السبت، 28 ديسمبر 2013

الإمام محمد عبده: ماذا فعل محمد علي باشا الديكتاتور المستبد في مصر






 بتصرف: صافيناز كاظم

كثير من معلوماتنا عن التاريخ مغلوطة، بعضها مغلوط بشكل عفوي ومعظمها مغلوط بشكل مقصود، المعروف أن التاريخ يكتبه الحاكم أو المنتصر، وبالتالي فإن ما يتم تدوينه في كتب التاريخ يتم كتابته بشكل مقصود لتمجيد أو تبييض تاريخ الحاكم الذي يدفع لكتبة التاريخ.
كتب طاهر الطناحي في مقدمته لمذكرات الإمام محمد عبده: "حدث أن دعا بعض المنافقين للخديوي عباس والموالين للعائلة الخديوية في سنة 1902 إلى الإستعداد لإقامة إحتفالية بذكرى جده محمد علي، بمناسبة مرور مائة عام على حكمه في مايو 1905، فوجد الإمام محمد عبده في الإحتفال بهذه الذكرى تقديسا للإستبداد وأن يسجل على الأمة المصرية شرفا مزعوما وحكما مغصوبا كله أنانية وظلم واستبداد، فكتب مقالا في مجلة المنار سنة 1902 بعنوان (آثار محمد علي في مصر) جعلته في مقدمة هذه المذكرات.
مذكرات الإمام محمد عبده أعاد كتاب الهلال نشرها في مارس 1993، وفيها مايستحق أن ننعش به الذاكرة صدا وردا لكثير من المعلومات المغلوطة عن الإمام محمد عبده، التي تكاد تصوره علمانيا معاديا للشريعة الإسلامية، وتُحيي لنا رأيا ناقدا نستعين به في مواجهة المغرمين الجدد بالطاغية السفاح المشهور بلقب: باعث نهضة مصر الحديثة.
يقول الإمام فيما يقول: "خرجت عساكر نابليون وظهر محمد علي بالوسائل التي هيأها له القدر. كانت البلاد تنتظر أن يشرق نور مدنية يضئ لرؤساء الأحزاب طرقهم في سيرهم لبلوغ آمالهم، أو كانت البلاد تنتظر أن يأتي أمير عالم بصير فيضم العناصر الحية بعضها إلى بعض ويؤلف منها أمة تحكمها حكومة منها.
فما الذي صنعه محمد علي؟ 
لم يستطع أن يحيي ولكن استطاع أن يميت، استعان بالجيش وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه ثم يعود بقوة الجيش وبحزب آخر على من كان معه أولا وأعانه على الخصم الزائل فيمحقه، وهكذا حتى إذا سحقت الأحزاب القوية وجه عنايته إلى رؤساء البيوت الرفيعة فلم يدع منها رأسا يستتر فيه ضمير، وأجهز على ما بقى في البلاد من حياة أنفس بعض أفرادها، فلم يبق في البلاد رأسا يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه، أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان فهلك فيه.
أخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى.. حتى انحط الكرام وساد اللئام ولم يبق في البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة وعلى أي وجه فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأي وعزيمة واستقلال نفسي ليصيّر البلاد المصرية جميعها اقطاعا واحدا له ولأولاده، على أثر اقطاعات كثيرة كانت لأمراء عدة.
ماذا صنع بعد ذلك؟ إشرأبت نفسه لأن يكون ملكا غير تابع للسلطان العثماني فجعل من العدة لذلك أن يستعين بالأجانب من الأوروبيين فأوسع لهم من المجاملة وزاد في الإمتياز، خارجا عن حدود المعاهدات المنعقدة بينهم وبين الدولة العثمانية، حتى صار كل صعلوك منهم، لم يكن يملك قوت يومه، ملكا من الملوك في بلادنا يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل، وصغرت نفوس الأهالي بين أيدي الأجانب بقوة الحاكم وتمتع الأجنبي بحقوق الوطني التي حرم منها وانقلب الوطني غريبا في داره غير مطمئن في قراره فاجتمع على سلطان البلاد المصرية ذلان:
1ــ ذل ضربته الحكومة الإستبدادية المطلقة.
2ــ وذل سامه الأجنبي إياه إلى ما يريده منهم غير واقف عند حد أو مردود إلى شريعة.
 نعم عني محمد علي بالطب؛ لأجل الجيش والكشف على المجني عليهم في بعض الأحيان عندما يراد إيقاع الظلم بمتهم! وعنى بالهندسة لأجل الري حتى يدبر مياه النيل بعض التدبير ليستغل إقطاعه الكبير.
هل فكر يوما في إصلاح اللغة: عربية أو تركية أو أرنئودية؟ هل فكر في بناء التربية على قاعدة من الدين أو الأدب؟ هل خطر في باله أن يجعل للأهالي رأيا في الحكومة في عاصمة البلاد أو أمهات الأقاليم؟ هل توجهت نفسه لوضع حكومة قانونية منظمة يقام بها الشرع ويستقر العدل؟
أين البيوت المصرية التي أقيمت في عهده على قواعد التربية الحسنة؟ أين البيوت المصرية التي كان لها القدم السابقة في إدارة حكومة أو سياستها أو سياسة جندها، مع كثرة ما كان في مصر من البيوت رفيعة العماد ثابتة الأوتاد؟
أرسل جماعة من طلاب العلم إلى أوروبا ليتعلموا فيها فهل أطلق لهم الحرية أن يبثوا في البلاد ما استفادوا؟ كلا! ولكنه اتخذهم آلات تصنع له ما يريد وليس لها إرادة فيما تصنع، وظهر بعض الأطباء الممتازين، وهم قليل، وظهر بعض المهندسين الماهرين، وهم ليسوا بكثير، والسبب في ذلك أن محمد علي ومن معه لم يكن فيهم طبيب ولا مهندس فاحتاجوا إلى بعض المصريين، وكان ذلك مما لا تخشى عاقبته على المستبدين! 
ترجمت كتب كثيرة في فنون شتى من التاريخ والفلسفة والأدب ولكن هذه الكتب أودعت في المخازن من يوم طبعت وأغلقت عليها الأبواب إلى أواخر عهد إسماعيل وهذا يدلنا على أنها ترجمت برغبة بعض الرؤساء من الأوروبيين الذين أرادوا نشر آدابهم في البلاد.
هل كانت له مدرسة لتعليم الفنون الحربية؟ أين هي؟ 
هل علّم المصريين حب التجنيد؟ لا! بل علمهم الهرب منها بعد أن كانوا ينتظمون في أحزاب الأمراء ويحاربون لا يبالون بالموت أيام حكم المماليك.
ليقل لنا أنصار الإستبداد كم كان في الجيش من المصريين الذين بلغوا في رتب الجندية إلى رتبة البكباشي على الأقل؟ فما أثر ذلك في حياة المصريين؟ أثر كله شر في شر.
ظهر ذلك حينما جاء الإنجليز لإخماد ثورة عرابي، دخل الإنجليز مصر بأسهل ما يدخل دامر على قوم، ثم استقروا ولم توجد في البلاد قوة تثبت لهم أن في البلاد من يحامي على استقلالها، وهو ضد ما رأيناه عند دخول الفرنسيين إلى مصر وبهذا رأينا الفرق بين الحياة الأولى والموت الأخير.
أى دين كان دعامة لسلطان محمد علي؟ دين تحصيل الضرائب بالقوة والظلم؟ دين الكرباج؟ دين من لا دين له إلا ما يهواه ويريده؟ فليقل لنا أحد من الناس أى عمل من أعماله ظهرت فيه رائحة للدين الإسلامي الجليل؟
أخذ ماكان للمساجد من الرزق وأبدلها بشئ من النقد يسمى "رزنامة" لا يساوي جزءا من الألف من ايرادها، وأخذ من أوقاف الجامع الأزهر ما لو بقى له اليوم لكانت غلته لا تقل عن نصف مليون في السنة وقرر له بدل ذلك ما يساوي نحو أربعة آلاف جنيه في السنة.
قصارى أمره في الدين أنه كان يستميل بعض العلماء بالخُلَعْ أو إجلاسهم على الموائد؛ لينفي من يريد منهم إذا اقتضت الحال ذلك، وأفاضل العلماء كانوا عليه في سخط ماتوا عليه. 
الخلاصة.. كان محمد علي مستبدا ماهرا، لمصر قاهرا، ولحياتها الحقيقية مُعدِما، وكل مانراه فيها مما يسمى حياة فهو من أثر غيره!".
 


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق