الخميس، 22 أكتوبر 2015

ليلة القبض على مورجان فريمان في مصر




طرق موظف جهاز الرقابة، الباب طرقات سريعة متتابعة، قبل أن يدلف سريعاً إلى غرفة واسعة قديمة الأثاث، يبدو أنها لم تجدد منذ سنوات، توجه مباشرة إلى الجالس إلى مكتب كبير في وسط القاعة، وعاجله بأن لديه قنبلة.

تنبه الجالس، وهو موظف أكبر سناً، وقال للموظف الشاب: هات ما عندك، فقال الشاب: "مورغان فريمان في مصر"، تردد الجالس قليلاً قبل أن يقول بصيغة العالم ببواطن الأمور: "نعم. سمعت. لا شك أن الوزارة ستنظم له حفل استقبال، وسأكون من المدعوين".

تهلل وجه الموظف الشاب الذي اكتشف أن رئيسه لا يعلم سبب وجود النجم العالمي في البلاد، وقال: "لكنه يصور فيلما، وبدون تصريح". عندها اعتدل الموظف الكبير الذي يجلس على مقعد رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية المصري، وبدأ يسأل الشاب عن التفاصيل.

سرد الشاب معلوماته. "جاء فريمان إلى مصر ليصور فيلما وثائقيا بعنوان (حكاية الله)، الفيلم من إنتاج عملاق الأفلام الوثائقية (ناشيونال جيوجرافيك)، وفريمان يقوم بدور الراوي".

لمعت الفكرة التي جاء بها الشاب في عقل رئيس الرقابة، هو موظف قديم "ويفهمها وهي طايرة" كما يقول المصريون عن أنفسهم، لكنه كموظف قديم أيضا يعرف أن لكل شيء طريقة وترتيبا. طلب من موظفه أن يذهب إلى الأرشيف ويبحث عن تصريح باسم الفيلم، وأن يحضر له كل ما يخص الشركة المنتجة من تصاريح سابقة.

ذهب الشاب فورا لتنفيذ أوامر رئيسه، والذي يعلم علم اليقين بعدم وجود تصاريح، كونه موظفا قديما في الجهاز، بينما التقط الرئيس هاتف مكتبه واتصل بصديقه الصحافي المعروف، وقص عليه الموضوع، طالبا رأيه في طريقة التصرف. في البداية، أنكر عليه الصحافي ما ذهب إليه عقله من التصدي لتصوير الفيلم بما لديه من صلاحيات قانونية في هذا الشأن، محذرا من الفضيحة الكبرى التي ستحدث بسبب الموضوع.

لكن رئيس الرقابة عاجله بأنه يريد أن يظهر اسمه، وأن الأمر ليس فيه ما يشين، لأنه يقوم بمهام عمله وفق نصوص القانون. فهم الصحافي الموقف، وقرر أن يستغله أيضا لصالحه، وشجع رئيس الرقابة على أن يتخذ إجراءاته الرسمية، على أن ينشر هو "الخبر القنبلة" على حد وصفه، باعتباره انفرادا له.
جاء في نص الخبر: قرر رئيس الرقابة على المصنفات الفنية المصرية إبلاغ جهاز الأمن الوطني لوقف تصوير فيلم "قصة الله" الذي يصوره النجم العالمي مورغان فريمان لصالح شركة ناشيونال جيوجرافيك في مصر.

نشر الخبر بالفعل، وأحدث الجدل المنتظر منه، جلس رئيس الرقابة في مكتبه منتشيا يتلقى اتصالات هاتفية من كل الاتجاهات، وكان يلوح في جميعها بصلاحياته والقانون الذي ينفذه، لكن فجأة وصله اتصال من جهة لم يكن يتوقعها، قال المتصل بانفعال: "إنت مجنون، إنت مش عارف اللي إنت عملته دا تسبب في إيه؟".




لم يكن الرجل في منصب يؤهله للرد على المتصل المهم بنفس الطريقة التي ظل لساعة أو أكثر يرد بها على وسائل الإعلام التي تواصلت معه، لم يملك إلا أن قال: "أنا بأعمل شغلي يا أفندم. لم أتجاوز القانون"، فكان رد المتصل: "أي قانون؟ الفيلم حاصل على تصريح بالتصوير من هيئة الاستعلامات قبل أربعة شهور، حتى لو لم يحصل على تصريح، كيف تقرر أنت في أمر بهذه الأهمية دون الرجوع إلينا؟".

ارتبك رئيس الرقابة، لم يجد ما يدفع به التجاوز عن نفسه، اكتفي بتمتمات من عينة "كان لازم يوصلنا نسخة من التصريح. يا أفندم أنا باحاول أشوف شغلي. الفيلم يتحدث عن الذات الإلهية وهذا غير مقبول".

كل محاولات الرجل للتبرير لم تٌقبل، فبدأ مرحلة الصمت المطبق، بينما المتصل الذي يبدو أنه مسؤول كبير في الدولة، واصل إبلاغه بأن ما فعله أحدث رد فعل سلبيا جدا، وأن السفارة الأميركية في القاهرة أبدت انزعاجها، وأن وزير السياحة استنكر ما جرى بعد يوم واحد من ترحيبه بالنجم العالمي، أملا في أن يسهم في ترويج الصورة الآمنة لمصر.

وتابع: "مورغان فريمان نفسه طلب مغادرة مصر وعدم استكمال تصوير الفيلم، وصورة مصر أمام العالم اهتزت، خاصة أن جزءا من الفيلم صور بالفعل في تركيا، ووسائل الإعلام ستستغل الواقعة للتدليل على عدم وجود حرية رأي أو تعبير في مصر"، وواصل: "مسؤول كبير في جهة سيادية هاتفني قبل قليل غاضبا، وقال لي: انتو ليه عاوزين تكرروا كارثة فيلم (المريض الإنجليزي)؟، وبعدين إزاي انت موظف قديم ولا تعرف إن تصاريح الأفلام التسجيلية الأجنبية لا علاقة لها بجهاز الرقابة وإنما تتبع هيئة الاستعلامات؟".

أسقط في يد الرجل الذي كان يرغب في الحصول على بعض الأضواء، وإظهار نفسه باعتباره يقوم بمهام عمله على الوجه الأكمل، ليجد أنه بات مسؤولا عن عاصفة من الانتقادات التي لن تتوقف عنده، بل ربما تطاول الدولة كلها، ولمعرفته بطريقة سير الأمور، واستشعاره خطورة ما فعله على مستقبله الوظيفي، حاول التزلف إلى المسؤول قائلا: "انصحني حضرتك بالحل"، وصلته الإجابة السريعة المقتضبة عندما أغلق المتصل الهاتف بدون رد.



*قصة من خيال الكاتب 



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق