها أكثر غفلة لأنهم قاوموها رغم أنها كانت المخرج الوحيد لمشكلات تقبع فيها البلاد، ليكتشف الطرفان لاحقاً أن سذاجتهما انتهت بهما إلى السقوط في فخ الثورة المضادة. ولما اشتعلت الثورة في سورية واليمن وليبيا، كان المشاركون فيها مغفلين لدرجة تصديق أن الأنظمة الحاكمة، والأنظمة الداعمة لها إقليمياً وخارجياً، ستسمح لهم بتكرار السيناريو الذي جرى في تونس ومصر، على اختلاف المآلات في البلدين، ليكتشفوا لاحقاً أن سذاجتهم تلك انتهت بهم جميعاً إلى الحرب الأهلية التي لا زالت مستعرة.
ظل الغرب يروج لعقود أن النظام الحاكم في السعودية نموذج لكل ما يجب على دول الشرق الأوسط أن تتجنبه بسبب حكم الفرد ونشر التشدّد وغياب الحريات، وإن ظل كل هؤلاء المنتقدين مستفيدين من مشروعات يمكن اعتبارها رشاوى مقنعة. لكن الأغرب هو الشعب الذي ظل عقوداً يكرر الخطاب الرسمي المناهض للحريات والمتشح بمزاعم اتّباع تعاليم الدين، ثم لما قرر النظام شكلياً مجاراة النسق الغربي في بعض الأمور تحوّل الناس إلى تكرار الخطاب الجديد دون وعي.
يظن البعض أن الغفلة، التي يسميها البعض سذاجة، مرتبطة بغياب الوعي في الدول المذكورة، لكن السنوات الأخيرة كشفت لنا أن كل الشعوب في أنحاء العالم تعاني درجات من السذاجة تسمح للأنظمة الحاكمة بالتلاعب في مقدراتها. ظل الغرب يروج لسنوات أن نموذج الحكم القائم في كردستان العراق هو الأمثل في الشرق الأوسط، وأن على بقية دول المنطقة أن تحذو حذوه، فلما قرر إقليم كردستان ممارسة الديمقراطية للمطالبة بالاستقلال أدار العالم ظهره للأكراد واصطف مع الحكومة المركزية الفاشلة في بغداد. حتى في قلب أوروبا المتقدمة، أكدت وقائع استفتاء انفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا أن الشعب يتمتع بالسذاجة نفسها التي يتمتع بها أقرانه في الشرق الأوسط، وأنه يمكن أن نطلق عليهم وصف مغفلين.
لسنا وحدنا مغفلين إذن، فغالبية الشعب الأميركي مثلاً لم تكن تعرف أين يقع العراق لما بدأت حرب الخليج الأولى.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق