الجمعة، 28 أبريل 2017

مفاهيم الحرية



كان الإنسان القديم قبل ظهور الدولة كنظام حكم، حراً في حياته، يزرع أرضه ويأكل من ثمار ما يزرعه، ولم يكن مطالباً بالإذعان لأي حاكم، أو مطالباً بدفع الضرائب، أو الخدمة العسكرية، أو حتى العمل لدى الغير.
في العالم القديم عاش الإنسان حراً، لكنه كان مضطراً للعيش في جماعات بدأت بالعائلة وتوسعت لتشمل القبيلة أو العشيرة، وكان ذلك لأسباب عدة بينها الشعور بالأمان، وكانت تلك المجتمعات الصغيرة تحكمها العادات والتقاليد باعتبارها قانوناً ملزماً.
يقول الروائي الإنكليزي أوسكار وايلد (1854- 1900)، إن "المجتمع موجود كفكرة عقلية؛ في الواقع ليس هناك سوى الأفراد".
في ذاك الوقت كانت الحياة تسير وفق منطق القوة، فالعائلات أو العشائر القوية تهاجم تلك الأضعف وتسلبها حيواناتها ومخزوناتها من الحبوب والطعام، وحتى النساء والأطفال وأحياناً الرجال.
لما ظهرت الدولة كنظام حكم يضم الوزراء والجنود وجباة الضرائب، إلى غير ذلك من الوظائف، بدأ تصنيف الناس إلى حكام ومحكومين، وفقراء وأغنياء، ثم إلى أحرار وعبيد بعد أن بات الحاكم يصوّر لمحكوميه أنه إله أو نصف إله، أو مبعوث الإله إليهم.
مع ظهور مفهوم الدولة لم يتوقف التعامل بين الناس وفق منطق القوة، وأنتجت الأنظمة والقوانين التي سنّتها الدول مزيداً من الصراعات الدموية من الدول على بعضها، ومن الدول على المجتمعات الأصغر غير المنضوية تحت حكمها، إلى أن اكتشف الحكام سريعاً مفهوماً أكبر من الدولة هو الإمبراطورية.
ومع ظهور الإمبراطوريات بدأت تندثر الكثير من الحريات الشخصية للأفراد في ظل مزاعم حماية الإمبراطورية، التي كانت ومازالت تعني حماية الإمبراطور، وعبّر الفيلسوف الإنكليزي برتراند راسل (1872-1970) عن هذا المعنى عندما قال: "لا توجد حرية الرأي إلا عندما تشعر الحكومة بالأمان".
مع تقييد الحريات كان على الناس (المحكومين) إيجاد طريقة للخلاص من حكامهم المستبدين، سواء لتحصيل حقوقهم أو الحصول على حريتهم، وعندها ظهرت فكرة الثورة على الحكام، وربما عبّر عنها الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1712- 1778) جيداً عندما قال: "نشأت سلطة تحكم ومحكوم يطيع، ونشأ بينهما عقد اجتماعي يفرض أن يقوم كل منهما بواجبه، فإذا أخلَّ فريق بواجبه حق للآخر فك العقد، والثورة".
عرف العالم مئات الثورات الناجحة، وآلاف الثورات الفاشلة، لكن زيادة الفشل على النجاح لم تؤد أبداً إلى توقف الناس عن الثورة للمطالبة بالحرية، التي تؤدي أحياناً إلى قيود أكبر.

يقول المهاتما غاندي (1869- 1948): "الحرية لا تعني شيئاً إن لم يكن هناك حرية لنخطئ".


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق