إبراهيم الصحاري يكتب عن أسباب فشل انتفاضة الأمن المركزي
عام 1986
تأتي خلال الشهر الحالي ذكرى مرور عشرون عام (باتت
27 عاما) على انتفاضة جنود الأمن المركزي.. وإذا كانت الانتفاضة الخاطفة في فبراير
1986 قد انتهت سريعاً فإن كل العوامل التي دفعت إليها لازالت قائمة، بل وتزداد حدة..
إلى من سينحاز جنود الأمن المركزي في الانتفاضة المقبلة؟
إبراهيم الصحاري يحاول الإجابة على هذا السؤال، وهو يحكي
عن الانتفاضة السابقة..
انفجرت انتفاضة جنود الأمن المركزي في منطقة الأهرامات
مساء يوم الثلاثاء 25 فبراير 1986 وتطورت على نحو واسع فوجئ بها الجميع: النظام، والبرجوازيون،
وأحزاب المعارضة، ..إلخ. وقد انطلقت الانتفاضة من معسكرين من معسكرات الأمن المركزي
يقع أولهما على الطريق بين القاهرة والفيوم، ويقع الثاني على الطريق بين القاهرة الإسكندرية.
ففي السادسة من مساء ذلك اليوم بدأ ثمانية آلاف جندياً مظاهرات احتجاجية بعد أن ترددت
بينهم أنباء تفيد بأنه تقرر مد فترة التجنيد الإجباري لأفراد الآمن المركزي من ثلاثة
سنوات إلى أربع سنوات، وأن تخفيضا صغير سوف يلحق بمرتبات الجنود لسداد ديون مصر!! وتطورت
الأحداث بعد ذلك فيما يشبه انتفاضة شاملة امتدت إلى ستة معسكرات مختلفة من الجمهورية
(القاهرة، والجيزة، والقليوبية، وسوهاج، وأسيوط، والإسماعيلية).
كان طبيعياً أن يثير خبر مد فترة التجنيد ثائرة جنود
الآمن المركزي، الذين تراوح عددهم الإجمالي في تلك السنة بين 300 و400 آلف جندي، معظمهم
من أبناء معدمي الريف وفقراء الفلاحين الذين تفضل القوات المسلحة إحالتهم إلى قوات
وزارة الداخلية لقضاء تجنيدهم الإجباري بها.
وطبقاً لتصنيف القوات المسلحة لهؤلاء المجندين فهم من اللائقين صحيا من المستوى
(1) وثقافيا من المستوى (صفر) أي الأميين المحملين بأمراض مختلفة. وتنظر لهم وزارة
الداخلية على أنهم يد عاملة رخيصة، حتى أن تقريراً رسمياً للوزارة وصفهم بأنهم
"عمالة معدومة الأجر"، حيث تتراوح مرتباتهم بين 4 و6 جنيهات. وقد دفع ذلك
وزارة الداخلية إلى التوسع في أعداد الملتحقين بقوات الأمن المركزي، خاصة مع تزايد
حدة الصراع الطبقي في السبعينات.
قصة تطور الأمن المركزي
ارتبطت نشأة الأمن المركزي وتطوره ارتباطاً وثيقاً بتطور
الصراع الطبقي في مصر. وتعود فكرة استخدام الأفراد المجندين للقوات المسلحة بوزارة
الداخلية في أعمال الأمن إلى ثورة 1919 وعجز قوات الشرطة المحدودة وقتها في مواجهتها،
مما دعى الاستعمار الإنجليزي بالاستعانة بمجندين من القوات المسلحة لاستخدامهم في قمع
المظاهرات. وعادت الفكرة للظهور مرة أخرى في ظل الأزمة المحتدمة للنظام الناصري في
أعقاب هزيمة يونيو 1967
فعندما اندلعت مظاهرات عمال حلوان في فبراير 1968 احتجاجاً
على الأحكام الصادرة ضد قادة سلاح الطيران المتهمين بالإهمال والمسئولية عن الهزيمةـ تلك المظاهرات كانت بمثابة شرارة أشعلت فتيل تحركات عمالية وطلابية عارمة ـ وعجزت
قوات الأمن وتشكيلاتها عن مواجهتها، استنتجت الأجهزة الأمنية للنظام أن ساحة المجتمع
المصري ستشهد مزيدا من الاضطرابات الجماهيرية. إثر ذلك صدر القرار الوزاري رقم
1010 لسنة 1969 الذي أنشأ جهاز الأمن المركزي، وخصه بمواجهة الاضطرابات وأعمال الشغب
التي تعجز قوات الأمن العادية عن مواجهتها، ولم يتجاوز عدد جنود الأمن المركزي آنذاك
خمسة آلاف جندي. ومع اتساع نطاق النضالات الجماهيرية في السبعينات اتسعت أيضا قوات
الأمن المركزي حتى وصلت للذروة في أعقاب انتفاضة يناير 1977. وقد طورت الداخلية إستراتيجيتها
وتكتيكاتها ضمن ما عرف بسياسة الأمن الوقائي في عهد النبوي إسماعيل، بما يعني توجيه
ضربات اجهاضية لأي تحرك سياسي أو اجتماعي وهو لايزال في المهد. هكذا لم تتضاعف فحسب
أعداد جنود الأمن المركزي حتى بلغت نصف مليون، بل انتقل تسليح الجهاز أيضاً من العصي
والقنابل المسيلة للدموع والبنادق إلى المدافع الرشاشة والسيارات المدرعة وبعض الأسلحة
الكيماوية، حتى اصبح يشبه إلى حد كبير الجيش النظامي.
حياة الجنود داخل المعسكرات
ينظر أغلب جنود الأمن المركزي لفترة التجنيد على أنها
عقوبة وتمر بأية صورة، فالمعسكرات بالنسبة لهم سجن، حيث يعيشون في معسكرات ضخمة من
الخيام لا تتضمن أية مرافق مريحة، وهم ينامون على الأرض ولا تتوافر لهم دورات مياه
آدمية. كما أن التغذية التي تصرف لهم لا تتناسب مع ما يبذلون من جهد شاق (وصل متوسط
ثمن الوجبة عن اليوم الواحد شاملاً الإفطار والغداء والعشاء 93.7 قرشاً طبقاً لعقد
توريد أغذية 1989/1990 وذلك بعد ما تحسنت التغذية كثيراً بعد أحداث فبراير 1986) وهم
لا يحصلون على الوجبة الساخنة الوحيدة إذا جاء موعدها وهم في دورياتهم.
ولا يحصل جنود الأمن المركزي على إجازات إلا لمدد قليلة
وعلى فترات متباعدة وهم يتعرضون إلى تدريبات شاقة ولا إنسانية ويتعامل معهم الضباط
كأنهم آلات صماء بلا مشاعر أو إرادة. فمن بين أساليب تدريبهم إجبارهم على الوقوف ثماني
ساعات لا يتحركون خلالها ولو لقضاء الحاجة فضلاً عن شحنهم ضد أي مشاعر إنسانية قد تنتابهم
أثناء أداء مهمتهم بتدريبهم على ضرب بعضهم البعض.
الحياة في المعسكر بالنسبة لجندي الأمن المركزي تشبه
السجن تماما.ً ويعمق إحساسهم بالظلم التناقض المخيف بين بؤس حياتهم في المعسكرات والرفاهية
البادية في الأماكن التي يكلفون بحمايتها، من بنوك وشركات وسفارات وفنادق وملاهي وكازينوهات.
وعلى حد قول لينين في مقاله "الجيش والثورة": "إن روح الحرية تتسرب
إلى الثكنات في كل مكان، فالثكنة في روسيا أسوأ من سجن، وهم لا يقمعون الشخصية في أي
مكان كما في الثكنة ولم يصل الضرب والتعذيب وإهانة الإنسان في أي مكان لهذه الدرجة.
هذه الثكنات ستصبح بؤرة للثورة".
خمس سنوات علي حكم الديكتاتور
كان الفلاحون في مصر الفرعونية يستعبدون لمدة ثلاثة أشهر
لبناء قصر لفرعون أو عام لشق قناة أو إقامة
هرم ثم يفرج عنهم، أما الآن فإن جنود الأمن المركزي مستعبدون لمدة ثلاثة سنوات في ظل
شروط عمل أشبه بنظام السخرة في معسكرات الاعتقال تحت حكم ستالين.
حدثت انتفاضة جنود الأمن المركزي في سياق أزمة متفاقمة
للرأسمالية المصرية فبعد خمس سنوات من تولي الديكتاتور مبارك للحكم تقلصت عائدات البترول
ومعها تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وارتفع معدل التضخم إلى حوالي 20 % وتراجع
معدل النمو الاقتصادي (الذي بلغ حوالي 2.5 %) عن معدل نمو السكان وهو ما عنى انخفاض
نصيب الفرد من الداخل (فضلاً عن سوء توزيع هذا الدخل)، كما بلغت الديون 32.5 مليار
دولار. ومع احتدام الأزمة بدأت حكومة علي لطفي في اتخاذ مجموعة من القرارات الاقتصادية
الجديدة علي طريق "الانفتاح" والهجمة علي حقوق ومكتسبات العمال وتكثيف معدلات
الاستغلال. ومع تفاقم الأزمة ومحاولات حلها علي حساب الطبقة العاملة والفقراء، تصاعدت
حدة الصراع الطبقي واندلعت الإضرابات الكبرى مثل إضرابي أسكو والمحلة في فبراير
1986 الذين شهدا مواجهات دموية بين العمال والدولة، وما تلاها من إضرابات عديدة خلال
العام نفسه.
في سياق هذا المد من الصراع الطبقي جاءت انتفاضة الأمن
المركزي. إن جنود الأمن المركزي الذين يقال أنهم "يخافون من أقل رتبة" كسروا
كل القواعد وخرجوا عليها وأصبحوا ثوريين، فلأول مرة في تاريخ جهاز الأمن المركزي يتمرد
الجنود علي الضباط والنظام حيث سئموا المهانة والذل ورؤية غيرهم يأكلون اللحم بينما
هم لا يجدون الخبز.
يومي الانتفاضة 25 و26 فبراير
في مساء يوم الثلاثاء 25 فبراير خرج الآلاف من الجنود
من معسكرين للأمن المركزي في منطقة الأهرامات مندفعين بخوذاتهم ورشاشاتهم وبنادقهم
في مظاهرات مسلحة إلي فندق "الجولي فيل" وهو واحد من أحدث واضخم فنادق القاهرة
ويقع في مواجهة أحد المعسكرين الذين بدأ منهما التحرك مباشرة، وتتيح واجهاته الزجاجية
الفرصة ليشاهدوا ما يجري من ورائها ليدركوا مدى بؤس حياتهم في قراهم وداخل المعسكر.
حطم الجنود هذه الواجهات الزجاجية ثم اقتحموا الفندق،
وبدءوا يحرقون كل ما فيه، كما قاموا بإحراق فندق هوليداي سفنكس، ومبنى قسم شرطة الهرم،
وفندق ميناهاوس، وبعض المحلات التجارية الكبيرة في المنطقة. وخلال ساعات استطاع الجنود
احتلال منطقة الهرم بأكملها بما في ذلك مداخل طريق الإسكندرية الصحراوي وطريق الفيوم
وترعة المنصورية. وفي الثالثة من صباح الأربعاء 26 فبراير أعلنت حالة الطوارئ وتم فرض
حظر التجول في تلك المنطقة.
وفي حوالي السادسة صباحاً انتشرت قوات الجيش واحتلت عدداً
من المواقع التي يتواجد فيها الجنود المتمردون، وبدءوا في حصار الجنود. وبعد معارك
ضارية استطاعت قوات الجيش أن تسيطر علي المنطقة. وحتى ذلك الحين لم يكن ما يجرى في
منطقة الأهرام قد امتد إلي بقية العاصمة، وما كادت ساعات صباح الأربعاء الأول تمر حتى
بدأت الانتفاضة في أغلب معسكرات الأمن المركزي
الأخرى في العاصمة، في شمالها وشرقها وجنوبها الغربي. وتعالت أصوات اشتباكات الرصاص
مع قوات الجيش التي كلفت بسحب السلاح من جنود الأمن المركزي في كافة المعسكرات، بعد
أن تزايدت الشكوك من اختراق سياسي واسع داخل جهاز الأمن المركزي.
وقعت أول هذه الأحداث في معسكر الهايكستب القريب من مطار
القاهرة. وفي الثامنة والنصف تجمهر جنود الأمن المركزي بمعسكر لهم يقع في شارع جسر
السويس، وحين وصلت القوات المسلحة إلي المعسكر اشتبك معهم الجنود وتحول الاشتباك إلي
مطاردة في الشوارع الجانبية المتفرعة من جسر السويس، وشوهدت آثار الدماء علي أرض الشارع،
واحترقت إحدى سيارات الجيش علي الأقل، وتم إغلاق شارع جسر السويس وتعزيز قوات الجيش.
وفي الدراسة، حيث يقع معسكر ضخم لقوات الأمن المركزي، تبادل الجنود المحتشدون النار
مع قوات الجيش، ولجأ بعض جنود الأمن المركزي إلي البيوت المحيطة بالمعسكر ومنطقة المقابر
بعد نفاذ ذخيرتهم. أما في معسكر شبرا فقد رفض الجنود الاستسلام للجيش وانتشروا في المنطقة
المحيطة بهم، وكادوا ينجحوا في تحطيم أكبر محطة للكهرباء في القاهرة. ويعد تحرك الأمن
المركزي في منطقة طره أخطر التحركات جميعاً، فأثناء محاولة الجيش استلام المعسكر واجههم
الجنود بإطلاق النار، وبدأت طائرات الجيش الهليكوبتر بقذفهم بالرصاص. وخرج جنود المعسكر
بالآلاف فارين إلي الشوارع حاملين معهم أسلحتهم وتوجهوا إلي سجن طره واستطاعوا أن يقتحموا
السجن ومساعدة السجناء علي الهرب وبحثوا عن الضباط كي يقتلوهم.
وقد بدأ الوضع يأخذ منحى آخر في شارع الهرم، حيث انحازت
كتلة من الفواعلية وعمال التراحيل والشحاذين والطلاب والعاطلين عن العمل، الذين يسكنون
في أفقر منطقة في الهرم هي الطالبية، إلي جنود الأمن المركزي، وبدءوا يشتركون معهم
في تحطيم الكباريهات والفنادق الموجودة في المنطقة: كازينو الليل، والأهرام، وأوبرج
الهرم، والأريزونا، وغيرها. عند هذا الحد انتاب الذعر الطبقة الحاكمة وتم إعلان حظر
التجول في كافة مناطق العاصمة، وتم تحذير المواطنين من البقاء في شوارع المدينة بعد
ساعتين من قرار الحظر، خوفاً من أن تشجع حركة الجنود فئات أخرى علي التحرك ضد النظام،
خاصة أن عناصر من المهمشين والعاطلين بدأت تشارك جنود الأمن المركزي الفارين في الهجوم
علي السيارات والمحلات التجارية في منطقة الدقي.
كان الوضع خارج القاهرة أقل حدة بكثير، حيث انحصرت انتفاضة
الجنود في القليوبية والإسماعيلية وسوهاج داخل المعسكرات، واستطاعت قوات الجيش أن تحاصرهم
وتنزع أسلحتهم بسهولة. وكان الاستثناء الوحيد في أسيوط حيث كانت الأحداث أشد عنفاً.
ويقال أن محافظ أسيوط آنذاك زكي بدر (الذي أصبح وزيرا للداخلية مكافأة له علي دوره
في مواجهة الأحداث) قد فتح الهويس (القناطر) في أسيوط للحيلولة دون وصول جنود الأمن
المركزي من معسكرهم في البر الشرقي الذي أحرقوه وخرجوا منه، وذلك علي غرار حادثة كوبري
عباس الشهيرة. واستخدم الجيش الطائرات لضرب جنود الأمن المركزي، ويوضح ما حدث في أسيوط
خوف السلطة من تكرار ما حدث عام 1981 عندما استطاعت الجماعات الإسلامية المسلحة الاستيلاء
علي القسم والسيطرة علي المدينة، فالجماعات الإسلامية كانت لا تزال متواجدة بكثافة
في أسيوط آنذاك.
أين المعارضة
كانت حصيلة انتفاضة الأمن المركزي أكثر من 107 قتيلاً
معظمهم من الجنود 104 في القاهرة و3 في أسيوط و719 جريحاً. وبعد إعادة الجيش السيطرة
علي الأوضاع، تم القبض علي آلاف من الجنود من مواقع الأحداث بالإضافة إلي أعداد من
المهمشين، وأمام أحد أقسام الشرطة التي تعرضت للهجوم وقفت دبابات الجيش صفين بينهم
طابور من العساكر المقبوض عليهم، واضعين أياديهم فوق رؤوسهم مثل الأسرى وعيونهم زائغة،
معظمهم ضعاف الجسم قصار القامة، بعضهم يرتدي الزي العسكري وآخرون بالملابس الداخلية،
مساقون إلي المذبح في مشهد يشبه إلي حد كبير صلب سبارتاكوس ورفاقه علي طريق روما. وتم
طرد 21 ألف جندي من الخدمة.
وفور انتهاء عملية الذبح، سارع زعماء المعارضة (الوفد،
والتجمع، والعمل، والأحرار) إلي لقاء مبارك، حيث أعربوا عن استنكارهم لانتفاضة الأمن
المركزي، وتأييدهم المطلق لسياسة النظام في مواجهة الأحداث. وعلى الرغم من التغطية
الجيدة نسبياً للأحداث بواسطة جريدة "الأهالي" لسان حال حزب التجمع، فإن
موقف الحزب الرسمي كان شديد التخاذل، حيث صدر عن الحزب بيان "يستنكر الأحداث ويدعو
لمشروع قومي يواجه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية". ويوضح لنا ذلك بجلاء مقدار
انتهازية التجمع، حتى في ذلك الوقت، عندما تعرض النظام إلى تهديد حقيقي. أليس من الوقاحة
حقاً أن يؤيد المرء مبارك في ذبحه لجنود الأمن المركزي ويدعوه في الوقت ذاته إلى مزيد
من الديمقراطية؟! والأمر الجدير بالملاحظة هنا أن صاحب المبادرة في طرح هذا الموقف
المتخاذل كان جناح "الصقور" داخل التجمع وقتها، فبناء علي اقتراح من صلاح
عيسى اتصل حسين عبد الرازق بخالد محي الدين فور انتشار أخبار الأحداث وطرح عليه فكرة
الاتصال برئيس الجمهورية لينقل له إدانة التجمع للانتفاضة ويطالبه في الوقت ذاته بالـ"ديمقراطية
الصحيحة" وبضرورة معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية لأحداث العنف. وبالفعل
اتصل خالد محي الدين بمكتب الرئيس الذي تفضل وطلب من مدير مكتبه "الاتصال بالأستاذ
خالد ليبلغه شكر الرئيس وتقديره" علي حد تعبير حسين عبد الرازق في كتابه
"الأهالي: صحيفة تحت الحصار".
وقد تبنى حسين عبد الرازق موقف معادي لانتفاضة الأمن
المركزي علي صفحات الأهالي: "تعودنا أن ندافع عن حق العمال في الإضراب، ولكن أحداث
هذه المرة شئ أخر.. أنها تمرد لا إضراب، والفرق بينهما كبير وواضح.. فرق بين الاحتجاج
والتمرد.. الأول تعبير منظم عن مطالب وحقوق، والثاني تصرفات فوضوية مظاهرها التخريب
والحرق والسلوك العشوائي.. ربما كان للأمن المركزي مطالب، وقد يكونوا أصحاب حقوق مهضومة..
لكن الأكيد أن هناك أسلوب آخر غير الرصاص للتعامل والتعبير". فهل حقاً كان هناك
أمام عبيد عصرنا السعيد "أسلوب آخر للتعامل والتعبير"؟! وهل تسمح طبيعة جهاز
الأمن المركزي بممارسة هذا الأسلوب الآخر؟!
عشرون عام علي الانتفاضة
بعد عشرين عام
من انتفاضة الأمن المركزي وما يقرب من ربع قرن علي حكم مبارك، وفي ظل تنامي
السخط الجماهيري والمطالبة بالإطاحة بالنظام، من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة مداً
شديداً في الصراع الطبقي في ظل هجمة البرجوازية الشرسة والليبراليين الجدد علي مستويات
معيشة الطبقة العاملة والطبقات الفقيرة.
في هذا السياق ينبغي أن نفهم جيداً مغزى انتفاضة الأمن
المركزي فهؤلاء الجنود درع وزارة الداخلية الرهيب، هم في الأصل أبناء المعدمين والفقراء
في الريف والمدينة يشعرون ببؤس حياتهم كبقية الجماهير العمالية والفلاحية. وقد أظهرت
انتفاضتهم في 1986 وعيهم الطبقي الجنيني. وفي خضم الانتفاضة القادمة، من الممكن أن
نجدهم يتمردون مرة أخرى علي النظام وينضمون للجماهير في حركة تهدف للتغيير الثوري بشرط
أن يجدوا من يبلور المطالب التي تعبر عن مصالحهم ويقنعهم بوحدة المصير بينهم وبين جموع
الجماهير الثائرة. وتلك مهمة لا تقدر عليها سوى حركة جماهيرية جذرية تطالب بالخبز والحرية.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق