الجمعة، 25 أكتوبر 2013

أسامة درة يكتب: عام منذ "التحليق فوق الدين".. هل كان الإخوان السبب؟!




ماذا جرى؟
فاتت سنة، و مازال آلاف يقرءون مقالتي "التحليق فوق الدين" كل شهر رغم أني لا أحاول نشرها، هذا ما تقوله عدادات مدونتي
كتبتها و عرضتها على ثلاثة أصدقاء قبل أن أضعها على صفحتي (منهم "عمرو عزت" مسئول ملف الحريات الدينية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية)، فأشار اثنان بعدم إخراجها، و حاول الثالث أن يكون متحفظاً في نصحه لكني عرفت أنه متحمس لمعركة ما بعد النشر.
 وأطلقتُها يوم ٢٤/أكتوبر/٢٠١٢ و أنا أظن أني فريد، ففاجأني أنّ ما قلته فيها هو الدين الرسمي غير المعلن لطليعة الثورة الأولى (من أبناء الطبقة الوسطى الذين لديهم فائض مال و وقت و وصلة إنترنت و لهم اهتمام بالشأن العام و يرون بسهولة عورات النظام السياسي الأبوي، الذين كانوا في الشوارع قبل ٢٥/يناير)، و من لم يفرح منهم بكلامي علناً ابتسم و سكت، ناهيك عن المشاهير الذين راسلوني سراً يثنون على ما اعتبروها شجاعة مني و يتمنون التوفيق.
ثم نشَرَتها صحيفة واسعة الانتشار في عددها الأسبوعي، و ترجمتها أخرى للإنجليزية، ثم دعاني "محمد الدسوقي رشدي" (سكرتير عام تحرير "اليوم السابع"، و بلدياتي) لحلقة تليفزيونية بقناة سي بي سي مع خيري رمضان و ضيفه الشيخ أسامة الأزهري لمناقشتها، لكنّ خطة الحلقة تغيرت في آخر لحظة لأن الشيخ -الموصوف بـ "المتفتح"- طلب عدم حضوري ليردّ عليّ براحته، يبدو أنّ فضيلته يؤمن أنّ "الحق" لا ينتصر إلا بأن يُعرَض وحده في الاستوديو! (و لا أعرف دور معز مسعود هنا بالضبط، لأنه علم مني بمكالمة إعداد البرنامج، فحاول الاتصال بخيري لكنه لم يرد، فاتصل بالأزهري، و بعدها لم يعد شيء كما كان!)
و لم أفهم ما الذي أرادوه بمنع ظهوري يومها، و أنا بعد عامٍ كامل أسأل: هل ليّـنني الحجب؟ هل هداني أن قطعوا عني الشهرة التي خافوها عليّ و خافوني إذا نلتها؟ و هل منع هذا عن الفكرة زبائنها و مريديها؟ (و ما أكثرهم و ما أمهرهم في الوصول!).. ثم هؤلاء أهل "الاعتدال" حموا منطقهم بالكتم و الإخفاء، فما فضلهم على المتشددين؟

هل بقي من "الوسطية" شيء؟
كان هذا احتكاكاً هيّـناً بأهل "الوسطية"، لكن خلال السنة استمر سقوط رموزها، و كان آخرهم د. علي جمعة الذي قال لوزيري الدفاع و الداخلية: "اضرب في المليان"، و استدعى من نصوص الدين لغة عدوانية قبيحة و هو يصف مواطنين بأنهم "كلاب أهل النار" مبرراً قتلهم، ثم ختم بأنّ "هذه هي حلاوة الإسلام" (آه و الله قال كده!)، و أنا أفهم أن نقتل وفق القانون من نقدّر (تقديراً أرضياً يحتمل الصواب و الخطأ) أنه ضد مصالحنا و أمننا و لا يمكن دفع شره إلا بالقتل، لكنّ من يقول لنا أنّ الإله في السماء يريدنا أن نقتل خصمنا هو مجرمٌ معتوهٌ لا شك. (جديرٌ بالذكر أنّ من نتكلم عنه هو "سماحة" مفتي الديار المصرية السابق كبير كبراء "الوسطية" في البلد، و ليس الباشمهندس عبد المنعم الشحات و لا الأسطى عبد الله بدر)
و سبقه د. عبد المنعم أبو الفتوح الذي التحق سريعاً بطائفته الأولى في أزمتها الكبرى، و سمّى تدخل الجيش القسري "انقلاب"، و كأنّ "المنقَلَب عليه" كان ديمقراطية! و قد كان واضحاً منذ أصدر مرسي "الإعلان الدستوري" في ٢١/نوفمبر/٢٠١٢ أنّ عضو مكتب الإرشاد السابق يرضى بأن يشغل الهامش في وسط سياسي يهيمن عليه إخوانه في الجماعة (ذهب أيامها لأمريكا و لم يشاركنا الاحتجاج، و قال أنه سافر للعلاج!)، و لم تكن تزعجه صيحات "اغضب يا مرسي" -كما يبدو- لإحساسه أنه آمنٌ هو و أولاده من البطش إذا أتى، فصِلات القرابة و المصاهرة و الصداقة برموز النظام الحاكم وقتها تحميه لابد، بينما اختياراته و تصريحاته لا تحمي أحداً، و هو اليوم يتكلم بلغة محسوبة بعناية لئلا يبدو ضد هوى الناس و لئلا يخسر أصوات الإخوان و دوائرهم في أقرب انتخابات رياسة. (جديرٌ بالذكر أني كنت أُحسَب من تيار د. عبد المنعم قبل استقالتي من الإخوان، و له معيموقف داعم شهير كان  قصة صحفية في حينه، و أني أعطيته صوتي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو/٢٠١٢.. فلا عداوة هنا و لا هستيريا)
في مثل هذا الوقت قبل اثني عشر شهراً زاد عدد ما كُتِب رداً على مقالتي على خمس عشرة مقالة، كان أبرزها مقالة أسامة الأزهري على صفحته و مقالة عبد الرحمن يوسف في الشروق (التي لم يسمّني فيها، لكن جمعتني أنا و هو لاحقاً جلسة لطيفة ناقشنا فيها الأمر رتبها صديقنا "عبد المنعم إمام" الأمين العام لحزب العدل)، و كل الردود بلا استثناء اتكأت على معركة افتراضية بيني و بين مشايخ السلفية الذين ذكرتُ أحدهم في صيحتي الأولى، عندئذٍ كتبت لهم مقالة "ثورة دينية أو لا دين" أُرجِع فيها المشكلة لأصلها، و لئلا ينسى أحد دور "المعتدلين" و "الوسطيين" في القصة.

هل كان الإخوان السبب؟
و يحب كثيرون أن يُرجعوا "تعديل موقفي العقائدي" إلى انتمائي القديم للإخوان ثم جدالي الطويل معهم قبل الاستقالة من الجماعة و بعدها، و هو حق، لكنه يراد به غالباً باطل، فهم يريدون الإيحاء بأن المسألة "عِند"، أو "صدمة" أصابت الشاب المسكين -الذي هو أنا- فلم يفرّق بين الإسلام (الجميل) و الإخوان (الأشرار)، لكنّ هذه بلا شك فبركة.. لماذا؟
أولا: جماعة "الإخوان" بنت الإسلام، و ليست طفرة غير متوقعة (و إن كانت غير مرغوب فيها)، و هم كبرى جماعات التيار الإسلامي المعتدل في العالم، و هذا الوصف لم آت به من عند أمي، هذا ألف باء دنيا الإسلام السياسي، فلا هم التكفيريون (الذين يشنون حربا ضد كوكب الأرض) و لا هم السلفيون (المتحنطون الغارقون في التراث)، إنهم الشريحة المنسجمة مع عالمها من المسلمين الأصوليين، و الحقيقة أنّ ما فعلوه هو ألطف تطبيق ممكن للإسلام كما تقضي نصوصه (تخيل؟)، و كل من يتكلم عن "الإسلام البريء من الإخوان" فرداً كان أم تنظيماً لم يبذل معشار ما بذله الإخوان لإيصال الإسلام للحكم في البلاد ذات الأغلبية المسلمة، و غاية ما فعله أولئك هو الكتابة و الكلام عن الدين بدلا من تجريبه فعلا في حياة الناس (و يالها من تجربةٍ كانت!).
ثانيا: ملخص أيديولوجيا الإسلاميين أن "الإسلام يمكنه وحده إصلاح أخطاء العالم، إذا أضيفت إليه السلطة السياسية"، و بوصول مرسي للقصر أصبح ما سعى إليه كل إسلامي حركي واقعاً، و كان لابد أن نرى السماء تُنزل بركاتها الموعودة و الأرض تخضر و الناس تسعد، لكننا رأينا غير ما رجونا! فليس الذنب ذنبي، و لست أنا من يجلب الخراب لكل بلد يظهر فيها شعار "تطبيق الشريعة"!
ثالثا: لا مشكلة شخصية بيني و بين الإخوان، و لا أثر لعلاقتي سالفة الذكر بهم على تطور أفكاري إلا أثرهم العام الذي يسري عليّ و على غيري من مواطني مصر، فقد خرجت من الإخوان و قد أوصلتُ نفوذهم في حياتي إلى الصفر، و عزلت نفسي عن جدالاتهم و عن دعواتهم بالهداية (أو بالهلاك) و عن شائعاتهم عني (التي سمعتها متأخرا بعدما ماتت، كادعائهم أني "مخابرات"!)، و لما خرجت منهم احتضنني مجتمعي و أفسح لي في الصحف و التليفزيونات و سمعني بإنصات و أكبر موقفي و شجاعتي و أدبي، يعني حصلت على انتصاري مبكراً أكثر من مرة، فلا يوجد "تار بايت".
لذا على من يراني أخطأت أن يطوّر حجة غير التي أتاني بها أول مرة، و أعد بأن أسمعه حينها بإنصات، فالإخوان خَرْج الإسلام لا شك، و قد (كشفوا) ما كان كامناً و (لم يضيفوا) ما لم يكن موجوداً!

شعار المرحلة.. "الإسلام الحقيقي" هو الحل
و بهذا الانكشاف، بدأت موجة نقد الدين و هجره في النصف الثاني من العام ٢٠١٢، موجة عظمى دامت حتى نزع الجيش مرسي، كان ممكناً وقتها أن يجد الشاب في جريدة الصباح ما يخبره أنّ وراء هذا الخراب الذي يشرف على استدامته حكامنا الجدد سنداً عقائدياً، لكنه الآن يجد ما يوحي له أنّ إسلاماً ما (يوصف بـ "الوسطي"و "المستنير"، و يحافظ على النظام الاجتماعي، و لا يزعج النظام السياسي) يواجه إسلاماً ما (المفترض أنه "غير حقيقي"، و الدليل أنه يعطل مصالح!).
المعسكر الذي يغلب اليوم في البلد محافظ، و لا يختلف عن المعسكر المغلوب إلا في "طريقة استخدام للدين"، لكنّ الدين في الحالتين حاضر، فالجيش غير معنيّ بالثورة و لا بالتحديث، و لم يرد باقتحامه السياسة إلا حفظ "معادلة السلطة" القديمة التي عبث بها الإخوان بغير مهارة، و استصحب معه نسخة الدين الأزهرية منزوعة الشوكة، و هي نسخة كامنٌ بها كل الآراء التي أفزع الإخوان و السلفيون بها المجتمع (آه و الله) لكنها –و هذا سرها- قلما تقاوم السلطان!
حتى أني أجد شبهاً غير قليل بين "محمد بديع" و "عبد الفتاح السيسي"(!)، فكلاهما متدين، و كلاهما يبدي على لسانه ليونة مزيفة (ما ذنب النباتات/إنتو مش عارفين إنكو نور عينيا)، و يغطي استخدام الداخلية للقوة المميتة ضد مواطنين حفاظاً على هيبة الدولة (سجن بورسعيد المركزي/ميدان رابعة العدوية)، و يجد مسوّغاً دينياً لأفعاله (لكليهما مفتوه الخصوصيون)!
لكنّ الشبه سرعان ما يصبح مفارقة، فتدين السيسي عند متعاطف مع الإخوان بلا قيمة، و تدين بديع عند مواطن من الطبقة الوسطى تلقى تعليماً جامعياً يعيش بمدينة في دلتا النيل و يؤمن بالثورة أو يحب الجيش كذلك بلا قيمة، و إذا سألتني: أي التدينين هو الإسلام؟ أقول لك: الذي يعتنقه عدد أكبر، هكذا كان الأمر دوماً، التفسير الشائع للدين هو الدين.
لذلك كله، الراجح أن تنحسر موجة اليقظة برجوع الإسلام السياسي لجحره، فلن يكون عزو الأخطاء للدين نفسه سهلاً، لكنّ الناس كما لا يريدون أن يسمعوا التشكيك في صلاحية الدين و جدارته لا يريدون أن يروه مرةً اخرى في بؤرة المجال العام يحكم بنفسه، لذا العلمانية (بغير أن تُسمى علمانية) هي المستقبل، حيث يكون الدين في "ركن محترم" يلقي عظات عمومية و يعطي البركة و لا يشارك فعلاً، لكنّ هذا يلزمه نضال و انتباه مع كثير من مدح "الدين الحقيقي" (الذي يعرّفه ما اتفق الناس على أنه مصلحة، لا ما يقول الكتاب أنه صحيح).

لماذا أقول ما أقول؟.. غرضي الشخصي
بعد سنة قضيتها لا أشعر أنّ عليّ تبني البشاعات و السخافات و إعادة وصفها لتبدو أحلى، الآن أعرف أني أهتم بمصالح الناس على الأرض (و أنا منهم) أكثر مما أعتني بالحقيقة الدينية المدفونة في غابر الزمن أو المصونة في عالي السماء.
إنهم يتهمونني بأني بشر، و هو ما أؤكده لهم بلا خجل، لي حاجات و أغراض و شهوات و بنفسي تعقيدات و بحياتي تفاصيل، و كغيري من بني جنسي يتداخل في كل حركةٍ مني الذاتي و العام، المنفعي و الرسالي، المادي و المعنوي!
منذ تكلمت و هم يحومون حول مناطق معينة في شخصيتي يختبرونها ليرضوا افتراضاتهم عن سبب "ضلالي"، و أهمها الرغبة في (الشهرة - الجنس - المال - المثلية الجنسية)، و يمكنهم بمنتهى السماجة أن يجدوا دليلاً على ظنونهم (أو أمنياتهم) في تعليق أكتبه هنا أو صورة أنشرها هناك!
والحقيقة أن حياتي بشكل عام هادئة، واختياراتي تميل للتحفظ و الاحتشام أغلب الأحيان، و إن كنت -كما هي عادتي دائما- أجيد خرق النمط و ابتداع جديد و الذهاب إلى ما وراء الخطوط الحُمْر بجرأة بين حين و حين، و يصعب أن تتبين أن تغييرا ما جرى لي إلا من شعري الذي طال قليلا!
لقد كان الداعي النظري/الفكري للتحليق فوق الدين قوياً جداً، و قد عرضته في مقالاتي الأربعة، و قلت زيادات مهمة في حواراتي الشفهية مع أصدقاء لي، مشهورين و غير مشهورين، و قد حجبني عن تدوينها زهدي في مزيد الجدل و رغبتي في اختبار اختياري الجديد في حياتي دون أن يستهلكني ولع المتدينين بالمناظرات و الملاعنات و المساجلات.
و إن كنت أعلم أني -على الأرجح- استشرفت مصالح من وراء تعديل موقفي العقائدي، و لولاها لوقفت بجبن كما يقف ألوف الشباب محجوزين عن أن يعلنوا أو حتى يصارحوا أنفسهم بأنهم لم يعودوا مؤمنين بما اعتادوا أن يؤمنوا به، و يعتمدون تأويلات عجيبة لا يقرهم عليها أكثرية علماء دينهم و غاية ما يصلون إليه بها أن "الدين احتمال مايطلعش زي ما احنا حاسين، لو بس أخدنا بالتفسيرات دي"!

هل أنا مسلم؟
هل تصدقني لو قلت: "أنا مسلم" بينما أنا في بيئة معادية خطرة على غير المسلمين السنة الذكور؟ البلد الذي يُقتل فيه المسيحي لأنه ساند الإطاحة برئيس فاشل (لكنه إسلامي)، و الشيعي إذا نظّم اجتماعاً دينياً ما في بيت ما، و يُحرَم فيه البهائي من ذكر دينه في إثبات شخصيته، و لا يُذكَر فيه الملحد أصلاً (بينما نعلم اليوم أنّ الإلحاد و اللادينية و اللا أدرية اصبحت اختيارات جذابة للشباب في نطاق واسع) فإذا تكلم سُجِن أو قُتل، في بلد كهذا أيوثق في إفادة أحدٍ عن إيمانه الحقيقي؟!.. اضمن الحرية الدينية تحصل على مؤمنين حقيقيين و كفار حقيقيين


إلى أين؟
كنت عزمت منذ شهور أن أستنفد مزايا و مساوئ موقعي الحالي سنتين أراجع نفسي في نهايتهما، و ها قد مضت منهما سنة.




تابع أسامة درة على تويتر 





يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق