الأحد، 13 أبريل 2014

سلامة عبد الحميد يكتب: الدم في طيبة


من: العربي الجديد

ولما لاح الفجر بدأ الصراع، غابت العقول، وسيطرت الشياطين، وتطايرت الأشلاء، واختفى البشري ليحل محله الحيوان، لم يعد القتل جريمة ولا التمثيل بجثث القتلى جريمة، ولا استباحة أعراض النساء وأجساد الأطفال نقيصة. كل هذا وغيره جرى في أكثر محافظات مصر طيبة. إنها بالفعل "طيبة" عاصمة الحضارة وملكة العالم وقت أن كان العالم لا يعرف دولا غيرها، صاحبة الحكومة والنظام ومدينة الحاكم العالمي القوي الذي يفرض على الجميع حكمه ويمتثل الكل لإرادته.
فجأة تحول أهلنا الطيبون في أسوان إلى وحوش، الصورة الذهنية المعروفة عن أهل أسوان أنهم غاية في الطيبة والتدين، وعن أهل النوبة، جنوب أسوان، أنهم غاية في الرقة واللطف، ما الذي حول هؤلاء الطيبون الرقيقون إلى وحوش آدمية تقتل بعضها بعضا بهذا الشكل، ما الذي أخرج الوحش من القمقم ليطوف في بلاد طيبة بسيفه ورصاصه ليقتل ويصيب العشرات؟.
لقد تغيرنا جميعا. لا شك في ذلك، على مدار السنوات الأخيرة وخاصة السنوات الثلاث التي أعقبت ثورة يناير، تغيرنا جميعا، أصبحنا أكثر عنفا وأكثر تهورا، لم تعد مشاهد الدماء تثير فينا الكثير من الغضب، لم تعد مشاهد الجثث تثير فينا مشاعر الانسان الطبيعي الذي لا يتحمل القتل الجماعي، أو الظلم الجماعي، أو العقاب الجماعي.
يزعم البعض أن السبب في الانفلات الأمني، وأن غياب سطوة الدولة وراء دموية الاحداث وتصاعد العنف، وهذا في رأيي تفسير قاصر، إن لم يكن مغالطة مقصودة.
عندما قرر الأمن أن يغيب ،محدثا ما يسمى إعلاميا بالانفلات الأمني، بعد تفجر الثورة، لم يكن ذلك إلا عقابا للثوار على الخروج على دولة الفساد والقمع، وعندما غابت الشرطة في عهد مرسي عن ممارسة دورها المنوط بها كان ذلك عقابا جديدا للشعب على اختيار مرسي وليس شفيق ممثل دولة الفساد. غياب الشرطة ولا شك جريمة، واستمرار غيابها "بالمزاج" عن أماكن، والحضور في أماكن أخرى خطيئة كبرى لن يمحوها إلا عقاب رادع.
يقول صديقي النوبي غاضبا إن مدير الأمن اتفق مع عائلة "الهلايلة"، وهم في رأيه تابعون للأمن بالأساس، على تركهم لقتل عدد مماثل من النوبيين قبل أن يبدأ الصلح، ويقول صديقي الهلالي بغضب مماثل إن النوبيين يرددون ليل نهار أنهم أصحاب الأرض وأنهم سيطردون كل من لا ينتمي للنوبة منها يوما.
الوضع مشتعل في أسوان، والدولة غائبة، أو بالأحرى منشغلة في الدعاية للجنرال وقمع الطلاب واعتقال الفتيات. يطالب الطلاب بالإفراج عن زملائهم المعتقلين، فترد الجامعة بمطالبة الشرطة بدخول الجامعة لحماية المباني من الطلاب، في تحد صريح لرغبة أصحاب الجامعات الحقيقيين، بينما يستقبل وزير الداخلية ممثلي الطلاب لاستشارتهم.
تقول عضو اتحاد طلاب جامعة القاهرة لوزير الداخلية في لقاء حول عودة الحرس الجامعي إلى حرم الجامعة إن عناصر الشرطة يتحرشون بالطالبات في الحرم، فيرد أحد مساعدي الوزير ضاحكا بأنهم معذورون بسبب ما يعانون من كبت.

يجلس المواطن أمام شاشة التلفاز ليشاهد مقدم برامج وضيفه، لا يمكنك إلا أن تصف كليهما بالـ"مخبر" يرددان عن طلاب الجامعات المصرية كلاما أقل ما يوصف به أنه "منحط"، وبينما أولاد المواطن طلاب في الجامعة، إلا أنه يصدق أن طلاب الجامعة إرهابيون وعملاء وخونة ويرغبون في إسقاط الدولة. ولكن أي دولة؟ أين هي تلك الدولة التي تخشون سقوطها؟!


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق