الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

"الكتاب الأسود" للإعلام في تونس.. بداية طريق صحيح رغم الإنتقادات





رصد خاص:
فاجأني صدور "الكتاب الأسود" للإعلاميين والصحفيين في الشقيقة تونس كما فاجأ كثيرون حول العالم، لم يكن مبعث المفاجأة هو صدور الكتاب وإنما صدوره عن مؤسسة الرئاسة في تونس.
الكتاب الأسود للإعلام كان ضرورة ملحة في تونس كما في كل الدول المماثلة وعلى رأسها مصر، فما جرى وما يجري في تونس على يد الإعلاميين والصحفيين كان يجري ولازال يجري في مصر وغيرها الكثير من دول العالم التي حكمها ويحكمها مجرمون وطغاة، وما أكثر هؤلاء الطغاة الذين يحكمون بلادهم بالنار والحديد والإعلام.
مبعث المفاجأة أن تتصدى رئاسة الجمهورية التونسية لإصدار الكتاب بنفسها في دليل واضح على الدور الخطير الذي يلعبه هذا القطاع في الفساد والظلم، ليس فقط الفساد المالي والسياسي وإنما الأخطر هو دور الإعلام في إفساد البشر وتمييع الشعوب والتسفيه من مطالب الناس ودحر عقول وأحلام أجيال من البشر وصولا إلى منعهم حتى من المطالبة بأبسط حقوقهم الإنسانية في الحياة الكريمة والفرص المتساوية.
لم يكن عندي أدنى شك في أن الكتاب سيمثل صدمة لكثيرين في تونس وغيرها من دول العالم المكبوتة، صدمة من ظنو أن مجدهم الذي أزالته الثوارات بين عشية وضحاها بات عائدا ويطرق الأبواب، صدمة من تحول ولاءهم ونفاقهم للنظام البائد إلى النظام الجديد حرصا على البقاء تحت دائرة الضوء ومواصلة الكسب الحرام، صدمة من ظنو أنهم مناضلون ضد النظام الجديد الذي أسقط أنظمتهم البائدة.
لا يعنيني في كثير أو قليل ما يقال عن الكتاب الأسود من انتقادات أو ما يعتريه من نقائص أو توازنات، وربما أيضا بعض المظالم التي يضمها والتجاوزات التي وقع فيها، نتحدث عن بداية فضح منظومة فاسدة متشعبة، ليست في تونس وحدها وإنما تمتد أذرعها "وفق تعبير الفريق السيسي الشهير في التسريبات" إلى عديد من دول العالم.
يعنيني في المقام الاول أن الكتاب خطوة أولى لهدم تابوهات مسكوت عنها وبداية صراع بين فاسدين سابقين يتهمون سلطة قائمة بالفساد، ويهمني أن يكون الصراع علنيا حتى ينكشف الجميع، بغض النظر عن النتيجة أو هوية المنتصر أو المهزوم.
مئات من الأسماء الإعلامية الفاسدة يضمها الكتاب بين دفتيه، لا خلاف على أنهم فاسدون، كانو ولا زالو، ومئات أخرين تجاهلهم، ربما نقصا أو تعمدا، لكنها بداية موفقة لاشك أنه سيتبعها المزيد من الخطوات لكشف المزيد من الملفات في تونس وفي مصر وفي سوريا وفي كل البلدان العربية التي عانت طويلا من هؤلاء الكاذبين والمنافقين.
ربما تكون الخطوات القادمة من جهات غير رسمية وأشخاص، وربما تكون حكومية أيضا، حيث أن الشائع حاليا وعلى لسان شخصيات رسمية تونسية أن كتابا أسودا جديدا يتم التجهيز لإصداره حول أساتذة الجامعات الموالين لبن علي.
هذا أيضا ليس بالأمر الهام، المهم أن تظهر الحقيقة، أو للدقة بعض الحقيقة، لأن الحقائق هي الحل الوحيد لاستمرار وبقاء الثورات وعدم عودة الفساد والديكتاتورية.
 ليس الكتاب التونسي الأسود أول كتاب أسود يعرفه العالم فقد عرفنا سابقا العديد من الكتب السوداء في أنحاء العالم، وأذكر منها في مصر "الكتاب الأسود" الذي أصدره مكرم عبيد باشا بعد خروجه من الوزارة الوفدية لفضح الفساد فيها في أربعينيات القرن الماضي، ثم كتابا أسود لعصر مبارك، وكتابا أسود لعصر مرسي، لكن الأشهر كتبا سوداء صدرت في روسيا الستالينية وألمانيا النازية و"الكتاب الأسود للرأسمالية وغيرها.
تعالو نستعرض معا جزءا من تعليقات الشخصيات والكتاب والمؤسسات التونسية على الكتاب، وبعضها غالي في الهجوم، وبعضها الأخر غالي في التمجيد، لكن الحقيقة أن الكتاب مثل حجرا كبيرا ألقي في بركة منتنة فأحدث ضجيجا وصخبا لن ينتهي قريبا وسيتبعه الكثير من الجدل الموازي، وكلها أمور صحية جدا في أيامنا هذه التي يختلط فيها الحق بالباطل والفاسدون بالشرفاء.
عسى ألا تضيع الحقائق...


الإعلامي سمير الوافي على صفحته الرسمية على موقع التواصل الإجتماعي الفايسبوك عن رأيه في الكتاب الأسود الذي تم تسريبه من رئاسة الجمهورية حول منظومة الفساد الإعلامي. "وجدت فيه حقائق صادمة عن فساد الاعلام والمرتزقة وصفقات سماسرة الصحافة, وعلى البريء والمظلوم أن يثبت" براءته بالقضاء أو بالوسائل المناسبة والحجج" الدامغة... ولكن صفحات الكتاب انتهت قبل أن تنته قائمة المتورطين والمتواطئين مع نظام بن علي.. فقد تجاهل الكتاب وتناسى مثلا وثائق أعرف أنها موجودة ومتأكد أنها بين يدي مؤلفيه... وهي تخص أسماء من الترويكا الحاكمة صاروا الآن مسؤولين وفاعلين كبار في الدولة وضواحيها...أين رسائلهم لبن علي في المناسبات وغير المناسبات...رسائل تتودد اليه وتتقرب منه وتعرض المصالحة وتقترح التسوية وتساوم وتفاوض؟ نعم هي وثائق متوفرة في أرشيف القصر وفي قاع الخابية الغارقة... وفيها حقائق موثقة تحجز مكانا لهؤلاء بين صفحات الكتاب الأسود... وبعض جماعة القصر الرئاسي يفهمون قصدي.. لذلك أسأل بالحاح: أين اختفت ولماذا تستروا عليها.. أم سيتم كشفها آجلا بتوقيت المصالح؟ أين تلك الرسائل والوثائق وأين الحديث عنها حتى تتحقق النزاهة في تأليف الكتاب دون ضغط المصالح وضغوطات السياسة وضوابط التحزب ونزعة الانتقام؟.


الأمين العام لحركة وفاء عبد الرؤوف العيادي: تحية لرئيس الجمهورية المنصف المرزوقي لمبادرته ونشره الكتاب الأسود.. تونس في حاجة لكتب سوداء للحديث عن الفترة المظلمة  وكشف الحقائق وأدعوكم إلى نشر الأرشيف قبل الوصول للانتخابات للوقوف على الأدوار التي لعبتها بعض الشخصيات سابقا. وأطالب  بالمحاسبة لأن المنظومة السابقة عادت لمنع كشف الحقائق.


هندة شناوي في موقع "المدن": انفجرت قنبلة الكتاب الأسود بعنوانه الكامل "منظومة الدعاية تحت حكم بن علي: الكتاب الأسود"، والذي كانت "قناة المتوسط" (تلفزيون خاص معروف بقربه من حركة "النهضة") أعلنت صدوره الأسبوع الماضي وأعدّته دائرة الإعلام برئاسة الجمهورية المؤقتة. وقد أحدث الكتاب جدلاً كبيراً في الأوساط الإعلامية والسياسية. 
إعتمد فريق دائرة الإعلام برئاسة الجمهورية على الأرشيف الذي وجده في القصر الرئاسي لنشر محتويات "الكتاب الأسود". وأشارت مقدمة الكتاب بأن الأرشيف لم يكن كاملاً، وأن الفريق لا يملك صورة دقيقة عن حجم الملفات التي أتلفت قبل تولي المنصف المرزوقي الرئاسة في يناير 2011. وقد توالت التعليقات والاتهامات والانتقادات حول الكتاب، بل بدأت قبل نشره. وحذرت نقابة الصحافيين التونسيين، في بيان صحافي، من التوظيف السياسي، خصوصاً أن الرئاسة لم تلجأ في صياغتها للكتاب إلى "إشراف قضائي يعتمد الوثائق والقرائن ويمكّن المتورطين من حق الدفاع عن أنفسهم وفقاً للمعايير الدولية المعمول بها في إطار العدالة الإنتقالية وفي مختلف الديموقراطيات" حسبما ورد في البيان.
وقبل خروج الكتاب، بدأت بالفعل المزايدات الحزبية. فكان أول من استخدم "الكتاب الأسود" لدرء ماضيه المظلم، الصحافي صالح عطية، وهو المعروف سابقاً بمقالاته المشوهة للمعارضة في عهد زين العابدين بن علي، والذي أطل علينا الأسبوع الماضي عبر "قناة المتوسط"، للاحتفال بكشف الكتاب لحقائق لم تشمل إجرامه ضد التونسيين طيلة سنوات. وقد تناسى "الكتاب الأسود" كذلك العديد من الأسماء التي تواطأت مع النظام السابق بطريقة مفضوحة. ومن الغريب أن تكون هذه الأسماء بالذات ناشطة حالياً لحساب الحكومة الحالية، تطبّل لها كما فعلت مع سابقاتها. واحتفظ الكتاب بالصحافيين المعادين للنظام أو أولئك الذين لم يعد لهم تأثير في الوسط الإعلامي والسياسي.
أثبتت الرئاسة، من خلال تسريب "الكتاب الأسود" عبر صالح عطية، بأن الغرض من فضح الفساد الإعلامي ليس المحاسبة العادلة وإصلاح منظومة الإعلام، إنما تصفية حسابات لا تخدم مصلحة المواطنين في شيء. وبالرغم من تأكيد الرئاسة غايتها في "وصف وتحليل نظام الإعلام والدعاية في عهد الديكتاتورية"، بعيداً من "التشفي والانتقام والانتقاء"، فإن نية المرزوقي تلميع صورته عبر الكتاب كانت واضحة. إذ خصّ الرئيس المؤقت نفسه بجزء كامل، يصفه بأنه "أبرز من قاوم الديكتاتورية رغم التضييق الأمني والضغوط القضائية والحملات الإعلامية التشهيرية التي استهدفته"، متناسياً خصومه السياسيين مثل الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمّة الهمامي، وهو أحد رموز المعارضة التونسية وأمضى سنوات في السجون التونسية. إضافة إلى أحمد نجيب الشابي، رئيس حزب معارض، وقام بالعديد من التحركات والاحتجاجات في عهد بن علي خصوصاً في ما يتعلق بتزوير الانتخابات لمصلحة الرئيس المخلوع. وغاب العديد من المعارضين عن الكتاب، أو ذكروا عرضاً ما أنقص من قيمة "الوثيقة" ومصداقيتها لدى التونسيين المطّلعين على التاريخ السياسي والإعلامي للبلاد. وبالتالي، فقد أكد هذا الكتاب إتهامات العديد من الصحافيين لرئيس الجمهورية المؤقت، باستعمال نفوذه لتوليف حملة انتخابية مبكرة. وإلا فالسؤال المطروح هنا: لماذا الآن؟ ولماذا كشف الماضي بهذه الطريقة؟


المدون عزيز إمامي: "لن أنكر دور الإعلام والپروپاجاندا في تجهيل وتسطيح وعي وثقافة أجيال كاملة من التونسيين. ولن أنكر وجوب محاسبة ومعاقبة العديدين من هذا القطاع. لكن ليس للأسباب المذكورة في الكتاب الأسود. فبقياس الضرر، وهو ما أعتبره المعيار الأولي في المحاسبة والعقاب، ليس المتهجمون ولا المطبّلون لبن علي وملمّعي صورة نظامه في الخارج، أصحاب أكبر قدر مسؤولية لأكبر ضرر. بعضهم مذكور، لكن ليس بسبب ما أحدثوه من ضرر للعموم. الضرر الحقيقي هو مقالات تفتقر لأدنى أبجديات الكتابة بالعربية الفصحى. الضرر الحقيقي هو تدعيم “القص واللصق”، إلى أن أصبحت تونس غائبة عن سوق الصحافة العربية، وهي البلاد ذات التاريخ العريق في هذا المجال. الضرر الحقيقي هو كل أولئك الشباب الذين درسوا الصحافة وأجبروا على أكل التراب، وبتر مواهبهم للإنصهار في جرائد عليك أن تصمت وتأكل ما تيسر فيها. متسببو هذا الضرر رؤساء تحرير، ومديرو نشر، استقووا برتبهم في حزب التجمع حينا، وبصداقاتهم حينا وبأموالهم حينا آخر.
متى فتحنا ملف الإعلام، فأولى أن نفتحه على من خدم بن علي الفكرة، لا بن علي الشخص. فمن خدم بن علي الشخص بطريقة مباشرة، أمره محسوم مسبقا. فمهما حاول قوجة، أو صالح عطية، أو بهلول، أو غيرهم، فإن أسماءهم قد علقت بالذاكرة الوطنية كطحانة زمن بن علي. من يسمعهم الآن هو من لم يعد يفرد لماضيهم هذا نفس القدر في تقييمه. وذاك خيار شخصي. لكن المصداقية قد تم سحبها منهم. وأتوقع أن لا يتسع هذا الكتاب لذكر العديد من الطحانة، وأولئك من تم السهو، أو التساهي، عن ذكرهم، هم من سيتم دفعهم بأكثر سرعة نحو سور التشهير العلني.
ما يزعجني أكثر مما ذكرت آنفا (وهو مجرد توصيف سياسي)، هو البعد الأعمق. وهو مقياس الضرر المعتمد الآن رسميا.
هذا الكتاب الأسود، هو الأول من نوعه الذي يجرد “قائمة عار”، وبصفة رسمية.. هو أول محاكمة رمزية تحاكم فيها الدولة التونسية رسميا إحدى حقباتها، منذ زمن الحسينيين. لم يحاسب بورقيبة الإستعمار بصفة رسمية، بل حاسب اليوسفيين (خارج الدولة)، وخلال محاكمة بن صالح، حاكم بورقيبة (ممثل الدولة الأعلى) من اعتبره خائنا للدولة ومندسا متآمرا فيها. فيمكن اعتبار هذا الكتاب بمثابة أول محاكمة رمزية تقوم بها الدولة. بهذا المغزى، يصير لسلم الأولويات في قياس الضرر أهمية كبرى، لأنه انعكاس للرؤية السياسية الأولية للماسك بالحكم.
إذن، أول من يتعرض للمحاسبة، هو الإعلام. الوجوه الناطقة. أي أن الماسكين بزمام الدولة الآن يعتبرون الناطقين أيام بن علي وهم المتسببون بأكبر درجة من الضرر. الفقر، والتهميش، وانتهاش قدرات الأراضي التونسية واستنزافها حسب أجندات مصالح مالية، واختراقات حقوق الإنسان في التعامل مع المواطنين (من العامل اليومي المتعرض للإيقاف للإستظهار بأوراقه للقيادي المعارض المهدد في سلامته الجسدية)، والديون المتخلدة بذمة أجيال من التونسيين، والتجهيل والتفقير الثقافي والعلمي والتربوي، فهل أن أهم متسبب بالضرر في كل هذا هم الإعلاميون؟ إلا إن كان تشخيصنا للضرر غير متطابق.
الكتاب وقف وراءه العديدون من مختلف مؤسسات الدولة ومن الأحزاب الماسكة بزمام حكومتها ومجلسها. أول محاكمة رمزية، وقائمة عار رسمية تقدمها الدولة للمواطنين، لا تمس إحدى مكونات سلطها الثلاث، بل تمس السلطة الرابعة الخارجة من زمامها “صوريا” في السابق، والتي تحاول الخروج بعنف الآن. السلطة الوحيدة التي يضمن تعريفها تباعدا على السلطة، مما يعطيها مكانة وموقعا يجنح له المواطن في مواجهته الدائمة مع الدولة. المحاكمة الرمزية الأولى (وشخصيا أتوقع أن تكون الأخيرة، ما لم يتوفر مقدار من الجرأة يوما ما) لا تستهدف الداخلية، بالقيادات والمنفذين، ولا تستهدف القضاة، فاتحي أبواب السجن أمام من لم يقدر على الدفع، ولا تستهدف المنظومة الإدارية المتعفنة، ولا تستهدف المنظومة البنكية، ولا تستهدف رجال الأعمال الفاسدين وأموالهم المتداخلة وتلاعباتهم القانونية، ولا تستهدف المتوالين على وزارات التربية والتعليم العالي، ولا تستهدف الولاة والمعتمدين اللذين عاثوا في الأرض فسادا، وكلهم مرتبطون عضويا بمنظومة الدولة. المحاكمة الرمزية الأولى تستهدف القطاع الوحيد دون ارتباط عضوي مباشر بمنظومة الدولة. أي أننا، في خضم هاته الثورة (وليسمها كل كما يشاء)، لازلنا لم نصل بعد إلى مرحلة تحاسب فيها الدولة نفسها على أخطائها السابقة. ومادامت الدولة (عن طريق مسيريها وماسكي زمامها) لم تقدر بعد على محاسبة نفسها، فهي لن تكون قادرة على النظر للمشاكل الحقيقية وطرق السبل لمواجهتها. ومثل هاته المسائل، لن يحلها حوار وطني.


وردا على ورود اسمها ضمن "الكتاب الأسود" الذي قيل فيه أنها تلقت دورات لتلميع صورة بن علي كتبت الكاتبة ألفة يوسف على صفحتها الرسمية على الفيسبوك تتحدى فيه رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي باللهجة العامية التونسية "أن تكون بيوعا أبا عن جد، فهذا أمر نعرفه جميعا، ويكفي أن نرى بناء قاعدة أمريكية وانتهاك سيادة البلاد في زمنك الأسود.. ولكننا نكتشف اليوم أنك كاذب، تتهم بلا بينة وتلفق تهما، وليتها كانت كذلك بلا دليل.. تدعي صفحات كتابك الأسود أو ما كتب على حواشيها الافتراضية أني تلقيت دورات لتلميع صورة بن علي، وأتحداك أن تأتي بدليل واحد على ذلك، بورقة أو حتى شاهد عيان واحد عما تقول.. ليس لأني أستحي من تلميع صورة بن علي، فيا ليتني لمعت صورته لأنه مهما تكن أخطاؤه أرجل منك ألف مرة، ولكن لأني لا أحب الكذب". وقالت أيضا "أتحداك أن تأتي بدليل واحد، لا أتحدث عن ورقة مطبوعة يمكن أن يكتبها أي احد الآن، أتحدث عن مهمة رسمية أو تذكرة سفر او محاضرة بالمعنى الذي تقول.. أنا لا اكذب، ولا أخافك لا أنت ولا كلابك المسعورة".


وكتب نزار بولحية في القدس العربي "والصحيفة بالمناسبة ورد اسمها ضمن قائمة الصحف المتواطة مع نظام بن علي": نقابة الصحافيين من جانبها سارعت على الفور الى اصدار بيان شديد اللهجة عبرت فيه عن خشيتها من امكان استعمال المعطيات الواردة بالكتاب لغاية ما وصفته ‘بتصفية الحسابات، فيما هدد بعض الصحافيين الذين وردت اسماؤهم ضمن قائمة المطبلين باللجوء الى القضاء. اما الاصوات القليلة التي رحبت فتلاشت وسط سيل جارف من الانتقادات الحادة التي قابل بها معظم المنتسبين لصاحبة الجلالة خطوة وصفوها بالعدائية من جانب الرئاسة.
المفارقة هنا هي ان نفس نقابة الصحافيين كانت حتى عهد قريب توجه اتهاماتها للحكومة بالتقاعس في كشف القائمة السوداء للصحافيين المتورطين في الدعاية لنظام المخلوع، فيما كانت السلطات تتفادى فتح الملف وتحاول ارسال اشارات متتالية على انه ليس ضمن جدول اولوياتها في هذه المرحلة على الاقل، بل إن وزير الداخلية في حكومة الترويكا الاولى صرح للصحافيين في تشرين الاول/اكتوبر 2012 على هامش جلسة مساءلة في المجلس التأسيسي بأنه لا يملك قائمة سوداء للصحافيين، وان المسألة تهم الامن القومي وعلى غاية من الخطورة.
لا يخرج الامر في ظل المخاطر والتقلبات التي يمر بها الانتقال الديمقراطي في تونس عن احتمالين اثنين: الاول ان يكون الحدث مجرد مناورة ذكية محسوبة الاخراج والتوقيت، اراد بها الرئيس المرزوقي خلط الاوراق واحراج حليفه الاكبر حركة النهضة، في ظل ما يتردد، من حين الى اخر،عن وجود صفقة تطبخ على نار هادئة للوصول الى صيغة تفضي الى نوع من تقاسم السلطة بينها وبين الفلول، مما قد يعقد في حال حصوله وضع الرئيس ويجعله على المحك وينسف بالتالي حظوظه في ولاية جديدة بعد الانتخابات المفترضة او حتى قبلها. ومتى صح ذلك فهو يعني ايضا ان ملف الفلول الشائك والمعقد لن يذهب نحو ما هو ابعد، اي الى طور محاسبة بات الحديث عنها يتضاءل باستمرار وسط ارتفاع اصوات المنادين بالوفاق الوطني، والجمود الحاصل في قانون العدالة الانتقالية الذي بقي مركونا منذ اشهر طويلة على رفوف المجلس التأسيسي وليس باستطاعة احد حتى الان ان يعرف متى سيتم عرضه على التصويت.
الخطورة في ان يظل الامر مقتصرا على مجرد التشهير بصحافيين او اعلاميين او كتاب عملوا ضمن منظومة الفساد، من دون اتخاذ اجراءات قضائية او ادارية بحق المتورطين منهم، سوف يقدمهم كضحايا جدد لتصفية حسابات، كما ورد في بيان نقابة الصحافيين، وعلى ان كل ما يحدث بحقهم هو مجرد نزوة عابرة قادت السلطات الحاكمة حاليا للانتقام من خصومها، من دون ان تلتفت الى معايير العدالة والانصاف، او تكون غايتها من وراء كل ذلك هي الاصلاح.
في مثل هذه الفرضية الاولى يتحول ما يبدو للوهلة الاولى قصفا ثوريا باهرا الى نيران صديقة قد تأتي على الثورة وتصيبها في مقتل، بسبب سوء الاستخدام او الاختيار الخاطئ لارض المعركة وتوقيتها.
أما الاحتمال الثاني لما يمكن ان يكون وراء الظهور المفاجئ للكتاب الاسود الان، فهو الرغبة المتأخرة في وضع حد للهجمة المضادة للفلول وكشف جزء من تاريخ مأساوي مظلم تجري عليه عمليات تجميل فائقة الدقة لطمس ما علق به من قبح وفساد، واعادة تقديمه في ثوب المنقذ الوحيد للبلد مما تردى اليه من صعوبات ظرفية.
العملية بهذا المعنى تشبه الى حد كبير محاولة فتح عش للدبابير، من دون اخذ التحوطات الضرورية او من دون القدرة الفعلية على اختراقه بالكامل، لان مجرد معرفة اسماء بعض الضالعين في منظومة الاستبداد لا تكفي لتفكيكها او القضاء عليها. والصعوبة التي تقف حائلا دون ذلك هي تشعب تلك المنظومة وتداخلها بشكل تام مع هياكل الدولة الى حد ان محاولة استئصالها النهائي وبشكل غير مدروس قد يهدد وحدة البلد ويضعه امام مخاطر اضافية خطيرة.


الفاهم بوكدوس، رئيس مركز تونس لحرية الصحافة: الكتاب الأسود الذي نشره الرئيس المنصف المرزوقي مؤخرا هو دعوة ضمنية للإرهابيين لاغتيال الإعلاميين والصحفيين بحجة تورطهم في الفساد ابان حكم بن علي.
إن الهيئات الإعلامية التونسية ستعمل على تشكيل لجنة مختصة ومستقلة للتحقيق في مضمون الكتاب الأسود الذي يتهم فيه المرزوقي بعض الإعلاميين بالعمل على تحسين صورة النظام السابق مقابل فوائد مادية.
وعبر بوكدوس الذي يعتبر من بين أبرز الصحفيين المناهضين لحكم بن علي السابق وحكم النهضة الحالي عن استغرابه من عدم إشراك نقابة الصحفيين في إعطاء ملاحظات على الكتاب قبل نشره بطرق غير قانونية.


هادي يحمد: أخطر ما في كتاب  المرزوقي الأسود، فضلا عن كونه انتقاما سياسيا من الاعلاميين، انه يمكن ان يعرض حيات العديد منهم للخطر. وبما أن المرزوقي استعار تسمية الكتاب الاسود من المرحلة النازية فبالتأكيد ان خصومه يمكن أن يستعيروا مصطلح “قائمة شيندلر” وهي قائمة اليهود التي وضعتها سلطات النازي لاعتقالهم ولقتلهم والاعتداء على كرامتهم وحرماتهم.
لن تحتاج التنظيمات الارهابية الى تسطير قائمات الاغتيال القادمة. للاسف رئاسة الجمهورية والمطبعة الرسمية قامتا بالواجب. القائمة جاهزة لمن يريد ان يقوم بالتصفيات وعمليات الاغتيال. ألم يفكر مستشارو المرزوقي في هذا الفرضية لحظة واحدة ؟!
نعم تونس تحتاج لعدالة انتقالية لن يكون كتاب المروزقي مدخلها. لم يكن  كتاب المرزوقي الا تشهيرا ودعوة ضمنية للتعرض والاعتداء على الاسماء الواردة فيه من قبل جمهور من المتطرفين الذين لا ينتظرون الا الضوء الاخضر للقيام بهذه المهمة. بعض المتطرفين الدينيين في بلادنا يملكون المسوغ الديني والفتاوى لارتكاب الجرائم وهاهم مع كتاب المرزوقي يتحصلون على الفتوى السياسية للمضي قدما في تنفيذ جرائمهم.

لقد تحصلوا على الضوء الاخضر هذه المرة من رئاسة الجمهورية والتي كانت تمثل طوال تاريخ البلاد مصدر السلطات والكلمة الفصل.





يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق