الخميس، 20 نوفمبر 2014

سلامة عبد الحميد: محمد محمود... شارع الثورة والجرافيتي.. والشرطة








عن: العربي الجديد

يقبع الشارع في طرف "ميدان التحرير" بوسط القاهرة، ويصل بين شارع القصر العيني الشهير وحي عابدين التاريخي، ويعد أحد أهم محاور المرور في وسط العاصمة، على مدخله من ميدان التحرير يقبع مبنى الجامعة الأميركية وفي منتصفه مكتبتها العتيدة، وهناك في طرفه الثاني مقر وزارة الداخلية، معقل الشرطة العتيد، وأحد مقاصد المشاركين في ثورة يناير 2011 الرئيسية.
يزيد طول الشارع قليلا عن كيلو متر واحد، لكنه شهد أحداثا عدة خلال الثورة المصرية، حيث كان دوما ممرا لهجوم الشرطة على الثوار في الميدان، بل وهجوم من يعرفون بـ"المواطنين الشرفاء"، ومعظمهم تابع للشرطة أو يعمل معها.
 لكن شهرته باتت عالمية، بعد أحداث دامية جرت فيه بدءا من 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، راح فيها عشرات المصريين، ويحتفل بها الأن قلة ممن شاركوا فيها، وسط رفض رسمي كامل، وتهديدات باعتقال من يشارك.
شاهد العالم كله خلال أحداث 2011 قمعا غير مسبوق للثورة المصرية ومن شاركوا فيها، على يد الشرطة والجيش الذي كان يحكم البلاد وقتها ويدعي أنه صديق الثورة وحاميها، بينما كانت الأحداث بمثابة الحد الفاصل مع الثوار الذين باتوا يرددون علنا بعدها هتافهم الأشهر "يسقط حكم العسكر". كثير من المصريين لا يعرف الشخص الذي يُعرف الشارع باسمه، ولا تاريخه، ولا سر بقاء اسمه على الشارع، رغم تغير أسماء معظم شوارع وسط القاهرة بمرور السنين.
أُطلق الاسم على الشارع نسبة لاسم السياسي المصري الراحل محمد محمود باشا (1877- 1941) الذي تولى رئاسة الوزارة في مصر مرتين، والرجل ينتمي إلى أسرة سياسية حيث كان أبوه محمود باشا سليمان وكيل مجلس شوري القوانين وأحد كبار ملاك الأراضي الزراعية في صعيد مصر، وورث عنه ابنه 1600 فدان. وكان محمد محمود أحد أقطاب الجبهة التي مثلت مصر في مفاوضات 1936 التي انتهت بتوقيع معاهدة جلاء الإنجليز عن مصر، وعين رئيساً للوزراء أول مرة في عهد الملك فؤاد الأول منتصف 1928 وحتى أواخر 1929 بصفته رئيس حزب الدستوريين الأحرار.
وتؤكد المراجع التاريخية أن الرجل كان الوحيد الذي امتلك جرأة تعطيل الدستور، ويعلن الحكم بيد من حديد ليلغي الأوضاع التي نجمت عن الحكم الحزبي، وجمعت خطب ألقاها في كتاب بعنوان "اليد القوية" نضح منه أنه لا يحبذ الحكم الدستوري، رغم كونه رئيس حزب اسمه "الدستوريين الأحرار".
بعد أن أصبحت مصر مملكة مستقلة عين محمد محمود باشا مرة أخرى رئيسا للوزارة في الفترة من نهاية 1937 حتى أغسطس/ آب 1939، واحتفظ خلالها بمنصب وزير الداخلية، وبدأت الوزارة أعمالها بحل البرلمان الوفدي، وزيادة صلاحيات جهاز الشرطة وإطلاق يده في البلاد لاعتقال ومطاردة المعارضين.
ومن أهم أعمال مجلس الوزراء خلال تلك الفترة إنشاء وظيفة مفتش عام الجيش المصرى، وصدر مرسوم بتعيين عزيز باشا المصري مفتشا عاما للجيش.
ولأن مصر بعد التخلص من الملكية في 1952 حكمها الجيش، واستخدم الشرطة لتدعيم حكمه وحماية مصالحه، فإن اسم محمد محمود باشا كان لائقا تماما بالشارع الذي يضم مقر وزارة الشرطة المصرية، وربما كان هذا سر عدم تغيير اسم الشارع حتى الأن، وربما كان أيضا سر الهياج الشديد الذي كان يصيب الشرطة والجيش من تمركز الثوار في الشارع وهتافاتهم التي تملأ جنباته، ورسوم الجرافيتي التي تزين حوائطه.
كانت قوات الشرطة والجيش تطارد الثوار في شارع محمد محمود وكأنهم مجرمون، بينما الحقيقة أن العسكريين الذين يركبون المركبات المصفحة والمدرعات، ويطلقون الرصاص والخرطوش وقنابل الغاز، هم من يستحقون المطاردة والمحاكمة على جرائم ارتكبوها في حق البلاد، وجرائم لازالو يرتكبونها في حق العباد.
ظل الشارع بعد تلك الأحداث مزارا للمصريين والأجانب، ومَعلَما على أيام ثورة كانت تتوارى، انطلقت منه عشرات التظاهرات، ونظمت فيه عشرات الوقفات، وتغيرت رسوم "الجرافيتي" على حوائطه عدة مرات، إما لأن النظام الحاكم كان يزيلها، كونها تعبر عن اجرامه وتذكره بضحاياه، وإما لتغييرها لتضم مجرمين جدد، أو متورطين أخرين.
ظل شارع محمد محمود مصدر إزعاج شديد للمجلس العسكري الذي حكم البلاد خلفا للرئيس السابق حسني مبارك، وبنفس طريقته، كما تحول في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي إلى مصدر هجوم رئيسي على جماعة الإخوان، وحمل اسمه أشهر جمل اتهامهم بالتخلي عن الثورة "باعونا في محمد محمود"، وفي ذكرى الأحداث في عهد مرسي رفع المشاركون لافتة على مدخله كُتب عليها "ممنوع دخول الإخوان"، عقابا لهم على اعتماد رواية وزارة الداخلية وقتها وتكذيب روايات الثوار.
يبقى شارع محمود محمود، والأحداث التي جرت فيه، نموذجا على ثورة لم يحمها من قاموا بها، وانقلب عليها من يفترض بهم حمايتها، ودليلا على أن المزيد من الدماء ستهدر، وأن مزيدا من العيون سينطفأ نورها في سبيل الحرية

 




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق