الأربعاء، 10 أغسطس 2016

"من 30 سنة".. منطق بلا مسوغات


عن العربي الجديد

يظنّ بعض صنّاع الدراما العرب أن من حقّهم تغييب المنطق في أعمالهم، وأنّ على الجمهور تقبل تلك الأعمال من دون نقاش، زاعمين أن الخيال هو الذي يحكم الدراما وأن تجاهل المنطق ليس عيباً، رغم أن تلك إحدى مشكلات الدراما العربية المستعصية، والتي ربما تجعل الكثير من إنتاجاتها باهتة أو فاشلة.
الفيلم المصري "من 30 سنة" للمخرج عمرو عرفة، والذي يُعرض حالياً في عدد من البلدان العربية، يمكنك أن تشاهده مرتين أو ثلاثة من دون أن تكتشف سر تسميته، ومن دون أن تفهم سر "اللعنة" التي تدور أحداث العمل حولها، فالمعنى شبه غائب، ربما اعتماداً على أن الجمهور لن يلحظ غيابه.
يروي الشريط، الذي كتبه أيمن بهجت قمر، قصة عائلة مصرية من خلال منظور أحد أفراد الجيل الثالث منها، وبالتالي فليست مدة القصة ثلاثين عاماً، حتى أن محاولة تبرير الاسم في مشهد قصير خلال الجزء الأخير، كانت باهتة وساذجة، حيث اعتبر البطل الرئيسي (أحمد السقا) أن القصة يمكن أن تنطلق من واقعة خداع أربعة من أفراد الجيل الثاني من العائلة لاثنين من الجيل نفسه، هما أمه ووالد شريكه شريف منير، رغم أن المشهد هامشي ولم يتم التركيز عليه أو إبرازه بما يجعله مسوّغاً لجعله اسماً للفيلم.
ربما يمكن تمرير اختيار الاسم بلا مسوغ حقيقي بأنه يحمل الغموض الجاذب للجمهور، لكن ما مبرّر الحديث عن لعنة الثروة، ومقتل كل أفراد العائلة بسبب تلك اللعنة دون توضيح أسبابها، فالفيلم بدأ وانتهى من دون أن نعرف لماذا كانت أموال الجد تاجر السلاح ملعونة. بما أن خداع عدد من أفراد الأسرة لأفراد آخرين للاستيلاء على نصيبهم من الثروة ليس سبباً كافياً لاعتبارها ثروة ملعونة، حتى أن هذه الواقعة المذمومة ليست مبرّراً كافياً لقرار قتل جماعي.
قد تجد أن الحديث عن منطقية الأمور في هذا المقام زائداً، لكن لك أن تتخيل واقعة مطاردة الخفافيش لسيارة فيها ثلاثة من أفراد العائلة إن لم يتم توضيحها لاحقاً في الأحداث باستخدام زهرة جاذبة للخفافيش وتجهيز خفافيش على مقربة من المكان، ولك أن تتخيّل وفاة اثنين من أفراد العائلة ونجاة ثالث بتسرّب غاز الطهي، إن لم يتم تفسير الواقعة لاحقاً.
لاشك أن للخيال دور في صنع الدراما، لكن الخيال محكوم دائماً بالمنطق، والحبكة الدرامية التي تخلو من المنطق لا قيمة فيها للخيال، حتى وإن برع صنّاع الدراما في تقديمه، والخيال الذي يخالف المنطق يحوّل الدراما إلى "مسخرة"، حتى الأفلام الكوميدية ينبغي أن توفّر منطق الأحداث دائماً.
يعتمد الفيلم على "ثيمة" مكرّرة درامياً، وليس هذا بعيب، إذ يقدّم أحد الأبطال القصة من وجهة نظره باعتباره "الراوي"، حتى أن فكرة استخدام الراوي لكتابة القصة داخل الأحداث نفسها مكرّرة، ويمكنك الربط بينها وبين أعمال كثيرة، آخرها المسلسل الذي عُرض في شهر رمضان الماضي بعنوان "أفراح القبة" والمأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ بالعنوان نفسه.
لكن الجديد في الفيلم كان الراوي الذي يموت قبل نهاية الأحداث، لتُستكمل رواية الأحداث بعد وفاته دون "راو"، كما أنه كان مختلفاً في رواية القصة من منظور شخصية شريرة، بينما معظم الأعمال الفنية، خاصة العربية منها، تفضل أن يكون الراوي شخصية طيبة حتى يتعاطف الجمهور مع منظوره.
وبعيداً عن المنطق الغائب، يُعتبر الفيلم نموذجاً لما أصبح يُطلَق عليه "السينما النظيفة"، وهو مصطلح بات رائجاً مع حلول الألفية الثالثة، ويعني تلك الأفلام الخالية من المشاهد "الجريئة"، بل إن تلك "النظافة" المتخيّلة جعلت كثيراً من الأفلام التي تصنف في هذا الإطار، خالية من الأحضان والقبلات وحتى الملابس المتحرّرة.
لكن صنّاع الفيلم الذي يرى البعض أنه لا يناسب العرض في عيد الفطر، الذي اعتاد كثيرون عرض أفلام كوميدية أو موسيقية فيه، نجحوا في جمع عدد كبير من نجوم الدراما السينمائية.
أحمد السقا مع منى زكي مجدّداً، كثنائي نجح في عدد من الأفلام سابقاً أبرزها "عن العشق والهوى" لـ كاملة أبو زكري في 2006، و"تيمور وشفيقة" لـ خالد مرعي في 2007.
كما أن السقا وشريف منير ونور اللبنانية كانوا فريق عمل فيلم ناجح هو "شورت وفانلة وكاب" (2008) لـ سعيد حامد انتاج، بينما ضم النجمة الكبيرة ميرفت أمين لهؤلاء النجوم الأربعة من جيل الوسط يضيف إلى الفيلم بالطبع.
هي إذن الخلطة التجارية المتداولة في السنوات الأخيرة، لكن "من 30 سنة" نجح في توسيعها ليضم عدداً أكبر من الأسماء الجماهيرية، ما يفسّر النجاح الذي حصده في أسبوع عرضه الأول على مستوى الإيرادات.
لكن ملاحظة أداء الممثلين يظهر أيضاً عدداً من المفارقات، إذ لا يمكن تجاهل التطوّر الكبير في أداء منى زكي، خاصة عند مقارنتها بزميلتها اللبنانية نور، والتي تطوّر أداؤها، لكنها رغم أكثر من 15 عاماً في مصر، لازالت غير قادرة على إجادة اللهجة المصرية.
ومجدّداً يظهر أحمد السقا ممثّلاً عادياً إلى جوار شريكه في البطولة، حيث يبدو تفوّق شريف منير واضحاً في كل المشاهد التي تضمّهما معاً، وهو أمر تكرّر في أفلام سابقة للسقا، خاصة عندما شاركه خالد النبوي في فيلم "الديلر" لـ أحمد صالح في 2010، وأحمد عز في فيلم "المصلحة" لساندرا نشأت في 2012.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق