قال
الأمير تركي بن محمد وكيل وزارة الخارجية السعودية، الأربعاء، إن التزام قطر بتطبيق
كل ما اتفق عليه بشكل فعال في وثيقة الرياض، سيساعد في تقريب وجهات النظر وحل القضايا
العالقة معها.
يظن
كثيرون أن للسعودية قرارا فيما يخص قطر أو غيرها، بينما القرار يأتي رأسا من واشنطن،
ولا تملك الرياض أو غيرها من عواصم الخليج إلا الالتزام والتنفيذ.
بداية،
لم يكن أمام السعودية من بد غير دعم الانقلاب العسكري في مصر، تعاني السعودية بشدة
من نجاح نموذجين اسلاميين يحيطان بها هما ماليزيا وتركيا، لكنها لن تتحمل نجاح نموذج
اسلامي ثالث، أقرب إليها في مصر.
لكن
الخطر الأكبر الأن على السعودية ليس متمثلا في قطر، قطر لن تسمح واشنطن بأن تمسها أي
دولة بأي حال من الأحوال، وسبق للسعودية أن جربت عام 1996، وفشلت في إحداث انقلاب في
قطر.
الخطر
الأكبر على السعودية ينبع من الداخل، فأمراء الجيل الثاني لن يمرروا تنصيب الملك القادم
بسهولة، على الأقل خمسة أمراء يرون أنفسهم أحق باللقب، ولدى كل منهم سطوة وقوة ونفوذ
داخل البلاد وعلاقات خارجها، لم يعد مقبولا في الداخل السعودي، وخاصة لدى الأمراء من
جيل الوسط والشباب، أن يظل الجيل الأكبر من أبناء عبد العزيز يحتكر الملك، أطماع الجيل
الثاني من أحفاد عبد العزيز بارزة ولها ارهاصات واضحة، وإن ظل اللجوء إلى أمير من الجيل
الأول قائما، للتغلب على عقبة الاختيار التي قد تتحول إلى كارثة.
خطر
أخر يتهدد السعودية يتمثل في القوة الإيرانية المتزايدة، والتقارب الإيراني الأمريكي
المتنامي، لم تعد طهران عدو واشنطن اللدود كما كانت سابقا، ولم تعد الشيطان بالنسبة
لإمارات الخليج التي تحج إلى السعودية قبل كل قرار، العلاقات الإيرانية الإماراتية
واسعة ومتشعبة ولا أحد يملك زعزعتها، والعلاقات العمانية الإيرانية باتت واضحة للعيان
وتمثل تحديا صريحا للقرار السعودي في مجلس التعاون، ثم التقارب الأحدث بين إيران والكويت
الذي تمثل في زيارة أمير الكويت لطهران قبل يومين.
في
المقابل فشلت السعودية في تمرير أزمة سحب السفراء من الدوحة التي كادت تقضي على مجلس
التعاون الخليجي كله، بعد رفض عمان والكويت، كما فشلت مساعيها في تمرير العملة الخليجية
الموحدة التي رفضتها الكويت وعمان وتحفظت عليها الإمارات، وفشلت فشلا ذريعا في سوريا.
فقط
نجحت، ولو جزئيا في مصر التي مولت الانقلاب فيها، ولازالت تموله تفاديا لنجاح
الثورة وانتقالها إلى الجزيرة العربية، وربما نجحت في اليمن أيضا بتحجيم الثورة،
حتى لا تنجح في حديقتها الخلفية.
في
المقابل تعاني قطر من محاولات مستميتة لسحب كأس العالم 2022 منها، وتدعم السعودية والإمارات
تلك المحاولات بقوة، وإن من وراء ستار، لكن واقعة التفاوض بين واشنطن وطالبان التي
رعتها قطر في هذا التوقيت تحديدا لها معان عدة، كانت قطر تنافس أمريكا على تنظيم كأس
العالم، وربحت الدوحة، وبينما يحاول البعض سحب الكأس من قطر، تقوم الأخيرة بإجراء عملية
التفاوض، لتكسب نقاطا عدة في الشارع الأمريكي الذي أعادت إليه جنودا مخطوفين في أفغانستان.
وقد
سبق هذا رعاية المصالحة الفلسطينية التي ظلت متعثرة طويلا بسبب عدم الاستقرار في
مصر، واعجاب السعودية بلعبة استخدام الأزمات، كانت المصالحة الفلسطينية تتم سابقا في
القاهرة، ثم لما تراجع دور مصر، انتقلت إلى السعودية، وفجأة انتقلت إلى الدوحة، في
تعاظم واضح لدور الدولة الخليجية الصغيرة.
بقي
التنبيه على أن الدبلوماسية القطرية القوية، تفتقر بشدة إلى اعلام قوي، دعك من شبكة
الجزيرة، فقطر تحتاج إلى قنوات خاصة وصحف ومواقع إلكترونية قوية، ووجوه إعلامية
ونخبة وشخصيات بارزة، تدعم مواقفها وتعمل على تسويقها سريعا، وربما بات هذا أمرا عاجلا
في مواجهة الألة الإعلامية السعودية الجبارة، والألة الإعلامية الإماراتية المتنامية.
أمثالي
يرغبون في أن يسقط حكم أل سعود سريعا، لأن سقوط حكمهم ينذر بتغيير واسع في المنطقة
كلها، ويدعم التحرر الحقيقي من سطوة الأنظمة البالية التي تستخدم المال والدين
وسيلة لبقائها، بينما ينكرون على الأخرين ذلك ويعتبرونه تهمة، كما هو الحال مع
جماعة الإخوان في مصر أو حزب التنمية والعدالة في تركيا، أو حزب النهضة في تونس،
وكلها نماذج إسلامية تهدد ما يشيعه نظام أل سعود حول كونه حامي حمى الإسلام
المعتدل.
إن
فكرة الإسلام المعتدل نفسها، بنموذجها السعودي مضحكة للغاية، فتنظيم القاعدة بدأ
من السعودية وكان زعيمه سعوديا، والمذهب الفكري الوهابي أكثر تشددا من كل النماذج
التي ذكرتها سابقا في مصر وتونس وتركيا، ولازالت المرأة لا تحصل على حقوقها في
السعودية، والبشر محرومون من ممارسة الكثير من حقوقهم فيها، والشرطة الدينية قائمة
ولها نفوذ واسع، والتحالف بين مال أل سعود، ونفوذ أل الشيخ نموذج واضح لخلط الدين
بالمال بالسياسة.
سيكون
جيدا لو سقط أل سعود، لكن الأفضل كثيرا أن تطور الدولة السعودية من نفسها بدلا من
السقوط، سقوط السعودية سيكون له أثار كارثية على المنطقة العربية ربما يستمر
لسنوات، لكن يبدو أنها النهاية المحتومة في ظل الإصرار السعودي على اللعب على كل
الحبال وادعاء القوة والتفرد.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق