رسالة واضحة وصريحة يصر عليها المخرج الأمريكي الكبير أوليفر ستون، وجرس إنذار هام ربما كان السبب الرئيس في خوضه تجربة تقديم جزء ثان من فيلمه الشهير «وول ستريت» بعد 23 عاما كاملة من الفيلم الأول الذي حقق نجاحا باهرا وضرب مقاييس الإيرادات وقت عرضه.
الرسالة مفادها أن مضاربي البورصة يتحكمون في مصائر الشعوب وأن السعي وراء المال بات الهم الأول لطائفة من البشر لا يعنيهم إلا تحقيق الربح ولو كان مرورا فوق رقاب أقرب الأقربين، مع تنويه واضح لتضامن رجال الحكم والسياسة أو خضوعهم لسطوة رجال الأعمال لقاء جزء من كعكة الربح.
الرسالة مفادها أن مضاربي البورصة يتحكمون في مصائر الشعوب وأن السعي وراء المال بات الهم الأول لطائفة من البشر لا يعنيهم إلا تحقيق الربح ولو كان مرورا فوق رقاب أقرب الأقربين، مع تنويه واضح لتضامن رجال الحكم والسياسة أو خضوعهم لسطوة رجال الأعمال لقاء جزء من كعكة الربح.
في النصف الثاني من الفيلم الجديد الذي حمل عنوان «المال لا ينام» مشهد معبر عن المعنى السابق بوضوح، حيث يقول البطل «جوردون جيكو»، الذي جسده مايكل دوجلاس ببراعة، بعدما شاهد اجتماعا لعدد من أكبر رجال «وول ستريت» وهو شارع المال الأمريكي وأكبر بورصات العالم «إنه لو تم تفجير غرفة الاجتماع تلك الأن فلن يجد العالم من يحكمه غدا».
هكذا يرى أوليفر ستون حكام العالم، فهم ليسوا السياسيين الذين يرتدون حللا أنيقة ويجلسون في اجتماعات مطولة للبحث عن حلول لأزمات الشعوب، وإنما هم أولئك القابعون خلف أجهزة الكمبيوتر يتابعون بدقة ما يحدث للأسهم صعودا وانخفاضا، وبعضهم يعمل لصالحه وآخرون يعملون لصالح رجال سياسة كبار يديرون اللعبة من خلف الستار.
والجملة الحوارية على بساطتها وكونها محاولة من رجل أعمال يحاول استعادة سطوته للتهكم على منافسيه، إلا أنها لخصت كل ما يقصده من فيلمه الذي يترك مشاهده في حالة من الحنق الشديد على رجال البورصة الذين يتحكمون في أموال العالم، فالفيلم طرح الأزمة كاملة وأضاء على الكثير من الأخطار المحدقة بالعالم جراء المضاربات والمنافسات في عالم البورصات والتي تؤثر على كل البشر، ثم انتهى بنتيجة مفادها أنه لا يعرف أو لا يجد سبيلا للخروج من هذا المأزق.
وربما يعكس هذا المعنى بالفعل النتيجة التي وصل إليها المخرج المخضرم خلال متابعته لأحداث الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت من «وول ستريت» لتمتد إلى كل أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تصل إلى أوروبا ويشعر بها العالم من أقصاه إلى أقصاه دونما ادنى مسؤولية على المتسببين فيها من المضاربين وهواة «حرق الأسهم».
قبل عامين فقط وقع العالم كله في الأزمة الاقتصادية جراء الكثير من الترتيبات والمعاملات الورقية في أروقة البورصات الكبرى وعلى رأسها «وول ستريت» وتحولت كوارث البورصة إلى كوارث عالمية شعر بها كل من يعيش على كوكب الأرض، وبينما نبه أوليفر ستون إلى ذلك قبل عقدين ونصف تقريبا في فيلمه الأول الذي انتهى بسجن بطله «المضارب الشهير» لأنه تسبب في كارثة اقتصادية، إلا أن أحدا لم ينتبه لتأثير البورصة وظل الأمر على ما هو عليه.
في الجزء الثاني من الفيلم الذي كتبه ألان ليوب وستيفن شيب يخرج «جيكو» من سجنه باحثا عن استعادة قوته وسطوته وماله حتى لو كان ذلك على حساب علاقته بابنته الوحيدة «ويني» التي جسدت دورها «كاري موليجان» والتي تعمل كصحفية يسارية تسعى لفضح ألاعيب رجال البورصة رغم أنها تربطها علاقة حميمة بأحد المضاربين الشبان «جاك مور» الذي جسد دوره «شيا لابوف».
وقدم الفيلم الطويل، - تجاوزت مدته الساعتين، نماذج صريحة للمتلاعبين بالبورصات من رجال الأعمال الكبار وأصحاب شركات المضاربة الذين تربطهم علاقات واضحة مع رجال الحكم، كما ركز على معان باتت عرفا بعدما كانت فيما مضى جرائم وبينها حسب قول بطل الفيلم «الجشع» الذي بات ضرورة لتحقيق الربح وأصبح هناك جشع قانوني تفرضه المصالح.
أوليفر ستون لجأ إلى مقر وول ستريت نفسه لتصوير العديد من المشاهد الهامة في فيلمه كما تنقلت كاميراته بين عدد من المدن الأمريكية وصولا إلى العاصمة البريطانية لندن، وظهرت الكثير من التفاصيل الحديثة التي لم تظهر في الفيلم الأول وبينها قوة المستثمرين الصينيين والكوريين وحتى العرب وقدرتهم على ضخ أموال كفيلة بإنقاذ شركات أمريكية عملاقة.
ورغم بعض فترات الملل والحوار الطويل إلا أن الفيلم قدم نموذجا لطرح فكرة هامة تتعلق بمصير العالم في إطار علاقة رومانسية محببة بين شاب وفتاة تختلف طباعهما كليا فيما يخص النظرة المادية لكن يجمعهما الحب الذي ينتصر في النهاية على الطمع ولو في الظاهر فقط وليس بالشكل المطلق.
مايكل دوجلاس يدين لأوليفر ستون ولفيلم «وول ستريت» بأول جائزة أوسكار في حياته الفنية، لكنه هذه المرة ورغم أنه بات معلنا إصابته بالسرطان إلا أنه تفوق على نفسه وقدم شخصية في منتهى الصعوبة والدقة والخصوصية قدمها بسلاسة واحترافية ممثل مخضرم يدرك جيدا المطلوب منه في فيلم عن صفوة المجتمع الذين يضعون أيديهم في جيوب البسطاء عنوة للحصول على ما فيها لتزيد ثرواتهم.
أما شيا لابوف بطل سلسلة «ترانسفورمر» أو «المتحولون» وبطل الجزء الأخير من «إنديانا جونز» فهو تميمة الحظ للفيلم كونه ممثلا حساسا وموهوبا يتمتع بحضور طاغ وقبول جماهيري واسع زاد منه التعامل مع مخرج كبير يستطيع توجيه ممثليه ببساطة لإخراج أفضل ما لديهم، وهو الأمر نفسه الذي انطبق على «كاري موليجان» التي قدمت دورا مليئا بالمتناقضات والمشاهد الصعبة دون تكلف منها أو إدعاء.
في فيلم «المال لا ينام في وول ستريت» الشخصيات جميعها على خطأ لكنك تتعاطف مع الجميع عدا «جيمس بريتون» الذي جسد دوره «جوش برولين» باقتدار شديد، فبريتون نموذج للوصولي الجشع الذي لا يبالي بأقدار من حوله والذي يستغل الإعلام والشائعات لتدمير منافسيه، ورغم أن هذا كان سلوك «جوردون جيكو» في الجزء الأول إلا أن «بريتون» في الجزء الثاني كان أكثر شراسة من «جيكو» وبالتالي كانت مكاسبه أكبر بكثير.
ولا يمكننا أن نغفل في سردنا للشخصيات والأبطال اسمين كبيرين ظهرا كضيفي شرف تقريبا أولهما «فرانك لانجيلا» الذي جسد دور «لويس زيبل» رجل البورصة الأشهر والنجمة «سوزان ساراندون» التي جسدت عدة مشاهد قليلة في دور أم الشاب «جاك مور» التي تهوى المضاربة في مجال العقارات لكنها تخسر دائما وتعيش على الاقتراض من ابنها.
هكذا يرى أوليفر ستون حكام العالم، فهم ليسوا السياسيين الذين يرتدون حللا أنيقة ويجلسون في اجتماعات مطولة للبحث عن حلول لأزمات الشعوب، وإنما هم أولئك القابعون خلف أجهزة الكمبيوتر يتابعون بدقة ما يحدث للأسهم صعودا وانخفاضا، وبعضهم يعمل لصالحه وآخرون يعملون لصالح رجال سياسة كبار يديرون اللعبة من خلف الستار.
والجملة الحوارية على بساطتها وكونها محاولة من رجل أعمال يحاول استعادة سطوته للتهكم على منافسيه، إلا أنها لخصت كل ما يقصده من فيلمه الذي يترك مشاهده في حالة من الحنق الشديد على رجال البورصة الذين يتحكمون في أموال العالم، فالفيلم طرح الأزمة كاملة وأضاء على الكثير من الأخطار المحدقة بالعالم جراء المضاربات والمنافسات في عالم البورصات والتي تؤثر على كل البشر، ثم انتهى بنتيجة مفادها أنه لا يعرف أو لا يجد سبيلا للخروج من هذا المأزق.
وربما يعكس هذا المعنى بالفعل النتيجة التي وصل إليها المخرج المخضرم خلال متابعته لأحداث الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت من «وول ستريت» لتمتد إلى كل أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تصل إلى أوروبا ويشعر بها العالم من أقصاه إلى أقصاه دونما ادنى مسؤولية على المتسببين فيها من المضاربين وهواة «حرق الأسهم».
قبل عامين فقط وقع العالم كله في الأزمة الاقتصادية جراء الكثير من الترتيبات والمعاملات الورقية في أروقة البورصات الكبرى وعلى رأسها «وول ستريت» وتحولت كوارث البورصة إلى كوارث عالمية شعر بها كل من يعيش على كوكب الأرض، وبينما نبه أوليفر ستون إلى ذلك قبل عقدين ونصف تقريبا في فيلمه الأول الذي انتهى بسجن بطله «المضارب الشهير» لأنه تسبب في كارثة اقتصادية، إلا أن أحدا لم ينتبه لتأثير البورصة وظل الأمر على ما هو عليه.
في الجزء الثاني من الفيلم الذي كتبه ألان ليوب وستيفن شيب يخرج «جيكو» من سجنه باحثا عن استعادة قوته وسطوته وماله حتى لو كان ذلك على حساب علاقته بابنته الوحيدة «ويني» التي جسدت دورها «كاري موليجان» والتي تعمل كصحفية يسارية تسعى لفضح ألاعيب رجال البورصة رغم أنها تربطها علاقة حميمة بأحد المضاربين الشبان «جاك مور» الذي جسد دوره «شيا لابوف».
وقدم الفيلم الطويل، - تجاوزت مدته الساعتين، نماذج صريحة للمتلاعبين بالبورصات من رجال الأعمال الكبار وأصحاب شركات المضاربة الذين تربطهم علاقات واضحة مع رجال الحكم، كما ركز على معان باتت عرفا بعدما كانت فيما مضى جرائم وبينها حسب قول بطل الفيلم «الجشع» الذي بات ضرورة لتحقيق الربح وأصبح هناك جشع قانوني تفرضه المصالح.
أوليفر ستون لجأ إلى مقر وول ستريت نفسه لتصوير العديد من المشاهد الهامة في فيلمه كما تنقلت كاميراته بين عدد من المدن الأمريكية وصولا إلى العاصمة البريطانية لندن، وظهرت الكثير من التفاصيل الحديثة التي لم تظهر في الفيلم الأول وبينها قوة المستثمرين الصينيين والكوريين وحتى العرب وقدرتهم على ضخ أموال كفيلة بإنقاذ شركات أمريكية عملاقة.
ورغم بعض فترات الملل والحوار الطويل إلا أن الفيلم قدم نموذجا لطرح فكرة هامة تتعلق بمصير العالم في إطار علاقة رومانسية محببة بين شاب وفتاة تختلف طباعهما كليا فيما يخص النظرة المادية لكن يجمعهما الحب الذي ينتصر في النهاية على الطمع ولو في الظاهر فقط وليس بالشكل المطلق.
مايكل دوجلاس يدين لأوليفر ستون ولفيلم «وول ستريت» بأول جائزة أوسكار في حياته الفنية، لكنه هذه المرة ورغم أنه بات معلنا إصابته بالسرطان إلا أنه تفوق على نفسه وقدم شخصية في منتهى الصعوبة والدقة والخصوصية قدمها بسلاسة واحترافية ممثل مخضرم يدرك جيدا المطلوب منه في فيلم عن صفوة المجتمع الذين يضعون أيديهم في جيوب البسطاء عنوة للحصول على ما فيها لتزيد ثرواتهم.
أما شيا لابوف بطل سلسلة «ترانسفورمر» أو «المتحولون» وبطل الجزء الأخير من «إنديانا جونز» فهو تميمة الحظ للفيلم كونه ممثلا حساسا وموهوبا يتمتع بحضور طاغ وقبول جماهيري واسع زاد منه التعامل مع مخرج كبير يستطيع توجيه ممثليه ببساطة لإخراج أفضل ما لديهم، وهو الأمر نفسه الذي انطبق على «كاري موليجان» التي قدمت دورا مليئا بالمتناقضات والمشاهد الصعبة دون تكلف منها أو إدعاء.
في فيلم «المال لا ينام في وول ستريت» الشخصيات جميعها على خطأ لكنك تتعاطف مع الجميع عدا «جيمس بريتون» الذي جسد دوره «جوش برولين» باقتدار شديد، فبريتون نموذج للوصولي الجشع الذي لا يبالي بأقدار من حوله والذي يستغل الإعلام والشائعات لتدمير منافسيه، ورغم أن هذا كان سلوك «جوردون جيكو» في الجزء الأول إلا أن «بريتون» في الجزء الثاني كان أكثر شراسة من «جيكو» وبالتالي كانت مكاسبه أكبر بكثير.
ولا يمكننا أن نغفل في سردنا للشخصيات والأبطال اسمين كبيرين ظهرا كضيفي شرف تقريبا أولهما «فرانك لانجيلا» الذي جسد دور «لويس زيبل» رجل البورصة الأشهر والنجمة «سوزان ساراندون» التي جسدت عدة مشاهد قليلة في دور أم الشاب «جاك مور» التي تهوى المضاربة في مجال العقارات لكنها تخسر دائما وتعيش على الاقتراض من ابنها.
المقال على موقع المجلة
http://www.kuwaitmag.com/index.jsp?inc=5&id=2616&pid=172&version=29
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق